موت الجنة

قراءة في فيلم “الغاضبون” للمخرج توني جاتليف

الأقصر-رامي عبد الرازق

في عام 2012 عرض في افتتاح الدورة الرابعة عشر لمهرجان سالونيك الدولي للأفلام التسجيلية الفيلم الفرنسي”الغاضبون” للمخرج الفرنسي من أصل جزائري توني جاتليف والمستوحى من كتاب المفكر الفرنسي الكبير”ستيفان هيسل” وقتها كانت اليونان في ذروة الاحتقان الشعبي والمظاهرات المحتجة على سياسة التقشف التي فرضها الأتحاد الأوربي على الدولة المتعثرة, ومن اليونان اشتعل فتيل الأزمة في اكثر من دولة اوروبية وكان الربيع العربي آنذاك لا يزال مفعوله في شاشات الأذهان التي تابعت الأنتفاضات العربية المتوالية ضد الفساد السياسي والتردي الحضاري.
وسط الأجواء الأنفعالية وقتها بدا الفيلم وكأنه احتفاء بالأنتفاضة الغربية ضد الرأسمالية في حين أن المتعمق في قراءة دلالات الفيلم واشارته يكتشف أنه اقرب لضحكة ساخرة من الانف تتهكم على تلك المظاهرات وتتنبأ بأنها لن تغير شئ لأن الأزمة اكبر من مجرد القرارات الأقتصادية والمشاكل المالية ولكنها ازمة حضارية متجذرة في اوروبا كلها.
من هنا تأتي أهمية اعادة عرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الثانية(15-24 مارس) وذلك بعد عام كامل من عرضه الأول وكأنه تأكيدا على كونه نبوءة تحققت ونظرة سودواوية لعالم لا يتغير بالكلمات الساخطة.
جاء الفيلم ضمن 18 فيلما هم مجموع افلام المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة بالمهرجان والذي لا تصنف لائحته الأفلام على اساس النوع ولكن على اساس المدة الزمنية وقد حصد جائزة احسن فيلم التونسي”مانموتش” للمخرج نوري بو زيد بينما حصلت مصر على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلم”الخروج للنهار” إخراج هالة لطفي في اولى تجاربها.

توني جاتليف

كائن فيلمي
الوقوف على التصنيف النوعي لاي فيلم هو أولى مفاتيح قراءته رغم رفض العديد من النقاد لفكرة النوعية, صحيح ان ثمة افلام تستعصى على التصنيف النوعي خاصة مع تعدد الأنواع بداخلها بل واحتقارها لفكرة النوع من الأساس إلا أن تحديد النوع يشبه في كثير من الأحيان تحديد جنس المولود.
هنا نحن امام كائن فيلمي وهو ليس تصنيف معترف به نوعيا لكنه اقرب للتوصيف, فجاتليف لا يرتكن إلى شكل سينمائي محدد أو صارم, يتعامل داخل اطار الصورة بحرية تكاد تكون اقرب للفوضى الخلاقة أو الأصرار على دمج المتغير بالثابت والطازج بالنمطي وما بعد الحداثي بالكلاسيكي والتاريخي في نفس الوقت.
يعرف الناقد الفرنسي أولييفه بارلييه في ورشة النقد التي اقيمت على هامش مهرجان الأقصر والتي كان فيلم الغاضبون احد الأفلام التي تناولتها بالدراسة, يعرف الفيلم على أنه “مقال سينمائي يميل للتجريببة” ولكننا اميل لمصطلح”الكائن الفيلمي” نظرا لانه يحتوي على اشارة لوجود روح حية بالفيلم ونمو واضح ومطرد رغم امتلائه بالأكلاشيهات التي تحد من بريقه.

شاطئ الجنة
الموت هو بوابة الجنة, كيف ندخل الجنة دون أن نموت! يأخذنا جاتليف في المشهد الأول من فيلمه لتوصيف ساخر لفكرة الموت من أجل دخول الجنة, عبر البحر والغرق تصل المهاجرة الغير شرعية السمراء, واللون والوصف هما ما يحددان الأبعاد الأساسية للشخصية الوحيدة المؤلفة بالفيلم, والتي نتصور في البداية أنها البطلة-بالمفهوم الكلاسيكي-ولكننا ندرك مع استطراد الأحداث انها مجرد متفرجة مثلنا ولكنها تشاهد الفيلم من داخله.
الجنة المقصودة في المشهد هي اوروبا اما الموت فنراه متلخصا في لقطة طويلة تتابع عدد كبير من الأحذية مختلف الأشكال والماركات يلقيها اليم بالساحل, أحذية ميتة هي أخر ما تبقى من اصحابها المهاجرين الغير شرعيين الذي يلقون بأنفسهم في الجنوب إلى البحر علهم يصلون إلى جنة الشمال اوروبا.
هنا تتجلى اولى اساليب الفيلم التعبيرية , المجاز البصري واللقطة الطويلة المشحونة بدلالات كثيرة نابعة من موتيفة واحدة لكنها شديدة القوة والحضور.
عندما تصل الفتاة إلى الشاطئ تجري سريعا عبر حقول ذهبية واسعة تريد أن تهرب من  رصدها عبر خفر السواحل او حراس الشاطئ, لقطات واسعة لجريها وسط الحقول وصوت لهاثها المضطرب الخائف والغير واثق حتى الان من بلوغها”الجنة”يحتل شريط الصوت, اخيرا تسقط ارضا وتغطيها اعواد الشعير الذهبية واشعة الشمس التي تضوي في قوة.
أهمية المشهد الأول في اي فيلم هو انه يمثل غالبا اما الكود الذي يفك شفرة الصور الفيلمية اللاحقة له بأكملها او الفخ الذي ينصبه صانع الفيلم للمتلقي كي يستدرجه إلى افكاره, كأن يضع أحدهم صورة في ذاكرتك كلما تقدمت في رحلتك تعددت تأويلاتها واختلفت زوايا النظر إليها عبر تفاصيل الرحلة خطوة بعد خطوة.

الكاميرا العليمة ونصف المتلقي
في الفصل الأول من الفيلم أذا ما كان ثمة فصل أول بالمعنى الكلاسيكي يستخدم جاتليف الرمز والمجاز في شكلهم الحداثي ويضعنا أمام تصوره الخاص عن المهاجرة السمراء, تستعرض لنا الكاميرا في لقطات ثابتة اماكن كثيرة في العاصمة اليونانية حيث يقبع ويسكن وينام ويلتحف الفضاء المهاجرين الغير شرعيين, اننا لا نراهم في الكادر ولكننا نستوعب تفاصيلهم المتمثلة في اماكن النوم ومستلزمات حياة الشوارع وغياب المآوي في توازي فكري وبصري مع فكرة الأحذية الميتة الملقاة على الشاطئ.
ويزيد المخرج على ذلك بأن يكتب على الشاشة اسم كل شخص فوق موضع نومه بالأضافة إلى عمره, لنكتشف اننا امام شعوب بأكملها تتراوح اعمارها ما بين العام والسبعين عاما, يكثف لنا الأسم سواء كان عربيا أو فارسيا او لاتينيا أو اسيويا طبيعة الجنسيات المهاجرة ويكتمل التجسيد بذكر العمر كي ندرك في تلك اللقطات المجازية حجم مآساة الهجرة الغير شرعية, والتي تصورها سينما الأكلاشية على انها مجرد هجرة من شباب يريدون المال والنساء والحرية في اوروبا.
ونتوقف هنا لنتساءل, من الذي يستعرض تلك الأماكن ولمن؟
 من هو المرسل ومن هو المستقبل!

في الحقيقة فأن وجهة النظر الذاتية التي ترصد بها الصورة شرائح المهاجرين ليست وجهة نظر المهاجرة السمراء لسبب بسيط وهو أن المعلومات الواردة على الشاشة هي معلومات من المستحيل أن تكن على دراية بها, انها معلومات”الكاميرا العليمة”والتي توازي الراوي العليم في الرواية, أما المُستقبل فأنها المهاجرة السمراء نفسها والتي تلخص نموذج المهاجرين الغير شرعيين من وجهة نظر المخرج.
نلاحظ أنها”سوداء”افريقية بكل ما يحمله”السواد”من دلالات الجنوب والعبودية والفقر وبقايا الكولونيالية وتوحش الرأسمالية, وهي لا ترتدي سوى ملابس واحدة طوال الفيلم رغم مرور الأيام وخروجها من بلد لبلد ليس فقط لانها مهاجرة فقيرة ولكن لأنها في مستواها التجريدي نصف انسان نصف متلقي.
هنا تكمن تحديدا أحد ازمات الفيلم, فالفيلم الجيد هو ما يمنح مساحة للمشاهد كي يباشر فيها حرية التلقي على حد قول سارتر وكلما اتسعت المساحة دون اغتراب او عدم فهم كلما وجد المشاهد نفسه في حالة تعاطي مستمر مع افكار الصورة وعمقها, ولكن جاتليف هنا يقرر أن يختصر جزء من المساحة المتفرض منها للمشاهد لكي يختص بها المهاجرة السمراء, فكأنه لا يرينا فقط ما ترصده عدسته أو يعتمل في ذهنه ولكنه يشركها معنا ايضا في تلك الرؤية, فهي اذن نصف المتلقين في الفيلم ونحن النصف الأخر.
عند هذه النقطة يمكن أن ندرك لماذا اصابتنا تلك الفتاة بالتشوش, لماذا لم نشعر أن لها دور حقيقي سواء في رصد الاحداث أو التعاطي معها! لماذا شعرنا انه من السهل الأستغناء عنها دون ان تؤثر على تفاصيل الفيلم؟ لانها باختصار ليست شخصية بداخله بل هي متلقي مثلنا كل ميزتها أنها حاضرة امام الكاميرا وليس خلفها.

ثعلب ايزنشتاين
 بعد أن يفرغ جاتليف من عرض نظرته حول المهاجرين الغير شرعيين ينتقل في الفصل الثاني من فيلمه إلى الازمة الحقيقية التي يريد أن يتحدث عنها أو المقدمة المنطقية بلغة الدراما الكلاسيكية والتي يمكن أن نطلق عليها أزمة”موت الجنة”.
فأوربا من وجهة نظر جاتليف لم تعد هي الجنة التي يسعى إلى بلوغها بالموت –كما في المشهد الأول- انه عالم يعاني من حالة ابوكاليبسية فاضحة(انيهار العالم كما نعرفه), يبدأها المخرج بمشهد تلصص المهاجرة على راقصة فلامنكو غجرية تضرب الأرض بقوة وسط قصاصات كثيرة ملونة من الورق تتساقط حولها في بيئة كرنفالية غريبة, يركز المخرج في شريط الصوت على ضربات الراقصة فوق ارضية الرقص الخشبية وعلى ملامحها الصارمة وحركاتها العنيفة المتقنة, ثم ينتقل إلى المظاهرات التي هزت اليونان عقب اعلان خطة التقشف والأعتراضات الشعبية التي تتخذ من الغناء والرقص والموسيقى الحماسية اطار لها.
هذا الأنتقال هو بداية ظهور اسلوب المونتاج الذهني او التكنيك الكلاسيكي المعروف الذي اسس له المخرج الروسي الكبير سيرجي ايزنشتاين والذي يختلف تماما عن الأسلوب الشعري أو الرمزي المكثف والمتجسد داخل اللقطة الذي بدأ به المخرج فيلمه.
يقول الباحث السينمائي ممدوح شلبي في مقاله عن ايزنشتاين منهجة واسلوبه والمنشور في الموقع المصري عين على السينما(اسس أيزنشتاين اسلوب مونتاج جديد، ذلك المعروف باسم المونتاج الذهنى او الدعائى او التحريضى، وهو الاسلوب الذى يقول بضرورة الاختيار القصدى للقطات بمعزل عن سياق الحدث، ضمن خلق كل ما من شأنه احداث التأثير النفسى فى ابلغ صوره) ويدلل الباحث على هذا الاسلوب بمثال من أعمال ايزنشتاين(فى فيلم “اضراب” الذى يعيد تجسيد عملية القمع التى مارسها جنود مدينة سار على المضربين، مزج ايزنشتاين بين لقطات للعمال يتساقطون تحت نيران المدافع وبين لقطات لذبح الخراف فى المذبح)
 هنا قام توني جاتليف بعملية مونتاج متوازي بين رقصات الغجرية وبين المظاهرات التي هزت اوروبا- ولا ننس ما للغجر من دلالات لها علاقة بالخروج عن المألوف والمعتاد والقاعدة-
ثم يستمر المخرج في هذا الاسلوب فيقدم لنا مشهدا –مدرسيا- حول ثعلب يدخل إلى عشة فراخ فيلتهم احداها, ويخرج من المشهد على المظاهرات التي تندد بالرأسمالية والازمة الأقتصادية وهكذا.
هنا تتجلي أيضا ثاني مشكلات الفيلم وهو ان التعبير عن الثورة او الاحتجاج عبر استخدام شكل كلاسيكي يفقدنا الشعور ببهجة السرد الطازج وقوته, والسؤال هو : ما الذي يدفع المخرج للعودة إلى هذا الأسلوب في فيلمه/كائنه السينمائي؟؟
هل هي رغبة في اشعار المتفرج أن ثمة حالة ارتداد إلى الوراء وانهيار للحضارة الغربية عبر اعادة إنتاج نفس الأسباب التي ادت قبل قرن كامل إلى انهيار دول واختلال موازيين القوى والحروب العالمية!!
هل هي تلك النظرة التشاؤمية التي تحدثنا عنها حول لا جدوي ما حدث وأن الرأسمالية والفساد الأقتصادي لا سبيل للخروج منهم بالمظاهرات الراقصة والأغاني الحماسية وبالتالي يقدم المخرج ذلك بشكل كلاسيكي/مدرسي على اعتبار أنه امر واضح وبديهي ولكن لا أحد يريد أن يتقبله!!
ثمة قراءات متعددة لأستخدام أسلوب المونتاج الأيزنتشتايني ولكنها بلا شك لا تمثل نقطة قوة في صالح الفيلم, خاصة مع الطول النسبي لمشاهد المظاهرات ثم اعادة تأويلها مونتاجيا عبر استخدام احالات مصورة كما ذكرنا في مشهد الثعلب وعشة الفراخ.

موت الجنة

يجب ان ننبه إلى أن الفيلم تم تصويره من داخل المظاهرات التي شهدتها اوروبا خلال عام 2011 اي ان اغلب المادة التي ظهرت على الشاشة هي مادة وثائقية بحتة لكن المخرج يضيف لها عنصر”موكيومنتري”اي وجود عنصر تمثيلي داخل السياق الوثائقي وهي الفتاة السمراء, وفي خروج عن السياق الذي ارتسمه لها كمشاهدة للاحداث يقدم جاتليف مشهد شديد الدلالة فكريا وسياسيا ليخدم به فكرته الأساسية عن”موت الجنة”حين يجعل تلك الفتاة اثناء أحد المظاهرات في البرتغال تمد يدها بتفاحة- ونلاحظ هنا دلالة التفاح وارتباطه بفكره الخروج من الجنة- إلى احد المتظاهرات الشابات في مظاهرة راقصة.
في هذا المشهد أكثر من دلالة واضحة, أولها ان المهاجرة هي التي تعطي التفاحة للمواطنة ساكنة البلاد وليس العكس, العطف هنا والتعاضد يأتي بشكل عكسي تماما من الوافد للمقيم وليس من المقيم للوافد لأن المقيم صار بحكم الأزمة والأنهيار تماما كالوافد في بطالته وحلمه بالأفضل الذي لا يتحقق.
ان المهاجرة السمراء تقضم من التفاحة ثم تعطيها للفتاة ثم تشاركها الهتاف الراقص دون أن تعي اللغة ولكنها تجد نفسها مضطرة إلى ذلك كي تصبح جزء من واقع هذا البلد وتلك الجنة.
لقد حاولت أن تتعايش كمهاجرة تبيع الماء بثمن بخس من أجل لقيمات قليلة لكن لم يجد هذا في بلاد اعلنت افلاسها وفقد الآلاف موارد رزقهم, فما كان منها إلا أن قررت أن تندمج وسط المظاهرات للمطالبة بتحسين احوال”الجنة” كي تعيش حلمها بعد أن اكتشفت زيف الواقع وموت الأمل.

تحذير أخير
يختم جاتليف فيلمه بمشاهد واسعة لمدينة تحت الأنشاء خالية تماما من البشر, ومشاهد المدن الخالية من البشر هي اشهر مشاهد تيمة الأبوكاليبس(نهاية العالم),ان تتابع المشاهد منذ اشتراك المهاجرة السمراء في المظاهرات والذي يبدو بارقة أمل من أجل التغيير أو الأفضل ثم اتباعها بمشاهد المدن الخالية ثم المهاجرة السمراء تسير فيها بمفردها يقودنا إلى تلك الذروة العدمية التي يريد بنا أن نصل لها, في لقطة واسعة تجلس الفتاة تحت احد رسوم الجرافيتي المكتوبة بخط عريض ومفادها أن الاوهام والزيف اصبحوا هم المسيطرين على العالم, تجلس الفتاة اسفل تلك الجملة يائسة وكأنها ادركت الأن فقط أن ما هربت منه في بلادها لم تجد حالا افضل منه هنا.
لا ننس أن المخرج وباستخدام المونتاج المتوازي خلال الفيلم لم يخف علينا نظرته التشاؤمية خاصة انه عقب كل مشهد من مشاهد المظاهرات كان يقدم لنا رسمة الجرافيتي الشهيرة لملاك الأمل الذي يضع وجهه بين يديه يائسا, وكأنه يقول لنا لا تسعدوا بتلك الأحتجاجات ولا تأملوا من ورائها التغيير فحتى ملاك الأمل اصابه اليأس لأنه أدرك اللاجدوي التي تنتظر حماسة الجميع.
في المشهد الأخير وبعد ان تركن الفتاة إلى النوم في أحد الأماكن الخالية في المدينة التي تحت الأنشاء وبينما هي تردد في ذهنها عبر شريط الصوت”ان كل شئ سوف يكون على ما يرام” تنطلق صفارات الأنذار لتعلن عن اغلاق الموقع, وفي لقطة واضحة الدلالة بالكادر الواسع تغلق بوابة سلكية ضخمة منفذ الخروج امام الفتاة لتجد نفسها محبوسة داخل قفص كبير تطرق الباب بشدة ولا من مجيب, وتستمر الطرقات عالية قوية, مصحوبة بجملة الفتاة بأن كل شئ سوف يكون على ما يرام.
ولكننا لا نعد نراها بل ينتهي الفيلم على المدينة وهي خالية من البشر وقد تحولت إلى قفص كبير احتجزت فيه الفتاة التي جاءت مهاجرة من أجل أن تتحرر فوجدت نفسها في سجن جديد فالجنة صارت خالية وتحولت إلى قفص هائل لا سبيل للفكاك منه بينما الجملة التي ترددها الفتاة يعيد المخرج تكرارها وكأنه يسخر منها! فكيف بعد كل ما رأيتيه بعينيك خلال تجوالك في اوروبا يمكن أن تعتقدي ان كل شئ سوف يكون على ما يرام! لقد سعيت إلى الفخ بقدميكِ وها أنت تدركين أن الجنة ماتت وأن الأمل أنتهى.
يبق فقط أن نربط الجملة الأخيرة التي تقولها الفتاة بتلك التي تبدأ بها خطابها إلى ذويها واهلها في بلدها الجنوبية البعيدة بمجرد أن تطأ اقدامها الشاطئ في بداية الفيلم, وهي تجري وسط الحقول نسمعها تكتب ذلك الخطاب إلى اهلها وحين ندرك عبر الفيلم أنها ليست البطلة بل مشاهدة مثلنا ندرك أن هذا الخطاب موجة من المخرج إلى كل من هم على شاكله الفتاة من المهاجرين الحالمين بجنة اوروبا, انه يحذرهم من القدوم إلى هذا العالم الذي ينهار ولم يعد فيه أمل ولا فردوس أرضي أو سماوي.    

  


إعلان