دليل السينما العربية، والعالمية
القراءة من كلّ الاتجاهات
صلاح سرميني ـ باريس
منهجياَ، يتكوّن “دليل السينما العربية، والعالمية” لمُؤلفه السينمائي اللبناني “محمد رُضا” من أربعة فصول :
ـ تياراتٌ، وتحقيقات.
ـ السينما العربية.
ـ السينما العالمية.

ـ المُفكرة.
يفتتحُ الناقد الفصل الأول بقراءةٍ مُركزة، وصادمة تحت عنوان “عامٌ في السينما العربية، وقائع سينما مهددة”، لا ينقصها التشاؤم :
“لو عمدنا إلى نزع القناع الذي وضعه بعض صانعي السينما، والمشتركين في التهليل لكلّ جديدٍ جانباً، لبدت السينما العربية على حقيقتها العارية : تجارب في السينما أكثر منها السينما ذاتها، ومع أنّ بعض النقاد يُغدق في تفاؤله مستنجداً بحسنات أفلام قليلة، إلا أنّ السينما ليست الأفلام، والأفلام ليست السينما، هذا التفريق الغائب بين الناحيتين، كفيل بتفسير سبب من أسباب سوء الفهم الذي يقع فيه هذا البعض، بالإضافة إلى هؤلاء، هناك الذين يكتبون محيّين سينما في بلد واحد معرضين عن البلد الآخر، وهذا حسب موقعه على خارطة المصالح، في الحصيلة، لغط كبير يتخذ غالباً صفة الدعاية، ويتصف بلغة الطمأنينة، ويهدف إلى تصوير نهاية سعيدة، تشبه تلك التي غلفت معظم أفلام هوليوود الثلاثينات.
الوقع أن السينما العربية أبعد ما تكون عن الوضع الجيد، نعم، هناك أفلام جيدة من هنا، وهناك، لكن، بضع أيام ماطرة لا يعني أنّ فصل الشتاء قد أزف”.
مع حدوث “ثورات الربيع” ـ وهنا يضع الناقد الكلمتيّن بين قوسين، وكأنه يُشير ضمنياً، أو ظاهرياً إلى عدم اقتناعه بها.
هو أكثر تشاؤماً، ويُلخص هذه الحالة بكلماتٍ مُركزة.
“يزداد الأمر تعقيداً في تلك الجمهوريات التي أفرزتها :

ـ في ليبيا، لا يوجد سينما كي تظهر، أو تختفي.
ـ في سوريا، الوضع المؤسف لحربٍ طويلة لا تترك مجالاً للتنفس في غير مضمار الاقتتال.
ـ في تونس، العجلة تدور بطيئة (حفنة أفلام تسجيلية، وروائية بعضها بُوشر به قبل المتغيرات).
ـ في مصر، صناعتها مهددة بمزيدٍ من الصعاب في ظلّ الجنوح المتطرف للحركات الدينية على الرغم من الوعود بتعزيزها.
ونسيّ الناقد ما حدث في اليمن، السودان، والعراق الذي لم يكشف بعد عن تغييّراتٍ كمية، أو نوعية ماعدا تلك الأفلام المُنجزة في الجانب الكرديّ.
لا يرتبط الناقد “محمد رُضا” بأيّ علاقة مصالح مع المشهد السينمائي في دول الخليج، وهو الأكثر خبرة بها، يُصرّح، بدون الوقوع في فخّ دعايةً مجانية، بأنّ مؤشرات التفاؤل تأتي من الخليج، وخاصةً الإمارات العربية المتحدة.
في الحقيقة، لم يعدّ المشهد السمعيّ/البصريّ في هذه المنطقة يحتاج إلى اقتناء أيّ اعترافٍ، ويؤكد إجماعٌ عامّ حالة مُتطورة تخطت جغرافيتها المحلية، وأصبحت دعماً حقيقياً للسينمائيين العرب أينما تواجدوا في بلادهم، أو خارجها.
وإذا راجعنا الكتابات الأولى عن “مسابقة أفلام من الإمارات”، سوف نجدها فاقدة الصلاحية، ومناقضة تماماً لكتاباتٍ حالية لنفس الصحفيين، أو النقاد، وهذا يعني، بأنّ الذين اقتنعوا بتلك المُبادرة كانوا يمتلكون رؤية سينمائية أصيلة، حقيقية، ومستقبلية تخطت زمنياً 12 سنة تقريباً أولئك الذي وجدوا فيها عبثاً، وترفاً، وحالة مصطنعة، وزائلة.
القراءة التي كتبها الناقد تحت عنوانٍ شامل “عامٌ في السينما العالمية”، هي، في الحقيقة، تخصّ السينما الأمريكية حصراً، ويمكن تجاوز هذا التحديد الجغرافي إذا علمنا بأنّ الناقد يتابع السينما الأمريكية التي تسيطر على الصالات التجارية في كلّ أنحاء العالم، ونعرف بأنه قادر ـ إذا أراد ـ على جمع معلوماتٍ عن عموم السينمات العالمية.
ولكن، يبدو بأنّ تقريره عن مهرجانات السينما العربية 2012 منقوصاً، حيث اكتفى بالبعض منها، وتفادى الحديث عن أخرى.
وعندما يتساءل:
ـ هل حققت المهرجانات العربية في الدول الغربية طموحاتها ؟
يشير إلى مهرجاناتٍ معينة، ويُغفل أخرى، وأجد هذا السؤال الكبير يحتاج إلى قراءةٍ لاحقة، ومُعمّقة من طرف كلّ المعنيّين بهذا الموضوع.
لقد اختار المؤلف العنوان “دليل السينما العربية، والعالمية”، ولكننا لن نعثر على معلومات عموم الأفلام العربيّة، والأجنبيّة التي تمّ إنتاجها في عام 2012، بينما العنوان “كتاب السينما” هو الأنسب، لأنه يتضمّن تلك التي شاهدها الناقد نفسه خلال فترة محددة.
وفي تقريره عن “المهرجانات العربية، رفاق، ومتنافسون”، يشير إلى أكثر المهرجانات العربية شهرةً، ويُسجل جوائزها، هناك مهرجانات تابعها بنفسه، وأخرى قرأ عنها، وأعتقد، بأنّ “دليلاً ما” يجب أن يتضمن كلّ المهرجانات العربية التي انعقدت خلال عام، أو على الأقلّ، يُدرجها وُفق تاريخ انعقادها.

في القراءة التالية عن المهرجانات الدولية، يشير أيضاً إلى دزينةٍ منها، ورُبما كان من الأفضل أن يتحدث عن تلك التي تابعها بنفسه.
وأتساءل : هل هناك ضرورة من إدراج جوائز المناسبات العالمية، وأعياد السينما بعد شهور من معرفة نتائجها، وهي متوفرة دائماً في صفحات الأنترنت ؟
في كتاب عن السينما، رُبما يُفضل الأغلبية قراءة دراساتٍ نوعية كما حال ما تضمنه الكتاب:
ـ ترانس مالك، رحلة المخرج في وجدانيات أبطاله.
ـ هاري بوتر، استعادة لثمانية أفلام من فانتازيا السحر الأسود.
ـ خمسون سنة على جيمس بوند.
بينما أجد فصل “السينما العربية” الأكثر هشاشةً في الكتاب، حيث يتضمّن ملاحظاتٍ لم تصل إلى مستوى تلك القراءات التي خصصها للأفلام الأجنبية.
لقد شاهد الناقد ما توفر له من الأفلام العربية في مناسباتٍ محددة، مهرجانات مثل : دبي، أبو ظبي، كان، برلين، وفينسيا، …وتبدو الأفلام قليلة العدد (31 فيلما روائياً طويلاً، 18 فيلماً تسجيلياً، و15 فيلماً روائياً قصيراً).
بينما وصلت حصيلة مشاهداته من السينما العالمية إلى (186 فيلماً روائياً طويلاً، 10 أفلام تسجيلية، و8 أفلام رسوم متحركة)، وكانت تقاريره عنها أكثر تحليلاً، دقة، واهتماماً.
في الفصل الرابع “المًفكرة”، وتحت عنوان “شاشات الأمس”، كتب الناقد ملاحظات عن أفلام عربية، وأجنبية شاهدها خلال عام 2012 ، وعلى حدّ علمي، هو يشاهد أفلاماً أكثر بكثير لم نجدها في هذه “المفكرة” التي احتوت على 11 فيلماً طويلاً فقط، وأتساءل مرةً أخرى : ألم يشاهدها، وكتب عنها سابقاً ؟
ولا أجد جدوى من إدراج قائمة بإصدارات أفلام في أقراص مدمجة، وتخصيص بعض الصفحات لها، أما تلك التي اختار لها عنوان “الوداع الطويل، العرب، والأجانب”، فقد وجدتها نهاية كئيبة.
في هذا الدليل/الكتاب ينتقل المؤلف من قراءةٍ عن السينما العربية، إلى أخرى عن السينما العالمية، يتبعها تقارير تتضمّن معلوماتٍ خبرية/توثيقية تجاوزها الكتاب، ويمنح القارئ المتخصص الانطباع بأنّ المؤلف يتعامل مع مطبوعته كدليل، كتاب، ومجلة…
على سبيل المثال، لن يعود القارئ إلى الكتاب لمعرفة جوائز المهرجانات، وسوف يتوجه مباشرة إلى محركات البحث في الأنترنت كي يحصل عليها فوراً بدون معاناة البحث في مكتبته الورقية.

ويتماشى تقريره عن المهرجانات العربية في الدول الغربية مع خطةٍ تحريرية لمجلة شهرية، أو موقع متخصص.
أعتقد ـ ورُبما أكون مخطئاً ـ بأنّ الدليل/الكتاب يبدأ مع الدراسات التي تضمّنها، والمُشار إليها أعلاه.
ويمكن إزاحة تقرير “عامٌ في السينما العربية” كي يصبح مقدمة الفصل الثاني “السينما العربية”، وبالمقابل، يمكن نقل تقرير “عامٌ في السينما العالمية”، ويصبح مقدمة الفصل الثالث “السينما العالمية”، بينما يمكن وضع تقرير “المهرجانات العربية..” في ملحقٍ خاصّ نهاية الدليل/الكتاب، يلحقها تقرير “هل حققت المهرجانات العربية في الدول الغربية طموحاتها”، وجوائز المهرجانات، وأيّ تقرير توثيقيّ آخر..
ومع ذلك، كلّ هذه الملاحظات التقنية لا تعني شيئاً، ولا تُفقد الكتاب/الدليل أهدافه، طموحاته وأهميته، وأعترف بأنني قرأته بطريقةٍ عشوائية متغاضياً عن تسلسل صفحاته، تما كما يمكن النظر إلى بلورة زجاجية من جميع الاتجاهات.