التاريخ المنسيّ للممثلات الهنديات اليهوديات

تقديم، وترجمة
صلاح سرميني ـ باريس

نمتلكُ جميعاً، بنسبةٍ أقلّ، أو أكثر، معلوماتٍ مُقتضبة، أو مُسهبة عن السينما الهندية، ويقترنُ بها مصطلح بوليوود مثل علامة مسجلة، يشمل كلّ الأفلام الناطقة باللغة الهندية تحديداً، والمُعتمدة على عناصر درامية، وسينمائية يمكن أن تتكرر من فيلمٍ إلى آخر بتنويعاتٍ مختلفة.
كما نعرف أيضاً، بأنّ عدد سكان الهند يتخطى اليوم أكثر من 1.2 مليار نسمة، واللغات الرسمية هي الهندية، والإنكليزية بالإضافة إلى 21 لغة أخرى إقليمية، و12 محلية (غير رسمية)، بدون نسيان الفرنسية (في مدينة بونديشيري)، والبرتغالية (في مدينة غووا).
ويعتنق الهنود دياناتٍ متعددة، ومنها الهندوسية (80 بالمئة)، الإسلامية (ما بين 13.4 و16 بالمئة)، المسيحية (2.3 بالمئة)، السيخية (2 بالمئة)، ودياناتٍ أخرى (1.9 بالمئة).
وتتوضح هذه المُعتقدات من خلال الشخصيات، كما تُعتبر الطقوس الدينية واحدةً من المُكوّنات الدرامية للأفلام الهندية.
وأتوقعُ، بأنّ الجمهور الهنديّ لا يعرف، ولا يهمّه أن يعرف، ديانات الممثلين، والممثلات بعد أن حوّلهم بإرادته إلى أنصاف آلهة.
ولكن، ماهو مجهولٌ تماماً في السينما الهندية، وتمّ الكشف عنه مؤخراً عن طريق السينمائيّ الأوسترالي “داني بن موشيه” هو الديانة اليهودية لبعض روّادها، وقد حصلتُ على هذه المعلومة الجديدة من خلال البحث عن معلوماتٍ تخصّ أحد الأفلام النادرة في تاريخ السينما الهندية، وهو “يهودي”(Yahudi) من إنتاج عام 1958 للمخرج الأشهر “بيمال رويّ”، والفيلم مقتبسٌ بدوره، كعادة الكثير من الأفلام الهندية، عن فيلمٍ بعنوان “إبنة اليهودي”(Yahudi Ki Ladki) من إنتاج عام 1933، وإخراج “بريمانكور أتورتي”(هناك فيلمٌ آخر بنفس العنوان من إنتاج عام 1957، وإخراج “س.د.نارانغ”، ولا أعرف حتى الآن ماهي علاقته بالفيلميّن السابقيّن).
وبناءً على هذا الإكتشاف المُتأخر، يطفو في الأذهان تساؤلاتٍ عن حضور الديانة اليهودية في شبه القارة الهندية، وبدون عناءٍ، تقدم لنا “موسوعة ويكيبيديا” معلوماتٍ مفيدة.
وهكذا، يتبيّن بأنّ تاريح اليهود في الهند يغطي ثلاث مجموعاتٍ يصل تعدادها إلى 6000 نسمة (إحصاء عام 1997)، تعيش كلّ واحدةٍ منها في منطقةٍ جغرافية محددة تماماً :
ـ الأولى تسكن في مدينة “كوشين” جنوب شبه القارة الهندية.

داني بن موشيه

ـ الثانية “بني إسرائيل”، تقطن في ضواحي بومباي.
ـ الثالثة “بغدادي”(من أصولٍ بغدادية)، تتوزع في مناطق حول مدينتيّ كالكوتا، وبومباي.
بدورها، تنقسم المجموعة التي تسكن في مدينة “كوشين” إلى مجموعتين : اليهود السود، واليهود البيض.
ويُعتبر اليهود السود، وتلك المُسمّاة “بني إسرائيل” الأقدم تاريخياً.
هناك أيضاً مجموعتان أعلنتا عن يهوديتهما هما :
ـ “بني ميناشي” التي يعود أصولها إلى قبيلة “ماناسيه”، تتحدث لغة “ميزو”، وتعيش في “مانيبور”، و”ميزورام”، وقد أعلنت عن يهوديتها في عام 1950.
ـ “بني إبراهيم”، أو اليهود التلغو، وهي مجموعة صغيرة تتحدث لغة التلغو، وبدأت ملاحظة يهوديتها منذ عام 1981.
ومن مقالةٍ كتبها “هيندوب غياتسو بوتيا” بالإنكليزية، وترجمها “آلان غرانات” إلى الفرنسية أستعير بعض التوضيحات :
حتى نهاية العشرينيّات، كان من الصعب التفكير بمُشاركة النساء في تمثيل فيلم ما، حيث كانت السينما في ذلك الوقت نشاطاً لا يليق بأيّ إمرأة “فاضلة”، وكان الممثلون الرجال فترة السينما الهندية الصامتة يمثلون أدوار النساء، يحلقون شواربهم، ويرتدون الساري،.. وتدريجياً، بدأت بعض النساء يظهرن في بوليوود، ولكن، لم تكن هندوسيات، أو مسلمات، وإنما يهوديات.
في الفيلم التسجيلي “شالوم بوليوود” يقتفي المخرج الأوسترالي “داني بن موشيه” تاريخ اليهود الذين ساهموا في تطوير الصناعة السينمائية الهندية.
ومع أنها كانت مجموعة ضئيلة العدد إلا أنّ النساء منها شغلن صدارة المُلصقات الدعائية لفترةٍ طويلة في الأفلام الجماهيرية الهندية.
يوضح المخرج، بأنّ العائلات اليهودية التي عاشت في الهند كانت متحررة، ومع بشرتهنّ البيضاء، وأشكالهنّ الأوروبية تألقت الممثلات اليهوديات على الشاشة:
ـ فيروز بيغوم (سوزان سولومان).
ـ سولوشانا (روبي مايرز).
ـ براميلا، أول ملكة جمال في الهند (إستر أبراهامز).
ـ ناديرا (فلورانس ايزيكايل).
ولم تتوقف المُساهمة اليهودية في تطوير صناعة السينما الهندية على الممثلات فحسب، فقد كتب “جوزيف بينكار دافيد” أغاني أول فيلم هنديّ ناطق (Alam Ara) عام 1931، وكان “دافيد هيرمان” واحداً من أكبر مصممي الرقصات في بوليوود، كما حال الممثل النجم “دافيد أبراهام شويلكار” الذي وصلت حصيلة مسيرته إلى أكثر من 100 فيلم.
وكانت سولوشانا (روبي مايرز) النجمة الأولى في العصر الذهبي للسينما الهندية، وقتذاك تخطت مداخيلها ما كان يحصل عليه حاكم بومباي.
وتذكر المراجع، بأنها وُلدت في عام 1907، وعملت عاملة هاتف قبل أن تبدأ مسيرتها في التمثيل، وظهرت في أفلام حققت نجاحاتٍ جماهيرية كحال (Balidaan) عام 1927، و(Wildcat of Bombay )، وفيه مثلت ثماني شخصياتٍ مختلفة، ومنها شخصية رجل، وأوروبية شقراء.

في الأربعينيّات، وبينما بدأت تتباطئ مسيرة “سولوشانا”، كانت نجومية “براميلا” (إستر أبراهامز) تتألق في سماء السينما الهندية، وأصبحت في عام 1947 أول ملكة جمال في الهند، حدثٌ فريدٌ من نوعه، خاصةً عندما نعرف بأنّ إبنتها “ناكي جاهان” حصلت بدورها على هذا اللقب في عام 1967، وقد ظهرت “براميلا” في عددٍ من الأفلام، ومنها “أمنا الهند” الذي حصل على نجاحٍ ساحقٍ، وبقي في الصالات الهندية لمدة 82 أسبوعاً .
عندما كان عمرها 17 عاماً، وتوافقاً مع روحها الإستقلالية، تركت “براميلا” عائلتها في كالكوتا، وسافرت إلى بومباي حيث وجدت عملاً في سينما متجولة، وكانت ترقص للجمهور لمدة 15 دقيقة المطلوبة من أجل تغيير علب الأفلام خلال العرض، كما ظهرت في أكثر من 30 فيلماً .
ولكن، تبقى ناديرا (فلورانس إيزيكايل) الأكثر شهرةً من بين كلّ الممثلات الهنديات اليهوديات، ونموذجاً للمرأة المُغوّية.
في يوم من الأيام، وخلال اللقاء مع صحفيٍّ، وقبل إجراء المُقابلة معها، شعرت بأنه كان عصبياً جداً، فقالت له مازحةً:
ـ لا تجلس على حافة السرير، سوف تسقط على الأرض، تعال إلى جانبي، وأرخي أعصابك، لن ألتهمك.
ويمكن إعتبار “مايا” الذي قدمته في فيلم “Shree 420” من إخراج “راج كابور” واحداً من أدوارها الأكثر شهرة.
في أحد تصريحاته، أعرب المخرج “داني بن موشيه” عن إستغرابه قائلاً :
ـ في هوليوود يقف اليهود خلف الكاميرا، يهتمون بالجوانب الإنتاجية، وهم عادةً يخفون أصولهم، ولكن، في الهند، على العكس تماماً، يؤكد يهود بوليوود على يهوديتهم بدون حرج، وهم أمام الكاميرا.
وزيادةً في الفائدة، أستعين أيضاً بحوارٍ مُقتضب أجراه “أنطوان غوينار” مع “داني بن موشيه” أثناء تحضير الفيلم :

 
 ـ كيف بدأتَ العمل على هذا المشروع، ومن أين جاء إهتمامكَ بالممثلين اليهود في السينما الهندية ؟

ـ إنني متخصص في تاريخ الهجرات، والهوية اليهودية، وفي أحد الأيام إقترحت إحدى مساعداتي بأن أقرأ مقالةً ظهرت في عام 2006 عن وفاة “ناديرا”، واحدة من أوائل الممثلات الهنديات اليهوديات، أثار الموضوع فضولي، وبدأتُ أنبش في تفاصيله، وخطرت لي فكرة إنجاز فيلماً عنها لأنها شخصية مُبهرة، وبعدها إكتشفتُ بأنها كانت واحدة من ممثلاتٍ يهوديات لعبن دوراً مهماً في السينما الهندية.

ـ في بدايات السينما الهندية كان الرجال يؤدون أدوار النساء، حيث كانت مهنة التمثيل بالنسبة للمرأة تُثير الإمتعاض في الديانتيّن الهندوسية، والإسلامية، متى ظهرت الممثلات اليهوديات على الشاشة ؟

ـ منذ البداية، كانت الممثلات اليهوديات أول من مثلنّ في السينما الهندية، كانوا غالباً من يهود بغداد، هاجروا منها إلى الهند، وكانت بشرتهنّ فاتحة، وجميلاتٍ جداً، ومع إندلاع الحرب العالمية الأولى في نهاية العشرينيّات لم يحظَ أحدٌ على نجاح كما “روبي ماير” على سبيل المثال، ولكن، في أغلب الأحيان، لم تسمح أسماء الشهرة التي كنّ يستخدمنها بمعرفة ديانتهنّ الحقيقية، “براميلا”(وإسمها الحقيقي “إستر أبراهامز”) إسمٌ يهوديّ واضح جداً، أصبحت ملكة جمال الهند  في عام 1947، كان هناك أيضاً عدد من الرجال، “جوزيف بينكا” كتب سيناريو أول فيلم صامت في الهند، بينما “دافيد هيرمان” هو الممثل الهندي اليهودي الوحيد الذي فرض نفسه.

ـ في الغالب كانت الممثلات اليهوديات يؤدين أدوار أشباحٍ، ونساءٍ مغويات،….

ـ مرةً أخرى، أعتقد بأنّ جمالهنّ قاد سيناريوهات الأفلام لتمثيل أدوار نساءٍ يحاولن تحويل الرجال عن الطريق المستقيم، في تلك الفترة كان المجتمع الهندي يتسامح مع المرأة التي تمثل شخصية تتمتع بطبيعة شهوانية قوية إذا كانت الممثلة يهودية.

ـ لقد ذكرتَ بأنّ اليهود في السينما الهندية شغلوا الأدوار الأولى، بينما كانوا في هوليوود حاضرين في الصناعة، ونادراً أمام الكاميرا في بداياتها، لماذا هذا الإختلاف ؟

ـ لقد تطورت الصناعتان بطريقةٍ مختلفة، في هوليوود، تمّ تأسيس الإستوديوهات الكبرى عن طريق يهود مهاجرين كانوا قد وصلوا حديثاً إلى الولايات المتحدة، ويتحدثون بلكنةٍ أوروبية شرقية واضحة جداً، وكانت حظوظهم ضعيفة في إختراق السينما كممثلين، لقد كانوا في أعمار لا تسمح لهم بالتمثيل، وهكذا وجدوا مكاناً أسّسوا فيه هوليوود كي يصبحوا أمريكيين، بينما اليهود في الهند هم هنود أصلاً، حيث يوجد إختلاطٌ طبيعيّ جداً بين التجمعات البشرية نجدها في الشخصيات التي أسلط الأضواء عليها في هذا الفيلم التسجيلي، “بارميلا”، على سبيل المثال، كانت متزوجة من مسلم، وأنجبت إبناً مسلماً تزوج من هندوسية، عندما إلتقيتُ بحفيدتها، قالت لي بأنها تشعر، بالآن ذاته، بأنها يهودية، مسلمة، وهندوسية.
بينما كانت “ناديرا” مرتبطةً بجذورها اليهودية، ولكن تمتلك مكتبة ضخمة تحتوي على أعمالٍ من مختلف الديانات، والمُعتقدات.
في “كونكان”، جنوب الهند، هناك موقعٌ يُعتبر، بمقتضى الديانة اليهودية، المكان الذي صعد منه النبي إلياهو إلى الجنة، ولهذا يأتي إليه الهنود لحرق البخور، أتذكر أيضاً بأنني إلتقيتُ بإمرأةٍ هندية تعمل في معبدٍ يهوديّ، سألتها فيما إذا كانت يهودية، فأجابتني بأنها هندوسية، وهي تعمل في المعبد كي تقترب من الله، هذه القصة المُدهشة عن التعايش بين التجمعات السكانية في الهند هي التي أريد أن أحكيها.

ـ هل ما يزال هناك يهود في السينما الهندية اليوم ؟

ـ لا يوجد نجوم، ولكن هناك “حيدر علي” إبن “بارميلا”، وهو يعمل كاتب سيناريو، بعد إستقلال الهند، وبشكلٍ خاصّ سنةً بعد تأسيس دولة إسرائيل، ترك أغلبية اليهود الهند، في سنة الإستقلال كان هناك حوالي 100000 يهوديّ، اليوم هناك مابين 4000
و6000، أعتقد بأن رحيل الممثلة “ناديرا” قرع  ناقوس موت الممثلين اليهود في الهند.


إعلان