ملف الوثائقي والصالة : المخرجون 2/2
كنا قد طرحنا في الحلقة الماضية من هذا الملفة إشكالية غياب الفيلم الوثائقي من الصالات التجارية. وقد أشركنا مجموعة من النقاد والمتابعين وأيضا الموزعين والمتعاملين مع صالات العرض. وقد حاولنا تشخيص المشكل وطرح الحلول. ويأتي هذا الملف إثر المشروع التي تقوم به الجزيرة الوثائقي هذه الأيام بالتعاون مع شركة فوكس لعرض باقة من الأفلام الوثائقية من إنتاج القناة في صالات السينما في كل من دبي وابو ظبي.
في هذا الجزء الثاني من الملف سنأخذ آراء صانعي الأفلام الوثائقية والمخرجين. لنطلع على رأيهم في مبادرة الوثائقية وأيضا تصورهم لأسباب غياب الفيلم الوثائقي عن الصالة.

مبادرة الوثائقية.. شجاعة ولكن..
لقد أجمع كل المخرجون الذين تحاورنا معهم أن فكرة “موسم الجزيرة الوثائقي” وإخراد الفيلم الوثائقي من الشاشات إلى الصالات، هي فكرة رائدة وربما الأولى من نوعها في العالم العربي. ولكنها محفوفة بالصعوبات وإمكانية الفشل إذا لم يتم التحلي بالصبر وروح المغامرة والمضي قدما في تكسير الكليشيهات الثقافية والإعلامية التي التصقت بالوثائقي ظلما. وعلى الوثائقية أن تواصل جهدها في نشر الثقافة الوثائقية لدى الجمهور العربي.
يقول المخرج والمنتج اللبناني عصام دكروب ” إن الجهود الاستثنائية التي تبذلها قناة الجزيرة لنشر ثقافة الأفلام الوثائقية في البلدان العربية هو جزء لا يتجزأ من مهمة نشر الثقافة والمعرفة وهي خطوة ايجابية نحو التطور والحداثة، وبالتالي تستفيد منها شعوب هذه البلدان علما ان هذا القطاع هو حديث نسبيا مقارنة بقطاع الانتاج التلفزيوني و السينمائي في العالم العربي”.
ويتفق معه مواطنه المخرج بلال خريس الذي تحصل مؤخرا على جائزة الكلاكيت الذهبية في بيروت عن فيلمه الوثائقي “أنغام فارسية، ويعتبر أن الوثائقية لها دور كبير في إحداث حركية إنتاجية وفي الفيلم الوثائقي العربي وأنه بعد انطلاق هذه القناة أصبح هناك أمل لبزوغ شمس الفيلم الوثائقي العربي. ويردف بلال قائلا : لقد تفرّدت قناة الجزيرة الوثائقية مشكورة بإنتاج كم هائل ونوعي من الأفلام الوثائقية لعرضها على الشاشة الصغيرة ، وقد نافست أفلام الجزيرة الوثائقية كل الشاشات الصغيرة التي تعنى بإنتاج الأفلام الوثائقية وصارت رقما صعبا في هذا العالم، لذلك أنا مع المغامرة القائلة بضرورة مشاركة الفيلم “الوثائقي” في صالات السينما شرط أن يحظى بالعناصر التي تجذب المشاهدين لشراء بطاقات لمشاهدته.
شروط النجاح..
بلال خريس يثمن دور الجزيرة الوثائقية ولكنه يعتبر أنه “لم يكن مطلوبا منها تقديم نوعية أفلام وثائقية لعرضها في السينما لأنها مهمة ليست سهلة بتاتا ولكنها مغامرة جميلة وانا أشجع عليها لأنني من المنادين بسينما هادفة ذات مضامين راقية ووقائع حقيقية نبتعد بها عن الخيال والأوهام والإسفاف الموجودة حاليا في أغلب أفلام دور السينما.” لذلك يذهب خريس غلى مقترح مهم جدا في رأيه لكي يدخل الوثائقي إلى الصالة وهو أن ” تخصيص الجزيرة الوثائقية قسم خاص يعنى بإنتاج عشرة أفلام سنويا”على الأقل” تكون أفلاما بمواصفات سينمائية قابلة للمنافسة”
المخرج التونسي جمال الدلالي لا يخفي تشجيعه لخطوة الجزيرة الوثائقية ولكنه يضع شرطا مهما لنجاحها وهو شرط ثقافي كيفي وليس كميا أي عدد إقبال الجمهور على التجربة، لأن نجاح هذه التجربة في البداية “لا يجب أن يقاس بالكم الهائل للجمهور بقدر ما يقاس أساسا بشرف خوض التجربة ومحاولة إرساء تقاليد جديدة وأنماط مختلفة في كيفية وصول الفيلم الوثائقي إلى شرائح جديدة وبأشكال متجددة وصولا إلى ضرورة إرساء البنية التحتية لصناعة السينما الوثائقية”
من جهته يعرج المخرج المصري أيمن الجازوي على دور الدولة والهيئات والمؤسسات الإعلامية على أنه حان الوقت لتضطلع بدورها في المساعدة في وضع الوثائقي موضعه الصحيح داخل دور العرض. يقول الجازوي :” ان علي الدولة والمنظمات ان تقدم الدعم المعنوي والمادي للمخرجين والمنتجين والموزعين وايضاً ملاك دور العروض السينمائية. فكل الأطراف لها دور يجب أن تقوم به للمساهمة في تطوير ثقافة الفيلم الوثائقي لدي الجمهور وايضا دور الحكومة من خلال الاعلام الرسمي في تغيير الوعي عند المتلقي. وأقصد تحديد إرساء مواعيد ثابتة لتقديم افلام تسجيلية جديدة في صالات العرض مع تقديم الدعاية الجيدة وايضا عرض افلام المهرجانات في دور العرض”.
من هنا فإن مبادرة الجزيرة الوثائقية هي خطوة في الاتجاه الصحيح يجب أن تتضافر معها جهود أطراف أخرى. ولكن الجميع يصر على أن أي تجربة في هذا الاتجاه لا يمكن أن تنجح بشكل ساحق إلا إذا تشكلت استراتيجية شاملة لتغيير الثقافة السينمائية لدى الجمهور العربي التي لا يجد فيها الوثائقي أي موطئ قدم. لذلك حولنا مع المخرجين أن نتعرف على صورة الوثائقي لدى الجمهور العربي التي تحتاج إلى تطوير.
أزمة الوثائقي أم أزمة صانع الوثائقي
طرحنا على المخرجين سؤال يحملهم جانبا من المسؤولية في غياب الوثائقي من قاعات العرض وهو أنهم ينتجون أفلاما وثائقية لا تتماشى مع جمهور الصالات وإن كانت ممتعة بالنسبة لجمهور الشاشات. وقد كانت أغلب الإجابات في اتجاه الحديث عن تاريخ الوثائقي في علاقته بالصالة من ناحية وبالتلفزيون من ناحية أخرى. وما ترسخ من تقاليد المشاهدة التي قصرت الوثائقي على مساحة زمنية يجود بها البث التلفزيوني لبعض القنوات في الأوقات الميتة.
يقول هادي زكاك صاحب فيلم مرسيدس الذي حصل على عدة جوائز عالمية وعربية يعاني الوثائقي من تقليد عقيم وهو” ربطه بالتلفزيون وكأن الوثائقي يشاهد على الشاشة الصغيرة فقط رغم الأنواع الواسعة الموجودة في نطاق الفيلم الوثائقي وطرق المعالجة التي جعلت هذا النوع من الأفلام يشهد تطوّرا ملحوظا في السنوات الأخيرة ويكفي أن نرى عدد الأفلام الوثائقية التي يمكن مشاهتهما في باريس كل شهر ولكن هذه باريس..!
وينصح زكاك الوثائقيين قائلا “على صانعي الأفلام الوثائقيّة أن يفكروا أيضا كيف يمكن أن يستقطبوا الجمهور السينمائي من حيث الموضوع وطريقة المعالجة. وهذا الدور يمكن أن تساهم به قناة مختصة مثل الجزيرة الوثائقيّة فتقوم بالترويج وهو أساس في العمليّة من دون أيضا أن ننسى أهميّة الاهتمام بالجوانب التقنيّة. فإن الفيلم الوثائقي السينمائي لا يأخذ حقه إلا من خلال عرضه في الصالة بأحسن الشروط لكي لا نكتفي بمشاهدته بل بتذوقه أيضا..!”

فالمخرج الوثائقي حسب هادي زكاك يجب أن يلائم إبداعه لذوق جمهور الصالة وهو ذوق قائم على مفهوم المتعة والترفيه. وانعدام هاتين الميزتين هي التي تسبب النفور من الوثائقي كما يقول أيمن الجازوي ” لما في بعض الوثائقيات من المبالغة و ثقل المادة المقدمة والتي كانت لا علاقة لها بالترفية الذي قد يجده المشاهد عندما يدفع بعض الاموال للذهاب الي السينما لمشاهدة بعض الافلام من باب المتعة او التسلية و الضحك. وقد ارتبط نجاح بعض الافلام الوثائقية بالتعليم والثقافة وبمزاج المتفرج والذي انعكس علي نوعية الافلام التي تحقق ايرادات عاليا مما يجعلها تستمر فترة الي ان يظهر موجة جديدة تغير النوعية السابقة من الافلام”.
ومن هذا الحديث وكأن المخرج الوثائقي أضحى واعيا بأنه كي ينفد إلى الصالة ويجد له جمهورا يجب أن يفهم هذا الجمهور ويكسر عنه الصورة النمطية التي فرضتها الشاشات.
هل ستنقذ التكنولوجيا الوثائقي ؟
إن توصيف أزمة الوثائقي مع الصالات تطرح أسئلة متكررة وصعبة أحيانا ولكنها تتضمن بوادر حلول في الساحة العربية. ومن هذه الحلول الحل التكنولوجي ومدى استفادة صانعي الوثائقي منه.
ويذهب المخرج التونسي المقيم في بلجيكا منذر النمري إلى أن يسر الوصول إلى أحدث تكنولوجيات التصوير والعمل السينمائي قد تكون مرفأ نجاة للفيلم الوثائقي كي يكون الئقا بالصالات التي أصبحت تطور نوع الصورة والتصوير فاصلا في إقبال الجمهور عليها. وقد أثبت الفيلم الوثائقي جدارته في استغلال التقنيات الحديثة على مستوى الشاشة في انتظار القز إلى الصالة
يقول النمري : “اليوم وبعد مرور عقود من الزمن تعود السينما الوثائقية بنسبة من القوة مستغلة التقنيات الحديثة المستعملة في السينما الروائية ومع بروز أحداث عالمية كحروب كوسوفو وأفغانستان والشيشان والعراق ولبنان دفعت بعديد الشركات العالمية ورجال أعمال وقنوات للاستثمار في هذا المجال بقوة لاكتشاف العديد من المواهب الناشئة وايضا من أجيال اخرى لإعادة الروح لهذا الأب الروحي للسينما ويفرض نفسه كعمل هام وبارز في الشاشة الصغيرة التي تدخل البيوت دون استثناء وبرزت عديد القنوات الغربية لتنشأ القنوات الوثائقية وهنا يأتي دور قناة الجزيرة الوثائقية التي تفطنت لذلك وـاخذ نصيبها في هذا المجال وتجلب نظر المشاهد العربي ومع مرور الزمن بدأت في تطوير مشاريعها الوثائقية عبر العالم والعالم العربي أولا .”
لكن ما يعيبه النمري على الوثائقيات العربية خاصة بعد الثورات العربية لم ترق الوثائقيات إلى الشكل الفني البارع الذي يرقى جماليا إلى مستوى حدث الربيع العربي “فمع قدوم ثورات الربيع العربي – كما يقول منذر النمري – وبالرغم من الجهود المبذولة لم ترق أفلام الثورات العربية الى طموحات الشعوب العربية حيث كثيرا ما غابت الواقعية لدى نسبة من الزملاء المخرجين وطغت عليها العاطفة أكثر من أي شيء فكانت تقريبا جل الأفلام أكثر منها ريبورتجات وتقارير تلفزية أكثر منها أفلام وثائقية تبرز واقع وحيثيات تلك الثورات العربية وأعتقد أنه كان هناك كثير من التسرع في انجاز تلك الأفلام وكان الأجدر رسم رؤية وخطة واضحة لإنتاج هذه الوثائقيات للثورات العربية ولكن لا بأس فانه لدينا الوقت الكافي لإنجاز أعمال قيمة وعالية الجودة كما أنتجتها سابقا قناة الجزيرة الوثائقية وهنا أشير أنه حان الوقت لإبراز تلك الأعمال القيمة وذلك عبر برمجة محكمة لعرضها في عديد قاعات العروض بالمدن العربية واعادة الاعتبار للسينما الوثائقية ونشر الرغبة لدى “السينفيل” العربي للعودة وبقوة الى الشاشات الكبيرة والخروج من ضغط وحدودية الشاشة الصغيرة العربية التي كثيرا ما تطغى عليها الأحداث السياسية أكثر من كل شيء
في النهاية يذهب النمري إلى أنه لا بد من الاشارة الى تطور السينما الوثائقية اليوم مع بروز العديد من التقنيات الحديثة وأيضا سيطرة الوثائقي الغربي على الوثائقي العربي حيث وجدت السينما الوثائقية الغربية احدى الحلول كمزج الوثائقي بالروائي ومرة اخرى تبرز المدرستان البريطانية والكندية في هذا المجال وبإمكاننا نحن اليوم مخرجون ومنتجون ومؤسسات وقنوات عربية مختصة أن تسهم بدورها في هذا المجال وبإمكاننا منافستهم بقوة لأننا نملك المادة الخام وهي المواضيع والقصص الواقعية اذ أنه يوجد في كل شبر من موطننا العربي الاسلامي خبر وواقعة.
تجارب ناجحة
قديما
يروق دائما للمخرج الكبير والناقد المخضرم العراقي قيس الزبيدي إلى تأصيل السينما الوثائقية في تاريخها السينمائي لأنه يعتبر أن حلقات تطور السينما الوثائقية هي حلقات متراكمة تاريخيا ولا يتعلق الأمر بقفزات في الهواء لذلك عندما طرحنا عليه سؤال الصالة والوثائقي نحنى منحى التأريخ لكبار السينما وخاصة الروسية وتجربتهم في هذا الشأن.
فيعود الزبيدي إلى عام 1885 حيث ولدت السينما –كما يقول- بمصاحبة ثلاث عناصر: العنصر الأول: هو تشغيل جهاز عرض الصور المتحركة “السينماتوغرافيا”. العنصر الثاني: هو تقديم العرض لأول مرة أمام حضور جمهور في صالة. العنصر الثالث: تمت المشاهدة من قبل جمهور أشترى تذاكر الدخول إلى العرض في قاعة/صالة. وهذا يعني أن عرض الصور المتحركة حصل أمام جمهور خضع لشروط تجارية من اجل متعة بصرية. وان عرض الافلام بدأ في صالات ارتبطت بالاستثمار الاقتصادي. وهيمن بعدئذ الفيلم الروائي التجاري تاريخيا بسبب حكاياته الخيالية على الصالات السينمائية في انحاء العالم وطرد الفيلم الواقعي الوثائقي من الصالات

التي احتكرها منتجوه. وأصبح مصطلح “فيلم سينما” أو “فيلم صالة” يعني فيلما روائيا وليس فيلما وثائقيا لان اسم الفيلم الوثائقي اصبح بحد ذاته يعني فيلما لا يشاهده جمهور الصالات التجارية إلا في مناسبات نادرة وخاصة.
ولنحاول هنا ان نتذكر ونتعرف على تجربة السينمائي المخضرم كريس ماركير وهي تجربة ذات دلالة عامة لأنها تشبه وتلخص تجارب اغلب اولئك المخرجين الوثائقيين في العالم التي كان قدر أفلامهم مثل أفلامه أي أنها لم تصنع لتعرض في الصالات التجارية؟ من هنا يمكن أن يطرح السؤال التالي: من يشاهد هذه الأفلام؟ وما مدى تأثيرها على جمهور واسع وغفير لم يألف مشاهدة هذا الجنس من الافلام في الصالات التجارية التي يرتادها. وقد انتجت شركة ماركير “سلون” أفلامها بكلفة قليلة بحيث يستطيع مردودها أن يغطي كلفتها، لكنها إذا ما أرادت أن تنتج أفلاما جديدة فعليها أن تجد مصادر مالية جديدة بغض النظر عن كلفة إنتاج أفلامها القليلة. واكبر مردود من أفلام “سلون” كان يصل الى نحو 90% يأتيها من العروض في محطات التلفزيون الأجنبية، وعشرة بالمئة يأتيها من بعض العروض التجارية في هولندا وفرنسا.
سلون هي سين. لام. واو. نون. تعني باللغة الروسية: فيل! وتعني في الفرنسية كلمة مختصرة، “جمعية تنفيذ أعمال جديدة”. وهي ليست مؤسسة إنتاج، إنما أداة عمل، تصنع بوساطتها الأفلام التي لا يحق لها أن توجد! وإن المعلومات التي تنشرها أفلام “سلون” لا يمكن رؤيتها في الصالات ولا سماعها في الراديو ولا مشاهدتها حتى في التلفزيون. لماذا؟ لأنها افلام واقعية نقدية وسياسية لم تألف جماهير السينما مشاهدتها ومن أعمالها “بعيداً عن فيتنام”، الفيلم الذي شارك في صنعه مجموعة مخرجين منهم غودار وألان رينيه ويوري ايفنز وأيضاً ماركير.
في العالم العربي
هادي زكاك: “درس في التاريخ” و”مرسيدس”
جاءت التجربة الأولى مع فيلم “درس في التاريخ” الذي تمّت برمجته في صالة السينما على مدّة أسبوع خلال ذكرى الاستقلال في تشرين الثاني 2010 وتمكّن الفيلم من دون أي إمكانيات إعلانيّة تذكر من أن يستقطب حوالي 100 مشاهد في اليوم وتكاثر عدد المشاهدين عندما ذكر الفيلم في بداية نشرة أخبار المؤسسة اللبنانيّة للإرسال وتوقّف عرض الفيلم بعدها لأن الصالة كانت قد برمجت مهرجان السينما الأوروبيّة رغم طلب بعض المدارس أيضا من السينما برمجة خاصّة. كانت هذه التجربة مشجّعة وفتحت المجال للفيلم أن يحتك بجمهور قد يهتم غالبا بالأفلام الروائيّة.
وجاءت التجربة الثانية مع فيلمي “مارسيدس” الذي عرض في نفس الصالة لمدّة شهر في العام الماضي 2012 ضمن برنامج خصصته سينما متروبوليس للأفلام اللبنانيّة. وكان هناك أربعة عروض يوميّة للفيلم واستطاع الفيلم أن يتصدّر الأفلام الوثائقيّة المعروضة مع 1235 مشاهد علما أن الفيلم الوثائقي الذي يأتي في المرتبة الثانية قد حصد 666 مشاهد.
كان إذن من الملفت أن نتابع المشاهدين يأتون ويدفعون ثمن بطاقة سينمائيّة لمشاهدة فيلم وثائقي ولكن ارتباط الموضوع بتاريخ لبنان في الحالتين كان دافعا أساسيا في ظلّ السيطرة المطلقة للأفلام الأميركيّة على الصالات وتعطش البعض لرؤية الواقع المحلّي والبحث بالإشكاليّات. وقد ساهم دعم بعض وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل وانتقال الخبر عبر مجموعات من تشجيع الناس على قصد هذه الصالة التي تخرج عن نطاق المراكز التجارية الكبرى حيث أصبح روّاد السينما يذهبون حصريا فيتناولون الطعام ويشاهدون فيلما.

وقد سألنا أصحاب هذه الصالات الكبرى إذا كانت مستعدّة أن تعرض فيلما وثائقيا (مثل “مارسيدس”) إلا أن الجواب كان جازما بأن مكان هذا النوع من الأفلام هو في صالة متروبوليس ويستحيل على الوثائقي دخول المراكز التجاريّة الكبرى. هذا الأمر يجعلنا مرتبطين بمجموعة من محبي السينما يقصدون صالة متروبوليس ولا يسمح لنا للأسف بالوصول إلى جمهور أوسع ولو أن هذا الجمهور غير معتاد على هذا النوع من الأفلام.
إذن هذه التجربة تثبت أن للفيلم الوثائقي إمكانيات وجمهور يتزايد ولكن العمليّة تحتاج لترويج وتثقيف بحيث لا يجب أن ننسى أن روّاد السينما في عالمنا العربي اعتادوا غالبا على نموذج معيّن من الأفلام اختصرت هويّة السينما وهم لا يعرفون حتى في نطاق السينما الروائيّة الكثير من الاتجاهات والمعالجات فكيف إذا عرض عليهم فيلم وثائقي.
أيمن الجازوي.. تجربة يمكن البناء عليها
هناك تجارب عديدة ناجحة في اوربا مثل فرنسا وايطاليا و سويسرا ولندن وامريكا التي تعرض الافلام بشكل دائم في السينمات والتي كانت من قبل يعرض فيلم تسجيلي قصير قبل عرض الفيلم الروائي كما كان يحدث في مصر من خلال عرض الجريدة السينمائية المصورة ففي تلك الدول اصبح الفيلم الوثائقي مربح سواء من خلال عرضه في صالات العرض او ايضاً التليفزيونات المشفرة
كان لي تجربة مع فيلم الحياه في يوم والذي كان من انتاج ريدلي سكوت والذي عرض في معظم سينمات العالم وقد حضرت العرض الاول في امريكا
كل يوم كانت التذاكر مباعة ولا يوجد كرسي فارغ في الصالة وكانت الجماهير متحمسة للمشاهدة ثم انتهاء الفيلم الذي صاحبة تسقيف حاد وتكرر هذا عندما حضرت العرض الاول في سينمات لندن
الحل هو تغير فكرة الفيلم الوثائقي لدي الجمهور واعتقد ان نسبة كبيرة الان في العالم العربي تعرف قيمة الفيلم الوثائقي وممكن ان تدفع ثمن تذكرة لمشاهدة فيلم نجمة هو صانع الفيلم او الموضوع.
فرضية الحل..
في خاتمة هذا الملف استرعى انتباهنا مشروع لحل هذه الإشكالية قدمه بلال خريس وهو مقترح يدل على وعي مهموم بتجربة الإبداع الوثائقي العربي وتفهم لتبدل الأمور في المجتمع العربي والتي على كل مخرج أن يكون واعيا بهذا التبدل ولكن يبقى شرط النجاح مرهونا بتقديم التصور الموضوعي والعقلاني لتنفيذ مشاريع وثائقية أو دعم مبدعين قادرين بإبداعهم على أن يقنوعوا الجمهور باقتناء تذكرة لمشاهدة فيلم وثائقي. ويعتبر خريس أن تصوره هو تعبيد لشرط نجاح مبادرة الجزيرة الوثائقية وغيرها ممن جعل من الوثائقي اختصاصا له.
الخطوة الأولى لدخول السينما :
ارتبط اسم “الفيلم الوثائقي” أو “الفيلم التسجيلي” في أذهان الناس بنوعية أفلام نمطية كلاسيكية تعتمد على المقابلات وبعض المشاهد الأرشيفية وتعليق صوتي ، ويتناول مواضيع سياسية ، علمية ، تاريخية ، جغرافية الخ….. فلو جاءت جهة وقامت بإنتاج فيلم وثائقي بتقنيات سينمائية عالية ومبالغ ضخمة وأعلنت عن عرضه في دور السينما، لن يتفاعل الناس لكلمة “فيلم وثائقي” نظرا للصورة النمطية السائدة عنه …
لذلك الخطوة الأولى هي اختراع تسمية جديدة بالأفلام الوثائقية السينمائية تكون تسمية جذابة للعقل والخيال معا، وهذه التسمية ستكون الحجر الأول في بناء السينماء الواقعية.
السرقة المحمودة
الخطوة الثانية التي يجب اعتماها هي سرقة العناصر الذهبية من الدراما وتوظيفها في عالم السينما الوثائقية شرط عدم إخراجها عن شخصيتها الواقعية والحقيقية ، الهدف من هذه السرقة هو الحصول على أفلام “وثائقية” مبهرة للعين ومبهرة للعقل ، أما ما هي العناصر الذهبية التي يجوز سرقتها ، وكيفية توظيفها بما لا يغير من شخصية وتركيبة الفيلم الوثائقي فهنا مربط الفرس وهنا بداية الحكاية….
تشكيل لجنة (التخلية والتحلية).
تقوم هذه اللجنة بدراسة معمقة وتقدم جوابين على هذين السؤالين :
• ما هي العناصر السلبية في الفيلم الوثائقي؟ ليتم تلافيها واستبعادها.
• ما هي العناصر الذهبية في الفيلم السينمائي الدرامي؟ التي يمكننا توظيفها في الفيلم الوثائقي دون المساس بشخصية الوثائقي.
يستخدم الصوفيون مصطلح جميل ومناسب لموضوعنا مصطلح التخلية ثم التحلية … يعني نبدأ بتخلية الفيلم الوثائقي من العناصر التي تثقله وتجعله مادة جامدة مملة ، بعد تخليته وصيرورته خفيفا من العناصر المثقلة ، يأتي دور التحلية ، فنجمله بالعناصر الذهبية الدرامية التي ترفع من قيمته الفنية …
وبذلك نحصل على نتيجة مضمونة النجاح.