فصوص النصوص.. يوهان فان در كوكن
النص الأول : الحاضر غير المكتمل *
ترجمة واختيار : عبد الكريم قابوس
يقدم الناقد والباحث التونسي عبد الكريم قابوس ترجمة لنصين كتبهما المخرج الهولندي الكبير فان در كوكن عن تجربتين في إنتاج الفيلم الوثائقي. والنص الأول الذي نضعه بين يدي القراء هو خلاصة نظرية قدمها كوكن عن فيلمه الذي صوره في الجنوب التونسي وكان قابوس مساعدا له.
فلم “الحاضر الناقص” أو “الحاضر غير المكتمل” هو آخر فلم لفاندر كوكن ويبدو أنه شعر باستحالة الاكتمال والسرطان ينهشه و لكن صوّر جزءا منه في 10 دقائق.
هذا النص ليس سيناريو ولا ملخص ولا نص نظري هو تفكير بصوت عال أو مسودة كالمخططات الذي يضعها المهندس المعماري على كنشه.
في 25 صفحة مرقونة يرمي ببنات أفكاره ليكون النص نبراسا للتصوير والتصور وهو عكس ما كان يفعله وهو يصور في الجنوب التونسي : كالنحلة يقطف من كل باقة بصرية لقطة أو مشهد من رحيق النور والظلال والحركة وحراك الإنسان .
يضع مقدمة:
” كل فلم يخلق كيان الفلم التالي… والفلم الموالي هو نوع من التعليق على الفلم السابق أو نقد له، إضافة أو ردّة فعل يمنحنا إمكانية الهروب، المواضيع هي هي، تطرح من جديد تطرح بطريقة أو نظرة أو زاوية أخرى بأساليب وآليات وطرق مختلفة.
بالإمكان التخلي عن الفلم السابق تماما والرجوع إلى خيوط ومسارات كنا تركناها، قبل سنوات، غير مكتملة.
هكذا أجد نفسي في تفاعل مع أفلامي ومع نفسي.”
يواصل في التحليل ويعلن أن الفلم الجديد أقل طولا من القادم هنا يدخل مفهوم الزمن.
ثم يحدد الشكل الذي يقول عنه أنه “جديد ومجدد”

ثم يقسم الفلم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول : كلمات (وكأنه يخرج من مسرحية هملت”)
و يقول :” سأجمع كلام أشخاص كنت أعرفهم أو تعرفت عليهم عندما التقيت بهم في رحلتي الطويلة”
ويشرع في تعداد الشخصيات وكأنه ذاهب يتسوق في سوبرماركت الإنسانية، سنّهم، عملهم، إقامتهم.. ثم يحدد فقرة يصف فيها ما يسميه ” مونتاج الكلمات” ويختار الكلمات إذ أنه قرر الرجوع لإعادة لقطات قديمة استعملها أو بقيت في علبها.
القسم الثاني : الزمن
يقول :” هذا الجزء سأصوره في اسبانيا وبعيار 35 ملم وهو” دلع” الذي يتحكم في الكاميرا بآلة محمولة ذات ثلاث عدسات متحركة دائرية في حين أنه عام 2000 كان يستطيع أن يطوع آخر كاميرا رقمية. إنها علاقة المبدع و الكادر والآلة لكل مقام مقال لكل صورة عدسة
القسم الثالث : الصوت
ويضيف ” سيكون الصوت ” نشيد الإنشاد” قصيد الحب الذي حشر حشرا في الكتاب المقدس في العهد القديم. ويحدد أنه سيرتل ذلك النشيد امرأة ورجل عن موسيقى وليام بركنر، ” اشتقت للعمل مع هذا الموسيقار الذي بدأت العمل معه منذ سنة 1996 .
ويمضي في اختيار الفقرات من “نشيد الإنشاد” الذي يطبع دوما وكأنه كتاب لوحده.
ثم يحدد ماذا سيصور انطلاقا من ذاكرته والرجوع لزياراته العديدة لأسبانيا وانطلاقا من الأفلام التي صورها بها.
ويختم وكانه يكتب سنفونية:
” وقع هذا في كل مكان” ويعترف إنه عنوان مجموعة شعرية للشاعر ريمكو كومباز نشرت عام 1962.
ثم يحدد بدقة الشخصيات.
يعتبر هذا النص فريدا من نوعه ومعالجة جديدة لإعداد الوثائقي يعكس مفاهيم المخرج ونظرته واستعداده ورغباته ومشتهاه وكيف يحلم أن يكون نسق الفلم وهو ما ينفرد به يوهان فان در كوكن ونكتشفه لما نشاهد أفلامه في نوع من الحيرة والتساؤل ثم الإعجاب.
أي ذلك الأمر المخفي الذي يحير المبصر كما حير الموسيقي شوبان عندما ينفذ النوتة الزرقاء الشهيرة والتي لم يتوصل أي عازف بعده تنفيذها كما يعزف فان در كوكن بالأبصار على البصيرة وهو يواجه الواقع ونكتشف أنه مخرج وثائقي بامتياز .