“هلالة” شريط وثائقي قصير في ثلاث لغات

تونس – صالح سويسي
تبدأ قاعات السينما انطلاقا من يوم الخميس 13 يونيو/حزيران  في تقديم العرض الأول للفيلم السينمائي الوثائقي القصير “هلالة” للمخرج عبد العزيز الحفظاوي والذي أنتجته “أبواب للانتاج الفني” بالإشتراك مع المؤسسة الفرنسية “سارل اسبيك” والتي انطلقت منذ أشهر في دعم المشاريع الثقافية والتنموية في الجنوب التونسي وفي محافظة تطاوين بشكل خاص.
العمل كتب له السيناريو نزار جليدي الذي يقول أنّ “هلالة” فيلم قصير وهو كما يؤكد “بروفة” لفيلم طويل سيتمّ تصويره في صورة نجاح الفيلم القصير في تونس وخارجها. والفيلم الطويل جاهز على الورق ولكن نحن ننتظر أن تتدعم خطواتنا المرحلية التي انطلقت منذ تسعة أشهر تقريبا لنشرع في مشروع الفيلم الطويل، ويهمّني شخصيا كمخرج شاب ومنتج أيضا أن تكون هناك سياسة مرحلية لكل هذه الخطوات.

المرأة منطلقا وهدفا
أمّا عن فكرة الشريط فيقول صاحب السيناريو “انطلقت فكرة انتاج هذا الفيلم منذ سنتين تقريبا، وكان من الطبيعيّ أن يتحرك فيّ الحس الفني لأعبر عن مخاوف وهواجس نتيجة ما نعيشه اليوم من حراك سياسي واجتماعي مربك وباعث على الحيرة والتساؤل.” ويواصل الجليدي” الفيلم يدافع عن موقع المرأة من أحداث ما بعد 14 جانفي 2013 و”هلالة” هي امرأة يستشهد زوجها العامل كمنظف بأحد المساجد فتستميت لتعوضه في هذا العمل ولتضمن لأبنائها الثلاثة قوت يومهم بعد وفاة والدهم, ولكن تعترض هذه المرأة الكادحة مصاعب جمّة يسببها لها شق من المتشددين الذين يرونها “عورة” على المسجد ويرفضون بذلك أن تعمل فيه كمنظفة خلفا لزوجها الراحل, ومن هنا تنطلق معاناة هذه المرأة وإصرارها على الحفاظ على عملها الذي هو يعني بالأساس وجودها وكرامتها وكرامة أبنائها”.

ولكن لماذا المرأة تحديدا رغم أنّ الثورة التونسية مسّت كل شرائح المجتمع التونسي؟ هنا يؤكد نزار أنّه “طيلة 50 سنة من مشروع الدولة الحديثة كان مشروع المرأة من أبرز المشاريع التي راهن عليها السياسيون فضلا عن مختلف الأطراف الاجتماعية الفاعلة في المجتمع، لذلك يبقى هذا المشروع حسب تقديري من أهم مكتسبات تونس طيلة ما يزيد عن النصف قرن..” ويضيف “المشاريع الإقتصادية والتنموية قابلة للنقاش حسب تقديري ولكن موضوع حرية المرأة ودورها الريادي في المجتمع هو موضوع حساس وذو أولوية في التناول خاصة مع ما طرأ على مجتمعنا اليوم من تغيرات وتجاذبات فكرية وإيديولوجية، وعلى المبدع أن يكون واعيا بأبرز القضايا التي تتعرض للتهديد في مجتمعه  على  مرّ العصور..”

شخصيات واقعية وإطار ثريّ
واعتمد المخرج والسيناريست على شخصيات حقيقية شاركت في الشريط حوالي 120 من سكان منطقة “شننّي” وهنا كان السؤال، هل أنّ الأمر كان من منطلق الرغبة في أن يكون الشريط أقرب ما يمكن للواقع باعتماد شخصيات واقعية ليجيب الجليدي “اختيارنا لمنطقة “شنني” كفضاء لتصوير فيلم “هلالة” يدخل أساسا في إطار مشروع تنموي كبير انطلقنا في تنفيذه في الجنوب التونسي منذ تسعة أشهر تقريبا رفقة شريكنا الفرنسي وذلك لغاية خلق حركية بالمنطقة وخلق مواطن شغل مؤقتة لهؤلاء الذين شاركوا في هذا العمل. ثم إننا أردنا أن نقترب من الواقع بتشريك السكان الأصليين في هذا العمل لأنّ لهم ملامح خاصة تختلف عن سكان مناطق أخرى من الجنوب، وتبقى الغاية القصوى من تشريكهم تنموية بالأساس…”
إذن لماذا هذا الاشتغال على إبراز الأصول البربرية لتونس في هذا الوقت بالذات؟ وهل ألا يرى في ذلك مجازفة تاريخية واجتماعية وسياسية؟
يقول نزار الجليدي في إجابته على السؤال “نتحدث اليم عن مصالحة وطنية وعن  حرية في التعبير، هذه الحرية التي نعيشها بعد تاريخ 14 جانفي 2011، فلماذا لا نخوض في المواضيع المسكوت عنها ومنها موضوع السكان الأصليين لتونس وهم البرابرة الذين وقع تهميشهم في عهدي بورقيبة وبن علي؟ ثمّ إنّ الفن مطالب بإثارة الحقائق والخوض في المسكوت عنه متى توفرت له امكانيات العمل والفضاء الحر للطرح..”
ويضيف “لا يخفى أنّ تطاوين تتوفر على موروث تاريخي وشعبي متروك في جانب كبير منه، تطاوين “بقصورها وصحرائها الساحرة كانت تحتاج عبر التاريخ الى التفاتة وقرار سياسي صارم ليقع استغلال مناخها وفضاءاتها وسحر الطبيعة فيها في مشاريع اقتصادية ثقافية تقطع مع منطق التهميش الذي انتهجته السياسات السابقة لتونس الحديثة.” ومع وجود مستثمر أجنبي هو “ستيفان أسبك” ومع توفر عزيمة فياضة من قبل أبناء المنطقة لمجتهدين في مجال الثقافة ومن بينهم المبدع الشاب نزار الجليدي يمكن “الحديث اليوم عن بوادر مشروع اقتصادي/ترفيهي/تثقيفي انطلق مع ميلاد فكرة “هلالة” وسيتواصل للسنوات القادمة بهدف تنشيط السياحة الثقافية بتطاوين والمراهنة على فكرة خلق سياحة صحراوية راقية ومحترفة قادرة على استقطاب السياح والتونسيين أيضا الراغبين في عيش مغامرة السياحة والترفيه الذي لا يخلو من نشاطات ثقافية متعددة الأبعاد..”

عروض ومهرجانات
يُذكر أنّ فريق الشريط انطلق حاليا في الإعداد للتحليق بهذا العمل في عدد من المهرجانات العربية والأوروبية حيث وافقت على عرضه مهرجانات سينمائية مختلفة في بلدان المغرب العربي وأروبا في انتظار حدث عرضه الأول في تونس في جوان المقبل.
تصوير الشريط انكلق في نهاية شهر أفريل الماضي واستغرق سبعة أيام  وهو من بطولة الممثلة خولة الشامخ وسوف يكون موعد جماهير السينما مع العروض الأولى خلال الأيام الفادمة، الفيلم جاء في 26 دقيقة وهو حاليا هو في مرحلة “المونتاج” النهائية وبلغت تكلفته الجملية حوالي 55 ألف دينار (35 ألف دولار).

وسوف يظهر الفيلم في ثلاث نسخ الأولى ناطقة باللهجة المحلية والثانية بالفرنسية والثالثة بالأمازيغية وعن هذا الاختيار في تعدد اللغات،أكد  نزار الجليدي أنه “يبحث عن انتشار أوسع لهذا العمل الذي يرمز إلى الأصول البربرية لتونس الأرض المعطاء التي استقبلت حضارات وثقافات مختلفة طوال الحقبات المختلفة من التاريخ” ويرى الجليدي أنّ “تونس لم تكن يوما عربية قحة ولا أمازيغية قحّة، بل هي ذاك المزيج المذهل بين الحضارات واللغات وهذا ما يجب أن نحافظ عليه اليوم بعد سقوط نظام وظهور نظام آخر لم يتقبّل على ما يبدو هذه المعطيات الأساسية للتاريخ..”
يُذكر أنّ تجربة نزار الجليدي في عالم السينما حديثة لذلك يسعى إلى تنميتها مرحليا ويقول “بالتالي من  الضروري أن يكون ولوجي الى هذا العالم عبر انتهاج سياسة مرحلية..” فالجليدي الذي عمل سابقا في مجال الإخراج المسرحي يخوض تجربة من نوع آخر وهي تجربة تنموية بالأساس، غايتها القصوى خلق حيوية اجتماعية واقتصادية وثقافية بمناطق الجنوب التونسي.


إعلان