“حرب الروبوت السرية”
القتل بصمت دون تمييز
قيس قاسم
ثلاث مشاهد افتتاحة قصيرة تشي بمضمون الوثائقي الفرنسي الصادم “حرب الروبوت السرية” وتؤسس لما أقترحه المخرج جون مارشيل ليفرنتش كشفاً لحقائق عن الحرب السرية الصامتة التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية في مناطق من العالم كأفغانستان وباكستان، اليمن والضومال، بحجة مطاردة الإرهابين، والتي تستخدم فيها آخر تقنيات “الروبوت” و”الطائرات بدون طيار” والصاواريخ ذات التحكم الذاتي، وغيرها من الأسلحة التي يصعب رصدها وتجنب، الى حد كبير، مستخدميها المسائلة فهي آلات قتل صامته وسرية وينقسم العالم حول حق استخدامها كما تعلن المشاهد الثلاثة التمهيدية. فالسيدة الأمريكية من سكنة انديان سبرينغ القريبة من قاعدة كريش للطائرات بدون طيار في نيفادا، لا تجد ضيراً في اقامتها بالقرب من القاعدة حتى لو علمت بأنها تحت مراقبة عيون الطائرات. وهي لا تخشى من هجوم لتنظيم القاعدة عليهم لأنها لا تشعر بأي تهديد محتمل. في وزيرستان جنوب باكستان يظهر في المشهد الثاني مصور صحفي يقف أمام جثة طفلته التي قتلتها الطائرات بدون طيار ويطرح أسئلة ملتاعة عن موتها ومن المسؤول عنه؟ المشهد الثالث متظاهر وحيد يقف أمام البيت الأبيض الأمريكي يطالب بوقف استخدام “الطائرات بدون طيار” ضد المدنيين في دول آخرى.
حروب “العمليات الجراحية النظيفة”
من القاعدة الجوية سينطلق الوثائقي لسبر أغوار “العالم السري” للطائرات الخفية، عبر مقابلات مع ضباط وتقنيين يعملون فيها وسيخرج بإستنتاج بأن هذا النوع الجديد من الطائرات يأتي ضمن مشروع واسع تريد بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية وفي نهاية 2025 تحويل استرايجيات حروبها القادمة لتتوافق مع أحدث التطورات التقنية في عالم الروبوتات ومن أكثر المؤيدين لهذا التوجه العسكري الرئيس أوباما فهو يبحث عنها بالضبط، ويريد خوض حروب “العمليات الجراحية النظيفة” أي حروب سرية غير معلنة تؤدي أهدافها دون أن يشير أحد اليه كمسؤول أول عنها أو أن يوصف تاريخياً كرجل حرب!. على المستوى العملياتي تستخدم الطائرة من حيث الأساس في أعمال التجسس وجمع المعلومات ولكن في الوقت ذاته يمكن تزويدها بصواريخ وهي قادرة في هذة الحالة على تحديد الهدف المطلوب وفي أي منطقة من العالم وضربه بضغطة زر من مركز ادارة العمليات والطائرات في قاعدة نيفادا. الإمكانيات والنفوذ هما العاملان الحاسمان في الحروب، واستخدام الطائرات بدون طيار لا تغيرها بل تعطيها شكلاً جديداً لأن الحروب المعاصرة لم تعد تعتمد على تعداد الجيوش بل على امتلاك الأسلحة الأكثر تطوراً والتي بفضلها تقل أعداد الجنود الضحايا، وحسب من التقاهم الوثائقي من كبار الضباط في القاعدة الجوية فالمبدأ العسكري حول تغليب تعداد الجيوش في المعارك تغير اليوم لأن أعدادهم قد قلت كثيراً عما كانت عليه في السابق وأن الاعتماد على أسلحة تعوض نقصهم مطلب توفره الإمكانيات المالية والسياسية وأمريكا تملك الأثنين.

خلال زيارته الى أحد معارض الأسلحة الحديثة قدم الوثائقي الفرنسي معطيات تفصيلية بَيَّنت الكيفية التي ينظر بها أصحاب شركات انتاج الأجهزة العسكرية الإلكترونية والروبوتات والطائرات الخفية الى “أسلحة الربوت” بوصفها مصدراً خيالياً للربح، لهذا تراهم يقدمونها كما لو إنها ألعاب فيديو، يجلس اللاعب أمامها مرتاحاً فيحدد هدفه في باكستان أو اليمن مثلاً، ثم يضغط على الزر وينتهي كل شيء ليعود الى بيته بعد انتهاء عمله مثل أي موظف مدني آخر.
وداعاً للعسكر
ما لم يقولونه كان الأخطر، وهذا ما سيكشفه الوثائقي. فعمليات القتل النظيفة ليست بالسهولة التي تعرضها الشركات المنتجة للأسلحة السرية فعدا أسعارها المكلفة فهي بحاجة، حتى تعمل كما هو مخطط لها، الى شبكة اتصالات الكترونية كونية تمتد من القاعدة الجوية في نيفادا وتمر عبر شبكة كابلات تحت المحيط تصل الى أوربا ومن هناك تُرسل المعلومات الى الأقمار الصناعية لترسلها بدورها الى الطائرات بدون طيار أو الصواريخ الذاتية التحكم التي تنطلق لوحدها عند شعورها بإقتراب جسم مهاجم والتي يخطط السياسيون لضمها الى نظام الدفاعات الأمريكي المستقبيلي. انه نظام معقد يسمى ب “كلوبال انترناشونال غريد” ويحتاج الى ميزانيات عملاقة أمريكا هي القادرة اليوم على امتلاكها دون غيرها وهي تتطلب تغييراً في الهيكيلية العسكرية كلها ففي “حرب الروبوت” لم يعد للعسكر دوراً يلعبونه فيها فقد حل مكانهم تدريجياً موظفو ال”سي آي أي” الى جانب شركات الحماية الخاصة. تغيير سيوصفه الخبراء في مقابلاتهم أمام الكاميرا بأنه الأخطر فيما يتعلق بأخلاق الحرب. فإذا كان الناس في السابق يعرفون الضابط الذي يعطي الأوامر لجنوده ويمكن لهم محاكتمه إذا أخطأ فاليوم أصبح هذا الأمر مستحيلاً لأن من يضع قائمة أسماء المطلوبين من التنظيمات الإرهابية والأهداف الخطرة ليس الضباط بل رجال المخابرات وهم ومن يضغط على الزر. لقد ألغي دور قادة الجيوش تدريجياً في الحرب السرية وستلغى معها كل المعاهدات الدولية التي وضعت للحد من جرائم الحرب مثل معاهدة جنيف التي تنص على عدم ضرب الأهداف المدنية وحماية المدنيين، على عكس ما تقوم به الطائرات بدون طيار فضحاياها أغلبيتهم من المدنيين وزيارة الوثائقي الى باكستان ستعطي صورة واضحة عنها.
ضحايا.. الحروب السرية
وفرت الحرب السرية للسياسيين سلطة اضافية بعد إبعاد العسكر قليلاً وكلمات أوباما في هذا القبيل تكشف ما توفره له التكنولوجيا الجديدة من امكانيات بحاجة لقوتها الى قواعد قوية كالتي يدعيها “أريد التأكد من ان الطائرات بدون طيار لن تسقط ضحايا من المدنيين وانها تتحرك وفق قواعد صارمة ومحددة ضد “القاعدة” وحلفائهم، فهي في الأصل موجهة ضد أشخاص مسجلة أسماءهم في قوائمنا”. في باكستان قدم الوثائقي معطيات صارخة أكدها أطباء ونشطاء في مظمات حقوق الإنسان: أكثر من ثلاثة آلاف شخص مدني قتل بهجمات الطائرات بدون طيار بينهم أطفال ما خلق حالة من الذعر بين السكان من وجودها فوق رؤوسهم مخفية. كما إزدادت معارضتها الى درجة دفعت الناس للخروج في مظاهرات كبيرة ونظم معارضون غربيون وباكستانيون ندوات وضحوا فيها مخاطرها الى جانب مشاركة شخصيات معروفة اجتماعياً بعرض المشكلة على الرأي العام العالمي وطالبت بعدم السماح لطائرات دول غريبة بضرب مواطنين مدنيين أبرياء بحجة مطاردة فلول تنظيم القاعدة في دول تعد حليفة للولايات المتحدة الأمريكية ما يشكل تناقضاً في سياستها الخارجية كما طالبو بمحاكمة المسؤولين عن موت مواطنيهم وتعويض أسرهم. مطالب تتقارب مع المفتتح الثالث للفيلم حيث صور هذة المرة تجمعاً كبيراً وقف قبالة القاعدة الجوية في نيفادا وطالب بإغلاقها فهي وحسب عدد من الذين التقاهم الوثائقي المسؤولة عن تحريك الطائرات السرية لتقتل أبرياء أعدادهم أكثر بمئات المرات من أعداد المطلوبين وبهذا فهي تخلق عداءاً وكراهية شديدتين للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً.