محمد القبلاوي، رئيس مهرجان مالمو للسينما العربية

هدفنا إثارة الجدل حول القضايا المهمة التي تعالجعها الأفلام

عدنان حسين أحمد

يقترن مهرجان مالمو للسينما العربية باسم المخرج والمنتج محمد القبلاوي المولود في سوريا من أبوين فلسطينيين. فهو مقيم في السويد منذ عام 1989. وقد بذل جهداً كبيراً مع طاقم العمل على تأسيس هذا المهرجان السينمائي الذي أصبح ظاهرة ثقافية متميزة تستقطب اهتمام المعنيين في الفن السابع في العالمين العربي والأسكندنافي. وبغية تسليط الضوء على أنشطة المهرجان وفعالياته المتنوعة التقينا بالمخرج محمد القبلاوي، رئيس مهرجان مالمو للسينما العربية ونثرنا على طاولته الأسئلة الآتية:

كيف تقيّم المهرجان وهو أعتاب دورته الثالثة. وما هي أبرز التطورات التي طرأت عليه حتى الآن؟
دخل المهرجان عامه الثالث منذ انطلاقته الأولى عام 2011. فهو تجربة صغيرة مدعومة من قِبل كثير من الفنانين ومن جهات سويدية ثقافية متعددة. كنا نتساءل في أنفسنا إذا ما كنّا نستطيع أن ننظِّم مهرجاناً سينمائياً أم لا؟ فأصررنا على ولادة الدورة الأولى بحضور “22” ضيفاً حيث عرَضنا للجمهور “36”  فلماً خلال خمسة أيام، وكانت التجربة ناجحة جداً ولعل أحد أسباب هذا النجاح هو حضور جمهور كبير جداً قارب الألفي متفرج في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها “280” ألف نسمة حيث فوجئ مسؤولوا المدينة والقائمون على أنشطتها الثقافية والفنية بهذا الحضور. فقررنا المضيّ بالمهرجان ومتابعته بشكل جديّ. فعرضنا في الدورة الثانية “74” فلماً ورفعنا عدد الضيوف إلى “42” ضيفاً، كما قمنا بقفزة نوعية حين عزّزنا أنشطة المهرجان بندوات وحلقات نقاشية وورشات عمل تتناول غالبية الجوانب التي تتعلق بصناعة الفلم العربي وتمويله وتسويقه وما إلى ذلك. فثمة حاجة ماسة للمخرجين السويديين من أصول عربية أو شرقية بشكل عام لأن يختلطوا مع المخرجين السويديين من جهة، ومع بقية المخرجين العرب الذين يعيشون في العالم العربي أو يتوزعون في بلدان الشتات من جهة أخرى، وتمت استضافة أول دفعة بلغ عددها “14”  مخرجاً من أصول عربية يقيمون في الدول الإسكندنافية حيث عرضوا أفلامهم وتناقشوا في مضامينها وأشكالها وتقنياتها. ثم وسّعنا المشاركات في الدورة الثالثة ورفعنا عدد الأفلام الروائية القصيرة المتنافسة إلى “38” فلماً تتوفر غالبيتها على سوية فنية كما استحدثنا ورشات عمل جديدة حيث ستلتقي هذا العام خمس مخرجات مصريات جديدات بخمس مخرجات من أصول عربية من مختلف الدول الأسكندنافية كي يصنعن أفلاماً قصيرة في أثناء أيام المهرجان الخمسة.

محمد القبلاوي

تتميز غالبية الأفلام المشاركة في المسابقات الرسمية الثلاث بنَفَسها الإشكالي المثير للجدل. هل ثمة تعمّد في هذا الانتقاء أم أنّ شروط الاختيار هي التي تحدد هذا النمط من الأفلام المُستفزّة أو المشاكسة في أقل تقدير؟
نحن اعتمدنا منذ بداية المهرجان على الأفلام الإشكالية أو المثيرة للجدل، لأن من بين أهدافنا المتعددة إثارة الجدل حول القضايا المهمة التي تعالجها الأفلام المشاركة في المهرجان. فهذا مقصود مئة بالمئة وهو لا يقتصر على أفلام المسابقات الرسمية الثلاث، وإنما يمتد إلى الأفلام التي تُعرض على هامش المهرجان كي تتوسع دائرة الجدل التي أشرت إليها تواً. فبعد عرض كل فلم تبدأ عملية توجيه الأسئلة إمّا إلى مخرج الفلم أو كاتب السيناريو، أو المنتج، أو أحد الممثلين الذين جسّدوا دوراً رئيساً في الفلم حيث يجيب على أسئلة المتلقين التي نعتقد أنها مهمة سواء أكانت من مُشاهِد عربي أم سويدي. وكما تعرف فإن المواطن السويدي خجول بطبعه ونادراً ما يسأل، لكننا في هذا المهرجان كسرنا حاجز الخجل وفتحنا المجال أمام السويدين والعرب على حد سواء كي يكونوا أطرافاً مهمة في إثارة الجدل ومناقشة الفلم من مختلف جوانبة الفنية والفكرية والثقافية. دعني أقول بكل صراحة وصدق أننا تعمّدنا أن نستقدم مثل هذه الأفلام المستفزّة والمثيرة للجدل كي تتماشى مع طبيعة الندوات الجريئة التي تعقد على مدى أيام المهرجان.

في كل دورة تكرّمون عدداً من نجوم السينما العربية وقد وقع اختياركم هذا العام على تكريم نجمين كبيرين وهما الفنانة لبلبة والنجم الفلسطيني محمد بكري. هل ثمة أسباب محددة دفعتكم لتكريمهما دون الكم الهائل من الفناني العرب؟
هناك العديد من الفنانين العرب الذين يستحقون التكريم ونتمنى نحن في مهرجان مالمو أن نكرّمهم، ولكننا في حقيقة الأمر لا نستطيع أن نكرّم عشرة أو عشرين فناناً دفعة واحدة لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالجانب المادي، ومنها ما يتعلق بإمكانية الحضور. إذاً فعملية التكريم تخضع لبعض الاشتراطات الفنية والإبداعية من جهة، وبإمكانية حضور هذا النجم العربي أو ذاك، فغالبا ما يكونون مرتبطين بمواعيد التصوير أو منهمكين في أمورهم العائلية أو غيرها من الأسباب التي قد تعيقهم أو تحدّ من مجيئهم. فنحن نتصل بالفنانين الذين ننوي تكريمهم وإذا وجدنا ظروفهم مناسبة، ويستطيعون الحضور والمشاركة في المهرجان فإننا نعلن عن تكريمهم، ونوضّح أسباب التكريم. وعلى هذا الأساس فقد اخترنا هذا العام علمين من أعلام الفن السينمائي العربي وهما لبلبة، الفنانة متعددة المواهب التي بدأت التمثيل في سن الخامسة ومثلّت أكثر من “83” دوراً رئيسياً، إضافة إلى العديد من الأدوار الثانوية. وقد جمعت بين التمثيل والتقليد والرقص والغناء، وجسدت الأدوار الكوميدية والجادة ومن أبرز أفلامها “البيت السعيد”، “ليلة ساخنة”، “ضد الحكومة”، “عصابة حمادة”، “الآخر”، “معالي الوزير”، وعشرات الأفلام الأخر. أعتقد أن هذا المنجز الكبير والمتنوع يدفعنا لتكريمها والاحتفاء بتجربتها الفنية التي استقرت في ذاكرة الجمهور العربي. وفيما يتعلق بالفنان محمد بكري فهو ممثل ومخرج سينمائي وقد أدى العديد من الأدوار مع مخرجين أوروبيين، وقد أثرى السينما العربية والعالمية بالعديد من الأفلام المهمة نذكر منها “خاص”، “حقل القبّرة”، “درب التبّانة”، “حكاية الجواهر الثلاث”، “جنين، جنين”، “مِن يوم ما رحت”، ونحن في مهرجان مالمو نرى أن حق هذا الفنان الكبير مغموط ولهذا التفتنا إليه وكرّمناه في دورة هذا العام.

كيف تحدّدون مشاركات الأفلام في المسابقات الرسمية من جهة أو في بقية محاور المهرجان الأخرى. وهل يعتمد اختياركم على ما هو متاح ويأتيكم إلى المهرجان بقدميه أم أنتم الذين تذهبون لاختيار ما يناسب اشتراطات المهرجان وتوجهاته؟
لقد وصلنا هذا العام “712” فلماً روائياً ووثائقياً وقصيراً، وهو عدد كبير جداً، ولكننا انتقينا “12”  فلماً لمسابقة الأفلام الطويلة و “16” فلماً لمسابقة الأفلام الوثائقية و”38″ فلماً لمسابقة الأفلام الروائية القصيرة. كما اخترنا أفلاماً أخرى تُعرض خارج المسابقات. لا ننتظر أن تأتينا الأفلام دائماً ونحن جالسون في مالمو، بل نذهب إليها في بعض الأحيان، إذ يصادف أن يكون أحد أعضاء لجنة التحكيم قد رأى فلماً وأُعجب به في أحد المهرجانات فيقع اختياره عليه، خصوصاً إذا كان هذا الفلم إشكالياً أو مثيراً للجدل، كما ذكرتَ في أحد أسئلتك. اخترنا هذا العام أفلاماً روائية قصيرة مهمة وجدنا من الضرورة بمكان عرضها على الجمهور في مالمو لأنها تعالج موضوعات آنية جيدة يحبِّذ الأوروبيون مشاهدتها والخوض في تفاصيلها.

هل يستطيع رئيس المهرجان المخرج محمد القبلاوي أن يقول بأنه أسس ظاهرة ثقافية وسينمائية في مالمو تجمع جمهوراً سويدياً من جنسيات مختلفة تتحاور فيما بينها طوال أيام أيام المهرجان؟ وما هي ردود فعل الجمهور السويدي وحجم تفاعله مع هذا المهرجان السينمائي الوليد؟
أنا لا أستطيع أن أقول هذا الكلام، ولكنني أود أن تسمع في السويديين أنفسهم في مالمو أو من المعنيين بالثقافة والقائمين على صناعة السينما وشركات الإنتاج والتوزيع التي نتعامل معها. فقد استطعنا خلال ثلاث سنوات أن نثبت وجودنا في السويد خاصة والدول الأسكندنافية بصورة عامة حتى أصبحنا مستشارين مجانيين لكثير من المهرجانات وشركات التوزيع التي تصلنا منها يومياً العديد من الرسائل الإليكترونية والاتصالات الهاتفية التي يسألوننا فيها عن هذا الفلم العربي أو ذاك. لقد بدأت شركات التوزيع السويدية تفكر جدياً بالفلم العربي الذي وجده طريقه إلى صالات السينما السويدية وقد اشتروا من خلالنا حقوق العديد من الأفلام العربية الناحجة فنياً. وغالباً ما أُسأل عن بعض الأفلام العربية الجيدة فأوصلهم مباشرة بالمخرجين أو المنتجين أو الموزعين العرب الذين يستطيعون أن يأمنوا الأفلام المطلوبة التي يحبذها الجمهور السويدي. وقد سوّقنا هذا العام ثلاثة أفلام عربية.

محمد بكري

ومما أثار انتباه الموزعين في الدورة الأولى هو الحضور الكثيف إذ استطعنا أن نجذب “1839” متفرجاً في الدورة الأولى وفي مدينة صغيرة في مالمو، كما تنامى هذا العدد ليصبح”3764″ مُشاهداً في الدورة الثانية. لا أريد القول بأننا أول مِن استقدم الفلم العربي في السويد، فهناك تجارب عديدة في المضمار، لكنها لم تأخذ صيغة الانبثاق عن تجمع فني أو مهرجان كما هو الحال بالنسبة لنا حيث يرجعون إلينا كلما احتاجوا إلى فلم أو مشورة فنية. ففي السويد الآن الكثير من الندوات المكرّسة عن “الربيع العربي” وغالباً ما يتصل بنا منظّموا هذه الندوات أن نرشّح ناقداً أو مختصاً أو مخرجاً يتحدث عن هذا الموضوع بحرفية أو عن تجربة شخصية مرّ بها أو درسها بعناية. ونحن نقدّم كل هذه الخدمات بغية ترويج السينما العربية ونشر ثقافتنا الأصيلة التي تمتد عميقاً إلى الماضي البعيد.

وسط انغماسك في إدارة مهرجان مالمو للسينما العربية هل تفكر بالعودة للإخراج السينمائي الذي يعتبر اختصاصك الأول؟

منذ انطلاقة المهرجان عام 2011 وأنا منهمك في تفاصيله الكثيرة التي تأخذ كل وقتي، ولكنني أتمنى خلال السنتين القادمتين أن يقف فريق العمل الذي أعددته على قدميه ويتبنى الموضوع جملة وتفصيلاً، فلدينا “28” شاباً من أصول عربية ولدوا في السويد، كما أن لدينا بعض السويديين الذين يعملون معنا، أتمنى عليهم أن يتحملوا أعباء المهرجان وأن يقتصر دوري على الموضوعات والقضايا الاستشارية فأنا مشتاق جداً للإخراج السينمائي ولدي منذ سنتين نص سينمائي أتمنى أن يرى النور خلال العام القادم.


إعلان