التجربة الإسرائيلية

أمستردام – محمد موسى

يُشِير الجندي الإسرائيلي الى مجموعة الصور والخرائط المُعلقة على الجدار خَلفه ثم يتوجه بالحديث الى مجموعة الشباب والشابات أمامه والآتين من دول غربية مُختلفة:” إنظروا الى الفرق بين أرضنا وأرضهم، الى خَضّار أشجار الزيتون في إسرائيل، وقارنوه بالصحراء المُقفره في أرض العرب. نحن بنينا هذه الأرض وهم لا يبالون”. رغم لؤم وعنصرية ما تفوه به الجندي الإسرائيلي الشاب، إلا إن شيئا ما في لكنته الإنكليزية الثقيلة والامبالاة في صوته، وهو يُعيد تكرار العبارة للمرة الألف رُبَّما، حولا المشهد، من إحتفال بغيض بالكراهية، الى ” كاريكاتير ” عن حال الماكنة الإعلامية الرسمية الإسرائيلية اليوم، والتي كانت في زمن ما، شاغلة الدنيا وشديدة التأثير في العالم، قبل أن تتحول في السنوات الأخيرة لأداة حرب منبوذة ومُنهكة مازالت تَضرب بكل الإتجاهات، من دون أن تصيب أهدافها إلا نادراً.

المحاضرة القصيرة التي ألقاها الجندي الإسرائيلي ذاك، هي جزء من مشروع إسرائيلي إعلامي مُثير للجدل، يدعو منذ عقدين تقريبا مئات الشباب اليهود من كل دول العالم، للقدوم الى إسرائيل والتعرف على الدولة العبرية، وبالخصوص قوتها العسكرية وتاريخ حروبها الطويل مع جيرانها العرب. فيلم “إسرائيل لميتيد.” للمخرجة مور لوشي يقترب من مجموعة من الشباب الغربيين، في “تجربتهم” الإسرائيلية. ورغم إن تاريخ إنتاج الفيلم يعود الى ثلاث أعوام ماضية، الا إنه وصل لأول مرة قبل إسبوع فقط الى التلفزيون الهولندي، الذي عرضه في الوقت الذي تواجه هولندا إنتقادات حادة من إسرائيل، بسبب قوانين حكومية هولندية جديدة، تفرض عقوبات تجارية على الشركات التي تقوم بإنتاج بضائع في الأراضي الفلسطينية المحتلة من عام 1967.

يُرافق الفيلم مجموعة من المشتركين بالتجربة الإسرائيلية من لحظة وصولهم الى المطار الإسرائيلي. لكن التعريف بشخصياتهم وخلفياتهم الإجتماعية سيتأجل لأوقات لاحقة من الفيلم. المجموعة التي يركز عليها الفيلم متكونة في أغلبها من أمريكيين يهود. الفيلم سيهتم بثلاثة أفراد من المجموعة، منهم شاب من كندا. هذا الأخير، سيقف وحيداً أحياناً في موقفه الذي لن يتزحزح برفضه الصارم لكل أشكال الحروب او الإحتفاء بالمجد العسكري، والذي توليه التجربة الإسرائيلية هذه أهمية كبيرة. فيما ستتأثر مواقف زملائه في التجربة بما يشاهدوه في الأسابيع التي قضوها في إسرائيل. إذ رَسَخَّت “الأيام الإسرائيلية” الأفكار العنيفة التي يحملها أصلاً شاب أمريكي لم يتعدى الثامنة عشر وقتها، صَّرح، وحتى قبل أن يصل إسرائيل، بأن السياسة والحروب هما ما يَّشغل إهتمامه. سيجد الشاب ما يبحث عنه في إسرائيل. هذا الشاب نفسه سيتصل هاتفياً بوالده من مرتفعات الجولان، ليخبره بحماس عن مكانه، وكيف تسللت الإنتصارات الإسرائيلية لروحه.

يتجزأ الفيلم التسجيلي لأقسام، على عدد الأسابيع الخمس التي قضتها المجموعة في إسرائيل. يعقب نقل كل نشاط في التجربة، مساحة في الفيلم لتسجيل ردود أفعال الشخصيات الرئيسية الثلاث والتي ستتاثر وتتصاعد حميتها مع تواصل البرنامج العسكري التاريخي المُكثف. من نشاطات البرنامج، هو زيارة قرية عربية في إسرائيل يسكنها مسلمين دروز. التحضيرات التي سبقت الزيارة كانت من الغرابة التي حولتها سريعاً الى نوع من الكوميديا السوداء، فالجندية الإسرائيلية الشابة  التي رافقت المجموعة ستفرش مجموعة من صور فوتغرافية على الأرض، وتؤمي للشباب:”هكذا يبدو العرب!”، ثم تُكمل ” الشباب منهم بشوارب وبدون لحى، والمسنون بالأثنين معاً”. مجموعة الشباب سترقص مع عرب القرية، وسيقضون وقتاً ممتعاً. هذا الإختلاط بين الجنسيات المُختلفة، لن يكون غريباً على الطالب اليهودي الكندي، فهو من صميم هويّة مجتمعه. فيما بقيت الشكوك تُساور الشخصيتين الأخريتين في الفيلم بإتجاه عرب إسرائيل، والعرب بالمُطلق!

يُوفر الفيلم، وربما بدون تخطيط، نافذتين مهمتين، إحداهما على التجربة الإسرائيلية المُثيرة للجدل، والإخرى على علاقة يهود من العالم مع إسرائيل. فالبرنامج التعليمي الإسرائيلي لم يَّعد ينتمي الى هذا العالم، و الفيلم التسجيلي هذا ، هو دليل جديد على إهتراء الجهاز الإعلامي الإسرائيلي، والذي عرَّف فترات نجاح طالت لعقود أيضاً. من جانب آخر يبرز الفيلم، والذي لم يتحدى شخصياته بأسئلة عن البرنامج نفسه وجدواه وشرعيته، بأن كل  “بروباغاندا” حتى السيئة منها، ممكن أن تؤثر بالبعض. الفيلم من جانبه يوفر فرصة نادرة ، للتقرب من شباب وشابات من دول غربية، من الذين لازالت تغريهم الدولة العبرية ، بوعودها وبشاراتها التي أطلقتها في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، قبل أن تطيح أحداث التاريخ المعروفة بالإسطورة تلك وربما للأبد.


إعلان