فيلم “عمر” يعيد أجواء السينما المفقودة في غزة

غزة – تامر فتحي

لا توجد سينما في غزة، وبالتالي لا توجد أجواء الذهاب إلى السينما، لكن فيلم “عمر” للمخرج هاني أبو أسعد والمرشح لجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية الذي عرض مؤخرًا بإشراف من تجمع ديوان غزة في فندق المتحف، وللمرة الثانية بناء على طلب الجمهور، أعاد للمدينة المحاصرة الأجواء المفقودة. فمن شراء التذكرة والدخول إلى قاعة عرض يوجد على مدخلها لوحة مضيئة عليها اسم الفيلم وشخص يفحص تذاكر الجمهور، ثم مشاهدة فيلم مثير مليء بالمطاردات والتشويق والحب ويصفق في ختامه الجمهور ومرشح لجائزة أوسكار، تلك هي أجواء السينما.
ولم تكن أجواء السينما وحدها التي أعادها الفيلم لغزة، لكنه نقل الضفة الغربية في صورة سينمائية ناضجة إلى قطاع غزة المحروم من بقية فلسطين. وعلى الرغم من تشابه التفاصيل المادية وشكل المخيمات والبيوت وخزانات المياه وأغلب تفاصيل المُعاش اليومي، لكن جمهور الغزي كان يشاهد الفيلم بعين تتلصص على الضفة ويعقد المقارنات بين ما هو موجود هنا وما هو موجود هناك، تمامًا كما كان يفعل في السابق مواطنو ألمانيا الشرقية مع سكان ألمانيا الغربية، أو كوريا الشمالية مع الجنوبية، جغرافيا.. قريبة لكنها بعيدة على عدة مستويات، وهذا ما يؤكده المخرج الشاب حسام أبو رمضان أحد أعضاء تجمع ديوان غزة الثقافي، للجزيرة الوثائقية بعد العرض “نقل لي الفيلم طبيعة الحياة في الضفة الغربية وذلك من خلال تفصيلات صغيرة يجيد أبو أسعد تمريرها خلال الفيلم، ويجعلني وأنا مشاهد من غزة اسأل نفسي هل يمكنني تحمل الحياة مع العدو على هذا القدر من القرب.”

يقترب هاني أبو أسعد كثيرًا من العدو الإسرائيلي في فيلمه الأخير بل ينجح في كسر صورة العدو الأجنبي الدموي الغبي، التي قدمتها السينما العربية مرارا وتكرارا، وذلك من خلال شخصية “رامي” ضابط جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”، الذي لعب دورها الممثل والمنتج وليد زعيتر. فالعدو هنا، كما يقول خالد أبو شعبان، ناقد شاب وأحد أعضاء تجمع ديوان غزة، “مختلف فهو إنسان يؤدي عمله وله حياته. والممثل الذي أدى دور ضابط جهاز الشاباك أجاد في التمثيل فأكسب الدور حيوية، أنت أمام عدو تجد نفسك متورط بالإعجاب به. وهذا الأمر في الحقيقة أثار حفيظتي وأظنه أثار حفيظة الجمهور ما جعله يصفق بشدة عند مقتل رامي في نهاية الفيلم.”
تدور قصة الفيلم حول عمر، وقصة حبه لنادية أخت طارق صديق عمر وأحد القادة الفاعلين في المقاومة الفلسطينية بالضفة الذي يخطط لعملية قنص جندي إسرائيلي ينفذها هو وعمر وصديقهما أمجد، ثم يكشف أمرهم “الشاباك” وتبدأ المطاردات إلى أن يلقى القبض على عمر ويزج به في السجن للضغط عليه وتوريطه للعمل كجاسوس بين عناصر المقاومة، وفي غرفة التحقيق يتأكد عمر أنهم يعرفون أدق أسراره وأسرار أصدقائه وحبه لنادية، ليبدأ الشك في وجود خائن بين الأصدقاء، ولكي يتمكن من رؤية حبيبته ومعرفة الخائن يوهم عمر “الشاباك” أنه يعمل لصالحهم وأنه سيسلمهم طارق، ثم يخرج من السجن ليشك فيه الجميع في أنه عميل، حتى طارق ونادية. بعد ذلك تتشابك خيوط القصة ليصاب المشاهد بالحيرة، هل استسلم عمر وأصبح خائنًا بالفعل، هل خانت نادية عمر وأحبت أمجد الذي كان ينافس عمر سرًا في حبها ، هل خان أمجد الجميع؟ ليصبح المشاهد فريسة لأحاسيس مرتبكة مع كادر بصري سريع وحائر، وخاصة في المشهد الرائع الذي لا يتمكن فيه عمر من تسلق الجدار العازل حيث كان يتسلقه في السابق بخفة قرد، تتجلى مشاعر الخيبة والعجز لتنتقل لنفس المتفرج.     
منذ فيلمه الأول “زواج رنا” (2002) الذي لم يلقَ نجاحًا كبيرًا، وهاني أبو أسعد يطمح في صنع فيلم له خصوصية فلسطينية، إلى أن جاء فيلمه الثاني “الجنة الآن” (2006) الذي حقق نجاحا عالميا، مسلطًا الضوء على قضية العمليات الاستشهادية وتقديمها لجمهور غربي يدين مثل هذه العمليات في إطار إنساني يثير التساؤل ولا يضع إجابات حاسمة. وها هو يعود ثانية في “عمر” ليسلط الضوء على تفصيلة شائكة في جسد القضية الفلسطينية وهي قضية المتعاونين مع الاحتلال وكيف يتم توريطهم والايقاع بهم.  

عمر ونادية

“الفيلم موجه للجمهور الغربي ولا يخاطب الجمهور العربي. وهو فيلم هوليودي بامتياز، يبسط فيه المخرج التفاصيل الكثيرة والمتشابكة للقضية الفلسطينية ليقدم للمشاهد الغربي قصة يفهمها ولا يتوه فيها.” تقول ياسمين الخضري منسقة تجمع ديوان غزة الثقافي الذي نسق لعرض الفيلم في غزة ضمن إطار نادي الأفلام، في حين يخالفها الرأي حسام أبو رمضان الذي لا يرى أن الفيلم سطح التشابكات العميقة للقضية الفلسطينية من أجل المتفرج الغربي، بل على العكس فالفيلم “مُركز واختار أبو أسعد تفصيلة من تفاصيل القضية وسلط عليها الضوء.”
ومن جانبه يرى خالد أبو شعبان أن هاني أبو أسعد أجاد في أخراج فيلم جيد لاهث يجذب انتباه المتفرج بلا أي خلل أو فصل أو تحول في السياق الفني للفيلم رغم قلة الامكانيات المتاحة، وكذلك أداء الممثلين آدم بكري “عمر” و ليم لوباني “نادية”.
يذكر أن فيلم “عمر” عرض في قسم “نظرة ما” بمهرجان “كان” السينمائي الأخير، وفاز بجائزة “المهر العربي” لأفضل فيلم روائي طويل فضلا عن منحه جائزة أفضل مخرج، وذلك في حفل توزيع جوائز الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي، كما ترشح الشهر الماضي لجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية، وهو الفيلم الثاني للمخرج أبو أسعد الذي يترشح للجائزة ذاتها.
 


إعلان