التربية على الثقافة السينمائية بطنجة

من تلاميذ المدارس الابتدائية… إلى زملائهم في الثانويات

أحمد بوغابة / المغرب

لا داعي للتذكير بما تقوم به الخزانة السينمائية بطنجة لصالح فنون السينما وثقافتها طيلة السنة، وهو ما جعلها متميزة على الصعيد المغربي. فقد سبق لنا أن توقفنا في كثير من محطاتها المنيرة في المجال من خلال نصوص منشورة في موقع الجزيرة الوثائقية (ومنابر أخرى) خلال السنوات الأخيرة. ويعرف الزوار، من خارج مدينة طنجة، موقعها الاستراتيجي الهام وسط قلب المدينة حيث تربط بين جهتيْها: العتيقة والجديدة. فقد تحولت لملتقى الشباب وكل من يعشق سينما مختلفة ومتعددة وكذا ما توفره في مكتبتها من كتب ومجلات ووثائق وبحوث في السينما وإلى جانبها كثير من الأفلام النادرة حول طنجة أو صُورت بها. نقاشات تتوزع في أركانها طيلة اليوم وطيلة الأسبوع (باستثناء يوم الإثنين وهو يوم عطلتها الأسبوعية)

المصباح السحري
بعد نجاح تجربة “المصباح السحري” مع أطفال تلاميذ المدارس الابتدائية، الذين لا يتعدى عمرهم 12 سنة، منذ أزيد من أربع سنوات، في عروض شهرية ذات بعد بيداغوجي وذلك في إطار التعاون مع الجمعية الأم بنفس الإسم الموجود مقرها الأصلي بسويسرا، وترسخ هذا البرنامج وأصبح مكسبا لتلاميذ مدينة طنجة انتقلت الخزانة السينمائية لمستوى آخر بالعمل مع تلاميذ الإعداديات والثانويات ابتداء من السنة الجديدة الحالية 2014. وتُرَكِّزُ الخزانة السينمائية عملها التربوي مع تلاميذ التعليم العمومي بالأساس، وخاصة الموجودين بضواحي المدينة حيث أغلبهم لم تطأ أرجلهم قاعة سينمائية.
“المصباح السحري” الذي بدأت به الخزانة السينمائية عملها في وسط التلاميذ الصغار، هو ناد سينمائي يركز في كل عرض شهري على تنويع الفرجة ذات أهداف تربوية في ثقافة السينما من خلال توزيع نشرة للفيلم المقرر (وإرسالها إلى البعض إلى عناوينهم الشخصية فيجد الطفل سعادة بتوصله بها على عنوان منزله) تتضمن ملخصا لفيلم بشكل يكتشف فيه الطفل/التلميذ مجموعة من المعطيات التي تتغير بتغيير الفيلم طبعا مع استحضار أيضا كل مرة تقنية سينمائية وجزء من تاريخ السينما. هذه المعطيات يتم تجسيدها – في بداية حفل العرض – بمسرحية قصيرة جدا يقدمها منشطون مؤهلون لهذه المهمة التربوية فتثير فضول الأطفال للتقنيات المُبرمجة مع حوار مباشر معهم لقياس مدى استيعابهم لها ثم يبدأ العرض السينمائي الذي يرافقه بعض المنشطين أحيانا لتعميق المعرفة السينمائية الجديدة على الأطفال أو في نهاية عرض الفيلم ليعبروا عن فهمهم له وكيف تفاعلوا معه أيضا.

المشرفان على التأطير

تجربة “المصباح السحري” نموذجية لأطفال التلاميذ مع السينما في غياب الاهتمام الجهات المسؤولة على التعليم في المغرب بجعل السينما جزء من منظومته التربوية في مجتمع محاصر بالصور يتأثر بها دون أن يستوعب دلالاتها وأبعادها في الحياة اليومية. وتكمن أهمية هذه التجربة ونجاحها في كون إدارة الخزانة السينمائية، التي تدير هذه المعلمة الثقافية بطنجة، تعمل من خلال شَرَاَكة عملية وواضحة مع بعض المؤسسات والشركات المحتوية على أقسام اجتماعية وتعاونيات لكي تتكفل ضمن مساندتها للمشروع الثقافي المذكور بنقل الأطفال والتلاميذ من أحيائهم البعيدة الهامشية إلى قاعة الخزانة السينمائية لأن الهدف الأساسي هو أن يشاهد الطفل الأفلام في مكانها الطبيعي وهي القاعة السينمائية بكل شروطها حتى يتعرف على المكان ويستأنس به ويدرك أن هذا الفن هو بدوره يمكن مناقشته والبحث فيه فضلا عن متعة المشاهد الجماعية وعلى شاشة كبيرة. وأن القاعة السينمائية لها قواعدها لمشاهدة الأفلام التي تختلف جذريا عن مشاهدة التلفزيون في البيت. إن الفرح الذي يتمتع به أولئك الأطفال لا يُقدر بثمن سوى السعادة التي يتمتع بها خلال العرض والخروج من القاعة بنشوة جميلة والتي يعبر عنها جلهم بالنقاش والإلحاح على معرفة التاريخ بالضبط للعرض المقبل.

الانتقال إلى الإعداديات والثانويات
بعدما أصبح “المصباح السحري” مكتسبا قائما لأطفال الهوامش من المدارس العمومية الشعبية، وترسيخه كثقافة سينمائية ضرورية في البرامج الشهرية للخزانة السينمائية بطنجة انتقلت هذه الأخيرة بصفتها التنظيمية والمحتضنة إلى مستوى آخر في التربية على الثقافة السينمائية، ابتداء من بداية السنة الجديدة الحالية (2014)، بوضع خطوة أخرى في هذه البنية الثقافية بولوج الإعداديات والثانويات بشراكة مع نيابة وزارة التربية الوطنية بطنجة – أصيلة. وحين أتحدث عن الولوج أعني به سياسة الخزانة السينمائية التي تسعى إلى مد جسور التعاون مع المؤسسات التعليمية على أساس أن يحضر التلاميذ إلى قاعة السينما لمشاهدة الأفلام فيها ومناقشتها داخلها وليس على كراسي مؤسساتهم التعليمية حيث العروض بالفيديو أو الأقراص دون احترام القواعد الأساسية للفرجة السينمائية حتى يأخذ التلميذ العروض في القاعة مأخذ الجد وأنها ثقافة ومعرفة بنفس المستوى الذي قد تكون تسلية. ستختلف العروض الخاصة بتلاميذ الثانويات عن “المصباح السحري” سواء في المضمون أو في الشكل. إنه مستوى آخر من التعامل البيداغوجي في التربية على الثقافة السينمائية والتي سيستفيد منها أكثر من 700 تلميذ وتلميذة في هذه الدورة الأولى برسم الموسم الحالي.

التلاميذ يتجهون للسينما

ولكي ترتقي بمستواها في العمل مع الثانويات، نجحت الخزانة في أن تجد دعما مهما من مؤسسة البحر الأبيض المتوسط وجهة باريس وجمعية القاعات السينمائية المستقلة بجهة باريس، وهذه الأخيرة لها تجربة قديمة وعميقة في التعامل مع الثانويات ووافقت على نقل تجربتها إلى طنجة مع أخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية. حضر من الجمعية محاضرين لتنشيط ورشة استفاد منها بعض الأساتذة الذين لهم إلمام بالثقافة السينمائية بشكل عام وسبق لهم تسيير بعض الأنشطة السينمائية في مؤسساتهم التعليمية ليكونوا هم المؤطرون للعمل مع التلاميذ. وقد تم تنظيم ورشة طيلة أيام الجمعة 24 والسبت 25 والأحد 26 يناير 2014 بالخزانة السينمائية. إنه مشروع تربوي إلتزمت به الخزانة السينمائية وشرعت فيه كأول دورة انطلاقية في هذا الموسم والذي سيمتد من شهر فبراير إلى شهر مايو المقبل ثم استئنافه في السنة الدراسية المقبلة.
تم في الأيام التكوينية عرض فيلمين مختلفين، الأول حديث الإنتاج نسبيا (2006) من كوريا الجنوبية “المضيف” من إخراج يونغ جون – هُو، والثاني كلاسيكي هو “الفجر” (1927) من إخراج الألماني فريديريش مورناو الذي أخرجه في هوليوود. كما شمل البرنامج أربعة أفلام قصيرة هي مشاهد من ساحة 9 أبريل والمعروفة عند سكان طنجة بالسوق برا وأخرى من السوق الداخلي وهي من إخراج غابرييل فييري سنة 1935 والذي كان مصورا للأخوين لوميير في المغرب. والفيلم القصير الثاني هو مغربي بعنوان “بالكون أتلانتيكو” من إخراج هشام فلاح ومحمد الشريف الطريبق. أما الثالث فهو فرنسي “إسحقه” (2011) من إخراج ياسين قنية (فرنسي من أصل مغربي) ليكون الفيلم الأحير هو “الساحر” من إنجاز الفنانة يطو برادة الذي أنجزته سنة (2003).

نشرة المصباح السحري

وهذا الاختيار هو متعمد حتى يدرك التلاميذ تطور السينما وأجناسها واختلافها في الرؤية والتناول الفني. حاول المؤطران الفرنسيان خلق نقاش مفتوح مع الأساتذة الحاضرين حول الأفلام بعلاقة مع الأجواء العامة التي قد تختلف من قسم إلى آخر وبين مجموعة وأخرى وبالتالي لا ينبغي الانطلاق من موقع العارف والمتمكن وإمكانية العودة إلى مقاطع أو مشاهد أو حتى لقطات في إطار الدراسة للفيلم. كما قد يكون برنامج الأفلام له علاقة بشعبة أو مادة ما كالأدب أو التاريخ أو غيرهما، أو لأفلام شعبية تشجع التلاميذ الحديث عنها إيجابيا أو سلبيا. إن المهم هو جعل السينما ترفيه ثقافي مفيد يجمع بين المتعة والاستفادة في مضمون الفيلم وفنيته حتى يتعلم كيف يفك ألغاز الصور والمشاهد واللقطات في مشاهدته اليومية أي خلق جمهور واع بمشاهدته وليس سينمائيين محترفين (ربما قد يظهر بينهم من سيختار السينما كهدف علمي في دراساته العليا لكن الأساسي هو خلق مشاهد سينمائي واع). ونعلم أن التدريس ليس سهلا وفي متناول الجميع لأنه يتطلب بيداغوجية في التلقين وهو يختلف عن عرض لمحاضرة وبالتالي ليس كل من يملك معلومات سينمائية هو مؤهل حتما لتدريسها.

حوافز التشجيع لاستيعاب السينما
ولتشجيع التلاميذ على المتابعة والمساهمة في النقاش والانضباط في الحضور، لأن العروض السينمائية ستكون خارج أوقات الدراسة وتتطلب الانتقال إلى الخزانة السينمائية ربما من أحياء بعيدة رغم أنه سيتم توفير المقل، فقد خلقت الخزانة السينمائية كثير من الحوافز في صيغ مختلفة كتمكين المشارك من بطاقة شخصية بها إسم التلميذ وصورته ليلج القاعة مجانا لمشاهدة الأفلام خارج الورشة وتمتيعه بتخفيض مهم جدا في بعض العروض الخاصة التي تحتضنها القاعة. كما سيعرف المنضبطون تشجيعا في المشاركة في بعض المهرجانات السينمائية والتي ستبدأ مع المهرجان الدولي لسينما أقطار المتوسط بتطوان ابتداء من دورة الربيع المقبلة في إطار الشراكة التي جمعت الجهة المنظمة للمهرجان والخزانة السينمائية والتي بدأت ترجمتها بتنظيم معا جزء من لقاءات السينما العربية بمرسيليا في الأسبوع الثاني من شهر يناير 2014.
أعتقد أن هذه الخطة جد إيجابية كبداية للاستئناس التلاميذ بفنون السينما كمشاهدين بعيون وأذان واعية في انتظار أن تقتنع الجهات المسؤولة بجعل السينما جزء من برامج الدراسة وتحظى هي أيضا بالتنقيط كباقي مواد المقررات. وفي انتظار ذلك، ينبغي تعميم تجربة الخزانة السينمائية بطنجة في باقي المدن المغربية حتى لا تبقى معزولة تغرد وحيدة في سماء السينما الناشئة.
   


إعلان