المهرجان الدولي لسينما المؤلف بالرباط

زبيدة الخواتري

لقطة من فيلم “عائدون”

كأي مجال بكر شكلت الصناعة السينمائية منذ انطلاقها سنة 1895 مجالا لاستثمار رؤوس الأموال، سواء في أوروبا أو أمريكا، وكان الهدف هو ازدياد مداخل شباك التذاكر، وهو ما حوّل هذا الفن إلى ساحة يحتدم فيها صراع أصحاب رؤوس الأموال، من منتجين وأصحاب استوديوهات، لحد أن وضعية المخرج والممثلين كانت أشبه بموظفين لدى رأس المال، في هذا المجال، فلم تكن هناك حرية للابتكار إلا في حدود ما يُنمّي إيرادات شبابك التذاكر. فمكانة المخرج التي يتربع عليها اليوم لم يكن لها وجود. إلا أن التطورات التي عرفها هذا المجال، وظهور تيارات إبداعية خلال المرحلة الممتدة من عشرينيات حتى ستينيات القرن العشرين، كتعبير عن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حدثت بين حربين عالميتين، وكذا ظهور مدارس وتيارت فنية في التشكيل والمسرح والآداب، أعاد الاعتبار إلى المخرج السينمائي كمبدع وصانع للفلم… وهو ما أنضج الظروف لظهور مصطلح “سينما المؤلف” التي تعني أن المخرج يصب رؤيته الفكرية وثقافته البصرية والجمالية في فلمه، تماما كأي مبدع آخر، وأن دوره لم يعد دور تقني يوجه الممثلين ويختار زوايا التصوير، بل تعدّى ذلك لكتابة القصة والسناريو واختيار المواقع والممثلين, إنه المبدع والمنفذ حسب مصطلح سينما المؤلف.

مُلصق فيلم “كلب أندلسي”

ويتفق جل النقاد والمهتمين بالفن السابع أن سينما المؤلف نالت الاعتراف وشقت طريقها بقوة منذ سنة 1960 عندما حصل فيلم “الحياة الحلوة”  للمخرج الايطالي “فريدريكو فيلليني” (Federico Fellini)، على السعفة الذهبية بمهرجان كان الدولي لكونه زعزع انتظار المتتبعين، وعلى رأسهم لجنة التحكيم، بأسلوبه الجديد، الذي لم يعد فيه دور المخرج ينحصر في توجيه الممثلين وتحديد زوايا التصوير بل يتعدّاه إلى وضوح الرؤية الفلسفية للعالم من حوله وللعلاقات بين الموجودات من خلال عمله الفني الذي يحمل بصماته هو (كمخرج يملك الحرية والسُلطة على عمله)، مما يعتبر إضافة نوعية للفن السينمائي.

مناسبة هذه التوطئة هو ما ستعرفه مدينة الرباط بين الفترة الممتدة ما بين 24 أكتوبر و1 نوفمبر2014 من احتضان للدورة العشرين من المهرجان الدولي لسينما المؤلف، الذي تُنظمّه جمعية مهرجان الرباط الدولي للفنون والثقافة، هذه الدورة التي ستلتئم تحت شعار “السينما ملتقى للحوار وتلاقح الحضارات”، ايمانا منها بكون السينما قادرة على “مدّ جسور متنوعة ومتعددة في الزمان والمكان خدمة للقضايا الإنسانية والفنية والثقافية.”، وقد اختار المنظمون، هذه السنة، كضيف للدورة “السينما الاسبانية”  لعطاءاتها وإنجازاتها على الصعيد العالمي، وفي هذا الإطار سيُكرم المهرجان المخرج الإسباني المتميز لويس نيوبل  (Luis Buñuel) ‏ (22 فبراير 1900 – يوليو 1983)، الذي طبعَ أعماله بالجرأة وطرح الأسئلة الشائكة حول الدين وما يحيط به من تابوهات.

ومن أفلامه المشهورة، التي تميزت بالجرأة، فيلم “كلب أندلسي” الذي أخرجه بفرنسا سنة 1928 بالاشتراك مع الفنان التشكيلي “سلفادور دالي”، والذي استقى مادته من حلمين مختلفين لكل من “لويس نويل” وصديقه السريالي سلفادور دالي، وقد بقي هذا الفيلم صامتا بدون موسيقى على مدى 30 عاما ولم توضع له موسيقى تصويرية إلا سنة 1960. وستكون السينما الاسبانية خلال هذه الدورة، التي سيترأس لجنة تحكيمها المخرج المغربي حكيم بلعباس، حاضرة بقوة في النقاش الهام  حول سينما المخرج  لويس نيوبل  (Luis Buñuel)، الذي سيتم الاحتفاء بعطائه ضمن موائد مستديرة وندوة خُصصت لتعميق الحوار وتبادل الآراء بين النقاد وصناع السينما في البلدين.

وسيُكرّم المهرجان السينما الفلسطينية ممثلة  في المخرج إيليا سليمان، كما سيتم تقديم الفيلم الوثائقي “العائدون” لمخرجته الكندية الفلسطينية الأصل تغريد سعادة، وهو فيلم يتناول، خلال 24 دقيقة، الجانب الإنساني لقاطني مخيمات تندوف من خلال ثلاثة قصص لعائدين إلى المغرب منهم من كان يتبوأ مواقع قيادية في جبهة البوليساريو.
تتميز هذه الدورة باحتفاء جمعية مهرجان الرباط الدولي للفنون والثقافة بمرور عشرين سنة على انطلاق هذه التظاهرة التي استقطبت أسماء كبيرة في عالم السينما، وراكمت تجربة غنية في هذا المجال لا يمكن إلا أن تساهم في إحداث قفزة نوعية في هذا المجال على صعيد الابداع السينمائي في المغرب ولدى الآخرين.
 


إعلان