وثائقيات عربية تنافس العالمية في مهرجان أبو ظبي

قيس قاسم

مع اقتراب موعد انعقاد الدورة الثامنة لمهرجان أبو ظبي السينمائي، يزداد الاهتمام والترقب بين أوساط نقاد السينما العربية والمعنيين بها، لما يشكله الحدث من أهمية مرتبطة بطبيعته كونه واحداً من أكبر المهرجانات في العالم العربي وتحوله خلال سنوات قليلة الى مركز حيوي تتفاعل داخله السينما العربية مع العالمية عبر اشتراكهما سوية في أغلب المسابقات علاوة على ما يوفره من دعم لصناع الفيلم العربي لينجزوا أعمالهم، وتلعب “سند” دوراً مهماً في هذا المجال، بالاضافة الى تشكله كمساحة حيوية يمكن لزواره أن يتلمسوا داخلها الحراك السينمائي في المنطقة وعلاقة الناس به.

وتشير المعطيات التي قدمها رئيس المهرجان علي الجابري الى اكتمال تفاصيل دورة متميزة على مستوى العروض المختارة وبشكل خاص الوثائقية منها والتي صارت علامة خاصة بالمهرجان، ينفرد بها عن بقية المهرجانات العربية. ففي كل دورة هناك أفضل ما منجز خلال عام كامل والدورة الحالية تؤكد هذا الإنطباع.

على المستوى العربي أُدرج ضمن برنامج الدورة الثامنة الفيلم الوثائقي المغربي “قراصنة سلا” للمخرجتين مريم عدّو وروزا روجرز، ويتناول حدثاً واقعياً يتعلق بسيرك يقام على أطراف أحد أفقر الأحياء في المغرب وكيف يُغيّر السيرك الجديد حياة الشباب. الفيلم بمثابة رؤية للعالم السحري للسيرك من خلال عيون لاعبي الأكروبات والبهلوانيين والفنانين المراهقين، الذين يكدحون تحت إشراف مدير يسعى للكمال ويشعرون للمرة الأولى بمعنى لحياتهم. من مصر سيشاهد جمهور المهرجان فيلم “أم غايب” وفيه تحاول نادين صليبي تناول ظاهرة اجتماعية لها علاقة بالمرأة والموقف  منها في حالة عدم تمكنها من الانجاب وقصة الشابة “حنان” توثيق للموقف. تذهب كاميرا صليبي الى منطقة نائية من صعيد مصر، حيث تحاول “حنان” ومنذ أكثر من اثني عشرة عاماً أن تُنجب لكن بدون جدوى، حتى أُطلق عليها لقب “أم غايب”. تستكشف المخرجة نادين صليب متاهة الأحكام المسبقة المتخلفة التي تعامل  النساء مثل “حنان” كضحايا القدر. أما المخرج العراقي سمير وصاحب فيلم “أنسَ بغداد” فيعود هذة المرة في تجربة وثائقية مثيرة، يجرب فيها عرض فيلمه بنظام “ثلاثي الأبعاد” ليحكي من خلاله  قصة عائلته المهاجرة التي سافرت على مدى نصف قرن، وأمام عدسة كامرته سيستعيدون الأحلام التي سحقتها ويلات الديكتاتورية ويرسمون صورة للعراق زمن الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عندما كان الفن والتعليم والثقافة مزدهرة وكيف أصبح عليها بعد عقود؟.

من الفيلم الأردني “ذيب”

أحداث المنطقة منطقياً تنعكس على الفيلم الوثائقي والذي يجد طريقه الى المهرجان عبر فيلمين عن سوريا: الأول “ملكات سورية” للمخرجة ياسمين فضة التي تقترح توثيقاً لقصص مجموعة من النساء السوريات المهاجرات الى الأردن عبر  نسخة عربية من المسرحية اليونانية الكلاسيكية “نساء طروادة” لـ”يوربيدس” التي تدور حول الهزيمة والمنفى، تلتقط فضة من خلال بعدها التعبيري أوجه التشابه بين المسرحية ومصير اللاجئين السوريين اليوم في جهات الأرض.

 الفيلم الثاني “العودة الى حمص” للمخرج  طلال ديركي الذي وثق فيه “يوميات” مقاتل سوري معارض للنظام أنتقل من لاعب كرة ليصبح مقاتلاً ومغنياً أعطى حضوره مصداقية كبيرة لمنجز وثائقي مهم. ومن فلسطين أختير “المطلوبون ال 18” والمستقى  موضوعه من قصة حقيقية من الانتفاضة الأولى، حين بدأت  مجموعة من الفلسطينيين بتأسيس تعاونية لإنتاج “حليب الانتفاضة”، لكن الجيش الإسرائيلي يأمر بإغلاق المزرعة بعد الإعلان بأن الأبقار “تهديد للأمن القومي” عمل عامر شوملي وبول كاون فيه حرارة الحدث ولا يخلو من سخرية لاذعة من المحتل. وعلى مستوى البلد المضيف، الإمارت العربية المتحدة، فسيعرض منها، الى جانب فيلم الأفتتاح “من ألف الى باء” للمخرج على مصطفى، “صوت البحر” للمخرجة نجوم الغانم، التي ترسم بورتريتاً لمغني البحر العجوز الشهير الذي يريد عبور خور أم القيوين على متن قارب صيد للمرة الأخيرة وأن يغني واحدة من أغانيه الفولكلورية للصيادين. عالمياً تقدم الدورة (23 أكتوبر ـ 1 نوفمير) باقة أفلام مختارة بعناية بعضها سجل حضوراً في مهرجانات دولية مثل البندقية وكانً وتورنتو كالعمل  الدنماركي الأندونيسي المشترك “نظرة الصمت” الذي يكمل فيه جوشوا أوبنهايمر تحفته “فعل القتل” وقد رشحت العام الفائت لنيل الأوسكار. في هذا الجزء يسجل مواجهة  شقيق أحد ضحايا الإبادة الجماعية في إندونيسيا عام 1965 قاتليه مقتفياً أثر كبار السن من أعضاء الميليشيات المدنية الذين نفذوا مجزرة بحق مليون شيوعي مشتبه بهم بعد انقلاب سوهارتو.

وهناك فيلم ذو صلة بمنطقتنا من خلال تجربة المواطن الأمريكي “مات دايكس” الذي لفت اهتمام وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم عام 2011  اليه عندما سُجن  في ليبيا باعتباره عضواً في مجموعة ثورية. يلاحق المخرج مارشال كوري المرشّح مرتين للأوسكار في وثائقيه قصّة رجل أصبح ثورياً لحماية أصدقائه. “صوِّب وأطلق النار” حاز جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان ترايبيكا السينمائي الأخير.

 غير هذا هناك الكثير من الأفلام المتميزة والتي ستوفر للمشاهد في الإمارات ولزوار مهرجانها فرصة نادرة للاطلاع على المنجز الوثائقي العالمي والعربي. وعلى المستوى الروائي يكفي الاشارة الى أن الدورة الحالية قد وفقت في الحصول على أغلبية الأفلام الحائزة على جوائز كبرى المهرجانات العالمية مثل؛ رائعة التركي نوري بيلغي جيلان “سبات شتوي” الحاصل على “السعفة الذهب” لمهرجان كانّ، يجاوره الفيلم الفائز بجائزة “الدب الذهب” في برلين “فحم أسود، ثلج رقيق” للصيني دياو نيان، مع الجورجي الحاصل على الجائزة الكبرى في مهرجان كارلوفي فاري “جزيرة الذرة” للمتألق غيورغي أوفاشفيلي وعلى رغم التقارب الزمني القصير بين مهرجاني البندقية وأبو ظبي فقد نجح الأخير في الحصول على  الفيلم الفائز بجائزة “الأسد الذهب” “حمامة جلست على غصن تتأمل في الوجود” للسويدي روي أندرسون. والى جانب كل هذا هناك برنامج عربي حافل من بعض عناوينه: “حمى” للمغربي هشام عيوش، “القط” للمصري إبراهيم البطوط. من لبنان سيحضر “الوادي” للمخرج غسان سلهب ومن العراق “صمت الراعي” لرعد مشتت وسيعرض “ذيب” للأردني ناجي أبو نوار الذي أُستقبل بعد اشتراكه في مهرجان البندقية استقبالاً نقدياً جيداً. عناوين وفعاليات كثيرة كلها تشير الى دورة طموحة بامتياز.
 

 


إعلان