عودة الحكايات السينمائية إلى القاهرة
قيس قاسم – القاهرة

كثيرة هي الصفات التي أُعطيت للدورة الـ36 لمهرجان القاهرة السينمائي منها: دورة التغيير، التحولات، التجديد، الشبابية وكلها تنشد الإشارة إلى التغيير الذي سبق الدورة وما يُنتظر منها على ضوء معطيات أهمها على الإطلاق تولّي الناقد والكاتب سمير فريد إدارتها، والذي يُشير بدوره إلى توفّر عودةعقلية جديدة للمهرجان هاجسها الأول السينما. ثمة إجماع على أن مصر هي “أم” السينما العربية وإجماع على أن سمير فريد واحد من الشخصيات اللصيقة بها، فقد كرّس حياته المهنية لها، كتب عنها عشرات الكتب وأسّس منهجاً لمتابعة جديدها على كل المستويات ومن هنا جاءت أهميته وأهمية أن يتولى مسؤولية قادر هو على تحملها، بالرغم من الظروف التي تمّر بها بلاده والتي يعرفها الجميع.
إحساس يصاحب من يشارك في مهرجان القاهرة السينمائي بأن هذا الفعل الجانبي، بالنسبة لفعل السينما الرئيسي، يسيران بتوافق وانسجام كاملين. فالسينما هي جزء من مصر والمهرجان في النتيجة هو تحصيل حاصل، يأتي مع سياق ثابت ترسّخ خلال عقود طويلة وأنتج مفردات سينمائية غير الفلمية كثيرة من بينها المهرجان السينمائي الذي تميّز هذا العام بانفتاح على النقاد والصحفيين بشكل لافت من خلال اشتراك عدد كبير من الزملاء في لجان تحكيم مسابقاته ومحاولة وضع برنامج يجمع بين الاختيارات العالمية الجيدة والعروض العربية والأكثر أهمية.
على المستوى المؤسساتي أن يكون مكاناً لتفاعل الثقافة السينمائية من خلال الندوات والمعارض، وفي هذه السنة الكثير منها كما ورد في كلمة مدير المعرض مصطفى عوني: “فكرة إقامة معارض في إطار الدورة الـ 36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي تُعيد إلى الأذهان تسمية السينما بالفن السابع الذي أتى بعد الفنون الست الخالدة.. ويكون المهرجان قد احتفى بحق بفن السينما الذي تُعبر أفلامها عن مجموع كل الفنون التي عرفها الناس منذ بداية الزمان”.
من بين المعارض (مئوية بركات) يقام احتفاءاً به وبالسينما المصرية عبر مشواره معها منذ بداية العمل مع المنتجة آسيا وحتى آخر مشواره الذي تُوّج بحصوله على جائزة الدولة التقديرية قبل وفاته بعام واحد 1997. يرصد المعرض انتقاله من العمل في كل المهن السينمائية في المونتاج وكتابة السيناريو والإشراف الفني والإخراج. ويرصد المعرض نشأته وحياته وأعماله السينمائية والكتب التي صدرت عنه. المعرض رؤية وإعداد صفاء الليثي. كما تقيم الدورة معرضاً للكتب السينمائية ويُمثّل سوقاً كبيراً يُعنى بتقديم كل أشكال المطبوعات المتخصصة في مجال الفن السينمائي، سواء المطبوعات الورقية، الصور الفوتوغرافية، ونسخ الأفلام الكوبي (دي في دي). إلى جانب المعرض يستحدث المهرجان ولأول مرة “أسبوع أفلام النقاد” الذي تُنظمّه جمعية “نقاد السينما المصريين” وفعالية “سينما الشباب” التي يُنظمّها المعهد العالي للسينما في مصر.

تجديد آخر على مستوى البرمجة والعروض يتمثّل في إدراجه ولأول مرة أفلاما تسجيلية وتحريك ضمن المسابقات الرسمية للمهرجان ما يشي برغبة واعية لتصحيح أعرافاً غير دقيقة عاملت هذين النوعين من الأفلام أقل من الروائي وسنشاهد في هذا المضمار فيلم التحريك “جزيرة جيو?اني” للياباني ميزوهو نشيكوبو. وحسب المؤتمر الصحفي الذي سبق افتتاح الدورة التي بدأت يوم الأحد وتستمر حتى الثامن عشر من هذا الشهر فإن هناك أكثر من 100 فيلم جديد تعطي للدورة الـ 36 تميّزاً استثنائياً من بينها “وداعاً للغة” لجون لوك غودار والفيلم الأميركي “خريطة إلى النجوم” للمخرج ديفيد كروننبرغ، وهو من بطولة النجمة جوليان مور التي فازت عن دورها فيه بـجائزة أفضل ممثلة من مهرجان كان السينمائي، بالإضافة إلى “دبلوماسية”، أحدث أفلام المخرج فولكر شولندورف الذي يُكرمه المهرجان عن مجمل أعماله، وفيلم حياة رايلي، آخر أفلام عميد السينما الفرنسية آلان رينيه الذي توفيّ مؤخراً.
وفي العروض الخاصة هناك “القطع” للمخرج فاتح أكين (فيلم الافتتاح) والبريطاني “ملكة وبلد” الذي كتبه وأخرجه جون بورمان إلى جانب الصيني “فقدان الذاكرة الأحمر” للمخرج وانغ زيا شواي في حين سيُختم المهرجان باليوناني “إنكلترا الصغيرة” لبانتيليس فولغاريس. أما العربية منها “ديكور” للمخرج المصري أحمد عبد الله السيد في عرضه الأول عربياً وأفريقياً و”من ألف إلى باء” للمخرج علي مصطفى في عرضه الدولي الأول خارج الإمارات، الفيلم التسجيلي “مياه فضية: سوريا، صورة ذاتية” من إخراج أسامة محمد والذي عرض في الدروة الاخيرة لمهرجان كانّ. والفيلم المصري “حائط البطولات” في عرضه الأول عالمياً.
ومن اللافت ابتكارها “أفلام عن السينما”، ويضم 8 أفلام روائية وتسجيلية تم إنتاجها ما بين 2013-2014 وتتخذ من السينما موضوعاَ لها، بالإضافة إلى قسمي كلاسيكيات الأفلام الطويلة، وكلاسيكيات الأفلام القصيرة. واختار المهرجان السينما اليونانية لتكريمها ضمن قسم السينما الوطنية ضيف الشرف، وذلك من خلال عرض 11 فيلماً يونانياً أنتجت فيما بين الأعوام 1955 و2011، وتنتمي لكبار المخرجين اليونانيين مثل مايكل كاكويانيس، نيكوس كوندوروس، جول داسان، بانتيليس فولغاريس، ثيو أنجلوبولوس ومينيلاوس كارماجيليوس.
ويمنح المهرجان جائزة نجيب محفوظ (الهرم الذهبي الشرفي) للسينمائيين الذين سيتم تكريمهم خلال هذه الدورة عن مجمل أعمالهم طوال مسيراتهم في عالم السينما، وتضم قائمة التكريمات كل من: المفكر الفرنسي جاك لانغ، المخرج الإيطالي سيمون ماسي، المخرج الألماني فولكر شولندورف، السينمائي المغربي نور الدين صايل والممثلة المصرية نادية لطفي التي تتصدر أفيش الدورة.
مسابقة أفاق السينما العربية هي أحد البرامج الموازية التي ستُقام على هامش المهرجان في الفترة من 10 إلى 18 نوفمبر، وتُنظمّها نقابة المهن السينمائية في مصر، وكشف مدير البرنامج سيد فؤاد عن اختيار 8 أفلام من إنتاج 2013-2014 للمشاركة في المسابقة، منها فيلم “ذيب” للمخرج الأردني ناجي أبو نوَّار، “القط” للمصري إبراهيم البطوط، “تمبوكتو” للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، “فلسطين ستيريو” للفلسطيني رشيد مشهراوي، وفيلم “يوميات شهرزاد” للبنانية زينة دكاش.

وأضاف حسونة أن المسابقة يتنافس عليها 7 أفلام، وسيتم افتتاح الأسبوع (10-16 نوفمبر) بفيلم “الرقص مع ماريا”.
وكشف المخرج سعد هنداوي مدير برنامج سينما الغد الدولي (10-15 نوفمبر) عن تنافس 32 فيلماً من 25 دولة في في أول مسابقة للأفلام القصيرة يستضيفها مهرجان القاهرة خلال تاريخه. المسابقة التي ينظمها اتحاد طلبة المعهد العالي للسينما، يرأس لجنة التحكيم بها المخرج المصري خيري بشارة، وعضوية السينمائي الفرنسي جورج بولون (أحد مؤسسي مهرجان كليرمون فيران السينمائي)، والممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات، وتمنح اللجنة جائزة يوسف شاهين لأفضل فيلم قصير، وجائزة محمد كريم لأفضل فيلم للطلبة، ويبلغ مجموع الجائزتين 60 ألف جنيه.
أما الأفلام التي ستتبارى ضمن المسابقة الدولية فمنها: “خمس نجوم” لكيث ميللر، “كان مساء وكان صباح” للإيطالي إيمانولي كاروزو”الصبي والعالم” وهو فيلم تحريك من البرازيل إخراج: آلي أبريو “تشارلي” للأسترالي رولف دى هير. ومن العربية المتنافسة “عيون الحرامية” للفلسطينية نجوى نجار، “باب الوداع” للمصري كريم حنفي، إلى جانب الوثائقي جيد الصيت “عبر عدسات سوداء: المصورون السود وظهور أمة” للأمريكي توماس ألِن هاريس.
إزاء سقف التوقعات العالٍ بدورة مميزة تُجهّز لبناء مؤسسة سينمائية سيواجه سمير فريد وفريقه تحديات صعبة خلالها، فإن مؤازرتهم على تجاوزها مهمة أخلاقية على جميع المعنيين بالسينما.