مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية في القاهرة
قيس قاسم ـ القاهرة

ضمن “حلقة بحث: مهرجانات السينما الدولية في العالم العربي” التي نظمتها الدورة الـ36 لمهرجان القاهرة السينمائي، أعدّ الكاتب والمخرج السينمائي عبد الرحمن نجدي، والذي يشغل حالياً منصب المدير العام لشركة قطر للسينما، بحثاً عن “مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية” تضمن مدخلاً تاريخياً عنونه بـ” ما بين التأريخ والتقويم المبدئي” وإلى جانبه أورد “المعلومات التوثيقية” التي تضمنت تفاصيل ومفردات الدورات السابقة للمهرجان والتي تُعدّ مرجعاً مهماً للمعنيين بدراسة تاريخ السينما العربية.
يسجل نجدي في مدخل بحثه للمهرجان استمراره لعقد من الزمن على نحو صارم في تقديم وعرض الأفلام التسجيلية برعاية ودعم شبكة الجزيرة، أولاً في تمسكّه بتواقيته السنوية الثابتة (أبريل من كل عام) وثانياً في موقعه ومكانه المحدد (شيراتون الدوحة) وأخيراً في نجاحه بجمع السينمائيين والمستثمرين المحتملين ورواد السينما في مكان واحد يهدف إلى تحسين صورة صناعة الفيلم التسجيلي. ويشير نجدي في بحثه الذي حضره جمهور قاهري وعدد كبير من ضيوف الدورة إلى حفاظ المهرجان على نفس طاقمه تقريباً، وأن يخلق مساحة فعالة تجاه السينما التسجيلية التي أضحت نافذة حيوية وملهمة للسينمائيين القطريين (محترفين وهواة) على الاحتكاك وتجديد الحوار مع سينمائيين من كل بلدان العالم ومتابعة كل ماهو جديد وجاد، كما ساهم المهرجان كما قال الباحث “بشكل كبير على بث الوعي الثقافي بأهمية ودور السينما التسجيلية”.
ويستعرض الباحث ما للمهرجان وما عليه منذ انطلاقته مُذكّراً بالخطوات الأولى التمهيدية التي سبقته كفعالية “السينما العربية المستقلة” التي مهدّت لها شبكة الجزيرة عام 1999 حين فوضت المخرج والمنتج الليبي/ البريطاني الجنسية محمد مخلوف بإدارته في لندن أولاً ثم بعدها في الدوحة عام 2001، وإثر توقفّه شرع مهرجان الجزيرة للإنتاج التلفزيوني فعالياته عام 2005 وانحصرت دورتيه الأولى والثانية في مسابقات الإنتاج التلفزيوني وفي دورته الثالثة تحول إلى مسابقة الفيلم التسجيلي و”مع الوقت ترسخت أقدامه وصار تظاهرة فنية متميزة حافظت على جمهورها، ومنافسة فريدة ينتظرها رواد الفيلم التسجيلي في كل عام”.
ويشير عبد الرحمن نجدي إلى نقاط بحاجة إلى تطوير وبشكل خاص “إلى تنظيم هياكل المهرجان ولجانه وإلى نظام إدراي داخلي أكثر صلابة”. وفي هذا الصدد يشير إلى قدرة المهرجان على تجاوز المعوقات نحو بناء تقاليد عمل مؤسساتي فيذكر “يحتاج المهرجان إلى استحداث تقاليد جديدة مثل عرض أفلام عالمية وعربية مختارة وعرض كلاسيكيات كان لها الفضل في انتشار الفيلم التسجيلي على هامش المهرجان” ويؤكد أنه ومنذ عام 2007 التي تحوّل فيها البناء العام للمهرجان نحو مسابقة الفيلم التسجيلي قلّ الإرتباك في توزيع الجوائز وأصبحت تُمنح لثلاثة فئات رئيسية وهي (الفيلم الطويل والمتوسط والقصير وجائزة خاصة بالشباب باسم “أفق جديد” برعاية مؤسسة قطر). ويستمر في عرضه حتى يصل نجدي إلى عام 2012 حين ظهرت أول بادرة للتعاون الإيجابي بين قنوات شبكة الجزيرة ومهرجانها حيث قامت “قناة الجزيرة الوثائقية” بعرض كتابها السنوي الثالث الذي حمل “الفيلم الوثائقي العربيةـ محاولة للتأسيس” على هامش فعاليات المهرجان وقدّم له السينمائي والأكاديمي العراقي قيس الزبيدي. وفي خلاصة للبحث ينتهي نجدي إلى التالي: “بعد مرور 9 سنوات على “مهرجان الجزيرة للفيلم التسجيلي” نستطيع أن نقول في المحصلة النهائية عن المهرجان بأنه واحد من المهرجانات الأكثر أهمية في منطقة الخليج والعالم العربي ونقطة مضيئة في مجال الفيلم التسجيلي، ويشكل جانباً حيوياً من الميراث الثقافي لقناة الجزيرة ودولة قطر، استطاع مع مرور الزمن في كسب حضور نوعي في رحابه، ويبذل جهوداً مستمرة من أجل أن تتسع شاشته لأكبر عدد من الأفلام التسجيلية العربية والعالمية “. وبعد تثمينه لجهود العاملين فيه ينوه إلى ضرورة أن تجد الأفلام التسجيلية من إنتاجات التلفزيون مكانها إلى جانب الأفلام التسجيلية السينمائية، “فمهرجان الجزيرة في نهاية المطاف هو نتاج العمل التلفزيوني”.

أما بقية حلقات البحث فكانت: “مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة” قدّمها سامي حلمي من مصر، “مهرجان الإسكندرية لأفلام دول البحر المتوسط” أعدّها إبراهيم الدسوقي، فيما اشتغل الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن على “مهرجان دمشق السينمائي الدولي” وقدم المغربي خالد الخضري بحثا عن “مهرجان مراكش السينمائي الدولي” وزياد عبد الله عن “مهرجان دبي السينمائي الدولي” والزميل الفلسطيني بشار إبراهيم حول “مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي” واختتم البحوث محمد بو غلاب بدراسة عن “مهرجان أيام قرطاج السينمائية للأفلام العربية والأفريقية”.
كتب وندوات!
في قاعة الاجتماعات ـ المجلس الأعلى للثقافة وبحضور رئيس التحرير كمال رمزي ومدير التحرير محمد عبدالفتاح تم توقيع مجموعة كتب، بينها “بركات” من تأليف مجدي الطيب و”السينما الكردية” لابراهيم الحاج عبدي إلى جانب “حوارات سينمائية” من إعداد نبيل فرج و”الكتابة بالضوء” لسعيد شيمي، و”غسان عبد الخالق” لمحمود الغيطاني، فيما اشتغل عصام زكريا على “سينما ماركيز” والناقدة أمل الجمل على رصد “الأفلام المصرية في المهرجانات الدولية”.
جهد مهرجاني كبير لتقديم السينما في كتاب، يجدر بنا التنويه إلى أهمية الاستعداد المبكر له حتى لا يضطر كاتبها وتحت ضغط الوقت إلى الاستعجال في الانجاز على حساب النوعية وهذه مشكلة تقنية على إدارة المهرجان الالتفات إليها مستقبلاً فالكثرة هنا ليست مؤشراً كافياً على الجودة. يقيناً الهم الصادق هو المحرك الأساسي للتكليفات ومن هنا لا بد من التأني قليلاً حتى يُحقق الهاجس السينمائي مبتغاه في نشر الوعي والثقافة السينمائية على نطاق واسع والمهرجان قادر على لعب هذا الدور في ظروف ربما أفضل من الظروف التي يمر بها المهرجان ومصر عموماً وبالتالي فتقليص أعدادها والعناية بطباعتها والتدقيق في تكليفات مؤلفيها سيسهم، كما أسهمت الكتب المطبوعة في مطلق الأحوال، في تحريك وتنشيط جو التأليف والتشجيع عليه لكن يبقى الأهم النوع الذي يحرص كل كاتب على توفّره في نصّه شرط توفر الوقت الكافي له والدعم المادي الذي يتناسب مع جهده. تبقى الإشارة إلى البحوث والندوات وأهميتها فهي بطبيعتها أكثر قدرة على التكيف مع مجريات الفعالية بخاصة إذا كان التحضير لها كافياً، ودورة هذا العام تضمنت الكثير منها ما يشير إلى رغبة منظميه في تجاوز المهرجان من مساحة للعرض إلى فسحة للتفاعل وترسيخ ثقافة سينمائية تحول المهرجان إذا استمر عليها إلى منبر للمعرفة وجامع بين متعة المشاهدة وتعلم أشياء كثيرة عن السينما وآفاقها الواسعة.