عروض قرطاج الوثائقية
شريف عوض

ضمن المسابقة الوثائقية الرسمية في الدورة الخامسة والعشرين من أيام قرطاج السينمائية، عُرض الفيلم المغربي “رجال وجدران” الذي عُرف أثناء تصويره باسم “كلام المدينة” وهو للمخرجة “دليلة النادر” وكان قد عُرض من قبل في افتتاح الدورة الخامسة من المهرجان الدولي للشريط الوثائقي بأغادير (أبريل الماضي) حيث حصل على الجائزة الكبرى وجائزة الجمهور. في هذا الفيلم الذي يمتدّ عرضه إلى تسعين دقيقة، تتخيل المخرجة أن هناك نداء من قلب مدينة الدار البيضاء لسكانها وذاكرتهم حين تتجسّد المدينة بصورة امرأة تتجول في الأزقة فيخرج صوتها لتتحدث إلى الحيّ القديم الذي تحول إلى أزقة خانقة وضيقة.
تتجوّل الكاميرا لنستمع إلى شهادات مختلف أنواع السكان من شبيبة ومجاذيب مهمّشين استطاعوا التعايش مع الغضب والفرح في الشوارع الضيقة المتهالكة. ويظهر أن تحدّث بقلب مفتوح للمخرجة لأنها ولدت المخرجة في هذه الأحياء عام 1966 لكنها انتقلت إلى باريس. وقد قدّمت أفلاماً تسجيلية متعددة عن قضايا النساء وحياتهن اليومية لكن يعيب على فيلمها هذا اختيار نماذج المتحدثين للكاميرا بطريقة عشوائية فلم يتوحد الموضوع بالشكل الكامل كما أن البداية الشاعرية للفيلم لم تستمر إلا أثناء الدقائق الأولى فتحول الفيلم لريبورتاج إخباري يصوِّر معاناة أهل الدار البيضاء.

رغم وجود العديد من المهرجانات السينمائية الإفريقية في شمال إفريقيا إلا أننا كعرب لا زلنا نفتقر للمعرفة عن العادات والتقاليد الإفريقية وخاصة دول جنوب الصحراء والجزر الإفريقية هذا إلى جانب ما استُحدث من ثقافة معاصرة في أنحاء القارّة السوداء. ومن الأفلام المهمة التي تلقي الضوء على هذه الجزيرة القابعة في المحيط الهندي هو “طريقة مدغشقر” الذي يقدم فيه مخرجه الشاب “نانتاينا لوفا” كيف يتعامل فيها أهل “مدغشقر” مع ظروف المعيشة الصعبة والفقر المدقع والبطالة المنتشرة وذلك من خلال إعادة تدوير ما تقع عليه أيديهم من نفايات ومواد معدنية ومطاطية وخشبية كي يصنعوا صنادل وآلات موسيقية ومصابيح زيتية. كل هذا وهم في سعادة ورضا إذ يستزيدون من أمثالهم الشعبية القديمة. فيقول أحدهم: “الصينيون يصنعون كل شيء ونحن نصلح أي شيء”. جزء كبير من الفيلم تتخلله موسيقى “مدغشقر” التي تعزف على الآلات المحلية مما أضفى على اللقاءات ديناميكية ذات إيقاع سريع. مخرج الفيلم “نانتاينا لوفا” ترك بلده عام 1999 ليدرس علم الاجتماع في فرنسا.
عاد إلى مدغشقر ليعمل في الصحافة بين عامي 2003 و2005. وفي عام 2006، انضم إلى مدرسة السينما ESAV في “تولوز” ليصبح واحداً من جيل السينمائيين المستقلين في “مدغشقر”.

فيلم كاميروني تقلّ مدة عرضه عن الستين دقيقة لكنه يشارك في المسابقة التسجيلية الطويلة. الفيلم يُدعى”ورقة في مهب الريح” وهو للمخرج “جون ماري تينو” الذي يستكمل فيه ما بدأه في أفلامه السابقة من تحليل لآثار الاستعمار في بلاده على الحياة العامة والخاصة. ففي عام 2004، التقى المخرج مع “إرنستين أوانديييه”، ابنة “إرنست أوانديييه” الذي ناضل من أجل استقلال الكاميرون من الأربعينيات حتى أُعدم بإطلاق الرصاص عام 1971. موضوع هام وشائك كهذا يعالجه المخرج ببساطة شديدة حيث صوّر الفيلم بكادر ثابت على وجه الابنة التي تروي قصتها كما الحديث في صالون المنزل ولم يُرهق المخرج نفسه بإيفاد المتفرج بعدد كافي من اللقطات الوثائقية أو وجهة نظر أخرى.
في فيلم “الامتحان القومي” المخرج “ديودونيه حمادي” من “الكونغو الديمقراطية” يتابع بعدسته مجموعة من المراهقين في مسقط رأسه “كيسنغاني” وهم يجتازون امتحان الثانوية العامة الذي يمثل مفتاح لمستقبلهم ومستقبل بلادهم.يبدو القلق على وجوه جميع الطلبة الذين يعايشون ضغوطاً زائدة متمثلة في الصراعات اليومية والعنف العرقي. ولا يخشى “حمادي” من تقديم سلبيات النظام التعليمي وفساد بعض المدرسين الذين يطلب بعضهم رشوات مقنعة من التلاميذ. كما يقدم المخرج نموذج آخر لمجموعة من الطلاب يقودهم الشاب اليتيم “جول” الذي يستأجر منزل يسميه “كاليفورنيا” من أجل الاستذكار ليلاً بعد الانتهاء من عمله بعد الظهيرة كشيال في السوق. فيلم مشوق جدير بالمشاهدة يظهر التلاحم بين الطلاب والمواجهات مع معلميهم والنقاشات مع مزيج من التراجيديا والفكاهة.