مهرجان مراكش: فيلم روسي يتوّج بالنجمة الذهبية
المصطفى الصوفي – مراكش

أسدل الستار ليلة السبت الأخير الـ 13 من شهر ديسمبر الجاري، على فعاليات الدورة الـ 14 للمهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش المغربية، وذلك بتتويج الفيلم الروسي” قسم إعادة الإدماج” لمخرجه إيفان تفيردوفسكي بالنجمة الذهبية، وهي الجائزة الكبرى، لهذه التظاهرة السينمائية العالمية، التي كانت انطلقت منذ الخامس من شهر ديسمبر الجاري بقصر المؤتمرات.
من الوثائقي إلى الطويل ثم التتويج
ويُعتبر هذا الشريط السينمائي الطويل، شهادة حية عن روسيا المعاصرة، وتجربة جديدة، في حياة المخرج إيفان تفيردوفسكي المهنية، بعد خوضه لتجربة الفيلم الوثائقي، ما جعل العديد من النقاد والمتّتبعين يرون في هذا الفيلم، نقطة مضيئة في تاريخ السينما الروسية وأملها المستقبلي، حيث اقتبس المخرج بطريقة بديعة عمله الجديد، عن رواية المُحلّلة النفسانية للأطفال إيكاترينا موراشوفا.
ويُقدِّم الفيلم الفائز بأرفع جائزة في هذا المهرجان، الذي أقيم برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، صورة شفافة عن وضع اجتماعي وصحي، تُعاني منه فئة في المجتمع الروسي، ومن خلالها، باقي المجتمعات، فئة تعاني في صمت، ودون أي تحرك قوي من شأنه التخفيف عن المصابين والوقوف إلى جانبهم من غير مجاملات.
وقد برع المخرج الروسي، الذي قدّم الشريط، في قالب مشوق بمزيج من المسحة الكوميدية والهزلية، لتكسير رتابة تسلسل الأحداث، في السفر بالمتلقي، والجمهور إلى عوالم أكثر إنسانية ووجدانية، تعاطف معها المشاهد بشكل كبير، ومع قصة “لينا” البطلة، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها رغم إعاقتها، استطاعت بنباهتها وذكائها عبور ذلك الشعور باليأس والقنوط، من أجل الحياة، والبحث عن السعادة.
ويحكي الشريط الذي يلعب بطولته الممثل نيك يتا كوكوشكين قصة البطلة “لينا” وهي شابة ذكية معاقة جسديا، تحرص على العودة إلى الدراسة بعد سنوات من الانقطاع، فتلتحق بقسم مخصص لتلاميذ ذوو اضطرابات نفسية أو جسدية. وفي نهاية السنة، يمثُل كل تلميذ أمام لجنة لتقييم قدراته التعليمية والتقرير في مدى أحقيته في الالتحاق بقسم الفئة “العادية”. بالرغم من ذلك، لا يبذل المدرسون أي مجهود لمحاولة تحفيز طلبتهم أو مساعدتهم على تحسين أدائهم، بل يبلغ بهم الأمر حدّ قمع لينا عندما تُبدي أي محاولة للحديث في مواضيع أكثر تعقيدا. ومع ذلك، تمكّنت الفتاة من الاندماج في الحياة المدرسية، حيث تبرز مشاهد البطلة مع زميلها “انطوان”، وهما في أجواء سعيدة، كإشارة رمزية على الأمل في هذه الحياة رغم الصعوبات، ورغم النظرة الدونية للآخر، والعنصرية، والسخرية.
جائزة الإخراج للإبداع والحب الهندي

وقرّرت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية التي قادتها الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبير، وضمّت في عضويتها المخرج والمنتج بيرتن بونيلو والممثلة ميلاني لوران من فرنسا، والمخرج المغربي مومن السميحي، منح جائزة الإخراج للفيلم الهندي”شغيل الحب” لمخرجه أديتيا فيكرام سينغوبتا.
ويعرض الشريط الهندي، وهو من تشخيص ريتويك شاكرابورتي وباسابدوتا شاترجي، مرايا إبداعية عن صورة مضطربة للهند المعاصرة من خلال الحياة اليومية، حيث على مقربة من مدينة كالكوتا، يُقدِّم المخرج يوميات حياة عادية لرجل وامرأة، يعيشان مكرهين داخل دوامة من الركود. حياة لا تعرف سوى العمل والأشغال المنزلية، وفترات طويلة من الانتظار، وصمت يُطبق على أركان منزل فارغ. وعزلة مشتركة كجزء من حلم بإمكانهما التنبؤ به خِلسة كل صباح، لكن بكثير من الرؤى المُتطلعّة إلى شمس الأمل، وغد مشرق فيه تزول كل الهموم.
وعادت جائزة لجنة التحكيم للفيلم السويسري”حرب” لمخرجه سيمون جاكمي، وهو فيلم قوي وممتع، عن المراهقة في زمن الحرب. وقام بأداء أدوار الفيلم كل من الممثلين بنجامان لوتزكي، إيلا رومبف. ويُعالج الفيلم قصة “ماتيو” البالغ من العمر خمسة عشر عاما، وهو يرافق شقيقه الأصغر الذي يحمله على ذراعيه سالكا طريق الغابة، وذلك للهروب من قمع والدهما المتكرر، والذي خلّف لهما ندوبا في القلب لا تندمل. وانتقاما من فعلته ومغامرته للهروب من المنزل، يتم إرسال “ماتيو” إلى مزرعة بعيدة وسط الجبال، لمدة أربعة أشهر من العمل الشاق والمضني. وبمجرد وصوله، يتم الزجّ به من قبل ثلاثة مراهقين عدوانيين يقيمون بنفس المزرعة في قفص للكلاب، في إحدى الليالي ينضم “ماتيو” إلى شغب وعالم المراهقين العدوانيين، يدخلون المدينة ليلا فيخلقون أجواء من الخراب، والعبث الطفولي غير المسؤول.
وآلت جائزة أحسن دور نسائي للممثلة الفرنسية كلوتيلد هيسم لتألقها في فيلم “آخر ضربة المطرقة” للمخرج ألكس دولابرط، بعدما كان المتتبعون يرون في الممثلة الإيرانية “مينا كافاني” الأحق بهذه الجائزة لتألقها اللافت في فيلم “وردة حمراء” للمخرجة سبيدة فارسين وهو فيلم يتحدث عن الحب وأصوات ثورة الشارع في إيران خلال الانتخابات الرئاسية العام 2009.
ولعبت الممثلة كلوتليد إلى جانب كل من الممثلين رومان بول، كريكوري كادبوا، في فيلم موسيقي بامتياز، حيث عندما دخل فيكتور مسرح الأوبرا بمونبلي للمرة الأولى، لم يكن يعرف شيئا عن الموسيقى، بل لم يكن يعرف حتى والده صامويل روفينسكي، الذي أتى ليقود الفرقة الموسيقية التي ستعزف السيمفونية السادسة لموهلر. ولكي يغير مستقبل حياته الذي أصبح فجأة غامضا، من أجل والدته ناديا وحبيبته لونا، يُقرّر فيكتور الخروج من منطقة الظل، والذهاب إلى أبعد مدى، ثم قدّمت كلوتليد أداء مميزا، بمسحة فنية وشاعرية وهو ما أقنع لجنة التحكيم لإعلانها فائزة.
“دوخو” يظفر بجائزة سينما المدارس

ودعما للتجارب السينمائية الشبابية الواعدة لطلبة المعاهد والمؤسسات السينمائية المغربية، مُنحت الجائزة الكبرى لمسابقة أفلام سينما المدارس، التي ترأس لجنة تحكيمها المخرج الموريتاني عبد الرحمان سيساكو، لفيلم “دالطو” للمخرج عصام دوخو من الكلية المتعددة الاختصاصات بمدينة ورززات، التي يطلق عليها عاصمة السينما بالمغرب.
ويحكي الفيلم الفائز ومدته 15 دقيقة، قصة البطل آدم، وهو شاب في العشرين من عمره، له طموحات وأحلام كبيرة من أجل تطوير موهبته في الرسم والجرافيتي، لكنه أثناء امتحان الولوج إلى مدرسة الفنون الجميلة، يصطدم بعدم قدرته على التمييز بين الألوان، ومن أجل بلوغ الهدف المنشود يُقدِّم أب البطل فريد الركراكي كل الدعم المادي لابنه، رغم حالته المزرية، ووضعه الاجتماعي الهشّ والفقير، حتى يتم تسجيل الولد في إحدى المدارس التي لا تدخلها إلا الفئات الغنية والبورجوازية.
قطر مساهم فعال في إنتاج فيلم “طالا حديد”
وحضرت دولة قطر، كمساهم فعال، في إنتاج أحد الأفلام المهمة والمتميزة، إلى جانب المغرب وفرنسا وبريطانيا، والذي عُرض ضمن فقرة أفلام دولية خارج المسابقة الرسمية، ويتعلق الأمر بفيلم ” إطار الليل” لمخرجته العراقية المغربية “طالا حديد”، وهي كاتبة وُلدت بلندن وتخرجت من جامعة كولومبيا بنيويورك، أنجزت العديد من الأفلام القصيرة من أبرزها “شعرك الأسود احسان” والذي نال جوائز عدة.كما أخرجت عدة أفلام وثائقية منها “الشاعر المقدس” عن المخرج بيير باولو بازوليني.
ويتطرق هذا الفيلم الذي لقي مشاهدة مهمة، من قبل جمهور المهرجان، إلى قصة”عائشة”، وهي شابة يتيمة عُثر عليها وحيدة في غابات وسط المغرب. مسارها الشجاع يكشف عن إرادة قوية في أن تجد لنفسها مخرجا. سُلبت عائشة من جبال الأطلس المغربية حيث ترعرعت، ليتم بيعها وتجد نفسها تحت رحمة المجرم عباس وصديقته نادية. في الفيلم الذي شخّص أدواره خالد عبد الله، ماري جوزي كروز، فدوى بوجوان، وحسين شطري، وماجدولين الإدريسي، زهرة هندي، وسمير الحكيم، نبيل المالح، سيلتقي الثلاثة بزكريا، وهو كاتب من أصل عراقي مغربي، ترك كل شيء وراءه – بما في ذلك جوديت، التي كانت تربطه بها علاقة حب – ليذهب في بحث عن أخيه المفقود. يجتمع الأربعة في رحلة طويلة تأخذهم عبر أنحاء المغرب، وإلى إسطنبول، وسهول كردستان وغيرها.
عادل إمام يرقص في حفل التكريم

وضمن فقرة التكريمات، حظيت السينما اليابانية، ضيف شرف الدورة، باحتفاء مميز، وكبير، وذلك من خلال حضور وفد ياباني رفيع، يرأسه المخرج والمنتج والسيناريست هيروكازو كور ايدا، وضم 13 سينمائيا.
وتم خلال الاحتفاء بمريدي وأساتذة بلاد الشمس المشرقة، عرض 27 فيلما، من خلالها اكتشف الجمهور جانبا آخر من السينما اليابانية المعاصرة، غير السينما التجارية، ومن تلك الأفلام التي عُرضت “أواخر الخريف” للمخرج ياسوجيرو اوزو، و”غيوم تائهةّ” للمخرج ميكيو تاروس، و “الجزيرة العارية” للمخرج كاليتو شيندو.
كما خصّت الدورة الـ 14 عادل إمام، بتكريم خاص في حفل الافتتاح، حيث قدمت بالمناسبة الفنانة المغربية ووزيرة الثقافة السابقة ثريا جبران، شهادة حية وقوية ومؤثرة، في حق المحتفى به، شهادة أبرزت قيمة عادل إمام السينمائية والمسرحية، ودوره الكبير في إخصاب وإثراء الممارسة السينمائية في العالم العربي. عادل إمام بالمناسبة كان سعيدا جدا، وقد ترجم إحساسه، برقصات تلقائية، تفاعل معها الجمهور على البساط الأحمر، وكذا في ساحة جامع الفنا، فضلا عن كلمة في قصر المؤتمرات، لم تخلُ من حس كوميدي جميل، شكر فيها المنظمين، ومؤكدا فيها أن السينما فن عظيم.
المشاركة المغربية والعربية تخرج بخفي حنين
عرفت الدورة فقرات أخرى أقيمت على هامش المهرجان من أبرزها اللقاء الفكري المفتوح الذي شارك فيه نائب رئيس مؤسسة المهرجان ومدير المركز السينمائي الأسبق نور الدين الصايل، والكاتب والروائي الطاهر بنجلون، حول سؤال السينما والأدب والصورة.
وخرجت المشاركة العربية والمغربية، خلال هذه الدورة من خلال الفيلم المغربي” جوقة العميين” للمخرج محمد مفتكر، والمصري” الفيل الأزرق” لمخرجه مروان حامد، بخفي حنين، دون الحصول على أية جوائز، ما يؤكد أن السينما المغربية والعربية للأسف ما تزال، تفتقد تلك الرؤيا الإبداعية واللمسة السينمائية الساحرة، التي تجمع بين المعنى والمبنى في السينما، من أجل عمل سينمائي حالم، تتوافر فيم كل المواصفات الجمالية والإنسانية.