مراكش تستعد لاستقبال نجوم السينما العالمية
المصطفى الصوفي – مراكش

تستعد مدينة مراكش، التي تبعد عن العاصمة الرباط بنحو 300 كليومتر، لاحتضان الدورة الـ 14 من المهرجان الدولي للفيلم، الذي سيقام من الخامس وحتى الثالث عشر من شهر ديسمبر 2014، حيث أصبح هذا المهرجان من أشهر وأكبر المهرجانات السينمائية في المملكة، منذ تأسيسه من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، عام 2001، وذلك بهدف جعل المدينة عاصمة للسينما، ومحطة كونية لاستقطاب ألمع الأسماء السينمائية الدولية والعالمية، فضلا عن جعل السينما، فضاء للإبداع العالمي، ومناسبة كبيرة لترسيخ قيم الحوار والتواصل الكوني، فضلا عن تكريس روح التسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والأجناس والمشاركين.
فقرات متنوعة
وتعمل لجنة تنظيم هذا المهرجان الذي تُنظمّه مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم، بالتعاون مع المركز السينمائي المغربي، والعديد من الشركاء، على مدار السنة من أجل إخراج كل دورة على حدة في حلة جديدة، تتماشى وروح السينما الدولية، فضلا عن تكريم وحضور نجوم سينمائية عالمية، في أشهر مدينة سياحية في المملكة، هي بوابة الصحراء كما يحلو للبعض تسميتها وتقودك مباشرة عبر سحر جبال الأطلس الكبير إلى مدينة ورزازات، التي تعتبر عاصمة السينما المغربية، والتي شهدت تصوير أضخم الأفلام السينمائية العالمية التي حازت جوائز كبرى أرفعها جائزة أوسكار، ومن أبرز تلك الأفلام (جلادياتور) بطولة راسل كرو، و(ألكسندر) لمخرجه الأمريكي أوليفر ستون، وبطولة كولين فارول والنجمة العالمية إنجيلا جولي، وفيلم (المومياء) وغيرها من الأفلام الضخمة.
واختارت الدورة الحالية لهذا المهرجان الذي يقام برعاية من الملك محمد السادس، برمجة خصبة وممتعة، وذلك من خلال تنوع وقوة في أفلام المسابقة الرسمية، ولجنة التحكيم، فضلا عن مسابقة أفلام المدارس الخاصة بأفلام المعاهد والكليات والجامعات، ومنتديات للحوار السينمائي (ماستر كلاس)، والتي سيديرها ويؤطرها سينمائيون دوليون.
رغبة مقدسة
ويقول المدير الفني برينو بارد حول برمجة المهرجان، أنها تؤكد على قوة السينما في وقت توجد فيه أمام تحديات اقتصادية تمتد لكل الفنون. هذه القوة، التي غالبا ما تشكل فرصة مواتية للمواهب الخلاقة، تتجلى بشكل واضح في أفلام المسابقة التي تشهد على رغبة مقدسة في البحث عن المعاني، وعن الحقيقة التي تختزنها الأعمال المقدمة. وبذلك تظهر الطفولة وانعكاساتها على الزمن الذي يسير بسرعة في اتجاه التلاشي، تماما كما تظهر الحالة الإنسانية بوصفها مجال اهتمام السينمائيين لإشباع أذواق الآخرين. لنلاحظ جميعا أنه في الوقت الذي تصنع فيه القنوات التلفزية السينما وتصنع السينما التلفزيون، تراوح بلدان القارة العجوز مكانها أمام طاقة وحماسة سينمائيين من آفاق بعيدة وواعدة، أكثر طموحا وتعطشا لمبادئ العمل السينمائي.
22 دولة و87 فيلما
ويشارك في هذه الدورة 22 دولة عربية وأجنبية بنحو 87 فيلما منها 13 فيلما أولا، و15 فيلما تشارك في المسابقة الرسمية التي ترأسها الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبير، التي ترأست مهرجان كان قبل خمس سنوات، وتضم في عضويتها الإيطالي ماريو مارتطون والدانماركية سوزان بير والهندي ريتش باراطا والبريطاني آلان بريكمان والروماني كريستيان مانغيو والفرنسيان بيرتن بونيلو وميلاني لوران، فضلا عن المخرج المغربي مومن السميحي.
وتشارك كل من مصر واليابان وسويسرا وروسيا وزيلاندا الجديدة والولايات المتحدة الأمريكية والهند وفرنسا وهنغاريا ـ سلوفينيا وأزريبجان وصربيا وإيران وكوريا الجنوبية، ثم المغرب البلد المنظم، في المسابقة الرسمية لهذا المهرجان، الذي يستقبل كل عام المئات من ممثلي وسائل الإعلام العربية والدولية.
مشاركة مغربية وعربية

وتتمثل المشاركة العربية التي دائما تخرج بخفي حنين دون الحصول على جوائز من هذه التظاهرة السينمائية العالمية، الفيلم المغربي”جوق العميان” لمخرجه محمد مفترك، الذي يجمع في فيلمه كبار الممثلين المغاربة من أجل فرقة موسيقية مميزة.
ويقوم بتشخيص أدوار هذا الفيلم الجديد، عددا من الممثلين البارزين من ضمنه، يونس ميكري، ومنى فتو، ماجدولين الإدريسي، سليمة بنمومن، محمد بسطاوي، فهد بنشمسي، سعاد النجار وغيرها.
ويلخص الفيلم قصة شخصية الحسين، قائد فرقة موسيقية شعبية وأحد محبي الملك الراحل الحسن الثاني خلال سنواته الأولى من الحكم. البطل الحسين يعيش رفقة زوجته المسماة حليمة في منزل يتخلله صخب كثير مصدره ألوان وإيقاعات الفرقة الموسيقية والراقصات الشعبيات، ويضطر موسيقيو الأوركسترا من الرجال للتظاهر أحيانا بالعمى من أجل العمل في الحفلات المخصصة بالنساء، والتي تنظمها العائلات المغربية المحافظة. في الفيلم الحسين فخور جدا بابنه ميمو، ويضحي من أجله منذ مرحلة دراسته الابتدائية ليكون الأول في الفصل. لكن الابن سيقع في حب شاما، خادمة الجيران الجديدة. ولكي لا يخيب أمل والده فيه، فإنه سيقوم بتزوير ورقة نتائجه المدرسية.
أما الفيلم العربي الثاني الذي يعول عليه المتتبعون للظفر بأحد جوائز المهرجان ورفع رأس السينما العربية عاليا هو فيلم “الفيل الأزرق” لمخرج المصري عمارة يعقوبيان. ويلخص الفيلم الذي يلعب بطولته كريم عبد العزيز، وتمثيل خالد الصاوي، نيللي كريم، محمد ممدوح، دارين حداد، لبلبة، شيرين رضا، محمد شاهين، حكاية دكتور يحيى، الذي يعود كل من بعد خمس سنوات من العزلة الاختيارية، إلى العمل في مستشفى العباسية للصحة النفسية، حيث يلتحق بالقسم الذي يقرر في الحالة العقلية لمرتكبي الجرائم، ويقابل صديقا قديما يحمل إليه ماضيا جاهد طويلا من أجل نسيانه. فيجد يحيى نفسه وسط مفاجآت تقلب حياته، لتتحول محاولته لاكتشاف حقيقة صديقه إلى رحلة مثيرة لاكتشاف روحه.
سينما الشباب والمدارس

أما بالنسبة لمسابقة سينما المدارس، التي أحدثت قبل عامين فيرأس لجنة تحكيمها المخرج والمنتج الموريتاني عبد الرحمان سيساكو، وتضم كل من المخرجة والسيناريست الأمريكية زوي كاسافيتس، والممثلة انا جيراردو، والمخرجة والممثلة الايطالية ايلسا سيدناوي، فضلا عن والممثل الفرنسي كاسبار أولييل، والممثل المخرج المغربي إدريس الروخ.
وستتبارى حول هذه الجائزة وقيمتها تزيد عن 30 ألف دولار أمريكي ممنوحة من قبل رئيس مؤسسة المهرجان الأمير مولاي رشيد، تمنح لمخرج الفيلم الفائز بالجائزة الأولى، من أجل إنجاز شريطه القصير الثاني، عشرة أفلام مغربية، وهي فيلم “1920”، لمخرجه ياسين كعمر، من معهد الفن والإعلام بالدار البيضاء، و”الحذاء”، لمريم بنهدي، و”نفس الحياة” للمخرج إدريس التباع، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية عبد المالك السعدي بتطوان، و فيلم “دالتو”، لمخرجه عصام دوخو، من الكلية المتعددة الاختصاصات بورزازات، و”دمى”، لمخرجه محمد الودغيري، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، و”خارج المدينة” لمخرجته ريم مجدي، من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، وفيلم “فابولاري” لمخرجته دلال الطنطاوي العراقي، من المعهد المغربي للسمعي البصري والصحافة بالدار البيضاء، و”وداعا السينما”، لمعدان الغزواني، من الدار البيضاء، و” فكر قبل أن تنقر ” لمخرجه أيوب زيان من الدار البيضاء، و”ليلى”، لمخرجه أحمد المسعودي، من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش.
افتتاح بريطاني واختتام أمريكي

وسيرفع الستار عن الدورة بفيلم يعرض خارج المسابقة الرسمية، ويتعلق الأمر بـ”نظرية كل شيء” للمخرج البريطاني جيمس مارش، حيث يقوم بتشخيص أدوار الفيلم كل من يإيدي ريدماين، فيليسيتي جونس، تشارلي كوكس، إيميلي واتسون، ديفيدتيوليس ، أدام كودلي، هاري لويد، وسيمون ماكبورني.
والفيلم تشخيص سينمائي للقصة الغريبة للعالم الفيزيائي ستيفن هوكينك، حيث في العام 1963، يقع ستيفن، الطالب المتفوق في علم الكون في جامعة كامبريدج، في حب جين وايلد، وهي طالبة الفنون. لكن هذا الشاب الذي لا يتجاوز عمره ال 22عاما، سيخضع لتشخيص مشؤوم لحالته المرضية، بعد إصابته بتصلب جانبي يصيب تدريجيا باقي أعضائه ويشل حركته وقدرته على الكلام، إلى أن ينتهي به المطاف بعد سنتين إلى الوفاة.
في الفيلم المشوق يتزوج ستيفن من حبيبته جين، التي بفضل قوة شخصيتها وشجاعتها والحب الذي يجمعهما، ستخوض رفقة حبيبها تحدي تأخير القادم الذي لا مفر منه، محدثين معا ثورة في عالم الطب والعلوم، حيث سيتمكنان من الوصول إلى أبعد ما كان بإمكانهما أن يحلما به، بعد أن فقدا الأمل في الحياة بسبب المرض.
أما فيلم حفل الاختتام فسيكون من توقيع المخرج الأمريكي دجى سى شاندور، وهو بعنوان” السنة الأكثر عنفا”، ويلعب دور البطولة كلا من أوسكار إيزاك ودجيسيكا شاستان، هذا الفيلم الذي يعالج قضية العنف التي شهدتها مدينة نيويورك سنة 1981، حيث لم يستطع مهاجر طموح، يحاول أن يحقق لذاته نجاحا كبيرا في عالم تداول النفط والبترول، إذ يصطدم بعقبات ومشاكل وبيروقراطية وفساد وانحراف، تحول دون وصوله إلى هدفه.
تكريم اليابان وماستر كلاس
كما يُخصص المهرجان الذي سيحتفي بالسينما اليابانية وذلك بحضور وفد سينمائي رفيع المستوى، بانوراما لعدد من الأفلام الدولية خارج المسابقة الرسمية، فضلا عن عرض أفلام ضمن فقرة أُطلق عليها اسم”نبضة قلب”، وستعرف عرض أفلام الأطلسي، لمخرجه يان وليم فان اوجيك، وهو إنتاج هولندي بلجيكي ألماني مغربي، وفيلم”كاريان بوليوود” لمخرجه ياسين فنان من المغرب.
و”نصف السماء” للمخرج المغربي أيضا عبد القادر لقطع، “هوب” للفرنسي بوريس لوجكين، و”رهانط” لمحمد الكغاط من المغرب.ثم فيلم” الليل” لطالا حديد”، وهو إنتاج مشترك بين المغرب وبريطانيا وفرنسا وقطر.
وفي فقرة ماستر كلاس، والتي انطلقت عام 2005، واستضافت مخرجين وسينمائيين عالميين كالمخرج الإيراني عباس كياروستامي، والمخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي، وألفونسو كوارون، إمير كوستوريتشا، وجيمس كراي، ولي تشانك دونك، وماركو بيلوشيو وغيره، ومن أجل لقاء العديد من التجارب الدولية بالجمهور والطلبة والباحثين والسينمائيين، وتبادل التجارب والخبرات السينمائية بين المشاركين من مختلف أنحاء العالم، تستضيف الدورة الحالية نخبة من صناع السينما في العالم لإعطاء دروس سينمائية، وتنشيط حلقات نقاش في هذا المجال، ومن أبرزهم المخرج والسيناريست والمنتج الإسباني أليكس دولا إكليسيا، والذي حصل منذ أول أفلامه “عمل متحول” عام 1992على ثلاث جوائز غويا (ما يعادل جوائز سيزار في إسبانيا) ما أكسبه سمعة دولية طيبة، ووبيلي أوغست من الدانمارك، أحد أبرز الأسماء في السينما الاسكندينافية، الذي فاز مرتين وفي ظرف أربع أعوام بالسعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي، فضلا عن بونوا جاكو، السينمائي وكاتب السيناريو والمخرج المسرحي الفرنسي الذي يتميز بمساره الفني الغني. والذي أبدع أعمالا قوبلت باستحسان من قبل الجمهور والنقاد والأكاديميين. حيث نال جائزة لويس ديلوك لأفضل فيلم عن فيلمه التاريخي المتميز “وداعا يا ملكة”، ، بالإضافة إلى ثلاث ترشيحات لجائزة سيزار.
فيلمان قويان

ومن أبرز الأفلام المشاركة في المهرجان فيلم” قسم إعادة الإدماج” لمخرجه ايفان تفيردوفسكي، وهو إنتاج مشترك ألماني روسي، حيث يعد هذا الشريط أمل السينما الروسية، إذ بعد الاشتغال على الفيلم الوثائقي، ينتقل المخرج إلى تجربة الفيلم الروائي لاقتباس رواية المحللة النفسانية للأطفال، إيكاترينا موراشوفا، كشهادة عن روسيا المعاصرة.
ويحكي الفيلم الذي يلعب بطولته الممثل نيك يتا كوكوشكين قصة “لينا” وهي شابة ذكية معاقة جسديا، تحرص على العودة إلى الدراسة بعد سنوات من الانقطاع. تلتحق بقسم مخصص لتلاميذ ذوو اضطرابات نفسية أو جسدية. وفي نهاية السنة، يمثُل كل تلميذ أمام لجنة لتقييم قدراته التعليمية والتقرير في مدى أحقيته في الالتحاق بقسم الفئة”العادية”. بالرغم من ذلك، لا يبذل المدرسون أي مجهود لمحاولة تحفيز طلبتهم أو مساعدتهم على تحسين أدائهم، بل يبلغ بهم الأمر حد قمع لينا عندما تبدي أية محاولة للحديث في مواضيع أكثر تعقيدا. ومع ذلك، تمكنت الفتاة من الاندماج في الحياة المدرسية. والسعادة تبدو عليها وهي برفقة زميلها أنطون.
بالإضافة إلى الفيلم الاذربيجاني، يوجد فيلم آخر لمخرجه الشين موسى أوغلو من أذربيجان بعنوان “نبات”، ضمن المسابقة الرسمية، هذا الفيلم مرشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لسنة 2015، حيث يترك الشين الفيلم الوثائقي ليرسم بشاعرية قصيدة عن العزلة من خلال بطلته نبات. ويعالج الفيلم قصة” نبات” في زمن الحرب، والتي تعيش في منزل صغير معزول عن أقرب قرية، رفقة زوجها المسن إسكندر، حارس الغابات المريض، في أجواء الحرب التي خطفت مات ابنهما، وبات مورد رزقهما الأوحد هو ما تجود به بقرةٌ من حليبٍ تحمله نبات كل يومين لتبيعه في القرية. بدأ شبح الحرب يقترب تدريجيا من المنطقة وأخذ الناس يهجرون القرية تباعا. إثر وفاة إسكندر، وجدت نبات نفسها تعيش وحيدة في مكان مهجور ، ترقُبها عيون ماكرة، إنها قصة ممتعة ومشوقة قد تكون فائزة بأحد جوائز المهرجان.