خريبكة: بساط أحمر للسينما الوثائقية

المصطفى الصوفي

الحبيب الناصري رئيس المهرجان

تشتهر مدينة خريبكة، التي تبعد عن العاصمة الرباط بنحو 200 كيلومتر جنوبا، بكونها عاصمة الفوسفاط، على المستوى العالمي، حيث تحتوي على أكبر احتياطي عالمي من الفوسفاط، الذي اكتشفته فرنسا منذ العشرينيات من القرن الماضي. وقد ساعدت جغرافيا المنطقة وطبيعتها، وهضابها الفوسفاطية، فضلا عن قراها المنجمية على فتح شهية العديد من المخرجين والروائيين والكتاب، لجعل تلك الأمكنة والفضاءات تيمة حية لنصوص إبداعية ممتعة، وأفلام متميزة فيها كثيرا من التشويق والإثارة، وإحياءاً للذاكرة التاريخية والجماعية التي يحفل بها المكان.
وبالرغم من كون المدينة، ذات طابع إقتصادي، وتضم العديد من القرى المنجمية، التي يسكنها عمال مناجم الفوسفاط، ومنها(بولنوار)، و(بوجنيبة)، و(حطان)، وغيرها، إلا أنها أصبحت شيئا فشيئا، تُحقّق إشعاعاً ثقافياً دولياً، وذلك بفضل العديد من التظاهرات الثقافية والفنية، والمهرجانات السينمائية، ومنها بالخصوص مهرجان السينما الإفريقية، الذي يُعدّ أقدم مهرجان في إفريقيا ويعود إلى عام 1977، فضلاً عن المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، الذي أُسسّ خصيصا لتكريم السينما الوثائقية، والاحتفاء بالتجارب العالمية، فضلاً عن ترسيخ روح هذه السينما العالمية، التي تُشكّل أحد بوادر الحوار، وصنع الجمال البصري، وتوثيق المكان والزمان وقيم الصورة، والواقع وروح الإنسانية لمختلف الشعوب، وفي أي مكان. وذلك كشكل من أشكال تحقيق التنمية والتواصل مع الآخر في بعدها الثقافي والإنساني والكوني.

دعم الجزيرة الوثائقية ومركز الجزيرة للتدريب

لقطة من فيلم”السلحفاة التي فقدت درعها”

من هنا كان حريّ بجمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، التي تُنظّم دورتها السادسة هذا العام من 24 إلى 27 من شهر ديسمبر الجاري، بأن تراهن على كرنفال المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، لتحقيق مزيد من الإشعاع لهذه المدينة، والاحتفاء بالتجارب العربية والأجنبية، من خلال عرض أعمالهم وتجاربهم السينمائية الجديدة، مع تنظيم العديد من الأنشطة الموازية التي يكون من مراميها، تكريس روح الفيلم الوثائقي، كمتنفس حقيقي لإزدهار الممارسة الثقافية والإبداعية، وخلق دينامية حقيقية وتواصل فعّال وهادف بين المهنيين ومبدعي السينما الوثائقية مغاربة وعرب وأجانب، مع التجارب الشبابية، وذلك بهدف جعل السينما الوثائقية بُعداً ثقافيا لتغذية الروح، وتهذيب الذوق الفني والجمالي، وخلق مزيد من التنوع الثقافي والفني الخصب على المستويين المحلي والدولي.
ويشارك في هذه الدورة السادسة، التي يحتضنها رسمياً المجمع الشريف للفوسفاط، بدعم من المركز السينمائي المغربي، وقناة الجزيرة الوثائقية، ومركز تفسير للدراسات القرآنية بالمملكة العربية السعودية، ومركز الجزيرة للتدريب والتطوير، وبتعاون مع عمالة إقليم خريبكة، والجماعة الحضرية، 16 فيلما من 13 دولة، ستتبارى حول جوائز المهرجان، ذات القيمة المالية، وهي الجائزة الكبرى للجزيرة الوثائقية، وجائزة لجنة التحكيم وجائزة الإخراج وجائزة النقد وجائزتي التصوير والجمهور.

تكريم الوثائقي الإسباني بالمهرجان

ويتعلّق الأمر بأفلام “بلانكو لميلفان دوران” من إسبانيا، و”السلحفاة التي فقدت درعها” لخالد قيصر من ألمانيا، و”هوشي من سايغون فيتنام” لعبد الفتاح حمودة من إنجلترا، و”المغربون” لمروان الطرابلسي و”عربية العباسي” من تونس، و”إسبانيو المغرب”، لباولا بلاسيو من إسبانيا، و”الجرح والسكين لأنس” ماريتزا بولمر من سويسرا، و”آن بيريدسو للأميدو سوكودوكو” من فرنسا/مالي، و”العائدون من كندا/فلسطين” لتغريد سعاده، و”أمل دنقل” لمصطفى محفوظ من مصر، و”صرخة طفولتي” لأحمد موقدي من فلسطين، و”آسية الوديع مناضلة المغرب” لهلا مراد من لبنان، و”أوني لسالي أبو باشا” من مصر، و”أوتار مقطوعة” لأحمد خميس حسونة من فلسطين، و”سينما الصحوة” لحبيب بافي سجيد من إيران، فضلا عن “سبتة… ثقافات متعددة” لإدريس الريفي التمسماني، و”آذان في مالطا” لرشيد القاسمي من المغرب.

مسابقات متنوعة ومشاركة 13 دولة
ويرأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية المخرج والمنتج السينمائي البرتغالي سيرجيو تريفو، كما تضم كل من المخرجة والمنتجة المصرية ماجدة فهيم وهبة رزق، والاعلامي الاسباني خوسي خورادو، ثم المنتجة والإعلامية المغربية أمينة الشفشاوني والمخرج والأكاديمي المغربي أحمد أعراب.

عطاءات ثقافية وفنية وفكرية
وضمن فقرة التكريمات، فقد تم اختيار مجموعة من الأسماء من داخل وخارج المدينة، قدمّوا عطاءات ثقافية وفنية وتنظيمية وفكرية متنوعة. ثم تكريم مدينة طنجة في فقرة إطلالة على المدن المغربية العريقة. كما سيتم خلال فقرة “ماستر كلاس”، تنظيم درس سينمائي حول موضوع “صورة المغرب في السينما الوثائقية الإسبانية الإستعمارية”، وسيُقدّمه الباحث المتخصص في التاريخ والتراث القديم محمد القاضي، والذي صدر له ما يزيد عن 22 دراسة تاريخية بمجلة التاريخ العربي، وأكثر من 300 بحث ودراسة صدرت في مجلات عربية متنوعة.

الفيلم الوثائقي أداة تربوية وفنية وتاريخية

المخرج البرتغالي سيرجيو تريفو

وأكد رئيس المهرجان الدكتور حبيب الناصري في تصريح خصّ به الجزيرة الوثائقية، بمناسبة انعقاد الدورة السادسة لهذه التظاهرة السينمائية العالمية، أن هذا المهرجان، استنادا لإستراتيجيته المستقبلية، هو حدث دولي يتوخّى تحقيق البعد العلمي والتواصلي والتنموي للسينما، يساهم في تقديم صورة حقيقية عن مغرب متحوِّل، من خلالها يتم الإطلالة على العديد من أشكال التفكير والانشغالات العلمية والثقافية الإنسانية التي تشغل الآخر في العديد من المواقع الجغرافية، مبرزا أن اختيار الفيلم الوثائقي، كمادة للاحتفال، والاحتفاء بها في هذه المحطة الدولية، يطرح سؤال العولمة اليوم، والعديد من الإشكاليات التي من الممكن تتّبعها بالصوت والصورة في بعض الجوانب التي سيقدمها هذا الحدث الثقافي العالمي، ناهيك عن كون الفيلم الوثائقي، هو في العمق معالجة خلاقة للواقع، وأداة تربوية وتعليمية وعلمية وفنية وتاريخية وذوقية وجمالية.
وأشار الدكتور الناصري إلى أن طرح فكرة الفيلم الوثائقي هو طرح يؤمن بأهمية دور الصورة والصوت، في صيانة الذاكرة  والهوية الوطنية والعربية والإنسانية بكل روافدها وينابيعها المتعددة، بل إن فكرة الفيلم الوثائقي من خلال هذه الإطلالة الدولية هي فرصة للتحاور والتواصل بين المغاربة والأجانب، وفرصة أيضا للتكوين وتوثيق الأحلام والآلام والآمال، وفرصة لتوظيف هذه التكنولوجيا وهذه الرقميات المتداولة بين شبابنا في مجالها العلمي والتربوي والثقافي والإنساني النافع وغير المضر.

جائزة الجزيرة الوثائقية
وأضاف الناصري بخصوص حضور اسبانيا ضيف شرف الدورة، ان اسبانيا المكرمة، والتي تعكس وجها مشرقا من السينما الأوربية والمتوسطية، وذلك خلال فيلمين وثائقيين جميلين يشكلان رؤى السينما الاسبانية المعاصرة، ومن خلال وجود عضو في لجنة التحكيم، ويتعلق بالمبدع خوصي جيرارو، كما ان تكريم لاسبانيا يأتي ايضا، في سياق  التعريف بطبيعة ما يجري في هذا البلد وثائقيا، وكذا من خلال وجود العديد من التجارب السينمائية الاسبانية التي أبدعت وتألقت وتوجت في كثير من التظاهرات السينمائية، فضلا عن وجود قاسم مشترك يجمع المغرب باسبانيا، كجارة  مطلة على الضفة الجنوبية للمتوسطي، قاسم مشترك يوحده التاريخ والحضارة واللغة والسينما أيضا.
روح الفيلم الوثائقي في بعده العربي والدولي
وعن الصعوبات التي تعترض المهرجان قال الناصري: “موقفنا واضح كجمعية تتعلم وتحاول أن تقدم خدمة ثقافية هادفة في هذه المدينة والوطن ككل، لا ننس أننا أصبحنا عضوا في مهرجان دولي للمهرجانات الدولية المهتمة بالفيلم الوثائقي، وهي تجربة سترى النور لاحقا بالدوحة  والأفلام الفائزة هنا ستتنافس في هذا اللقاء، غايتنا أن نرسخ هذه التجربة وأيادينا مفتوحة للجميع، أشكر الصحافة المحلية الورقية والإلكترونية والوطنية والدولية التي تساهم في التعريف بهذا المهرجان، نحن وكما يقال في الثقافة الشعبية المغربية “رؤوسنا صغيرة” نصغي ونشكر ونعانق كل من قدّم خدمة لهذا المهرجان، المهرجان اليوم هو ابن المدينة وابن المجتمع المدني، بعد هذه الدورة السادسة سنعقد لقاءاً عاماً مفتوحاً لنشارك الجميع ما حققناه كتجربة متواضعة ونصغي ونتقاسم ما راكمناه مع الجميع في أفق تطوير هذه التجربة التي ساهمت في التعريف بالمدينة وبتحولات المغرب الجميلة واستقراره وجمالية مدنه وتاريخه وحضارته العريقة. كما لا ننسى أن الجمعية راكمت تجربة تنظيمية  مهمة، ساهمنا وساعدنا مجموعة من المهرجانات وفق رؤية القاسم والتعاون المشترك وروح الفيلم الوثائقي في بعده العربي والدولي والإنساني، وساهمنا أيضا في إصدار مجموعة من الأعمال الوثائقية كفيلم “ناجي العلي في حضن حنظلة” الذي فاز بجواز دولية عدة، و” أسير الألم” لمخرجه الدكتور بوشعيب المسعودي، وغيرها، وهي أعمال ما كانت ستخرج إلى أرض الواقع، لولا هذه الجمعية ولولا هذا المهرجان.

الوثائقي مهم لشرح القضية الفلسطينية
وأكد رئيس مجلس إدارة الملتقى السينمائي الفلسطيني “بال” فايق جرادة على أن مشاركة فلسطين مهمة في كل المهرجانات لتعزيز مفهوم الفيلم الوثائقي الفلسطيني/الوطني، وأن الفيلم الوثائقي اليوم وأكثر من أي وقت مضى مهم جدا لشرح القضية الفلسطينية  حيث أكد على أن فلسطين حاضرة دائما بكل المهرجانات المغربية، وكان من المشاركين في مهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي عام 2009 عندما كانت القدس عاصمة الثقافة العربية، وكانت فلسطين هي ضيفة شرف الدورة الأولى، ولم يستطع أيامها أن يغادر القطاع بسبب إغلاق المعبر ولكنه تمكن من حضور الدورة الثانية لنفس المهرجان.
وأعرب فايق جرادة عن إيمانه بأن العمق العربي مهم لاستنهاض الحالة السينمائية في غزة وبكل فلسطين، كما أن الأفلام الفلسطينية المشاركة تعكس دائما الواقع بشكل فني مميز.


إعلان