مهرجان تطوان… مخلص في التزامه للسينما والناس
أحمد بوغابة / المغرب
سوريا وفلسطين… دائما في قلب المهرجان
سيحتفل المهرجان الدولي لسينما أقطار البحر الأبيض المتوسط في مدينة تطوان (شمال المغرب) بدورته العشرين (20) التي ستنعقد من 29 مارس الجاري إلى غاية 5 أبريل القادم. وقد امتد المهرجان 29 سنة من حياته (الدورة الأولى كانت سنة 1985)، بمعنى سيحتفل في السنة المقبلة أيضا بمرور 30 سنة على وجوده. فهو أقدم مهرجان سينمائي في المغرب بعد مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة (سنة 1977) في وسط المغرب. عرف المهرجان الدولي لسينما أقطار البحر الأبيض المتوسط، في مسيرته التاريخية تلك، كثير من الأحداث الغنية والتحولات التي صقلته. كما كانت العثرات الذاتية والموضوعية دروسا إيجابية له حيث ينجح دائما بالخروج منها منتصرا، صامدا ضد كل من راهن على وأده.

يكمن سره في كونه يتجدد سنويا نحو الأفضل، ويتطور باستمرار، فيبقى دائم الشباب، محتفظا بحيويته، حيث لا يمسه الترهل، وهو ما يشجع على مواكبته عوض الهروب منه أو الملل من برامجه. فهو بالتالي، يشكل مع مهرجان خريبكة، – وأيضا مع مهرجان آخر شاب حديث الوجود بمدينة أكادير (جنوب المغرب) يهتم بالسينما الأمازيغية وهو “إسني وورغ”-، التظاهرات الملتزمة فكريا وفنيا. والدليل على ذلك أنه يواكب الأحداث الاجتماعية والاقتصادية التي تهز حوض المتوسط. اهتم كثيرا بالسينما اليوغسلافية منذ بدايتها وبتحولاتها السينمائية وفي ما بعد بالأقطار التي أنتجها انفجار ذلك البلد، كما اهتم بألبانيا وباليونان ومصر وإيطاليا وإسبانيا والجزائر وتونس.. وكان في الموعد مع الانتفاضة الشعبية في سوريا، عند انطلاقها مباشرة، حيث كرم السينما والسينمائيين في سوريا قبل سنتين ببرنامج جد خاص، بمحتواه الفني، وبوفد كبير احتفلت به المدينة أيضا. ومازال المهرجان يتفاعل مع سوريا بطريقة إبداعية ذكية من خلال تخويل رئاسة لجنة التحكيم الرسمية للأفلام الطويلة للمخرج والكاتب السوري الكبير محمد ملص (لقد تم اعتقاله قبل ثلاثة أسابيع حين كان يعتزم عبور الحدود السورية نحو لبنان). وافتتاح الدورة العشرين، التي ستعلن عن نفسها يوم السبت 29 مارس، بفيلمه الجديد “سلم إلى دمشق”، وهذه “نبضة قلب” في غاية من الجمال السينمائي الملتزم تُجاه السينمائيين المستقلين “هُناك”… وفي المهجر. ونفس الرؤية النضالية تُجاه الشعب الفلسطيني حيث تعمل إدارة المهرجان جاهدة، في كل دورة، أن يكون الفيلم الفلسطيني حاضر وكذا مخرجيها. من الصعب أن تمر إحدى الدورات بدون فلسطين. لقد مر من تطوان أغلب المخرجين والممثلين والممثلات من فلسطين. يحضر هذه السنة المخرج والكاتب والناقد السينمائي الفلسطيني فجر يعقوب ليشارك بآخر فيلم له “طريق بيروت” في مسابقة الأفلام الوثائقية. وسيكون الفيلم الفلسطيني “عمر” للمخرج هاني أبو أسعد في عرض اختتام فعاليات المهرجان.
يمكن العودة إلى النصوص السابقة التي نشرتها في موقع الجزيرة الوثائقية لمعرفة تفاصيل تاريخ هذه التظاهرة السينمائية القيمة لمن يرغب في ذلك إذ لا داعي للعودة إليها من جديد. ويشرفني أنني واكبت تاريخ هذه المهرجان منذ انطلاقه وأحفظ تفاصيله.
شراكة سينمائية… بين تطوان وطنجة
رغم أن مهرجان تطوان محدد في جغرافيته بسينما أقطار البحر المتوسط إلا أن له بعدا دوليا بمكوناته وتفاصيله، ولا يكتفي بأفلام المسابقة الرسمية فقط وإنما يغني عروضه بكثير من الأفلام الأخرى التي يشاهدها الجمهور بموازاة مع المواضيع التي يبرمجها، في إطار الندوات والموائد المستديرة، كنوع من العلاقة الجدلية بين الخطاب والصورة لإغناء النقاش والتداول الفكري. وتشكل تلك الأفلام جزء من البرنامج العام للمهرجان وليس “على هامشه” كما يطيب للبعض تسمية تلك العروض الداعمة، وأحيانا تكون أساسية بغناها وتنوعها، والتي عادة ما تكون من خارج فضاء المتوسط أو من عمقه.

فلا تقل تلك الأفلام أهمية عن المُبرمجة في المسابقة، وقد تكون أحيانا أفضل. وبالتالي، فإن مَنْ يعتبرها “هامشية” يفقد أجزاء أساسية في البرنامج. كما أن المهرجان يعطي للمشاهد/المتفرج/المتتبع إمكانيات متعددة للاختيار، وفي قاعات مختلفة، فلا يعتقله في دائرة واحدة كما تفعل كثير من التظاهرات في المغرب حيث ينعدم فيها هذا الاختيار الديمقراطي والتعلم على الاختيار الفردي. يسري هذا على المدعوين والجمهور المحلي على حد سواء مادامت المدينة كلها تعيش على إيقاع المهرجان من خلال فضاءاته الثقافية والفنية (القاعات السينمائية: أفينيدا وإسبانيول والمعهد الثقافي الفرنسي وكذا المعهد الثقافي الإسباني والتي تحتضن عروض الأفلام بينما المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان – الذي يحتضن مقر “جمعية أصدقاء السينما بتطوان” المؤسسة للمهرجان – فتتم به الندوات والنقاشات الصباحية للأفلام المعروضة والموائد المستديرة والورشات الخاصة بالأطفال التلاميذ. ونذكر أن مدير المعهد، الفنان عبد الكريم الوزاني، هو مصمم شعارات المهرجان منذ سنوات عدة، وسيكون هذه السنة عضوا بلجنة تحكيم الأفلام القصيرة التي يترأسها الإسباني إسماعيل مارتين، مدير مؤسسة الفيلم القصير بإسبانيا.
إنه من الصعب أن تمر دورة من دورات المهرجان البحر الأبيض المتوسط بتطوان دون أن تخلق الحدث، بحكم كثافة برنامجه وأنشطته، إذ تقول إدارة المهرجان بأن عدد المتتبعين له بالمدينة قد تجاوز في السنة الماضية 50 ألف متتبع خلال أسبوع واحد، وهي مدة انعقاد المهرجان، ويستقطب كذلك جمهور المدن الصغيرة المجاورة لتطوان وقراها، خاصة وأن وسائل النقل متوفرة للربط بينها إلى ساعة متأخرة من الليل. وفي إطار انفتاحها على محيطها السينمائي، فقد ارتأت إدارة المهرجان أن تعيد هذه السنة تجربة سابقة كانت قد خاضتها مع الخزانة السينمائية بطنجة قبل ثلاث سنوات، وذلك بنقل جزء من برنامجها إليها حيث استقر الاختيار بينهما على برنامج الفيلم القصير المبرمج ضمن المسابقة الرسمية لعرضه بطنجة، بموازاة مع المهرجان ضمن شراكة التي تمت بينهما وكانت قد تم الشروع فيها في بداية السنة الجارية من خلال استقدام مهرجان السينما العربية بمرسيليا (جنوب فرنسا المطلة على بحر الأبيض المتوسط أيضا) وهي التجربة التي أغنت مكانتهما السينمائية في شمال المغرب كأهم مرافق في الثقافة السينمائية لا يضاهيهما فيه أحد.
تتشكل فقرات المهرجان من مسابقات رسمية لأفلام من مختلف الأجناس والجنسيات المنتمية لحوض البحر الأبيض المتوسط، ولا ينبغي أن تكون قد تجاوزت سنة على إنتاجها منذ الدورة الأخيرة للمهرجان. تتوزع المسابقات إلى ثلاثة أقسام بثلاث لجن مستقلة عن بعضها:
1) الفيلم الروائي الطويل التي سيترأس لجنة تحكيمها المخرج والكاتب السوري محمد ملص والذي سيجد أمامه، وأمام باقي أعضاء لجنته، 11 فيلما تتبارى حول 5 جوائز: الجائزة الكبرى، وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة العمل الأول، وجائزتين لأفضل ممثل وأفضل ممثلة. وهناك جائزة سادسة لهذا الصنف ترتبط بالجمهور والتي يمنحها بالتصويت عليها.
2) ستمنح لجنة الفيلم الروائي القصير، التي سيترأسها الإسباني إسماعيل مارتين، ثلاث جوائز فقط هي الجائزة الكبرى، وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة الابتكار ل14 فيلما مشاركا في المسابقة

3) تترأس المخرجة والمنتجة المصرية ماريان خوري لجنة الفيلم الوثائقي التي ستبث فيها صحبة ثلاثة أعضاء آخرين بثلاث جوائز أيضا. وهي الجائزة الكبرى طبعا وجائزة لجنة التحكيم وجائزة العمل الأول. ويشارك في مسابقة الفيلم الوثائقي 13 فيلما.
قطر… على البحر الأبيض المتوسط
تكاد تمثلية الأقطار المطلة على المتوسط أن تكون ممثلة في هذه المسابقات الثلاث، وبأجيال مختلفة، حيث مقياس اختيارها هو نوعيتها وإبداعها ومدى تجديدها في اللغة السينمائية. لذلك تتفاوت مستويات الأفلام فتخلق بعضها مفاجآت جميلة وممتعة للعين وللنقاش، وتخرجنا من النمطية باجتهادات عميقة في الشكل السينمائي والمضمون الفكري.
وتمتد بعض الأفلام بجنسيتها الإنتاجية إلى أقطار أخرى من خارج حوض المتوسط كما سلف الذكر ونذكر منها فيلم “طالع نازل” للمخرج اللبناني محمود حجيج الذي يشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة. فقد ساهمت دولة قطر في إنتاجه كما ساهمت أيضا في إنتاج فيلم آخر مشارك في المسابقة الرسمية للأفلام الوثائقية وهو فيلم “طيور أيلول” من إخراج سارة فرنسيس، وهو أيضا من لبنان.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها قطر بالمهرجان الدولي لسينما البحر البيض المتوسط بل ترجع مشاركتها السابقة إلى سنة 2010 من خلال قناة الجزيرة الوثائقية ومديرها الأستاذ أحمد محفوظ شخصيا. لقد كانت مشاركة ثمينة ودالة على مستويات عدة تتمثل في عضوية الأستاذ أحمد محفوظ في لجنة التحكيم الرسمية للأفلام الوثائقية من جهة ومن جهة أخرى تخصيص جائزة لجنة التحكيم في تلك الدورة (الدورة 16) باسم قناة الجزيرة الوثائقية والتي مولتها القناة. فقد كان ذلك الدعم المعنوي والمالي مثيرا للاهتمام كأول تجربة قبل أن تليها تجارب أخرى مستقبلا. كما كرمت القناة، خلال الدورة المذكورة، باسم مديرها، رئيس مؤسسة المهرجان السيد نبيل بنعبد الله والذي كان حينها سفيرا للمغرب بإيطاليا بعد أن كان وزيرا للاتصال (هو الآن وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة) الذي سلمته درع القناة. كما القناة اشترت حقوق بعض الأفلام. دون إغفال المتابعة الإعلامية المكثفة من خلال موقعها الإلكتروني.
الأطفال… ركيزة المهرجان ومستقبله
يعقد المهرجان ندوته المركزية حول موضوع “السينما في المدرسة: إشكاليا وتحديات” بمشاركة عدد مهم من المتخصصين في شأن التربية على الصورة، ومنهم أساتذة فنون السينما في عدد من المعاهد والمدارس والمؤسسات التعليمية بأقطار حوض المتوسط أو مدرائها، وذلك يوم الجمعة 4 أبريل بتعاون مع الأكاديمية الجهوية طنجة – تطوان.
تطرح هذه الإشكالية نفسها بحدة في المغرب حيث لا توازي المدرسة التطور الحاصل في المجتمع مع الصورة، خاصة عند الأطفال، ولم تجد السينما مكانها طبيعيا في أقسام الدراسة سواء الابتدائية أو العليا. ولا تهتم الجمعيات السينمائية بتثقيف الطفل في هذا الحقل باستثناء تجربة الخزانة السينمائية بطنجة التي شرعت منذ أزيد من 4 سنوات، بتعاون مع الجمعية السينمائية السويسرية “المصباح السحري”، بتربية الأطفال سينمائيا اعتمادا على منهجية وبيداغوجية مدروسة علميا، وهي تجربة رائدة في المغرب مع الأطفال. وشرعت هذه السنة – أي الخزانة السينمائية بطنجة – في تأطير أساتذة الثانويات لتأطير بدورهم تلامذتهم (أنظر نصوصا في هذه المواضيع سبق نشرها بموقع الجزيرة الوثائقية).

ومهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط هو بدوره من الإطارات التي اهتمت بالأطفال قبل سنوات بتنظيم ورشات سينمائية معهم أطرها سينمائيون مغاربة وأجانب، طيلة أيام انعقاده، وأنجزت بعضها أفلاما قصيرة جدا تم عرض بعضها في حفل اختتام، ومنها من حظيت بجوائز مادية فتشجع بعضهم لاختيار السينما في دراسته العليا. ومنهم من يتطوع للعمل مع المهرجان الذي تربى فيه. وعليه، فإن المهرجان كان واعيا بقيمة العمل مع الأطفال، وأنهم مستقبله، فتُعد ندوته، لهذه السنة، بمثابة تتويج لماضيه بغية إيجاد حلول لتطوير العمل داخل المؤسسات التعليمية العمومية طيلة السنة وليس في المناسبات فقط. من هنا تكمن القيمة المضافة للندوة المقررة.
برامج أخرى…
وكما سبق القول أعلاه، فإن المهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط، أو بعبارة أصح، الأفلام المنتجة في الأقطار المحيطة به، هو تظاهرة ضخمة وكبيره وغنية ولا يتوقف ذلك عما جاء سالفا بل يتضمن أنشطة أخرى كالمائدة المستديرة حول “السينما وحقوق الإنسان بالمتوسط”، يوم الإثنين 31 مارس، بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وستُعرض في هذا الإطار مجموعة من الأفلام تنتمي إلى المغرب وفرنسا ومصر ولبنان وفلسطين وبمشاركة مخرجيها في المناقشة.
كما يتضمن البرنامج عروضا سينمائية ضمن فقرة “4،14 كلم” التي تتناول العلاقة بين ضفتي حوض المتوسط، خاصة المغرب وإسبانيا، ودلالة إسم الفقرة هو المسافة الفاصلة في المضيق بين المغرب (طنجة) وإسبانيا (طريفة) لخلق الحوار والتبادل الثقافي والتعاون السينمائي، وهو ما تعمل به هذه الفقرة التي هي في الواقع إسما لتظاهرة تتم أيضا في طنجة وبعدد من المدن الإسبانية.
ويلتفت المهرجان، سنويا، نحو مجموعة من الأسماء السينمائية بحوض المتوسط لتكريمها والاعتراف بعطاءاتها حيث اختارت الإدارة أربعة أسماء: المخرج والكاتب السوري محمد ملص، والممثل المغربي صلاح الدين بنموسى، ومدير التصوير والمخرج المغربي محمد عبد الكريم الدرقاوي، ومدير التصوير الإسباني خوصي لويس ألكايني.