كان السينمائي: برنامج طموح وافتتاح تاريخي

أمير العمري- من “كان”

افتتحت مساء الأربعاء 14 مايو، الدورة السابعة والستون من مهرجان كان السينمائي، أهم المهرجانات السينمائية في العالم وأكثرها تأثيرا على صناعة السينما.
فيلم الافتتاح هو الفيلم الأمريكي “جريس أميرة موناكو” Grace of Monaco للمخرج الفرنسي أوليفييه داهان. وهو فيلم رأى القائمون على المهرجان أنه يناسب تماما العرض الاحتفالي- خارج المسابقة- في المهرجان الكبير الذي يقام على شاطيء الريفييرا الفرنسية خاصة وأن أحداثه تدور في إمارة مونت كارلو القريبة، كما يتناول العلاقة المعقدة بين مونت كارلو وفرنسا في ستينيات القرن الماضي، من خلال شخصية جريس كيلي، نجمة هوليوود الشهيرة التي تزوجت عام 1956 الأمير رينيه الثالث أمير موناكو، في حفل أسطوري، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وتوفيت في حادث سيارة عام 1982 لتصبح أسطورة من أساطير القرن العشرين.

من فيلم وداعا للغة

مدخل المخرج داهان الى التعامل مع شخصية جريس كيلي (أميرة موناكو) يدور في إطار فكرة المرأة الجميلة- التي تصبح ضحية الخضوع لما تقتضيه الحياة في قصور الأثرياء- الملوك والأمراء، كيف تفقد براءتها وقدرتها على التعبير التلقائي عن نفسها، خاصة وهي الممثلة الأمريكية المدللة (فتاة فيلادلفيا) التي أصبحت الآن أسيرة حياة جديدة، تقتضي منها الصمت والتظاهر وإنكار الذات وتجاهل رغبتها الحقيقة في العودة إلى اضواء السينما مجددا رغم الإغراءات، وكيف أنها تقرر الوقوف الى جانب زوجها الأمير خلال الأزمة التي كادت أن تؤدي الى ابتلاع فرنسا لإمارة موناكو في الستينيات. غير أن مشكلة الفيلم تكمن في ميله الواضح إلى تنميط الشخصيات، والمغالات في تسييس الموضوع بشكل يضر بالجانب الانساني الذي كان يتعين إبرازه في الشخصية الرئيسية، بعيوبها ومزاياها، كما يمل الفيلم الى ابتكار الكثثر من التفاصيل التي لم تحدث في الواقع، وبالتالي يأتي رفض عائلة الأميرة للفيلم قبل عرضه بدعوى أنه مجاف للحقيقة بل واتهاكه أيضا بتشويه العائلة!

كيدمان في فيلم غريس

معالم الدورة
الدورة الجديدة التي ستستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، تشهد عرض حوالي مائة وخمسين فيلما من الأفلام الطويلة والقصيرة، الروائية والتسجيلية وأفلام التحريك، في كل أقسام المهرجان سواء البرنامج الرسمي (المسابقة، نظرة ما، مسابقة الأفلام القصيرة، عروض خاصة خارج المسابقة)، أم التظاهرات الموازية مثل أسبوع النقاد، ونصف شهر المخرجين، وكلاسيكيات كان، وركن الأفلام القصيرة.
أهم أقسام المهرجان قسم المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة التي تحتوي هذا العام على 18 فيلما فقط وهو أقل عدد من الأفلام في المسابقة منذ سنوات، وهي تأتي من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وكندا وبلجيكا وروسيا واليابان وألمانيا والأرجنتين. وتمثل السينما الفرنسية وحدها في المسابقة بخمسة أفلام تليها السينما الكندية (ثلاثة أفلام) ثم السينما البريطانية والأمريكية (فيلمان لكل منهما) مع ملاحظة أن عددا كبيرا من الأفلام الأخرى من الإنتاج المشترك مع فرنسا، وبالتالي تبرز كثيرا الهوية الفرنسية على أفلام المسابقة وقسما كبيرا من أفلام الأقسام الأخرى في المهرجان.
والملاحظ غياب السينما الإيطالية من المسابقة وهي السينما التي قدمت العام الماضي أهم الأفلام الأوروبية قاطبة وهو فيلم “الجمال العظيم” The Great Beauty الذي حصل على جائزة أحسن فيلم أوروبي وأحسن فيلم أجنبي في مسابقة الأوسكار رغم عدم حصوله على جائزة كان الكبرى بل على الجائزة الخاصة الكبرى للجنة التحكيم، كما يلاحظ أيضا تهميش سينما القارات الثلاث (وهذه هي التسمية الأفضل من سينما العالم الثالث)أي افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في عرض فيلم واحد من الأرجنتين، كما تغيب أفلام إفريقيات السوداء غير أن المسابقة الرسمية تضم الفيلم الجديد للمخرج الموريتاني المعروف عبد الرحمن سيساكو وهو بعنوان “تمبكتو” لكنه من الإنتاج الفرنسي.

السينما العربية

من فيلم عمر الزهيري

للمرة الأولى منذ سنوات تغيب السينما العربية غيابا شبه تام عن المهرجان، فهي غائبة من المسابقة التي تستقطب عادة أنظار الصحافة الدولية، لكن هناك فيلما واحدا يعرض في قسم “نظرة ما” Un Certain Regard للمخرج السوري أسامة محمد الذي يقيم في منفاه الاختياري في باريس، وهو فيلم “مياه فضية: سوريا بورتريه شخصي”. هذا الفيلم أخرجه أسامة محمد (صاحب نجوم النهار) بالتعاون مع وئام بدرخان وهي سيدة سورية كردية تقيم في حمص، سألت المخرج المقيم في باريس ماذا كنت ستصور لو كنت في حمص، وقد صرح اسامة بأنه لا يمكنه سوى أن يقوم بتصوير السماء في باريس. وعلى شاكلة التعاون الشهير بين المخرج التركي الراحل الكبير يلماظ جوني وشريكه ومساعده شريف جوران عام 1982 في انجاز الفيلم الشهير “الطريق” يصنع أسامة محمد فيلما عن “حقول القتل” في سوريا من خلال نظرته الخاصة. وفيلم أسامة محمد من الإنتاج الألماني بتمويل فرنسي.
وفي مسابقة أفلام طلبة معاهد السينما فيلم قصير من مصر يحمل عنوانا غريبا هو “ما حدث بعد وضع حجر الأساس لمشروع حمام عمومي بالكيلو 375” للمخرج الشاب عمر الزهيري. والفيلم يقع في 18 دقيقة، وهو من إنتاج معهد السينما بالقاهرة.
من أهم أفلام المسابقة المنتظرة الفيلم الجديد للمخرج الفرنسي- السويسري الكبير جان لوك جودار (أحد رواد حركة الموجة الجديدة الفرنسية التي ظهرت في أواخر الحمسنيات). والفيلم بعنوان “وداعا للغة” Adieu Au Langage وهو فيلم لم يكشف عنه مخرجه أي معلومات محدده حتى الآن، وليس معروفا ما إذا كان جودار نفسه سيحضر المؤتمر الصحفي الذي سيعقب عرض فيلمه يوم 21 مايو.
ويعود المخرج الكندي (من أصل مصري من الطائفة الأرمنية) أتوم إيجويان إلى المسابقة بفيلم جديد هو “أسرى” Captives يواصل فيه ما سبق أن صوره في فيلم سابق، يدور حول نسبية الحقيقة.

بورتريه سوريا لاسامة محمد

ضمن قسم “نظرة ما” يعرض 19 فيلما، وخارج المسابقة ضمن أقسام عروض منتصف الليل والعروض الخاصة وأفلام خارج التسابق، يعرض 16 فيلما منها عدد من الأفلام التسجيلية المهمة أولها الفيلم الفرنسي الإنتاج “جسور سراييفو” The Sarajevo Bridges الذي شارك في اخراجه 13 مخرجا من فرنسا  وايطاليا وبلغاريا وألمانيا والبوسنه والبرتغال وأوكرانيا وصربيا ورومانيا واسبانيا. يصور المخرجون الأوروبيون الثلاثة عشر نظرتهم الخاصة لمدينة سراييفو وما تمثله في الثقافة الأوروبية وما أصبحت عليه اليوم، وعلاقتهم الخاصة بالمدينة التاريخية وما تعرضت له خلال المائة عام الأخيرة.
ويشهد مهرجان كان أيضا العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي الطويل “الميدان”- إخراج سيرجي لوزينستا- الذي يصور حركة التمرد الشبابي ضد نظام الرئيس يانكوفيتش في أوكرانيا خلال شتاء 2013- 2014. كما يعرض خارج المسابقة الفيلم الفرنسي الوثائقي “رسامو الكاريكاتير: جنود المشاة من اجل الديمقراطية” إخراج ستيفانى فالواتو وهو يسجل تجربة 12 رسام كاريكاتير من شتى أنحاء العالم بما في ذلك العالم العربي في نقد الأنظمة الديكتاتورية، والوثائقي الطويل “شعوب العالم” إخراج إيف يولاند عن تاريخ جريدة «لوموند» الفرنسية الشهيرة بمناسبة مرور 70 سنة على بدء صدورها.

ويعود المخرج الألماني الكبير فيم فيندرز Wenders إلى المهرجان بفيلم وثائقي طويل بعنوان “ملح الأرض” عن التجربة الطويلة للمصور البرازيلي الكبير سيباستياو سيجادو Sebastiao Salgado خلال الأربعين عاما الأخيرة في رصد مظاهر الظلم الإنساني في أرجاء العالم المختلفة.
وعلى هامش المهرجان تعرض الممثلة سلمى حايك مشاهد من الفيلم الجديد المقتبس عن كتاب “النبي” لجبران خليل جبران، وهو فيلم من أفلام التحريك إشترك في اخراجه 10 مخرجين، وهو فيلم لايزال في مراحل الانتاج. وجدير بالذكر أن الفيلم حصل على تمويل قطري من مؤسسة الدوحة للسينما، كما شاركت في انتاجه شركة لبنانية.


إعلان