مهرجان “كان” يشغل الصحافة البريطانية

لندن- عدنان حسين أحمد

تتابع الصحافة البريطانية بدأبٍ كبير فعاليات مهرجان “كان” السينمائي في دورته السابعة والستين. وبما أن المملكة المتحدة قد اشتركت هذا العام بفيلمين مهمين في المسابقة الرسمية التي تضم ثمانية عشر فيلماً وهما “مستر تيرنر”  لمايك لي و “صالة جيمي” لكين لوش فإن توقعات الكتّاب ونقاد السينما البريطانية تذهب صوب ترجيح فيلم “مستر تيرنر” لأكثر من جائزة فقد قوبل الفيلم باستحسان النقاد السينمائيين على وجه التحديد الذين رأوا فيه تحفة فنية نادرة في حقل السينما السيرية التي تتمحور حول ذات البطل ولا تعير اهتماماً كبيراً لحبكة القصة السينمائية التي تعوّل عليها الأنواع الأخرى من الأفلام الروائية والوثائقية ورسوم التحريك.

مايك لي

حيث أسمتْ مجلة “فرايَتي” فيلم “مستر تيرنر” بـ “المنافس الطبيعي للجوائز” بينما ذهبت صحيفة “الإندبندنت” إلى أن النجم المتألق تيموثي سبال سوف يكون  بين المتنافسين الأوائل لجائزة أفضل ممثل في المهرجان”.
لقد وُصف فيلم “مستر بيرنر” بأنه قطعة موسيقية في انسيابه الذي استمر على مدى ساعتين ونصف الساعة من دون أن يتسرّب الملل إلى نفوس مشاهديه، فقد اختار المخرج قصصاً من حياة الفنان تيرنر رتبّها في سياق درامي لا يخلو من الرؤية الارتجالية التي تلامس العناصر الجمالية والإبداعية على وجه التحديد. وجدير ذكره أن المخرج قد انتقى هذه القصص التي تبدأ بزيارة تيرنر إلى هولندا عام 1825 وتنتهي بموته عام 1851.
لا يرى مايك أن هناك فرقاً يُذكر في صناعته للأفلام بين فيلم “مستر تيرنر” وبقية أفلامه المعروفة “عارية”، “الحياة حلوة” و “أسرار وأكاذيب” ولكن ثمة سرّ موارَب قد لا يراه الجميع لأنه يقتصر على المخرجين المبدعين تحديداً حيث يقول في هذا الصدد: “بإمكانكَ أن تقرأ كل الكتب، وأن تبحث ملايين السنين، لكنك لا تستطيع أن تجعل الوقائع تحدث أمام الكاميرا”. وهو يعني بذلك أنك لا تستطيع أن تخلق شخصية من لحم ودم، شخصية تتنفس أمامك وكأنها كائن حي. وتيرنر هو فنان كبير بكل تأكيد، بل أن البعض يصفه بأنه أكبر فنان على مرّ العصور ، وفي كل الأمكنة.
إن شخصاً فناناً مثل تيرنر هو الذي يحرّض المخرج المبدع لأن يصنع منه أنموذجاً “لدراسة الشخصية”، ذلك لأن شخصيته معقدة، وخارقة في تجاوزها للمألوف من القيم والتقاليد السائدة آنذاك. لم يتزوج تيرنر لكنه كان علاقة مع أرملة تُدعى سارة دنبي ويُعتقد أنه كان الأب البيولوجي لابنتيها اللتين وُلدتا عام 1801 و 1811، كما كان مرتبطاً بصديقته صوفيا بووث التي توفي في منزلها.
تتسم غالبية أعمال تيرنر بالتحليق والتسامي واللمسات التي تشدّ انتباه المتلقي. وربما تكون “الانهماك” هي الكلمة التي ركزت عليها الصحافة البريطانية أكثر من غيرها فهم يعرفون انغماس تيرنر بجمال الطبيعة ورعبها، فثمة رعب في جمال الطبيعة، وثمة جمال في رعب الطبيعة ملخصة النقاش الذي كان يدور آنذاك بأن “الجمال هو الرعب” فأن تظل مرعوباً حينما تقف في مواجهة امرأة فاتنة أو لوحة جميلة، أو منظر آسر للألباب.
لا يجد الفنان تيموثي سبال حرجاً في القول بأن تيرنر كان شكله مضحكاً، فقد كان سميناً مثله، لكن كان لديه أشياء كثيرة يقولها كي يتخلص من الأصوات المدوية في داخله.

مستر تيرنر

لقد فاز مايك لي بالسعفة الذهبية عام 1996 عن فيلمه ذائع الصيت “أسرار وأكاذيب” الذي مثّل فيه تيموثي سبال. كما أُختيرت ثلاثة من أفلامه للمسابقة وهي “عارية” الذي فاز عنه بجائزة أفضل مخرج و “الكل ولا شيئ” و “سنة أخرى”، وليس من المستبعد أن يفوز “السيد تيرنر” بجائزة مهمة أو يفوز بطل الفيلم تيموثي سبال بجائزة أحسن ممثل مرة أخرى لأنه جسّد شخصية فنان كبير مثل تيرنر كان يقيس بصدق وإثارة، على حد قول الناقد البريطاني جون رسكن، أمزجة الطبيعة، ويوثقها على سطوحه التصويرية لأنه كان مسحوراً بالقوى العنيفة للبحر، ومُجسداً بارعاً للظواهر الطبيعية مثل ضوء الشمس، والعواصف، والمطر، والضباب كما فعل في عمله الأثير “الفجر بعد الحطام” أو في بقية أعماله ذائعة الصيت مثل “قناة شيشستر”، “حُطام ساحل نورثيمبرلاند”، ” قصر برودهام”، “جسر اللبلاب”، “معركة تيمرير” وغيرها من الأعمال المعروفة لتيرنر.


إعلان