علاقة الوثائقي بالفنون التشكيلية
الرباط ـ المصطفى الصوفي
وأكد مهتمون بمجال الفنون التشكيلية والسينما، الذين شاركوا في ندوة دولية حول (علاقة الفنون التشكيلية بالسينما)، التي أقيمت (الجمعة) بإحدى ضواحي مدينة الدار البيضاء، ضمن فعاليات مهرجان(بصمات) الدولي للفنون التشكيلية في نسخته ال 12، ان السينما الوثائقية، وضمن اشتغالها على مجال الفنون التشكيلية في المغرب والعالم العربي خصوصا، ستقدم للجمهور، عوالم بهية لوداعة اللوحات وتاريخها وعبقرية رساميها، ورؤى فنية وإبداعية غنية برقة الصورة، فضلا عن استنطاقها لمكنونات فنية عميقة، تختزل الكثير من الدلالات والعلامات، وتنجلي على عوالم ورؤى تنفتح على التاريخ والموروث الثقافي والشعبي وقيم العادات والتقاليد وباقي الطقوس.

السينما والفنون التشكيلية قواسم المشتركة
وأوضحوا خلال ندوة المهرجان الذي استضافته جمعية (بصمات) الشاوية ورديغة للفنون التشكيلية برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، من 19 الى 22 من شهر يونيو الجاري بمشاركة أزيد من 80 فنانا تشكيليا يمثلون نحو 18 دولة عربية وأجنبية، الى ان السينما والفنون التشكيلية تجمعهما العديد من القواسم المشتركة، والتي تكمل بعضها بعض، وذلك لان الفن الذي يقدم المتعة البصرية للمتلقي واحد، وتتداخل فيه الكثير من الإبداعات والفنون الجميلة.
ودعا المشاركون في ندوة المهرجان الذي يعقد بتعاون ودعم شركاء عدة، وبخاصة وزارة الثقافة، وولاية جهة الشاوية ورديغة والمجلسين الإقليمي والجهوي، ومؤسسة صندوق الإيداع والتدبير إلى ضرورة استفادة السينما من الرسم، واكتشاف عوالمه الساحرة، فضلا عن توظيفه توظيفا دقيقا وجماليا من اجل جمالية الصورة، وشاعريتها، ورقتها، حتى تجذب الجمهور أكثر.
كما خلصوا بالمناسبة الى ان السينما المغربية والعربية، وحتى الدولية منها ما تزال مقصرة في حق إزهار هذه العلاقة الثنائية التي تجمع الطرفين على اعتبار ان كل واحد منهما، يعد فنا قائما بذاته، مهما اختلفت الإمكانيات ووسائل الاشتغال، لكنهما يلتقيان ويتوحدان، ويكمل الواحد الآخر، بحثا عن الفرجة البصرية التي يبتغيها المتلقي والجمهور في كل عمل على حدة.
ولامس الفنان والسينمائي والممثل المغربي رشيد فكاك في مداخلته العديد من القضايا، التي تهم الفنون التشكيلية والسينما، اضافة الى الفنون الحية برمتها، كالمسرح والموسيقى، ورسم ملصقات الأفلام، وفن الفيديو،، والمؤثرات الخاصة، والفنون البصرية والاستوديوهات السينمائية والتلفزيونية عامة.
واكد ان هيوليود في الولايات المتحدة، وبوليود في الهند، على المستوى العالمي قدمتا النموذج الحقيقي في المزج بين الفنون التشكيلية والسينما منذ الستينيات من القرن الماضي، وذلك من خلال العديد من الافلام التاريخية، والفانطاستيكية، والتخييلية والخيال العلمي، والأفلام الأمريكية الكلاسيكية(الكوبوي) وهو ما ساهم بشكل كبير في تطوير السينما في بعدها الكوني والدولي.
أهمية التكوين والتربية في مجال السينما والفنون
ولفت بالمناسبة إلى ان أفلام التحريك او ما يسمى بافلام الرسوم المتحركة، والكارتونية، قدمت هي الاخرى النموذج الحقيقي في انسجام الفنون التشكيلية والرسم، بالسينما، والصورة كثقافة وانتشاء فني رقيق، وذلك من خلال أفلام (وايت ديزني) واستوري بورد، والتمويهات الفنية، التي برزت مع العديد من الفنانين منهم الفنان الفرنسي ملياس.

وقال فكاك ان “الرسم يبقى دائما حاضرا، في قلب الابداع السينمائي”، مذكرا بتجربة أكاديمية سينمائية بجامعة الحسن الثاني بمدينة المحمدية ضواحي العاصمة الرباط، ومن خلال إقامة (ماستر) في مجال الفنون التشكيلية والمسرح وغيرهما، كما شدد على أهمية التكوين والتربية في مجال السينما والفنون التشكيلية، والذي من الضروري ان يترسخ في مقررات الجامعة المغربية والعربية بهدف تطوير المواهب والفنون، وبخاصة السينما.
من جهته طرح رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي الدكتور حبيب الناصري، في أطروحته العديد من الإشكاليات التي همت محور الندوة، والكثير من الأسئلة التي تعد مدخلا لتقييم العلاقة الوطيدة التي تجمع بين الفنون التشكيلية والسينما، منها البعد النظري والمعرفي والابستيمولوجي لمفهومي التشكيل والسينما، والفن ككل.
وقال انه من الواجب واللازم إعادة صياغة السينما والتشكيل وإبداعاتهما، وذلك لمعرفة طبيعة ما يقدم للجمهور والمتلقي في هذين المجالين، مضيفا أن القاسم المشترك الذي يلم الإبداع التشكيلي والسينمائي، هو سحر الفنون كمعطى تخييلي جمالي، بعيدا كل البعد عن المفهوم القدحي، بين ما هو جميل وغير جميل.
وتساءل الناقد السينمائي الناصري هل استطاعت السينما المغربية بعدد من أفلامهما اثارة قضية الفنون التشكيلية، وإحداث بصمة تشكيلية جمالية عميقة تثير المتلقي، ما يبيح مسألة التأويل الايجابي لكل من السينما والفنون التشكيلية، مذكرا بآخر الأفلام السينمائية الذي انتهى تصويره حول الفنانة التشكيلية المغربية العصامية(الشعبية طلال)، حول لمخرجه يوسف بريطل، كمغامرة سينمائية، يستعيد فيها المغربي في قالب فني مشوق ذاكرة أيقونة الرسم الفطري بالمغرب، الفنانة التشكيلية الراحلة الشعيبية ابنة منطقة اشتوكة ضواحي مدينة ازمور.
وقال الناصري بالمناسبة ان السينما المغربية، ما تزال ضعيفة ومقصرة في مجال التوثيق السينمائي لعدد من الأسماء والشخصيات، الاستثنائية التي بصمت الذاكرة الجماعية المغربية، والتاريخ العريق بالتميز. مبرزا ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع، والذي سيثري الساحة الفنية، ويكشف القناع عن تاريخ خصب ومتنوع للتراث الفني والإبداعي المغربي والمغاربي والعربي بشكل عام.
وأشار خلال الندوة التي تابعها جمهور عريض وعرفت نقاشا عميقا ومستفيضا حول الموضوع، إلى أن السينما المغربية ما تزال مرهونة بإعادة صياغة الأشياء والموجودات والشخصيات ضمن واقع حقيقي، بلغة جمالية، وان الفنون التشكيلية تعد منفذا حقيقيا للسينما المغربية وبخاصة الوثائقية منها،، وذلك من اجل تطوير خطابها وشكلها، على اعتبار أن التشكيل مادة خصبة لتوظيفها في مجال السينما الوثائقية، لما لهما من قواسم مشتركة قريبة من بعضهما البعض.
وشدد الباحث الجامعي على ان اقتراب السينما الوثائقي من التشكيلي يعطيها ذاك الزخم الفني البليغ، والممتع، وذلك بالنظر إلى الرؤى الجمالية والشاعرية التي ستتحقق من خلال هذا التزاوج الفني والإبداعي المشترك، حيث يراهن كل واحد منهما على صناعة الفرجة والمتعة البصرية للمتلقي في ابهى التجليات.

واضاف ان توظيف الفنون التشكيلية في السينما، على المستوى المغربي، سيمكن من تطوير مخيال السينما المغربية التي تعيش ازمة أفكار وازمة خيال وإبداع، وذلك على ضوء الأفلام التي تنتج في السنة، والتي تصل الى ما بين 20 و 25 فيلما، يكون من ضمنها أربعة أفلام على ابعد تقدير، هي التي تتحقق فيها تلك المعايير الإبداعية المهمة الأسرة لقلب الجمهور.
ناجي العلي في حضن حنظلة كنموذج
وقال” إن الفنون التشكيلية في المغرب، من خلال اللوحات كخطاب مولد للدلالات، تعتبر مدخلا حقيقيا للامساك بفنية وإبداع السينما الوثائقية، التي أصبحت حاجة ضرورية في الثقافة المغربية والعربية للاشتغال اكثر كل المكونات الفنية والثقافية والتاريخية التي يزخر بها العالم العربي، وذلك من اجل توثيقها جماليا وفنيا”.
واستذكر بالمناسبة فيلم(ناجي العلي في حضن حنظلة) وهو إنتاج مشترك فلسطيني مغربي، من إخراج الفلسطيني فايق جرادة وسيناريو الدكتور حبيب الناصري، الذي فاز مؤخرا بجائزتين دوليتين، الأولى هي الجائزة الكبرى بمهرجان الإسكندرية السينمائي الأخير، والثانية جائزة الخنجر الفضي بمهرجان مسقط الدولي للسينما، واستذكر هذا الفيلم كنموذج، حين اشتغاله على تفكيك تيمة فن الكاريكاتور، الذي اشتهر به ناجي العلي.
كما طرح الدكتور الناصري بالمناسبة العديد من التوصيات والخلاصات، لخصها في أهمية الاهتمام بالفنون التشكيلية لدى المخرجين، وتربية الاجيال على أهمية الفنون برمتها في حياتهم، إضافة الى ترسيخ ثقافة التكوين، حتى تتحقق رهانات الرسم وعلاقته بالسينما، في أفق تقديم فرجة راقية للمتلقي.
ضرورة استعانة السينمائي بالفنان التشكيلي
أما الفنانة التشكيلية ربيعة الشاهد رئيسة جمعية بصمات مديرة المهرجان، فقد تطرقت في تدخلها الى العديد من القضايا، التي همت بالخصوص، خصوصية اللوحة التشكيلية، ومدى استثمارها في السينما، كشكل وموضوع، وديكور، وواقع معاش، ورؤيا فلسفية، وعالما متخيلا يفضي الى فضاءات أكثر رحابة.
وأكدت ان الفنان التشكيلي كان دائما الى جانب السينمائي، وهو ما يجعل الفنون التشكيلية سواء كانت رسما، او خطوطا، او كاريكاتورا، او ألوانا، تقدم خدمات معنوية كثيرة الى السينمائي، وذلك بهدف تحقيق عمل متجانس، يرضى عنه الجمهور، ويضيف إضافة نوعية إلى العمل الإبداعي برمته.
واعتبرت ان وجود العديد من التجارب التشكيلية العربية والعالمية ضمن فعاليات هذا المهرجان، يشكل بالنسبة لها صورة سينمائية تلألأ بألوان الطيف الجميل، ما يقدم للزوار، مشاهد حية، ولوحات إبداعية تريح العين، والخاطر، وتعكس موضوعا، وهو ما يتقارب والمشاهد السينمائية في غالب الأحيان.
ودعت الشاهد بالمناسبة إلى ضرورة استعانة السينمائي بالفنان التشكيلي، في كل الأحوال، بحثا عن التميز، وذلك لأن الفنان التشكيلي دائم الفطنة والحس الإبداعي للبحث عن الصورة الجميلة، بزهو الأضواء، مضيفة أن الصورة وثقافة الصورة هي ما يجمع الفنين، كهدف نبيل وسامي لإسعاد المتفرجين وتحقيق التميز.