تيميكدشت : يعيد الاعتبار للتراث المغربي الدفين
زبيدة الخواتري
تعد فاطمة بن سالم واحدة من المخرجات المغربيات اللواتي استطعن خلال السنوات الأخيرة بذل مجهود كبير لإبداع مجموعة من الأفلام الوثائقية حاولت خلالها استثمار تجربتها الواسعة في عدة مجالات فهي خبيرة دولية لمنظمة الأمم المتحدة وكذلك اليونسكو علاوة على تجربتها الطويلة بمجال التدريس في المدرسة العليا للإدارة بباريس ، ويضاف لذلك تكوينها الأكاديمي الغني فهي خريجة جامعة السربون الفرنسية وحاصلة على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد الدولي بباريس ، ويضاف لذلك التكوين الذي تلقته في مجال الاخراج بفرنسا.

وتميزت الأعمال الوثائقية التي أنجزتها بتركيزها على الجانب العلمي والتراث الثقافي دون اغفال الانتماء الأمازيغي الذي صور أبرز معالم أعمالها.
وقد عرضت مؤخرا فيلم “موسم تميكدشت” الذي استغرق العمل عليه تاريخيا ومن حيث التصوير حوالي ثلاث سنوات، وقدمت عرضه الأول مؤخرا بمدينة الرباط لتفسح المجال أمام عشاق السينما الوثائقية مستقبلا للإطلاع عليه.
ويصنف هذا العمل موسم تميكدشت ضمن خانة الأفلام الوثائقية القصيرة حيث تتراوح مدته 26 دقيقة وله موضوع محدد هو موسم “تميكدشت ” حيث يحاول تسليط الضوء على منارة علمية مغربية لها تاريخ كبير قال عنها الشاعرمحمد الايكراري السوسي
حثثنا إليك ضار عين وعهدكم ترحب زور وإتحاف لخلان
تقفيت آثارا لأسلافنا الألى على أسكم بنوا وكنت لها الثاني
أيا أحمد الميمون لله فارأبن صدوع قلوب مائلات لطغيان
وقد حاولت فاطمة بنسالم التي تنتمي لهذه المنطقة اعادة الاعتبار للزاوية والمدرسة العتيقة كتراث مادي ملموس حيث عرف المغاربة التعليم العتيق منذ نحو 13 قرنا من الزمن، وكان أكثر انتشارا في البوادي، على الرغم من وجود بعض مدارسه في المدن والحواضر. وقد اهتمت الدولة المغربية منذ الاستقلال بهذا التعليم اهتماما يماثل الاهتمام بالمدرسة العصرية.
وتسعى المخرجة بنسالم من خلال هذا العمل اعادة الاعتبار لتاريخ طاله الاهمال والنسيان مع مرور الزمن على الرغم من أهميته حيث يعرض الفيلم للكيفية التي يتوافد بها الناس على الزاوية من كل أرجاء المغرب في موسم يقام بشكل سنوي غالبا ما يتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف ، ثم الطقوس الحاضرة في هذا المحج العظيم من ابتهالات ودعاء وخطب دينية علاوة على مناقشة مواضيع ذات طبيعة اجتماعية .

بالمقابل تنسب زاوية تمكدشت للحسن بن أحمد بن أبي العباس بن محمد بن ابراهيم أبو علي التمكداشتي ينتمي لقرية تمكدشت الموجودة بسوس العليا منطقة “تفراوت ” حاليا والتي تبعد عن مدينة أكادير حوالي 170 آكادير وتضم مسجدا عتيقا أسسه الشيخ أحمد بن محمد الميموني الادريسي الذي حل بالمنطقة سنة 1274 ، غير أن جذور هذه الزاوية تعود حسب المؤرخين للعهد الموحدي .
ويعد فيلم “موسم تميكدشت ” ذا رؤية فنية عميقة تعكس تراثا دفينا ضاربة جذوره في أعماق التاريخ يصور حياة البساطة والزهد والورع من خلال التصوف والزهد والبحث عن معاني أسمى للحياة من خلال عرض صور وقصص انسانية لأمازيغ تعلموا اللغة العربية وحفظوا القرآن الكريم وتواصلوا فيما بينهم ليحفظوا تراثا متوارثا من جيل لجيل .
بالمقابل تكتسي زاوية تمكدشت أهمية كبيرة ليس فقط باعتبارها من أهم المراكز الدينية ذات الاشعاع القوي ولكن أيضا لكثرة الأدوار التي تقوم بها سواء لاحياء التعليم العتيق الذي بدأ خلال السنوات الأخيرة يضعف ويعاني من كثير من المشاكل ، أما الدور الآخر الذي يلعبه هذا المكان فهو كونه يحتوي على رصيد ثمين من الظهائر خاصة بعدد من السلاطين المغاربة اللذين تعاقبوا على حكم الدولة المغربية ، اضافة لقبعة أحد السلاطين.
ففيلم “موسم تيمكدشت” يكتسي أهمية من خلال اختيار موقع التصوير واختيار المكان الذي له سحر وجاذبية تختزل عبق التاريخ حيث لا يحس المتلقي بتعاقب السنوات باعتبار الحفاظ على نفس وسائل العيش واللباس وغيرها كما أنه يحيي للذاكرة مكان وان كان ذا قيمة إلا أنه غير معروف بالنسبة لكثير من المغاربة الى جانب كونه يعاني كثير من الاهمال ويجب أن يعاد له الاعتبار وهو ما سعت فاطمة بنسالم ابرازه وإعادة الاعتبار أيضا من خلاله لأصلها الذي تفتخر به وهو مدينة تفراوت .
وجذير بالذكر أن المخرجة فاطمة بنسالم تعكف على انجاز أفلام أخرى ذات مواضيع مختلفة لكنها تنتمي لنفس المنطقة تمكدشت.