… ويتجدد لقاء السينمائيين المغاربة بالجزائر
ضاوية خليفة – الجزائر
عاد مهرجان الجزائر للسينما المغاربية في دورته الثانية التي انطلقت نهاية الأسبوع الماضي ليجدد الوصال والتواصل بين السينمائيين المغاربة من مخرجين ومنتجين ويثمن الخطوات التي ظهرت نواتها الأولى بمهرجانات الجزائر بعد أن زادت هذه الأخيرة من فرص اللقاء والتقارب والتعاون بين المهنيين وتحولت نقاشات وأفكار الكثير منهم الى مشاريع مجسدة فعليا، منهم من أخذ حقه وطريقه للعرض وأخر الدور قادم عليه، وهو ما يحاول المهرجان بلوغه حتى يكون هذا البلد الذي لا يتأخر في دعم الانتاجات المشتركة ذلك الاطار الذي يتواصل فيه المبدع المغاربي والعربي ويطلق منه أعماله ومشاريعه بغية تفعيل التبادل والتعاون السينماتوغرافي وترقية الفعل السينمائي لدول تشترك تاريخياً وجغرافياً، وهنا دعت وزيرة الثقافة “نادية لعبيدي” خلال اشرافها على افتتاح المهرجان الى ضرورة تدعيم وتثمين هذا التكامل على كل المستويات سواء ما تعلق بمواقع التصوير، الأستديوهات والوسائل التقنية وشبكات دور السينما والمهرجانات وكذلك نوادي السينما التي تتولى تربية الناشئة تربية فنية وحضارية وتكون خزانا لهواة السينما”.

ملامح الدورة الجديدة …
وبعدما انطلقت أول طبعة من المهرجان ب”الوتر الخامس” للمغربية “سلمى بركاش” اختير أن يفتتح فيلم “لالة فاطمة نسومر” اخراج الجزائري “بلقاسم حجاج” بطولة المغربي “أسعد بواب” الدورة الجديدة التي تؤكد -ورغم قصر مدة التحضير لها- بفضل نوعية الأفلام المختارة ومواضيع الندوات والورشات والأسماء المدعوة أن المهرجان ان واصل على هذا الدرب وفي حال اجتهدت المحافظة وعملت على تطويره سيكون له شأن كبير مستقبلا، اذ سيقدم والى غاية 11 يوليو 38 عملا 19 منها سيعرض لأول مرة، مع العلم أن اللجنة استقبلت هذه السنة 85 عملا في الأصناف الثلاث وانتقت منها العدد المذكور (11 فيلم طويل، 17 فيلم قصير، 10 أفلام وثائقية)، كما تم برمجة في البانوراما أبرز الأعمال السينمائية الجزائرية التي عرضت خلال العشر سنوات الأخيرة كفيلم “مسخرة”، “رحلة الى الجزائر”، “الخارجون عن القانون”، “البيت الأصفر”، في حين يضع وفي ندوتين مجموعة من السينمائيين “صورة المغاربي في السينما الفرنسية والأوروبية” و”اتجاهات السينما المغاربية في كتابة السيناريو” على طاولة النقاش، بينما يعرض المخرج التونسي “محمود بن محمود” خبرته وتجربته على المشاركين في ورشة كتابة السيناريو بصفته مخرج وأستاذ يدرس المادة بمعهد بروكسيل ببلجيكا منذ عشرين سنة، حيث يعمل حاليا على تلقين الشباب مبادئ الكتابة الصحيحة للسينما وأهمية السيناريو في العملية الإبداعية، فمنه يمكن التنبؤ بنجاح المشروع من فشله باعتباره الأرضية الجيدة والحجر الأساس، وما يساعد الأستاذ المؤطر في ذلك أنه دائم الاطلاع على مستجدات السينما المغاربية والعربية وتحولات هذه المجتمعات كونه يتنقل باستمرار بين ضفتي المتوسط وعواصم عربية وأوروبية من فترة لأخرى، وفي حديثه للجزيرة الوثائقية عن الورشة التي اعتبر موضوعها هام وثمين قال: “يحب أن نترك المشعل ينتقل للشباب، ولا بد للمبدع اليوم أن يكون له بِعد نظر قبل الانطلاق في أي مشروع وأن يكتب سيناريو حسب الامكانيات المتوفرة والميزانية المقدمة له، كما يعطي صاحب فيلم “الأستاذ” خلال هذه الورشة حيزا أكبر للجانب التطبيقي ويضع في المقدمة حدود التجربة وبعض المصاعب التي قد تواجه الشباب المهتم والطامح لتأليف قصص حقيقة كانت أم خيالية، فنجاح العمل يبدأ من السيناريو ولا يتوقف على الميزانية الضخمة.

مستشهدا هنا بتجربة رومانيا التي رغم قلة الامكانيات إلا أنها تنجز أفلام كبيرة تنافس سنويا على السعفة الذهبية لمهرجان كان، وبالعودة الى حصيلة الأفلام المحور الرئيس للمهرجان ستتنافس خمس دول على الأمياس الذهبي (خمس جوائز للفيلم الطويل وجائزتين للقصير والوثائقي)، اذ ستشارك الجزائر في هذه الدورة ب10 أفلام في الأنواع الثلاث، تونس ب 12 فيلم ،أما المغرب فسيمثلها 11 عملا، بينما ستسجل السينما الليبية حضورها لأول مرة بفيلمين بعد غيابها العام الماضي، وبنفس العدد تحضر موريتانيا، هذا وقد حددت محافظة المهرجان مدة انتاج الأعمال بين سنة 2011 و 2014، وبعدما نظمت أول طبعة شهر نوفمبر أي منذ ستة أشهر استقرت لجنة التنظيم على شهر يوليو ليكون موعدا سنويا قارا لعقد الدورات المقبلة حتى لا يتزامن المهرجان ومواعيد ثقافية دولية أخرى لا تقل أهمية عنه، هذا وسيترأس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة المخرج والمنتج الجزائري “أحمد راشدي” وكل من سعد الشرايبي (المغرب)، “محمود بن محمود (تونس)، رمضان كسار (الجزائر)، وأحمد حبيبي (موريتانيا) أعضاءا، بينما سيترأس الممثل “حسان كشاش من الجزائر لجنة تحكيم الفيلم القصير ويرافقه في المهام كل من اقبال زليلة (تونس)، سالم داندو (موريتانيا) وخدوجة صبري (لبيبا)، في حين أوكلت مهام رئاسة لجنة الفيلم الوثائقي للمنتج والمخرج الجزائري “سعيد عولمي”، ويرافقه كل من الجزائري “محمد شريف بقة” والتونسي “محمد شاوف” والمغربي “حميد بسكات” والليبي “صالح قويدر”.
عندما توحد المرأة الصفوف وترافع بحكمتها لمصلحة الوطن
لم يركز بلقاسم حجاج مخرج فيلم الافتتاح “لالة فاطمة نسومر” على الجانب المعروف، المتداول والمتناول تلفزيونيا أو مسرحيا أو حتى تاريخيا من قصة كفاح أو حياة البطلة وإنما غامر وخاض قليلا في حياتها الشخصية وعلاقتها بالشريف بوبغلة الذي كان يريدها زوجة له وحال الأمر دون ذلك بسبب عدم رغبة زوجها الأول تسريحها بعدما رفضت هذا القران ومعه فكرة إرغام الفتاة على الامتثال لبعض الشروط التي كانت تمليها العادات السائدة في المجتمع الجزائري خاصة المدن الداخلية والقرى فهذه الثائرة كانت تختلف تماما عن بنات جلدتها.

وفي ذلك دلالة على قوة هذه المرأة ومدى تحديها للأعراف التي كانت تحتكم اليها قبائل تلك المناطق فأغلبها لم تكن تتطابق مع العقل والمنطق، وبالتالي رفضها معاشرة زوجها من أول يوم -وفي ذلك مساس برجولته- كانت اللقطة التي افتتح بها حجاج فيلمه، لتأخذ بعدها مقاومة والمعارك التي خاضها ضد المستعمر “الشريف بوبغلة” تمثيل المغربي “أسعد البواب” الحصة الأوفر والأكبر في العمل، وعلى غرار الكثير من الأفلام التاريخية التي تكتفي بتمجيد صناع الثورة لم يظهر صاحب فيلم “مشاهو” بوبغلة على هذا الأساس أي بأنه بطل ورمز تاريخي معصوم من الخطأ بل ألبسه صفة القائد القوي الذي ما ان أخطأ اعترف بذلك وحينما أصاب حصل على الدعم والاشادة من قبل الأهالي، لتعود وتنتقل كاميرا المخرج بعد استشهاد بوبغلة على يد ابن بلده الذي باع أرضه وإخوانه واحتمى بفرنسا إلى أيقونة الكفاح الجزائري “لالة فاطمة نسومر” صاحبة القرارات الصائبة والحكيمة التي تمتلك بُعد نظر فتوحد الصفوف وتنبذ الفوارق وتعيد من كان خائن بالأمس الى صفها ورشده لصيانة عرضه وأرضه بكلمات كلها وطنية لا يمكن ردعها بأي قوة مادامت تخاطب العقل وتجعل كرامة الوطن من شرف أبناءها، ليتوقف العمل عند لحظة اعتقالها سنة 1863 والحكم عليها بعدما كثفت القوات الفرنسية من تمركزها وضاعفت من أسلحتها وزادت في تقدمها، غير أن المخرج كاتب السيناريو لم يقدم ولا لوحة أو لقطة للمعارك التي خاضتها وأشهرها معركة وادي سباو، كما لم يخلو العمل من بعض التلميحات لدور الطرق والزوايا في نبذ الصراع الموجود بين القبائل والذي كان يهدد دوما استقرار البلد ويؤجل رحيل المستعمر مما جعل فرنسا تسلب خيرات الجزائر وتجرد شعبها من أرضه لأزيد من 100 سنة بمساعدة بعض الخونة الذين غُرر بهم فباعوا الوطن، فنبذهم التاريخ وافتخرت الأجيال على تعاقبها بنساءه الذين كانوا على قدر كبير من الحكمة، القوة والذكاء والوطنية ك”لالة فاطمة نسومر” فما بالك برجاله الذين أتموا النضال بعدها كالعربي بن مهيدي، حسيبة بن بوعلي وديدوش مراد وأخرون، ومع ذلك ورغم جمالية ودقة الصورة التي شدت المشاهد لم يخلو العمل من بعض النقائص كالخيال الزائد الذي اعتبره البعض في غير محله مادمنا نتعامل مع قصة حقيقة ووقائع تاريخية، وبغض النظر عن تكريمه لهذه البطلة ومنها حوريات الجزائر مرر المخرج والمنتج بلقاسم حجاج جملة من المسائل والرسائل، ومع ذلك خلق لنفسه وفيلمه الكثير من التميز وقدم للجمهور الجزائري الذي توالت خيباته تجاه جديد السينما الجزائرية خاصة التاريخية منها عمل يستحق الاحترام والإشادة والمشاهدة حيث بدا أن هناك جهد كبير بدل من قبل فريق العمل خاصة الممثلة الفرنسية اللبنانية الأصل “ليتيسيا عيدو” التي أدت دور لالة فاطمة ونجحت فيه وان كان من الصعب الحديث بالأمازيغية التي تلقتنها في ظرف اسبوع -فكان هذا الأمر من بين التحديات التي رفعها حجاج- وقد ساعدها في ذلك التعبير الجسدي وحضورها القوي أمام الكاميرا والكلام نفسه ينطبق على الممثل المغربي “أسعد البواب” الذي كان مقنعا ورجوليا في دور بوبغلةّ الى حد كبير.

أي مكانة أوجدها المغاربة لأنفسهم في سينما الأخر …
أكدت الجزائرية “فضيلة مهال” في ندوة “صورة المغاربي في السينما الفرنسية والأوروبية” أن النتائج التي حققها الفنان المغاربي في الضفة الأخرى جاءت بعد مجهود كبير وسنوات طويلة من العمل والمثابرة، فبعدما قوبلت أعمالهم بالرفض من السلطات الفرنسية تزايد الطلب عليهم وأضحت انتاجاتهم تحقق نسب مشاهدة أكبر وتتصدر أسماءهم أفيشات الأفلام، فهذه النتائج جعلت الفرنسيين والأوروبيين عموما يغيرون نظرتهم تجاه المغاربة بعدما أصبحوا مصدر وسبب نجاح الكثير من الأعمال، وهنا وجهت مهال دعوة صريحة للسينمائيين المغاربة لتصحيح صورتهم في السينما الفرنسية ومن تم الأوروبية، معطيات وثقها بالشهادة، الصوت والصورة “ادوارد ميلس عفيف” في فيلم “الموجة الجديدة” الذي بحث قليلا في تاريخ السينما الفرنسية ووجد أن السينمائيين المغاربة أعطوها نفسا جديدا ولمسة ابداعية خاصة، بعدما عملته على تسويق صورة مغايرة ومشوهة عن المغتربين المغاربة من ممثلين ومخرجين ومنتجين، وميلاد جيل جديد وموهوب جاء ليفند تلك المزاعم جملة وتفصيلا ويثبت العكس تماما، حال التونسي الحائز العام الماضي على السعفة الذهبية “عبد اللطيف كشيش” والجزائري “رشيد بوشارب” ، “يمينة بن قيقي” المخرجة الجزائرية والوزيرة في الحكومة الفرنسية وأخرون، وبعد مناقشة صورة ومكانة الانسان المغاربي في السينما الفرنسية والأوروبية سيتنقل أهل التجربة والاختصاص لمناقشة موضوع أخر لا يقل أهمية عن المذكور والمتمثل في راهن ومستقبل كتابة السيناريو في المغرب العربي.
أفلام الدروة الثانية في الأصناف الثلاث :
الفيلم الطويل :
الجزائر : “ثورة الزنج” لطارق تقية، “الدليل” لعمور حكار، “السطوح” لمرزاق علواش، تونس: “الزيارة” لنوفل صاحب الطابع، “اللقيط” لنجيب بلقاضي، “شلاط تونس” لكوثر بن هنية، “باب الفلة” لمصلح كريم، المغرب : “فورماتاج” لمراد الخودي، “الكلاب …هم” لهشام لصري، “يما” لرشيد الوالي، “القمر الأحمر” لحسن بن جلون.

الفيلم القصير :
الجزائر : “الممر” لأنيس جعاد، “قبل الأيام” لكريم موساوي، “مكتوب” للامية براهيمي، “يوم عادي” لبهية علواش، تونس : الفيلم القصير : “نار” لنجمة زغيدي، “رغبة” لسمير حرباوي، “هفهوف” لنادية تويجر، “الزمن، الموت وأنا” لسلاون، المغرب : “اليد الثالثة” لهشام الدقي، “كليوباترا يا لالة” لهشام حاجي، “نحو حياة جديدة” لعبد اللطيف مجقاد، “ماء ودم” لعبد الاله الجوهري، “لخاوة” ليوسف برتيل، موريتانيا : “غوغو” لمحمد فال بلالن و “النهاية” لمي مصطفى، ليبيا : “ذكريات الأمس” لفرج معيوف، و “أراك” لمعتز بن حميد.
الفيلم الوثائقي :
الجزائر : “مولود قايد” لرزيقة مقراني، “نوفمبر، اللحظة الفاصلة” لعلي بلود، “خدة/ الرمز والزيتونة” لجودت قسومة، “الأمير” لسالم براهيمي، تونس : “الذاكرة السوداء” لهشام بن عمار، “أكباش فداء” لأنيس لسود، “ارحل” لمحمد زران، “وجه الله” لبهرام علوي، المغرب : “جدران ورجال” لدليلة الناظر، “مراة وراء” لكريمة زوبير.
تـذكـيـر …
للإشارة فان اختتام أول دورة من المهرجان انتهت بثلاثية مغربية بجائزة أفضل فيلم وثائقي “نساء خارج القانون” لمحمد العبودي، جائزة أفضل فيلم قصير “انتروبيا” لياسين ماركو ماروكو وجائزة أفضل فيلم طويل “خيل الله” لنبيل عيوش، بينما خرج البلد المنظم بجائزة وحيدة منحت لخالد بين عيسى عن دوره في فيلم “التائب” لمرزاق علواش، ونالت تونس جائزة لجنة التحكيم بفيلم “الأستاذ” لمحمود بن محمود، في انتظار النتائج التي ستأتي بها ثاني دورة من مهرجان السينما المغاربية بنتائجه، ندواته وورشاته التدريبية وما يحققه من أهداف مسطرة قبلا.