جبيل التاريخية تستضيف مهرجان “كابريوليه” للأفلام
قدّم مهرجان “كابريوليه” للأفلام القصيرة نخبة مختارة من أفلامه في مهرجان استمر يومين في مدينة جبيل التاريخية بعد أن أقام نشاطاته السابقة على درج الفنون في محلة الجميزة في العاصمة بيروت.

ويعتبر المهرجان تجربة فريدة من نوعها تجمع ثقافة السينما والتمتع بحرية الهواء الطلق في آن وهو أمر لم يعتد الجمهور عليه، لذلك تمحورت حوله مجموعة من الذواقّة التي أحبت السينما، وآثرت البقاء خارج الصالات المقفلة، خصوصا في مواسم الصحو والجفاف كأواخر الربيع والصيف، ومن هنا حدد موعد المهرجان في الأسبوع الأخير من شهر أيار (مايو) من كل عام.
الدورة الراهنة للمهرجان جرت في مدينة جبيل التاريخية خلافا للسابق لأن المهرجان لم يكن دورة جديدة مستقلة، إنما عُرضت فيه نخبة من الأفلام المختارة من مئات الأفلام التي عرضت وتقدمت إلى المهرجان في دوراته السابقة.
ويفيد مؤسّس ومُنظم البرنامج ابراهيم سماحة أن المهرجان درج على اختيار فكرة ((theme يجري تحضير الأفلام حولها، ويفترض أن تتمحور كلها على الفكرة، وقد كانت “الساحات العامة” الفكرة التي انطلق المهرجان معها سنة 2009، ذلك لأن الفكرة كانت قيد التداول على المستويين العام والخاص حيث تغيب الساحات عن المدينة بعد الهجوم الكاسح للأبنية الباطون على أحيائها حتى لم تبق ساحة تشكل متنفسا للناس.
وقال سماحة أن المهرجان “هو أول مهرجان للأفلام القصيرة بلبنان، وبات الأسبوع الأخير من أيار (مايو) من كل عام موعدا لعروضه التي بدأت منذ ست سنوات”.
وعن حصر الأفلام بفكرة محددة، قال أنه “بسبب وجود الكثير من التقاليد والمحرمات في مجتمعاتنا الشرقية، وبناء على الموضوع الذي نختاره، نعرف اسلوب تفكير المجتمعات المختلفة، فعندنا أفلام من 16دولة مختلفة، ونستطيع الاطلاع على 16 وجهة نظر مختلفة عن الموضوع عينه”.
وأعطى مثلا عن فكرة مهرجان السنة التي مرت وكانت “العلاقات”، وقال: “يمكن للعلاقات أن تكون بين شخصين، أو بين الشخص وبلده، أو بينه وبين ربه، أو مع ذاته. قبلا، على سبيل المثال، كان هناك موضوع “التغيير”، وكان موضوع الساحات العامة أول فكرة لدى انطلاق المهرجان، ومع الربيع العربي اخترنا موضوع “خلف الحدود”.

عن مهرجان جبيل قال: “نحتفل في جبيل بالسنوات الست التي مرت، وليس هناك من فكرة محددة، واخترنا 22 فيلما من الأفلام التي مرت في الدورات السابقة للمهرجان”.
وذكر أنه “بات في أرشيف المهرجان ألف فيلم، واشتركت معنا 40 دولة حتى اليوم، والسنة الماضية تقدم لنا 600 فيلم، اخترنا 40 منها، ويجب أن يكون الفيلم ملتزما بالفكرة الموضوعة للمهرجان، ونختار لجنة تحكيم كل سنة، والمهم أن يستوفي الفيلم الشروط الفنية من مختلف الزوايا”.
عن تجاوب الجمهور مع السينما في ظل انتشار الالكترونيات، علّق بقوله: “لمسنا أن الجمهور يُحبّ السينما، لكن الجمهور التقليدي لم يعرف سينما الهواء الطلق، وهو معتاد على السينما في الصالات الداخلية، ومع ذلك كان الإقبال جيدا، واليوم نضاعف عدد الكراسي لتصبح ستمائة كرسي لأننا نتوقع إقبالا كبيرا كما لمسنا من اليوم الأول للمهرجان”.
وعما يتوخّاه من الاهتمام بالسينما، قال: “السينما هي اللغة التي نعرف أن نحكيها، كما أنها هي التي تؤمنّ التواصل بين الناس، وإذا لم يتمكن الناس من إقامة التواصل فيما بينهم، فهذه كارثة. مهرجاننا يؤمن الفسحة العامة التي تمكن الناس من إقامة التواصل فيما بينهم، ويتبادلون الرأي، مما يُطوّر الثقافة والتفكير”.
وذكر أنه “أحب السينما بالتعاطي مع الأفلام القصيرة” لافتا إلى أن “الفيلم القصير يستنفر كل طاقة الانسان لإيصال فكرة هامة في فترة قصيرة. والأفلام القصيرة شيقة، وتُخبيء الكثير من الموضوعات، ومهرجاننا يكشف المخفي منها لكي لا تدفن دون أن يراها أحد”.
من الأفلام اللبنانية ما استخدم أمورا ثقافية محلية، وأمثالا شعبية عنوانا للفيلم، مثل فيلم أندريا شماس “وين يو” أي “أين؟” لكن باللغة العامية لدى مجتمعات ريفية منها مدينة زحلة مسقط رأس المخرج. وفيه يعالج العبارة من زوايا مختلفة، بطريقة روائية. وفيلم كلود الخال ECCE Hommos الهجائي الذي تسخر فيه من نظرة المخرجين الأجانب العالميين وطريقة تعاطيهم مع السينمائيين الناشئين من الدول النامية.
من الوثائقيات فيلمان لبنانيان “بين الخطوط” لنظال بكاسيني يعالج العلاقات السطحية التي باتت تتحكم في العائلات التقليدية. و”أرز ع كوكو” لعماد أشقر وفيه استعادة لمعاناة مع الأحداث بالترافق مع قصة فروج تعكس أحداثا مقارنة.
من سوريا، مشاركة بتحريك لوائل طوبجي تحت عنوان “يد واحدة”، و”انعكاس” (Mirroring) هولندي لمارينو غروثوف يعرض فرار شخص من أحد الأحياء الصاخبة ويلجأ إلى فسحة مهجورة في بناء حيث يعاني مواجهة مع ذاته.

“دمعة مكسورة” لكريستل حويس عن قصة حب مفقود لأسباب بلا تفسير. وميلاد سعيد للأيرلندي جوني كولن وفيه كوميديا عن هدية غير مقنعة من والد لابنه.
“إضاءة” من خوان بابلو زامريلا الأرجنتيني، وفيه رواية تحد لتغيير مسار مصيري معروف. “نهاية الصوت” (Voice over) للأسباني مارتن روزيت عن أصوات غير متشابهة تقود إلى مصائر محتلفة رغم تشابهها.
“احتساب السعادة” فيلم لليوناني فينيتيا إيفريبياتو، أحداثه في الهند، ويكتشف فيه الفتى الهندي أبعاد العبارة التي وردت على لسان أرسطو وهي أن السعادة تنبع من داخلنا.
فيلم “العراب” للبناني موريس لطوف يعرض أحداثا لاحتفالات كنسية مختلفة: عمادة، وزواج، وتأبين في آن. والوثائقي لبهيج حجيج بعنوان “النهضة”.
أفلام أخرى منها اللبناني ومنها العالمي، ومنها الوثائقيات والروائيات والتحريك والتجريب، تعالج أحداثا محلية، وتطورات عالمية وتجارب شخصية في أطُر فنية متنوعة احتشد حولها جمهور جبيلي، وآخر وافدا من مناطق أخرى، أحدثت تفاعلا غير منتظر ولا مسبوق بين جمهور بلد واحد لكن متعدد التجارب والرؤى.
ترافق المهرجان مع مسابقة لتصوير أجمل صورة متلائمة مع المهرجان، ربحها خليل شرف الدين للقطة لرسو المراكب على شاطيء جبيل في مرفأها الهاديء.