فيلم “ناجي العلي في حضن حنظلة” قصة مناضل..
المصطفى الصوفي -الرباط-
يشارك الفيلم الوثائقي (ناجي العلي في حضن حنظلة) لمخرجه الفلسطيني فائق جرادة، وسيناريو الدكتور حبيب الناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة المغربية، ضمن المسابقة الرسمية للدورة الثانية من مهرجان أوربا الشرق، التي تستضيفها مدينة أصيلة شمالي المغرب من 10 الى 13 من شهر سبتمبر2014، وذلك بحضور دولة فلسطين كضيف شرف.
![]() |
ملصق الفيلم
|
فيلم (ناجي العلي في حضن حنظلة)، الذي انتجته شركة غروب ميديا، مدته 47 دقيقة، كرم بالعديد من المهرجانات العربية والدولية، وفاز بالجائزة الثانية في مهرجان مسقط الدولي، خلال شهر مارس الماضي، وبجائزة أحسن فيلم وثائقي في مهرجان الإسكندرية الأخير.
وتحكي مشاهد الفيلم، الذي شارك فيه العديد من المبدعين من فنانين تشكيليين، وإعلاميين، وشعراء عرب، قصة ناجي من وجهة نظر إبداعية، راهنت على تحليل وتفكيك إبداعات ناجي الراحل، مع ربطها، بفيض من القضايا العربية الكونية والإنسانية، وبالخصوص القضية الفلسطينية.
الفن التشكيلي والنضال
وقد ابرز فيلم (ناجي العلي في حضن حنظلة)، قيمة الفنون التصويرية وبخاصة الرسم، والكاريكاتور، كشكل من أشكال النضال الإبداعي، والسخرية الفنية اللاذعة، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ساعتها، بل في كل البلدان العربية، وبالتالي، فكان الفيلم، مرآة مصقولة عكست بكل التجليات الواضحة، كم تستطيع الريشة، والقلم، خلخلة السؤال العربي والقومي، والدفاع عن القضية العربية خاصة، والفلسطينية خاصة، وإثارة الكثيرة من الأسئلة المحرجة لقوات الاحتلال الإسرائيلي بالخصوص، لما قامت به وتقوم، من اعتداءات متكررة وإبادة لشعب وتاريخ وأمة، ونسف للكثير من اتفاقيات السلام، والوعود، والمواثيق الدولية، فضلا عن تخاذل الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، في العديد من المحطات، وتسليط الضوء على المعيش اليومي، والمعاناة اليومية، التي تسبب فيها العدوان الاسرائيلي وما يزال تجاه شعب اعزل، مضطهد، يختزن في تاريخيه الجريح، الكثير من الأحزان، والموجع.
روح الهوية والقومية
من هنا، استطاع الفيلم في عدد من اللحظات، وبخاصة شهادات المعبر عنها، ان يبرز، بطريق مباشرة او غير مباشرة، كم هي قوية سلطة الفن التشكيلي (الكاريكاتور)، ومدى تأثيرها العميق في نفس المتلقي، حيث تصير الصورة/الرسم، كشكل تعبيري بسيط الرصاصة الرحيمة التي تصيب في القلب، وان لم تقتل في بعض الحالات، فهي تحرج، وتصنع موتا بطيئا للآخر، انها نضال فني من طينة خاصة، ذاك الذي اختاره ناجي العلي، رغم التهديدات، ورغم مصيره المأساوي الأخير، وذلك هو الالتزام الفني والسياسي، والقومي، والحس الفلسطيني والعربي الكبير الذي كان ميز الفنان الراحل، شعور بروح الهوية والقومية، الذي تفجر في الكثير من الاعمال التي رافقت المتلقي، في الكثير من اللحظات والمحطات التي عاشتها وتعيشها القضية الفلسطينية والأمة العربية، في علاقتها بفلسطين، او بكثير من القضايا العربية والعربية الفلسطينية ونظيرتها العالمية والانسانية.
بهذا يكون الفنان ناجي العلي من خلال الفيلم، الذي قدمه المخرج فائق حرادة في قالب سينمائي تميز، بتسلسل الاحداث وتوارثها، وتوثيقها بالصوت والكلمة بشهادات حية من قبل مسؤولين ومبدعين، منهم من عايش، الراحل في كثير من لحظات حياته، كالشاعر الراحل الكبير سميح القاسم، او ممن يعرفون خبابا القضية الفلسطينية، والدور الكبير الذي لعبه ابداع ناجي العلي في إعطاء القضية الفلسطينية بالخصوص، بعدا فنيا كونيا وانسيانا.
الدفاع عن الفقراء والمهمشين والدراويش
![]() |
كما شكل الفيلم، الذي شارك في العديد من المهرجانات العربية والدولية، شكلا من أشكال الوقوف الى جانب الفقراء والمهمشين والدراويش، والدفاع عنهم بالريشة والقلم وذلك اضعف الايمان، الفيلم وثق أيضا بمشاهد قوية وحية، جانبا اخر، من حياة العديد من الفلسطينيين المساكين واللاجئين، الذين عاشوا ظروفا صعبة من القتل والقهر والاضطهاد والتهجير والسجن، بسبب قوات الاحتلال الغاشمة، التي قتلت، وسجنت، وشردت، ليكون حنظلة/الرمز ذلك الطفل الذي لم يكبر أبدا، والمعادل الموضوعي المشاكس، والشاهد الصامت المتكلم، عن حياة، لا تخطئها العين والبصيرة، وهي تنتقل من لوحة الى لوحة ومن صورة الى صورة، حيث تراجيديا الهم الفلسطيني، والجراحات التي أنهكت الأمهات والثكالى، والشيوخ والمسنين والأطفال، وأزهرت، في عيون المحرومين والمساكين بالدموع، وانتظار الغائبين، وحرقة الراحلين، الى الأبد.
انها صورة رائعة، لفيلم وثائقي رائع بكل المقاييس، أبدعها ناجي العلي في الكثير من رسوماته لواقع قاتم، وجريح، وقاتل عاشته وما تزال تعيشه أفواج كبيرة من الفلسطينيين، الذين قهرتهم سياسات كاذبة ومراوغة، ووعود تنبني على سراب سلام، تريده إسرائيل ان يكون على مقاسها، لا على مقاس أصحاب الأرض والتاريخ والحقيقة.
من هنا كان الفيلم، وثيقة حية لمعيش فلسطيني محزن، بسبب الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين، وما حدث في الآونة الأخيرة في قطاع غزة، يبرز مما لا يدعو للشك، بالرغم من اختلاف الزمان والمكان، من تحقق رؤى الفنان الراحل ناجي العلي، اكد في الكثير من رسوماته، حيث حنظلة/الرمز، الإنسان والتاريخ والواقع، انه كان فنانا مستقبليا بامتياز يدرك جيدا، كم كان يدرك جيدا، ان ما يرسمه، وقع وسيقع انه الواقع المعقد الذي يختزل معاناة شعب ودراويش وناس مغلوب على امرهم، واقع قدمه الفنان الراحل بريشة ساحرة أكثر صدقا، وصاغت بأمانة عالية هموم شعب أبي، بالرغم ما يتعرض له من ابادة ما يزال يحافظ على هويته، ويدافع عن أرضه وتاريخه.
فلاش باك واسترجاع لقيمة ناجي
![]() |
ناجي العلي
|
عموما نؤكد ان الفيلم، الذي أبدعه فائق جرادة، في كثير من المحطات، جسد تلك الصورة التي عبرت بصدق عن ما ميز الصراع العربي من انجذابات وتصادمات، انه نوع رقيق من الفلاش باك واسترجاع لهذه القيمة، ولهذا المعطى، كشكل رمزي مميز، وضع فن ناجي العلي في واجهة الأشكال الإبداعية الكونية، التي تدافع عن قضية، وتعبر عن الام وآمال وأحلام، شعب وملايين من البشر في العالمين العربي والإسلامي والدولي، وهو نوع من الوفاء للراحل الذي سخر ريشته بكل البساطة والسخرية اللاذعة من اجل الدفاع عن قضية، ما تزال الى الآن تشكل إحدى القضايا الدولية والعالمية الشائكة التي لم تحل منذ الاربعينيات من القرن الماضي.
ان الفيلم، الذي جوبه بالكثير من الصعوبات خلال انجازه، سواء أثناء التصوير وذلك بسبب ضعف البنيات التحتية للإنتاج وقلة التمويلات، وذلك بسبب الحصار المضروب على غزة، يستوجب إطلاق نداء عاجل الى الضمير الدولي الحي، ومختلف المكونات والمنظمات العالمية، الى التأكيد على ان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يجب ان يحل، بشتى الطرق، وأن القضية الفلسطينية ليست كما يعتقد البعض مسرحية “دون كيشوطية”، يتلذذ الأعداء بالتفرج على مشاهدها المؤلمة، وفصولها التراجيدية، فيما الأبطال الحقيقيون يموتون ويسجنون، ويهجرون، وتردم سقوف منازلهم على رؤوسهم في مشاهد درامية، فيما العالم يتفرج.
إنها صور حنظلة الرمز والشاهد والتاريخ والصرخة الحية، الذي كرمه فائق جرادة في فيلمه، صرخة توقظ الضمائر، انه الموقف النبيل الذي يجسده الفنان ناجي العلي في رسوماته، التي حركت خواطر العالم، بحثا عن حلول جذرية لهذا الصراع، الذي يجب أن ينتهي ويعم السلام، فتحلق الحمائم في أفق الحرية، وترقد بسلام في القدس وغزة وقانا، وعكة وغيرها.
تعاون مغربي فلسطيني مشترك
![]() |
فايق جرادة والدكتور الحبيب الناصري
|
لا احد يجادل في أن هذا الفيلم، ما كان ليكون لولا تضافر الجهود المغربية الفلسطينية، حيث ان فكرة الفيلم برزت وتبلورت، من خلال العديد من اللقاءات التي جمعت المخرج الفلسطيني فائق جرادة الذي شارك في العديد من المهرجانات السينمائية المغربية، والدكتور الحبيب ناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، مبادرة ثنائية افصحت عن قيمة الوعي الفني والإبداعي، والالتزام الثقافي والفكري بقضية، هي قضية كل العرب والعالم، كما تكشف عن جميل الاحساس بالانتماء لدى النخبة الفكرية والأكاديمية في العالم، بكل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية، فكان هذا الفيلم، الذي احتفت به العديد من المهرجانات الدولية بالمغرب، ومنها بالخصوص، المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، والمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بزاكورة جنوبا، والمهرجان الدولي لفيلم الطالب بمدينة الدار البيضاء، فضلا عن تكريمه، وتكريم دولة فلسطين، في مهرجان الفيلم الوثائقي والتربوية بمدينة بوزنيقة ضواحي العاصمة الرباط، وغيرها من المهرجانات، التي احتضنت فيلم حنظلة، وخصصت له برنامجا خصبا لدراسته ومناقشته، سواء بحضور مخرجه فائق جرادة، او بحضور كاتب السيناريو الدكتور الحبيب ناصري.
من هنا، ولا بد، وكشكل من أشكال النضال والتعاون المشترك، وجعل السينما صلة وصل بين المتلقي والأخر، وتسليط الضوء على ما يقع في فلسطين، واستنطاق تاريخيها ونضالها، ضرورة إنتاج أعمال سينمائية وثائقية او تسجيلية راوية وغيرها، من وحي فلسطين، وهو الأمر، الذي سيخرج بالسينما الفلسطينية رغم الصعوبات والعراقيل التي تعيق تطورها، من اجل نمائها، وانفتاحها على العالم برؤى جديدة.
حنظلة تعبير رمزي عن المضطهدين
![]() |
حنظلة
|
إذا كان ناجي العلي، الغائب الحاضر، الذي مات بالطريقة التي يعرفها العالم بأسره، فان حنظلة ذو العشر سنوات، لم يمت، وسيظل حيا في كل الضمائر، والوعي الجماعي للأمة العربية والفلسطينية، وتلك صورة رمزية للقضية الفلسطينية التي ما تزال مستمرة إلى حين تحقيق أهدافها، إن حنظلة بالرغم من ولادته في الكويت، فقد سافر فنيا الى بلاده الأصلية وهي فلسطين ومنها إلى مختلف أنحاء العالم، حيث حل ضيفا على كل مؤيد للقضية الفلسطينية، فلم يكن حسب العديد من المتتبعين معبرا فقط عن قضية وطن واحد، فلسطيني او عربي، بل كان وما يزال معبرا عن الضمير الجمعي للإنسانية، انه الشعور النقي، لحياة الإنسان على هذه الأرض، بلا جراح، بلا اضطهاد، بلا تقتيل وبلا تهجير، وبلا أحزان ومواجع، انه روح والانسانية والإنسان الذي ولد حرا، ومن الضروري ان يعيش حرا ابيا، على ارض حرة ولها تاريخ وحضارة.
بهذا يكون فيلم فائق جرادة، ذلك الأنموذج السينمائي والوثائقي، الذي نحج في هذا المسار الإنساني، لفنان عرف كيف يصنع من ريشته سلاحا ذو حدين، للدفاع عن نفسه، وعن الآخرين، أولائك الذين لا صوت لهم، الا صوت الحرية والكرامة، من محرومين ولاجئين ومضطهدين.
ثمة اذن في الفيلم برز بشكل جيد هذا المعطى النضالي للفنان، من خلال المزج بين البعد الإنساني والقومي، والتصالح بين الواقعي، والعدمي، حيث في الرؤى الكاريكاتورية لناجي العلي، التي أبدعها منذ سنين خلت قادرة على صنع ملحمة التغيير، والتصدي لكل عدوان، بحثا عن الحرية والعدالة الإنسانية، وإسعاد كل المحرومين، سواء كانوا في فلسطين او في اي بقعة من هذه الأرض، التي يتوق معمروها إلى سلام دائم.
روح ناجي ترفرف فوق سماء أصيلة
![]() |
الحبيب الناصري
|
وحول الفيلم قال كاتب السيناريو الدكتور الحبيب ناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم بخريبكة، في تصريح خاص للجزيرة الوثائقية “ان روح ناجي العلي، هي جوهر الفيلم الوثائقي (ناجي العلي في حضن حنظلة) انها الروح الطاهرة، التي لا تزال تفعل فعلها فينا، هذه هي أرواح الشهداء، لاسيما تلك الأرواح التي ناضلت من أجل قضية عادلة، هي قضية شعب، يريد أن يعيش كبقية الشعوب، يريد بحره وبره وجوه وثقافته، وحجره وشجره، يريد وفي كلمة واحدة، هويته، التي تذبح اليوم من الوريد إلى الوريد…”.
وأضاف الدكتور ناصري ان فيلم ناجي العلي، رحلة تفكيكية لإبداعات الراحل، في ظل ثلاث مكونات جوهرية، وهي ناجي والقضية، وناجي وقضايا الأمة العربية، ثم ناجي والقضايا الإنسانية. هي رؤى تم تحليلها وقراءتها في ضوء ما أبدعته أيادي ناجي العلي. هي رحلة توثيقية، تفكيكية، لمعظم لوحات هذا الفنان الفلسطيني/الإنسان.
في هذا الإطار اتصلنا بمخرج الفيلم المقيم بقطاع غزة، وهو رئيس مجلس ادارة الملتقى السينمائي الفلسطيني(بال سينما)، وأجرينا معه هذا اللقاء الحصري للجزيرة الوثائقية، وجاء كالتالي:
ما قيمة مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان أوروبا الشرق بأصيلة المغربية في الشهر المقبل؟.
تأتي مشاركتنا، في وقت انتهت فيه الحرب العدوانية على غزة الصمود، غزة البطلة غزة الاسم الحركي للاسم الأعلى والأعظم فلسطين …تأتي هذه المشاركة كدليل دامغ بأن لفلسطين قيمة فنية وإنسانية لدي مهرجان أوروبا الشرق في مدينة أصيلة بالمملكة المغربية الشقيقة والتي أتمني الحضور لها أنا وزملائي في الملتقي السينمائي الفلسطيني – بال سينما كوفد مشارك من غزة – في هذا المهرجان لكون فلسطين ضيفة شرف هذا المهرجان .ففيلم ناجي العلي سيمثل فلسطين في هذا المهرجان ذات الأهمية الكبرى بين المهرجانات العربية المختصة في الفيلم الوثائقي …شخصيا سعيد جدا بهذه المشاركة وبهذا الانجاز لفيلم ناجي العلي في حضن حنظلة..
ولا يفوتني هنا أن أشكر صاحب الفكرة العربي والانسان المغربي الأصيل الجميل الدكتور الحبيب الناصري رئيس مهرجان خريبكة الدولي للأفلام الوثائقية فهو صاحب فكرة الفيلم.
وكيف ترخي روح ناجي على الأجواء في فلسطين، فيما وقع لها الآن بعد وقف اطلاق النار وإبان الحرب على غزة ؟.
بالتأكيد كل ما يمكن القول أو الكتابة عن الفلسطيني النقي الانتماء والعشق الوطني…فنان الحرية والعشق الأبدي لفلسطين ناجي العلي …رسام الكاريكاتير – حنظله …. لن يكون حاضرا حضور الفنان الذي صاغ رسوماته منذ زمن…. ولكنها ما زالت تعبر رسوماته عن كل القضايا العربية والفلسطينية …انظر الى كل رسمة من رسومات ناجي تجده معنا تستمع الي كل حديث او مع كل واقعة سياسية هنا او هناك في فلسطين، او في الوطن العربي الكبير تجده وكأنه معنا بكل مكان عبر رسومات صاغها الفنان المتواضع جدا، حبا في تراب وطن، وعشقا لفلسطين، ومن خلال شخصية حنظلة التي ترمز لكل انسان عربي يرفض الاهانة والاستسلام والاستبداد والقهر والانظمة الشمولية ….. ناجي كان ولازال بيننا وإن كان قد رحل جسدا فهو بيننا برسوماته وبحنظلة الذي لم يموت ولن يموت.
فاز الفيلم بعدد من الجوائز بمصر و مسقط، وغيرهما، ما أهمية تتويج الفيلم هنا وهناك؟.
طبيعي لقد فاز الفيلم في مهرجان الإسكندرية لعام 2013 وأيضا حصل علي جائزة مهرجان مسقط السينمائي لعام 2014، ويأتي هذا الفوز والتتويج، كون الفيلم يعطي مساحة لنبش في رسومات الشهيد ناجي العلي ويدخل في قيمة هذه الرسومات القيمة الفنية، وكذلك القيمة الانسانية والنضالية والقومية للشهيد ناجي العلي ….وتأتي أهمية تتويجه كونه، يعتبر نوعا من الوفاء لمن سخر حياته الفنية من أجل أن يعطي لفن الكاريكاتور وظيفة ما، رؤية ما، هي أقوى مما نقوله كعرب في خطاباتنا المتعددة والمتنوعة.
نعم فقد كان الشهيد ناجي العلي… متمردا انسانا ليس رساما اصطناعيا او صنميا، كان دائما صرخة عبر رسوماته في وجه كل من يريد أن يجعل من القضية الفلسطينية طاحونة هواء، تدور في الفراغ، ناجي العلي، خلخل العدو برسوماته، ونبش في العديد من المظاهر العربية المتنوعة…ناجي كان يحمل رؤية عميقة للقضية وللإنسانية ككل….وهنا تكمن اهمية الفيلم، كونه وثيقة تؤكد على الحقيقة، وتؤكد على اهمية الفن بجميع فروعه.
كيف يسعي الفيلم الي ترسيخ روح مقاومة الكلمة والصورة والرسمة، من أجل فلسطين حرة أبية ؟.
رغم كل ما يحدث هنا في فلسطين بشكل عام، من استيطان وطرد وجدار فصل عنصري، وطرق التفافية في الضفة الغربية، وهنا في غزة مدينة الصمود والألم والجرح، رغم كل هذا إلا أننا ما زلنا نحب الحياة رغم التدمير الممنهج ورغم الحرب والمجازر، التي ارتكبت بحق أهلها ما زلنا نحب الصورة ونعشقها لأن الصورة هي فعل الحقيقة ولا شيء سواها، وإذا كانت السياسة فن الممكن… فإن الصورة الآن بكل مكوناتها هي فن الحقيقة … والصورة اليوم بكل مكوناتها الفنية هي الفعل الحقيقي، ولولا الصورة ما استطعنا من توثيق ممارسات الاحتلال الاسرائيلي، وأكاد أقول بأن الولادة السينمائية الفلسطينية هي ولادة وثائقية، بحكم الصورة الفلسطينية. وقد استطعنا نحن الفلسطينيين بحكم الواقع المعاش أن نشتهر بالفيلم الوثائقي، وأن نجعل منه مادة إدانة للمحتل الاسرائيلي، فالتوثيق لنا هو نضال آخر ضد الاحتلال وهو مثل الفنون الأخرى(الكلمة والشعر والرسم …الخ ) يناضل من أجل الحقيقة ومن أجل رسالة مفادها أن على هذه الارض ما يستحق الحياة.
وكيف تتوقع متابعة الفيلم ضمن مهرجان أصيلة السينمائي ؟
المجتمع المغربي بطبيعته، مجتمع ذواق للفن ومتابع جيد بكل ما يخص فلسطين والقضايا العربية، وأجزم بأن المغرب، وكل مهرجاناتها، وهي بالمناسبة تعتبر قارة مهرجانات سينمائية مختصة، وبالتالي فان الفن بها مفتوح على الجميع ولا وصايا على الفن بتاتا. الجميع يعمل وينتج فالمغرب تنتج ما بين 20 إلى 25 فيلما سينمائيا طويلا و80 فيلما قصيرا، وقد لعب المركز السينمائي المغربي، دورا رئيسا في تقوية خارطة غنية من المهرجانات والتظاهرات الفنية المغربية. وما نشاهده الآن هو أن الفيلم المغربي يثير الانتباه، وما لفت انتباهي من خلال تواجدي بأكثر من مهرجان مغربي، إن كنت كمشارك أو كعضو لجنة تحكيم، بان لا وجود للتابلوهات في الفن والسينما المغربية، فالجميع يعمل وينتج لدرجة أن السينما تدرس في المدارس وترعاها مؤسسات الحكومة…كما ان فلسطين كانت حاضرة وبقوة من اللحظة الأولي في السينما المغربية، فيكفي أن نقول بأن مهرجان السينما الافريقية بخريبكة، الذي يعد اقدم مهرجان سينمائي في القارة الافريقية، ومنذ دورته الأولي عام 1977 كانت فلسطين حاضرة بفيلمها ” كفر قاسم ” للمخرج برهان علوية… والآن “ناجي العلي في حضن حنظلة” يشارك اليوم، في الدورة الثانية لمهرجان اوروبا الشرق، وقبل ذلك كان هناك العديد من المخرجين الزملاء من كل فلسطين ومن هنا من غزة البطلة الذين شاركوا في مهرجانات متعددة ومتخصصة بكل المصنفات الفنية.
عرض الفيلم بعدد من المهرجانات المغربية، كما تم تكريمه، ما قيمة ذلك، ومدى تأثيره عليك كمخرج؟.
نصيبي أن أكون أحد الذين تمكنوا من عمل فيلم وثائقي للشهيد ناجي العلي، بعد أن تبلورت فكرته من قبل العربي الاصيل والمغربي الإنسان الدكتور الحبيب ناصري، هذا النصيب جعلني أكثر التزاما وقوة اتجاه الفيلم الوثائقي. وكمخرج أقول أن هذا الانجاز لفيلم ناجي والعروض العديدة التي كانت هنا في غزة أو بالمغرب يعطيني إيمانا راسخا بضرورة تفعيل ثقافة الفيلم الوثائقي وثقافة الصورة. وقريبا سيكون لنا مجموعة أعمال أخرى وثائقية، منها نتاج مشترك مغربي فلسطيني، ومنها هنا في غزة خاصة ما بعد الحرب الأخيرة على غزة الحبيبة، فهناك العديد من الأفكار فقط بحاجة إلى بلورة بشكل أكثر وضوحا، من كل النواحي رغم الامكانيات الشحيحة هنا في غزة، كوني اعيش فيها، ولكننا نؤمن أكثر بأن لا بديل عن عمقنا العربي في تطوير الفن الفلسطيني بكل أشكاله وفروعه.
توفي مؤخرا الشاعر العربي الكبير سميح القاسم، أحد الوجوه العشرية التي تحدثت، وشاركت في انجاز الفيلم، ما أهمية تلك المشاركة علما بأن سميح كان صديقا للراحل و كان ايضا مريضا ولكنه قبل تسجيل المقابلة؟.
كما قلت لك ناجي كان موجودا بيننا في الحرب، وفي كل المنعطفات التاريخية للشعب الفلسطيني وللشعب العربي ايضا …وسيبقي هو وصديقه فقيد الشعب الفلسطيني والأمة العربية.
الشاعر الكبير سميح القاسم وايضا الشاعر الكبير محمود درويش وإبراهيم طوقان وفدوى طوقان وعبد الرحيم محمود، والعديد من الشعراء والمفكرين والفنانين العرب والفلسطينيين متواجدين فينا، لأن هنا تأتي قيمة ابداعاتهم فهم وإن ماتوا فيزيائيا لكنهم لا يموتون فكرا وتواجدا معنا من خلال ابداعاتهم.
يموت الانسان ويبقي ما كتب أو ما رسم ويشكل شاهدا حقيقيا على درجة عايشها تقرأها وتشاهدها الأجيال القادمة دون أي اعتبارات الى أي حدود ويتعلم منها الأجيال سواء بالأغنية أو بالكلمة أو بالصورة أو بالرسم إنها تجربة أخري تتناقلها الأجيال ….فسميح القاسم الذي قال”منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي”، يرددها الآن كل عربي حر مؤمن بكرامته، وعزته ووطنيته …كم من عربي اليوم يضع في بيته رمز حنظلة الذي خطه الشهيد ناجي العلي، كم مكتبة عربية تضم بين رفوفها كتب لمحمود درويش هؤلاء عظماء تحدثوا عن فلسطين القضية …. فلسطين الأم…. لكل عربي حر..
كيف يساهم الفيلم الوثائقي(حنظلة) كنموذج في نشر الوعي العربي وتكريس قيم الهوية العربية والإسلامية، فضلا عن إثراء وإخصاب الحركة السينمائية على مستوي الفيلم الوثائقي الذي هو أصل السينما .؟؟
![]() |
ليس فقط فيلم حنظلة أداة من أدوات نشر الحقيقة والوعي، بل إنني أتفق معك بأن الفيلم الوثائقي هو أصل السينما، وهنا أجزم مرة أخري بأن الصورة دائما كموضوع تعطينا الحرية في التصرف والفهم والتفسير لمضمونها … وعبرها نستطيع أن نمارس سلطتنا البصرية الحقيقية…والفيلم الوثائقي اليوم وبكل تأكيد يؤسس إذا سعينا لذلك إلى ثقافة بصرية، وإعادة انتاج كل ما يخص العرب والمسلمين ومن خلاله نستطيع نبذ الارهاب وديكتاتورية الفرد والظلم والاستبداد والافكار المتعصبة …. نحن بحاجة للفيلم الوثائقي، أكثر من أي وقت مضي ليكون شاهدا على كل ما يحدث في الوطن العربي وفي فلسطين وفي كل العالم… ولأن الفيلم الوثائقي هو المعالجة الخلاقة والفنية للواقع …على قاعدة أن الواقع لا يمكن ولا نستطيع تحريفه …. لذلك يجب أن تكون معالجتنا للواقع بطريقة بصرية ونمتلك الاخلاقيات الواجبة اتجاه هذا الواقع …. وأن تكون المعالجة مصاغة بشكل فني جميل..
كما أن للفيلم الوثائقي أهمية في اعطاء المعلومة ومضمونها بطريقة فنية جذابة وممتعة وبالتالي التعامل مع الفيلم الوثائقي، هو تعامل مع لغة بصرية وعند التعامل مع اللغة البصرية يجب أن تتوازي المعلومة مع الشكل الفني ….فالمعلومة بدون شكل فني يصبح العمل مهلهلا …الشيء الأهم لأي مخرج هو أن يطرح سؤالين الاول – ماذا تريد ان تقول عبر هذا العمل …..والثاني – من هو جمهورك..
في السؤال الأول، تتضمن الفكرة وهي الأساس وهي الأهم ويجب أن تكون واضحة مبسطة وغير مبهمة.
في السؤال الثاني، تتضمن الفكرة الجمهور الذي نوجه له العمل – فعند التعامل مع الجمهور الفلسطيني مثلا يختلف الأمر عند التعامل مع جمهور دولة مجاورة …فلكل جمهور خصوصيته وهناك تفاصيل من الممكن الاستغناء عنها إذا تعاملنا مع جمهور آخر…
إن الفيلم الوثائقي اليوم …هو شرط من شروط الوجود والتعبير بشكل صادق، وإلا وقعنا في الهم التجاري للفيلم لذلك لا بد من بناء القاعدة – قاعدة الموهبة المبينة علي الخطاب الذي نريد أن نوصله وينبغي أن نصنع أفلاما وثائقية ليس من أجل المال فقط ولكن من أجل الحقيقة لأن الفنان دائما يعيش مع أفكاره ومفاهيمه..
علينا اليوم أن ندرك حقيقة وأهمية الفيلم الوثائقي ونعلم هؤلاء الشباب لأننا حين نعلمهم فنحن أيضا نتعلم وندرك أكثر وأكثر…في المقابل فنحن حين نكتب فيلم وثائقي، فإننا نكتبه ليتحدث عن معني عن فكرة عن موضوع نكتبه ليسلط الضوء علي شيء ما، أو أن يجسد موضوع ما، أو أن يفسر شيء ما… لأن طبيعة الأفلام الوثائقية هي التفسير والمعالجة الخلاقة.
في النهاية فإنني أوكد بأن الفيلم الوثائقي يساهم، وسوف يساهم أكثر إذا اهتمينا به أكثر باتجاه الارتقاء به أكثر وأنا متأكد بأن مهرجان أوروبا الشرق، ومهرجان خريبكة، وزاكورة المتخصصة بالأفلام الوثائقية كلهم بالمغرب، وكذلك مهرجان الجزيرة الوثائقية، هما خطوات باتجاه تفعيل الفيلم الوثائقي نحو الارتقاء فنيا وجماهيرا أكثر وأكثر . وآمل بمساعدة هذه المهرجانات أن نستطيع خلق مهرجان في فلسطين، وبالتحديد هنا في غزة، مهرجان متخصص في الأفلام الوثائقية وله صفة الدورية السنوية والعالمية، هذه أمنيتي، وأتمنى تحقيقها قريبا بمساعدة كل المؤمنين بالفيلم الوثائقي.