مسعود أمرالله: رهاننا على تقديم المغاير في السينما

 د. أمـل الجمل – دبي

هو المؤسّس الحقيقي للحركة السينمائية الشبابية بالإمارات العربية المتحدة، وحجر الأساس في مهرجاني دبي والخليج السينمائيين، وكُثر يعتبرونه الأب الروحي للسينمائيين الإماراتيين، فهو من بادر وأطلق مسابقة أفلام من الإمارات في المجمع الثقافي – أبو ظبي 2001، ومع تلك المسابقة بدأت حكاية سينمائية، ظل هو، ولايزال، طوال رحلتها وعبر نسج تفاصيلها لا يبخل عن بذل جهوده الدؤوبة لتأسيس وترسيخ تلك النواة السينمائية الخليجية الواعدة، تلك السينما التي يصعب الحكي عنها من دون ذكر اسمه.

 إنه مسعود أمر الله المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي، درس الإعلام ثم السينما بأكاديمية نيويورك، مارس الكتابة الصحفية والنقدية، كتب الشعر وأخرج للسينما مجموعة من الأعمال منها “الرمرام”، ولايزال لديه أربعة مشاريع قيد التنفيذ بعضها لا ينقصه سوى المونتاج. منذ أيام قليلة انتهت الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي وعُقدت مقارنات بينها وبين سابقتها التي حفلت بأفلام عديدة لافتة رُشح منها على الأقل سبعة أفلام عالمية للأوسكار، ومن بينها أيضاً ثلاثة أفلام عربية رشحت لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، بينما هذه الدورة أثير بشأنها أحاديث عن مستوى الأفلام، وإعادة هيكلة المهرجان سواء من خلال إلغاء مسابقة المهر الآسيوي الإفريقي أو تقليل عدد الأفلام من 174 إلى 118 فيلم فقط، وإلغاء بعض الجوائز الأساسية أيضاً، وفي حوار أجرته معه الجزيرة الوثائقية تطرّق الحديث إلى الاختلاف بين رؤيته ودوره كمدير فني للمهرجان وبين نظيريهما عند النقاد قائلاً: “نحن دورنا مختلف عن دور الناقد، فواجبنا تقديم الإنتاج العربي في هذا العام، هناك بعض الأعوام يكون الإنتاج مرتفع المستوى وغزير وهناك أعوام يكون الإنتاج أقل، لكننا نقدّم كمّ هائل من الأفلام العربية المنتقاة بدقة والتي تعطي فكرة واسعة عن اتجاهات مختلفة في السينما العربية، ربما فيلمين أو ثلاثة كنا نريد الحصول عليهم لكنهم راحوا لمهرجان آخر، فهذه الأفلام الثلاثة ليست كل السوق، نحن نشاهد الطويل والقصير، وأعتقد أن الأفلام التي قدمناها في المهرجان كانت رهان على تقديم شيء مغاير في السينما العربية، وربما كنا نميل في السنوات الأخيرة لتقديم نوعية الأفلام التي تنحو إلى التجريب في السينما، فهذه النوعية تقبُّلها صعب، هذه الدورة بالذات هناك خلل في مكان ما في تفسير الأفلام، وفي إعطاء الحق والشرعية لأفلام مغايرة أن تكون موجودة.”

• الخلل من قِبل النقاد، وتحليلهم للأفلام؟
مسعود: نعم.. ومن قبل المتذوقين للسينما في مكان ما، والذين هم بالدرجة الأولى يقولون أنهم “سينيفيليين”، فعلا هناك غرابة شديدة، أنك تراهن على سينما مختلفة وعلى طرح مغاير، لكنهم يريدون أن يعيدوك إلى نقطة مباشرة الأشياء، وإلى الفيلم الذي يحكي لك حدوتة.

• مثلاً؟
مسعود: مثلاً فيلم “راني ميت” للمخرج الجزائري ياسين محمد بن الحاج.. 

• لأن عرضه شهد خروج جماعي للجمهور والنقاد من صالة العرض ؟
مسعود: هذا الخروج الجماعي لا أدري بماذا أسميه في عالم السينما؟

 
• ربما نلتمس العذر للجمهور لكن بالطبع لن نعفي الناقد المحترف، لأن دوره حتى لو كان غير معجب بالتجربة فعليه أن يشاهدها حتى النهاية لتقييمها.

مسعود: بالتأكيد، حتى تستطيع في النهاية أن تعطي تقييمك الحقيقي للفيلم، لكن أن تخرج بعد 15 أو 16 دقيقة من الفيلم، وبعد هذا تقول، ما هذه الأفلام، أو أن تصف الأفلام بأنها ضعيفة، أنا لا أدري كيف يتمكن الناقد بعد 15 دقيقة من أن يُصبح فوق الفيلم. هذه فوقية في النظرة، وعدم إعطاء المبدع أو صاحب العمل حتى الفرصة لإبراز عمله، وهذا بالنسبة لي كان صادماً، معقول؟؟!! إنه حتى لم يمنح الفرصة لصانع العمل لكي ينطق أو يتكلم أو يشرح فيلمه أو يكشف كيف بناه، وبعد ذلك في النهاية يكون حر في تقييم الفيلم. واجبي أن أقدم فيلم تجريبي خالص مثل “راني ميت” أو سواء مثل الفيلم الكلاسيكي الشكل والمنحى مثل “بتوقيت القاهرة”، أو الوسط ما بين الكلاسيكي والتجريبي كما “في البحر من ورائكم”، واجبي أن أقدم هذه الشرائح المختلفة، والكوميدي مثل “عبود كنديشن”، و”دلافين” الذي يُمثل تجربة تنتج لأول مرة في الخليج، والتي تأخذ منحى صعب وبطيء ومركب، وهو أيضاً كان نوع من السينما الذي شعرت بأن النقاد لم يتقبلوه، وكذلك فيلم الإماراتي علي مصطفي “من الألف  إلى الياء” الذي افتتح مهرجان أبو ظبي لكن أيضاً قدمناه لأنه أخذ منحى للجمهور الواسع الذي يأخذ التوجه الدولي ففيه الممثلين من دول مختلفة والإنتاج مشترك، أو الوثائقي “سماء قريبة” لنجوم الغانم، إذن هناك أربع أشكال مختلفة من السينما الإماراتية، وعلى الناقد والمتفرج والمتذوق أن يختار، وعليه أيضاً أن يتابع، يعني لو لم أقدم هذا الفيلم سوف يسألني أحدهم لماذا هذا الفيلم غير موجود؟

• هل أزعجك النقد القاسي لتجارب شباب السينمائيين بالإمارات؟
مسعود: النقد القاسي على كل الأفلام. عندما أقول أن الناقد أصبح أهم من الفيلم فهنا تكون الإشكالية، هذا الناقد الوحيد الذي يمتلك ثقافة عبقرية يحكم على الإماراتي والمغربي والفلسطيني والأرجنتيني والقصير والطويل، هذا الناقد العبقري الذي بحكمه يصادر على كل شيء آخر أعترف أنني لدي إشكالية معه وليس مع الأفلام، لأني غير قادر على تخيل أنه على اطلاع واسع بحيث يفهم مشكلة في موزمبيق أو اليابان ثم يخرج الفيلم من سياقه ويتكلم عن رأيه الشخصي.. أنا أتساءل كيف تنظر إلى الفيلم؟ وللأسف هناك كثير من النقاد عند ذهابهم للفيلم  العربي يذهبون بمفهوم الناقد، وعند ذهابهم للفيلم الأجنبي يحدث ذلك بمفهوم المشاهد، وهذه إشكالية لأنه مع الفيلم العربي يذهب وعينه مفتوحة على النقد، وعينه مدربة على التقاط العيوب وانتقاص الفيلم قبل أن يذهب إليه. ليست كل الأفلام بالطبع ولا كل النقاد أيضاً.. لكن هذه النوعية من النقاد أنا عندي إشكالية معها.
نوعية من النقاد لا تنظر للفيلم كفيلم ثم تتشربه وتكتب عنه، وليس هناك أي مشكلة في ألا يعجبك الفيلم، لأنه في الأساس النقد بناء للفيلم.. لكن حينما يتحول النقد للهدم فهو لا يعرف أسس البناء من الهدم.. لو كنت حريص على هذا العمل وعلى هذا الطالب إما ألا تكتب وإما أن تكتب وتبين بواطنه الإيجابية والسلبية.. لكن لماذا تتعرض للشتيمة، وأنا أنتظر في يوم ما من هذا الناقد العبقري أن يصنع فيلمه لأن السكاكين ستكون كثيرة فوق رقبته.

• الناقد ليس دوره صناعة الأفلام.. هل هذا أسلوب لإسكات الناقد؟
مسعود: لا.. لكن حينما يحكم على كل الأفلام يصبح عبقري! أنا شخصيا لا أمتلك القدرة للحكم على كل شيء. لا أمتلك القدرة على الحكم على فيلم فيزيائي، أنا لست موسوعة، اجتهد واقرأ، وإذا كان لدى الناقد إيمان بأن الفيلم له قواعد فأنا أيضا عندي إيمان أن لدى النقاد قواعد، فليس من المنطقي أن يطالب الفيلم وصانعه بوجود قواعد بينما هو لا يتبع أي قواعد أو أسس في نقده. ببساطة كيف تنظر إلى الفيلم بعين مفتوحة؟ كل الأفلام في المهرجان لم تعجبك؟ لن أعترض، لكن أخبرني بمنطقك، لأنه إذا كتبت عن الفيلم الذي أعجبك ستضيف إلى الفيلم وتضيف إليك، لكن عندما يكون النقد ملخصات الأفلام، أو كتابات تهديمية فهذا ليس نقد. لذلك لا أرى هناك قسوة أو غيره.

• يبدو أن مشاكل النقاد كثيرة هذا العام ..
مسعود: ليست مشاكل النقاد، لكن بصفة عامة.. أنا كتبت نقد للأفلام، وأذهب إلى المهرجانات وأكتب عن بعضها ولكن لا أقول عن نفسي ناقد. أنا أكتب عن الأفلام بحُبّ. كل ما أريد أن أقوله أنت تريد أن تلتقط في الفيلم ما هو جيد أو غير جيد، فلتلتقط وتعطيه للآخر. امنحه بعض الوقت للتفكير فبعض هذه الأفلام لم يستغرق فقط خمسة أو ستة أشهر ولكن بعضها استغرق خمسة سنوات.. إذن حينما أشاهد أربع أو خمس أفلام في اليوم كيف أكتب ليلاً وقد نسيت أو حدث لدي خلط بين أبطال الأفلام؟ هل مشاهدة واحدة فقط تجعلني قادر على الكتابة عن خمسة أفلام والله وحده أعلم كم كنت مجهد وكم دقيقة ذهني شرد أثناء العرض، ومع ذلك لازلت قادرا على منحه حكم مطلق.. طبعاً هذه إشكالية وقعت فيها المهرجانات.

 
• هل فراغ بعض الصالات من الجمهور في العام الماضي كان السبب في تخفيض عدد الأفلام هذا العام الى 118 فيلم في مقابل 174 في العام الماضي؟
مسعود: نعم..

• أثناء حوارنا معك في العام الماضي أشرنا إلى أن أفلام مسابقة المهر الآسيوي الإفريقي – والتي تم إلغاؤها هذا العام

– لم تكن تحظي بالاهتمام الإعلامي أو الجماهيري بعكس ما يحدث مع الفيلم العربي والعالمي.
مسعود: صحيح.. لكن هناك نوعيات آخرى لا تجد جمهور مثل الفيلم القصير والفيلم الوثائقي، فالإقبال عليهما ليس كبير، أما الروائي فبعض الأفلام المعروفة والتي حصلت على جوائز يذهبون إليها، لذلك أخذنا هذه الأفلام من الآسيوي والإفريقي ووضعناها في برنامج سينما العالم. أنا مهمتي إحضار فيلم لكي يشاهده الناس فإذا فشلت في هذه المهمة فلا داعي لأن أحضره، وأنت بهذه الطريقة تشكل نفسك بنفسك، وهذه كانت النية أصلا بعد نهاية الدورة العاشرة، أن هناك شيء خطأ. وطبعاً كانت تمرّ إشاعة من هنا وهناك ثم تتطور وتتفاعل، لكن أنا رأيي أن تترك الشائعات تمر بينما تواصل أنت عملك. أحيانا أشعر أن المهرجان ليس له الحق في اختيار شكل البرمجة، وأن عليه طوال الوقت أن يعطي مبرر للناس. لكن في النهاية نحن نعمل وفق منهج معين من خلال مئات الأشياء خلف الكواليس، ومعنى خلف الكواليس أنك تريد أن تبقيها خلف الكواليس، ولأن الحديث عنها والخوض فيها من الممكن أن يجرح الآخرين.

• أحيانا يكون النقد في صالح المهرجان لأن موضوع عدم الاهتمام بأفلام المهر الآسيوي طرح من أكثر من شخص..
مسعود: حينما يكون الاهتمام جماعي ومن الناس المعنيين، وبعد إلغاؤه يسألونك لماذا؟ ويحاسبونك لماذا حذفته؟ طيب أنت كنت سبب إضافي إلى جانب الجمهور وغيره فلماذا ترجع لتحاسبني؟ ألم يكن برنامج جيد؟ إذن لماذا لم تحضر؟

 
• ربما بسبب النقص في الدعاية له، بعكس مع يحدث مع الأفلام العربية؟
مسعود: أبدا.. كثير ممن يعنيهم في آسيا وإفريقيا كانوا يعتبرون دبي محطة لهم وكمهرجان كذلك، مثلاً في مهرجان “كان” أو “برلين” لن يكثفوا الدعاية لقسم معين على حساب القسم الآخر، لكن نحن نقول أننا نمنح العربي اهتماماً، لأننا مهرجان عربي يقام في قلب الوطن العربي ونريده أن يكون عربي، وليس عندنا مادة سينمائية نقدمها كإماراتيين لذلك نعرض الأفلام العربية، وما أقصده أننا بقينا طوال سنوات نستورد صورة الآخرين ولا نصدر صورتنا، وفي الآخر جاء مهرجان دبي وأصبح رائدا في تلك المنطقة وسارت المهرجانات الأخرى على خطاه في التوجه العربي. الكل كان يعرض الفيلم العالمي ويهتم بالعالمي، لكن دبي اهتم بالعربي، دبي مدينة مفتوحة على العالم. كان من الممكن عمل مسابقة دولية، لكننا تحدينا هذا كله. قد نصيب وقد نخطئ، لكن ربما جاءت كل المشاريع في صالح الفيلم العربي.

 
• أعود إلى إشكالية الفيلم الآسيوي المعروض في المهرجان، ربما عدم منحه الدعاية الكاملة رغم وجود نسبة عمالة وجالية كبيرة جدا لعب دوراً في خلو صالات السينما، في حين أن عروض أفلام عربية ودولية كانت الصالة كاملة العدد، وربما كان السبب أيضاً تركيز اهتمام الصحافة الإماراتية بالأفلام العربية والعالمية. 
مسعود: هل تعلمي ماذا نفعل دعائيا؟ نذهب إلى المولات، والسفارات، وأسواقهم، وكل تجمعاتهم ونبعث برسائل إلى المقيمين، لكن هناك أشياء أخرى تؤثر، منها طبيعة الفيلم ونوعه، وثائقي، طويل، قصير، هل فيه نجوم؟ أقصد نجومهم هم الذين يعرفونهم؟ هل الفيلم يسير في المنحى السائد أم المغاير؟ هذه العوامل تلعب دوراً.

 
• وكيف تمكن مهرجان دبي من الحصول على حق ترشيح الأفلام العربية القصيرة للأوسكار؟
مسعود: حدث على مدار سنتين، كنا نفكر ونحب أن يكون لنا دور في توصيل الفيلم للأوسكار ونتساءل كيف نصل بالفيلم العربي للأوسكار؟ فالموضوع ليس سهلا، لأن هناك عدد قليل من المهرجانات العالمية التي ترشح الأفلام، فتقدمنا وكان فيه شروط قاسية جدا لكن تجاوزناها كلها، وفي العام الماضي تم الإعلان عن اعتبار مهرجان دبي السينمائي المهرجان الوحيد في الوطن العربي المؤهّل لترشيح الفيلم القصير للأوسكار وليصبح ضمن سبعين مهرجان مؤهلين لترشيح الأفلام القصيرة للأوسكار ثم تقوم الأكاديمية بالتصفية النهائية. 


إعلان