“الملجأ” يفوز بجائزة مهرجان أوروبا الشرق بأصيلة
المصطفى الصوفي
فاز الفيلم السويسري”الملجأ” لمخرجه فرناند ميلغر بالجازة الكبرى في الدورة الثالثة لمهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي، الذي استمر على مدى أربعة أيام في مدينة أصيلة شمال المغرب.
![]() |
ملصق المهرجان
|
ويحكي على مدار 100 دقيقة ودقيقة واحدة فقط، قصة اجتماعية لعدد من الفقراء، يعيشون ظروفا قاسية نساء ورجالا وأطفالا، وخاصة أثناء فرزهم في أحد دور المعوزين بمدينة “لوزان” السويسرية في موسم مطير وطويل، حيث في كل ليلة تجري نفس الطقوس لإدخال الفقراء والمشردين، ما ينتج عن ذلك مصادمات عنيفة بين الداخلين إلى قبو الكراج، الذي لا يتسع سوى لـ 100 شخص، 50 منهم فقط يحصلون على وجبة ساخنة وسرير وغطاء دافئ، فيما الباقي يواجه ليلا سيكون طويلا وباردا.
وآلت جائزة السيناريو في هذه المسابقة الرسمية التي ترأسها المخرج المغربي محمد العروسي، وضمت الممثلة والمنتجة الفرنسية اني غونزاليز، والكاتب والرسام والنحات البولندي كوميك كافياك، والمنتج والإعلامي الفلسطيني نبيل العتيبي، والمخرج والسيناريست والأكاديمي التونسي احمد القاسمي، إلى فيلم” عداؤو المسافات الطويلة” لمخرجته الاسبانية ايزابيل فرنانديز.
أما جائزة الإخراج فعادت إلى الفائزة بجائزة الجزيرة الوثائقية، رجاء الصديقي، لتكون أكبر المتوجين. كما قررت لجنة التحكيم منح جائزة خاصة أطلقت عليها اسم “جائزة التفرد”، وعادت لفيلم “مارسيدس” للمخرج اللبناني هادي زكاك.
جائزة الجزيرة الوثائقية
وذهبت جائزة الجزيرة الوثائقية ضمن المهرجان الذي اختتم أعماله السبت الماضي للفيلم المغربي “أجي ـ بي.. نساء على مدار الساعة” لمخرجته رجاء الصديقي، والذي تناولت فيه قضايا التعايش، ونبذ العنصرية، وتحدي الصعاب وظروف الهجرة من أجل الحياة.
وفي كلمة له بالمناسبة، نوه “جمال الدلالي” رئيس لجنة تحكيم الجائزة ومدير إدارة الإنتاج بقناة الجزيرة الوثائقية، بقيمة الفيلم، الذي حصل على إجماع أعضاء اللجنة التي ضمت الباحث في مجال الصورة والأدب مدير مركز الصورة عبد الرحيم الإدريسي، والإعلامي والناقد السينمائي المصري جمال جبريل.
وأكد دلالي على أن الفيلم جاء بشكل ومضمون مختلفين، فضلا عن ملامسته لموضوع إنساني، مصاغ في قالب سينمائي جيد، اعتمد على رؤية قوية تمنح الفيلم الوثائقي أفقا عالميا، حيث قدم معالجة للقضايا المجتمعية والاجتماعية بطريقة فيها نفحات من الإبداع، والدقة والمهنية والتلقائية.
![]() |
جمال الدلالي يتوج رجاء الصديقي
|
وأضاف دلالي في كلمته خلال حفل الاختتام الذي ترأسه وزير الاتصال المتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي، على رأس وفد رفيع المستوى، وهيئات دبلوماسية، ونخبة من المثقفين والمفكرين والسينمائيين والإعلاميين، أن المنافسة كانت قوية بين أربعة أفلام، وبعد نقاش مستفيض تميز بالجدية والمسؤولية، تم اختيار فيلمين، هما الأقوى في المسابقة، لتحسم اللجنة في نهاية المطاف وبالإجماع، بمنح فيلم المخرجة الصديقي جائزة الوثائقية الخاصة.
ويحكي الشريط طيلة 66 دقيقة قصة امرأة سنغالية تدعى مريم (اجي ـ بي) وهي مصففة شعر بالشارع العام، بساحة شهيرة تدعى “باب مراكش” في قلب السوق العتيق لمدينة الدار البيضاء، وهي تعيش ضمن كوكبة من النساء السنغاليات القادمات الى المغرب، واللاتي تقطع بهن السبيل، بحثا عن ظروف اجتماعية حسنة، في انتظار، ركوب زورق الأحلام، باتجاه إحدى البلدان الأوربية.
(اجي ـ بي)، مصففة شعر(حلاقة)، على الطريقة الإفريقية المشهورة، تمارس عملها في الهواء الطلق، حيث نسجت علاقات كثيرة مع العديد من زبائنها، ومن أفراد المجتمع المغربي، وبالرغم من ذلك لا تسلم من استفزازات البعض لها بوصفها بمرض (الإيبولا)، حيث ترد في الفيلم بأن (الإيبولا) غير موجود في السنغال، وقد ظهرت في أمكنة نائية بالقارة السمراء، وأن النساء السنغاليات في السوق العتيق، خاليات من أي وباء، وهن يحافظن كثيرا على صحتهن، وذلك بالاستحمام يوما.
في الفيلم تكسب مريم السنغالية قوت يومها، من تعاملها الطيب مع زبائنها من النساء، تصفف لهن شعرهن، على طريقة (الراسطا)، وتجذب المزيد منهن في كثير من الأحيان، بالمناداة (تعالي صديقتي…. اقتربي…) للفت الانتباه وكسب المزيد من النساء والصبايا، واللواتي يترددن باستمرار على السوق العتيق من أجل التسوق، والتبضع. وللزبونات تضع “مريم” الرموش الاصطناعية الوهمية على عيونهن، وتزين شهرهن بضفائر “الراسطا” الإفريقية، فقد تكيفت “مريم” مع كثير من صويحباتها السنغاليات، اللواتي يغص بهن فضاء باب مراكش، ومنهن من حصلت على بطاقة الإقامة، بعد قرار المغرب مؤخرا منح الإقامة المغربية لآلاف المهاجرين، ما يحفظ لهم حقوقهم المشروعة في البلد ويضمن لهم كرامتهم الإنسانية، عزوة بالمغاربة.
وأعربت رجاء الصديقي مخرجة الفيلم في تصريحها للجزيرة الوثائقية، عقب التتويج، عن اعتزازها الكبير، بالظفر بهذه الجائزة، التي وصفتها ب” القيمة والمتميزة”، مبرزة الأثر الكبير المعنوي الذي تتركه الجزيرة الوثائقية في مثل هذه المبادرات على المواهب الواعدة، ودعم قدرات الشباب، وتكريم الأعمال الجادة والرائدة، والتي تقدم إبداعا خالصا في الأداء والعمق، مع التركيز، على قضايا المجتمع والهوية والقيم الإنسانية والكونية.
وأردفت الصديقي أن فوزها بهذه الجائزة، يمنحها طاقة مضاعفة من أجل بذل مزيد من الجهود والعطاء المضاعف، وتطوير أدائها، والبحث عن أفكار لأعمال أخرى، من أجل التألق، والسير على الطريق الصحيح للفيلم الوثائقي، الذي يمجد في الأساس سحر الصورة كثقافة بصرية، ونسق الحياة والمحبة، وكل ما له علاقة بكينونة الإنسان، وتاريخه وحضارته وحياته، ووجدانه وأحلامه.
تعايش مختلف الثقافات
![]() |
بوستر فيم “أجي ـ بي.. نساء على مدار الساعة”
|
وعن فيلمها أشارت إلى معالجته لعدد من القضايا التي تهم، حرية الاستقرار، ونبذ العنصرية، والتمييز، وفضيلة الاندماج والإخاء في المجتمع من غير تفرقة بين الأجناس، ويحمل فيضا من الإشارات الأخرى، عن المغرب، الذي تتعايش فيه الكثير من الشعوب والأجناس، وخاصة منها الأفريقية القادمة من جنوب الصحراء.
وأكدت الصديقي أن الفيلم يبقى معالجة مبدعة لمخرجة شابة لحياة الناس، والمجتمع، وابراز لحياة نساء مهاجرات، جئن الى المغرب، وتعايشن وتكيفن مع الظروف، في انتظار إما البقاء، أو الهجرة لمكان آخر، بهدف تحسين وضعهن الاجتماعي في البلد الأصل، الذي يعاني ويلات كثيرة من فقر وحروب وصراعات السياسية وعرقية وثقافية وما إلى ذلك.
وأضافت أن ما يقع لهؤلاء المهاجرات، هو ما قد يقع للمغربيات والمغاربة، في بلدان استقبال أخرى خاصة منها الأوربية، وبالتالي فإن الفيلم الوثائقي من هذا الجانب جاء لمعالجة الواقع، وإبراز حياة الناس، ونفض الغبار عن المستور، مع طرح الكثير من الأسئلة لمعالجتها فنيا وسينمائيا، ولكل مخرج طريقته في التعامل مع مثل هذه القضايا
تكريمات
وعرفت الدورة التي شارك فيها 15 فيلما ضمنها 10 أفلام في المسابقتين، سلسلة من الفقرات، من أبرزها تنظيم ندوة فكرية حول الأرشيف والفيلم الوثائقي، ومائدة مستديرة حول إنتاج وتسويق الفيلم الوثائقي، والذي تميز بحضور ممثلي ثلاث قنوات تلفزيونية مهمة، تعنى بالفيلم الوثائقي، وهي الجزيرة الوثائقية، و”آرتي” الفرنسية، والقناة الثانية المغربية، وهو اللقاء، الذي تميز بطرح فيض من القضايا التي تهم الإنتاج والتسويق في بعده المحلي والدولي، فضلا عن آفاق واعدة للتعامل المشترك، وتحفيز المنتجين من أجل تحقيق مزيد من الإشعاع للفيلم الوثائقي بين المغرب وأوربا والشرق.
كما شهدت الدورة بالمناسبة تكريم بولندا ضيف شرف، وعباس أرناؤوط مؤسس ومدير مهرجان الجزيرة الدولي للأفلام التسجيلية، ومعدة برامج وثائقية بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية خديجة رشوق، فضلا عن الكاتب والمخرج والمنتج المغربي أحمد المعنوني، والرحالة المغربي محمد خموش، إضافة إلى تنظيم معرضين الأول للصور الضوئية للرحالة المكرم، والثاني للفنانة التشكيلية مريم جميل بعنوان “لمسات ثوبية ولونية دالة” وهو يوثق لسفر ومحطات قطع ثوبية حالمة في علاقتها الوجدانية مع ألوان الأرض والتراب في شكل بديع للغاية.
و تم بالمناسبة أيضا، تنظيم عدد من الورش التطبيقية في إنتاج الفيلم الوثائقي وهي التجربة الأولى للمهرجان، إضافة الى توقيع كتاب “المسرح بالمغرب في عهد الحماية” لجمال السويسي رافقته لقاءات مفتوحة مع الأطفال بغية ترسيخ ثقافة الصورة لديهم، والاهتمام بالفيلم الوثائقي، وهو ما تم من خلال فقرة تكريم الطفل المبدع، حيث تم منح الأطفال فرصة إنجاز أفلام وثائقية بالطريقة التي يحلمون بها، تشجيعا لهم على العطاء والإبداع في مجال السينما الوثائقية.