وثائقيات لطلاب إعلام لوقائع الحياة في لبنان
بيروت- الجزيرة الوثائقية
ثلاثة عشر فيلم وثائقي خرجت من بين أيدي طلاب الإعلام في جامعة الجنان بطرابلس تؤكد على تحولات قطاع الإعلام، وعدم اقتصاره على المكتوب والمقروء، وإمكانية استخدام التقنيات الحديثة بصورة متطورة، وجميلة، ومعبرة، لإيصال الفكرة من الواقع إلى الجمهور بطريقة إنتاجية يندمج فيها الريبورتاج الصحفي المكتوب بالتقنيات السينمائية، لتعطي نموذجا جديدا من الفن الصحفي المتجسد بالفيلم الوثائقي.
![]() |
الأفلام المشاركة
|
مجموعة الأفلام التي وضعها الطلاب، كشف النقاب عنها في احتفالية استضافتها “مؤسسة الصفدي الثقافية” في طرابلس اللبنانية، منها ما تطرق إلى مظاهر طرابلسية ولبنانية، ومنها ما عجز عن تجاوز واقع البلد الذي انتمى صاحب الفيلم له، خصوصا على المستويين السوري والفلسطيني.
فقد أعطت الجامعة توجيها وتمنيا في أن يتركز اختيار الأفكار على ما يخدم الواقع المحلي الطرابلسي، دون إصرار قاطع على ذلك حيث أن الطلاب المشاركين في الصف ينتمون إلى جنسيات مختلفة، ولم يكن من الممكن فرض خيارات عليهم، خصوصا أن الوقائع الشديدة القساوة في سوريا وفلسطين ترخي بثقل على اختيار المواضيع بطريقة لا يمكن رفضها أو مقاومتها.
من هذه الأفلام ثلاثة، سوريان وفلسطيني، وثمة فيلم إيراني رابع قدم نموذجا جميلا عن نمط حياة مناطق إيرانية وسبل استخدامها لتقنيات بدائية تمكن من الاستمرار في الصراع من أجل البقاء.
“أمل وألم” فيلم للسورية آلاء التلي، من تسع دقائق، يعرض واقع الطلاب السوريين في المدارس التي أقيمت لهم في لبنان بتوجه من حكومة ظل سورية، وتمويلها، وهدفت فكرة المدارس أن يتأمن التعليم للسوريين النازحين، وحمايتهم من خسارة سنيهم الدراسية. لكن يظهر عند وصول الطالب إلى مرحلة الشهادات الرسمية عمق المأزق المتجلي في عدم اعتراف أي جهة رسمية بالشهادة الممنوحة من حكومة لم تحظ بالاعتراف الدولي.
فيلم يعالج واقعا سوريا أيضا وهو “خلصتو؟ بدي ألعب” للسوري وائل جراش من سبع دقائق، عن طفل الحقه أهله بميتم لعدم قدرتهم المالية على إعالته بسبب الواقع السوري الصعب. مع الوقت ينعكس إبقاء الطفل في الميتم سلبا على شخصيته، ويتألم لأن أهله تخلوا عنه. الفيلم يعالج موضوع التيتم المنتشر بين أطفال سوريين من منطلق انساني.
الفلسطينية زهراء أبو حليوة لا تستطيع تجاوز قضية بلادها، وما يتعرض له الفلسطينيون كل يوم، وفي نفس الوقت يظهر شبان يقاومون المشهد الدموي العام، بحالة إنسانية قاعدتها فنية، فيعرض الفيلم طموح شاب فلسطيني ضرير يصر على الاستمرار في تعلم الموسيقى، وعزفها.
![]() |
إعلان المسابقة
|
إلى الإيراني محمد رحمن بور في فيلم “قصة التراب” من 17 دقيقة، وهو الأطول بين الأفلام، تابع بور موضوعه مع استاذه عبر الهاتف، والانترنت، وصور في إيران كيف يتحول الحجر إلى تراب، ومنه إلى صاج يستخدم لصناعة الخبز الذي هو القوت اليومي.
موضوعات محلية لدى اللبنانيين، فاختار يحي الصديق محطة القطار التراثية كما صنفت، في فيلم عنوانه “المحطة التالية” يروي في عشر دقائق حكاية كنز لبناني مهمل هو القطار الذي تحول في دول العالم إلى متحف، لكنه يتآكل على مرأى ومسمع الجميع دون مبادرة لإنقاذ ما تبقى منه.
بلال مجيد تناول التكية المولوية في طرابلس وأسماها “الكنز الموجود”-فيلم من تسع دقائق عن التكية ومعناها وتطوراتها.
الطالبة ياسمين صبيح وضعت فيلم “عبق” من ثماني دقائق، عن قهوة موسى في رمضان حيث تنبض بالطيبة وحسن الضيافة الطرابلسية، يؤمها الناس من مختلف المناطق للسهر الرمضاني، ومنهم من يأتي من الخارج لقضاء بعض السهرات في المقهى نظرا للحياة الدافئة التي يقدمها.
“جيل ورا جيل” لأواب الحارث من ست دقائق عن صناعة الصابون الطرابلسي، وتنوعاته، وتوارثه بين الأجيال، و”قصة الرغيف” لفاطمة زهرمان من خمس دقائق عن صناعة الخبز التقليدي على التنور، و”حبل الوصول” لنجوى ابراهيم من ست دقائق ونصف عن معاناة أسرة صياد فقدت أحد أبنائها في البحر وهو يلاحق مصدر عيشه. ريتا الأبيض ركزت على تعلق الصائمين بالحلو المنتج محليا في فيلمها “حلو ومر” من خمس دقائق، ويعرض صناعة الحلو الطرابلسية الشهيرة. و”دقوا الطبول” لتماضر محمود من ثماني دقائق عن الأعراس، ومعانيها بين التقليد والحداثة.
“سجناء أولادهم” فيلم يقارع الخمس دقائق لتيريزا الدويهي يتناول معاناة أسرة تتابع محاكمة ابنها المسجون بحزن ولهفة بانتظار خروجه.
الدكتورة غادة صبيح تحدثت ل”الجزيرة الوثائقية، وقالت: “انطلق مشروع الأفلام في كلية الاعلام في جامعتنا، والطلاب فيها يتابعون تخصصهم، وهناك اساس يتبعونه وهو صياغة وكتابة الخبر حتى يتخرجوا صحافيين من عندنا. ونحن نعرف أن كل مهارات الاعلام حاليا باتت تتخطى الورق والقلم، وصرنا في مجال الالكترونيات، والتطورات المتعلقة بها، ومن هذا المنطلق، دخلنا بمروحة واسعة من الموضوعات بمواد تطبيقية . ومما هو مطلوب منهم مادة اسمها “مهارات”، وهي مادة تجمع بين النظري والمهارات التطبيقية، وبين قوسين بحسب تعريف المادة “الفيلم الوثائقي”، والمادة واحدة من مواد التدريس، وليست أفلام التخرج. عندنا كل مادة يجري التخرج فيها، مثلا هناك مادة تطبيقية اسمها محترف إعلامي، يلعب الطلاب فيها دور الصحفي، فيستضيفون إعلاميين، ويقدمون عملهم حيا كحلقة مباشرة، يسهلها وجود استوديو متخصص في جامعتنا”.
![]() |
عميدة كلية الا?علام في جامعة الجنان الدكتورة غادة صبيح
|
وتابعت بقولها: من هنا نعتمد مشروع تخرج خاص بالمادة، ومهارات تقدم طريقة كتابة الوثائقي، وكيفية البحث عن فكرة، أي يتعلم الطالب الوثائقي بكل احتياجاته من الألف إلى الياء نظريا في الفصل الأول، وفي الفصل الثاني تتحول مهارات إلى تطبيق عملي لما وضع في الفصل السابق”.
وأوضحت أن 13 طالبا كانوا يتابعون هذه المادة للعام المنصرم، وكان النتاج 13 فيلما وثائقيا. وبما أننا نلتزم قضايا مجتمعنا، المحلية، واللبنانية، دون تغييب القضايا الانسانية العامة، فإننا نوجه الطلاب بالتدرج باهتماماتهم من المحلي إلى العربي فالعالمي. نعلمهم كيف يجب أن يكونوا عين المواطن، وقدوته، وكيف يمكن مساعدته. وتمنيت أن نضيء بعض الأمور الحساسة الهامة في الشمال، لكننا لا نقتصر عليها، فعندنا طلبة فلسطينيون وسوريون وإيرانيون ومن جنسيات مختلفة، وفي ظل هذ االتنوع، لا يمكن إلا أن نوسع خيارات الطلاب، ونترك لهم حرية الاختيار، وقد يكون المشروع الذي يختاره الطالب متعلقا به شخصيا”.
ورأت أن السوري وضع فيلمه عن حالة سورية، في ظل ظروف صعبة يعيشها وطنه، ولا يسعنا إلى أن نتفهم أحاسيسه وخياره، وكان خيار الطالب السوري سوريا بحتا، تناول قصة طفل وضعه أهله في ميتم لصعوبة وضعهم المادي، مما وضعه في حالة نفسية بائسة، وأمام هكذا حالة انسانية عالية الحساسية، لا يسعنا إلا قبول مقترحه حتى لو كان من خارج رغبتنا وتوجهنا”.
وفي سياق الحديث عن اختيار الموضوع، لفتت صبيح إلى حالات أخرى مشابهة، منها اختيار الطالبة السورية آلاء التلي لفيلم “ألم وأمل” تناولت فيه واقع المدارس السورية التي أقيمت للنازحين السوريين الموجودين في لبنان حاليا، وهدفت إلى تأمين الدراسة لهم على المنهج السوري كي لا يخسروا سنوات دراسة حتى إذا عادوا إلى بلادهم، يكونون قد كسبوا ما فاتهم، ولكن ظهرت إشكالية الشهادة التي سيحصلون عليها، فهم سيأخذون شهادة غير معترف بها، وهي مأساة”.
أهمية الأعمال لاسينمائية بنظر صبيح أنها جعلت كل طالب يضع فيلمه بنفسه من الألف للياء. ولهم التقدير لما قاموا به خصوصا أنهم ليسوا طلاب سينما، ولم يدرسوا الإخراج، ولا الإضاءة، ولا إدارة استوديو، ومع ذلك كانت النتيجة جدية وباهرة”.
واملت في ختام كلامها أن “يتحول هذا النشاط ويتطور إلى مهرجان بالتعاون مع مؤسسات طرابلسية مهتمة بالشأن السينمائي، وهناك عدة مؤسسات تعنى بالأمر”.