“لالا كابر”: نضال السينما في موريتانيا

“لالا كابر” مخرجة موريتانية شابة لم تتجاوز الثامنة والعشرين من العمر. تعتبر من أولى موريتانيات الجيل الجديد اللواتي اقتحمن الميدان السينمائي. بجرأة التحدّي وبرغبة العشق السينمائي تحاول التموقع في صلب الخارطة السينمائية بالرغم من العوائق والإكراهات… رفقة بنات جيلها تتحدّى المرأة الموريتانية حدود القانون المجتمعي، وتسعى لتأسيس نظرة متحرّرة لترسم صورة بلدها وتنقل واقعا اجتماعيا من عمق الجغرافيا المنسية. سينما الأحلام. لقطات من صور الحلم. ضبابية المشهد. التقتها الجزيرة الوثائقية، فكان الحوار التالي:

كيف كانت انطلاقتك في الحقل السينمائي؟ وماذا كان هدفك؟

في البداية لم يكن لي أيّ نيّة لولوج عالم الصورة السينمائية لعدّة اعتبارات تتعلّق بذهنية التحريم، في المقابل كانت السينما حلما وكنت أكتفي برسم الصور في مخيّلتي وتسجيل صور الواقع ذهنيّا. انطلاقتي المهنية كانت بالكتابة في الصفحة الاجتماعية لأحد الصحف المعروفة، كنت مهتمّة بمتابعة حيثيات المجتمع الموريتاني، وخاصة في العاصمة نواكشوط. بالصدفة، اقترح عليّ أحد الأصدقاء، سنة 2010، أن ألتحق بدار السينمائيين الموريتانيين التي ستمكّنني من تحويل تلك القصص الاجتماعية إلى أفلام. بدون تفكير تيقّنت أنّها فرصة تحقيق الحلم وقبلت التحدّي. بدأت بتلقّي أبجديات التكوين السينمائي، حيث شاركت في ورشات تكوينية في مجال كتابة السيناريو والإخراج، وقد استطعت أن أوظّف ذلك من خلال كتابة قصة اجتماعية مستوحاة من واقعنا المعاش عن كبت المراهقات. حوّلت هذه القصّة إلى سيناريو وقمت بإخراجها بمساعدة من دار السينمائيين الموريتانيين.

المخرجة الموريتانية لالة كابر

في البداية كان حلمي هو ممارسة السينما كهواية، لكن اليوم زاد عشقي للسينما إلى درجة الجنون، وأنا أسير في منهج إخراج أفلام تحاكي الواقع الاجتماعي، وهدفي هو كسر الحاجز التقليدي للمجتمع لتصبح السينما الموريتانية سينما حرية. أن تكون لنا سينما بأتمّ معنى الكلمة.

في ظلّ مجتمع موريتاني محافظ تعتبر السينما شيئا مكروها، هل تعرّضت لانتقادات أو اعتراضات من عائلتك ومن المجتمع؟

طبعا تعرّضت لانتقادات وكلام قاسي من الأقارب ومن جيراننا ومن الشارع الموريتاني، خصوصا أنّ فيلمي الأوّل عانق الجرأة وعالج موضوعا من المسكوت عنه. السينما في بلدنا تقريبا هي من “الممنوعات” لأنّ الصورة السينمائية تزعج واقعنا، ومجتمعنا يحرّم ولوج المرأة إلى المجال السينمائي خصوصا، هذا بالإضافة إلى مجالات أخرى.
تعرّضت إلى التهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلموني أنّ فيلمي يخالف الشريعة وأنّهم سيحضرون للعرض لتصفية حساباتهم. طبعا انتابني خوف شديد لأنني لم أتعوّد هذه المواقف المتهجّمة على شخصي، إلى حدّ أنّ عائلتي أعلموني أنّه أوّل وآخر فيلم في مسيرتي.

في فترة ما في السابق، كانت الأسرة الموريتانية أكثر ثقافة ووعيا، حيث تخرج الأسر نهاية الأسبوع لمشاهدة الأفلام في قاعات السينما. حينها كانت انطلاقة متميّزة للسينما في موريتانيا. فيما بعد ارتبطت السينما والثقافة والنظام التعليمي بسياسة كلّ رئيس جديد في بلد شهد العديد من الانقلابات.

ما هي أبرز المواضيع التي تطرّقت إليها في أفلامك؟

المخرجة والناشطة لالة كابر رفقة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني

صوري نابعة من كلّ ما هو اجتماعي بالأساس، لي اهتمام خاصّ بنقل الواقع وتوثيق صور المجتمع الموريتاني عبر رؤية نقدية ذاتية، وهذا هو التوجّه الفكري الذي أحاول رسم معناه في أفلامي. فيلمي الأول “مشاعر أخرى” هو حديث عميق عن الكبت، صور لغياب التواصل بين الفتاة الموريتانية ومحيطها الضيّق.
التجديد والبحث هما غايتي سينمائيا. كتبت فيلما بعنوان “عمّال المقابر”، وهو فيلم وثائقي كان سيكون من إنتاج مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، هو فيلم يتحدّث عن مشاكل عمّال المقابر. يعيشون من موت الآخرين، لكن تمّ منعي من التصوير.

تقمّصت أدوارا متعدّدة كممثلة في ستة أفلام، وأعتقد أنه من الضروري تجربة التموقع وراء الكاميرا وأمامها أيضا من أجل اكتساب خبرة في ما يخصّ توجيه الممثل، ولتعميق الرؤية الإخراجية.
أعشق السينما الوثائقية لأنها مرتبطة بالجرأة، حاليا أهتمّ بنظرة تحريرية للمجتمع الموريتاني، وأطمح خاصة إلى تغيير العقليات من جهتي من أجل تحرير المرأة، لأنني امرأة أريد أن أدافع عن المرأة الموريتانية التي تطمح إلى الحداثة.

ما هي أبرز مشاركاتك الدولية؟ وكيف استفدت منها؟

شاركت في مهرجانات سينمائية بالمغرب، وفي الجزائر خاصة في مهرجان السينما المغاربية، كما شاركت في مهرجان السينما الإفريقية بالأقصر، وكذلك بالإمارات العربية المتحدة… طبعا لازلت أطمح للمشاركة في عديد من المهرجانات الدولية من خلال أفلامي القادمة التي سأحاول من خلالها تطوير النظرة الإخراجية.

ندوة سينمائية بموريتانيا

أشعر بسعادة فائقة عندما أشارك في المنافسات الدولية، لأنها فرصة للتعارف على تجارب إخراجية أخرى وتكوين صداقات سينمائية، بالإضافة إلى أنني أكون فخورة جدا حين أتنقل بالزيّ الموريتاني. أنقل العادات والتقاليد الموريتانية، أنقل ثقافة بلدي الغائبة عن العالم، وسينمانا المجهولة في المهرجانات السينمائية الدولية. أتمنى أن يكون للسينما الموريتانية حضور دائم، وأرجو أن ننقل صورة بلدنا الغائب عن الشاشة.

هل تعتبرين أنّ هناك آفاق واعدة للصورة السينمائية في موريتانيا؟ وهل تعتقدين أنّ هناك مواضيع وثائقية مهمّة هناك؟

طبعا موريتانيا هي منبع خصب للسينما لكن هناك غياب للإرادة بالرغم من محاولات السينمائيين. هناك حراك سينمائي من طرف الهياكل السينمائية المستقلة، لكن الإنتاج مقلّ والعديد من الأفلام تنتج بصيغة الهواية. القنوات التلفزيونية لا تعرض الأفلام بتاتا، والأفلام تُعرض في الفضاءات المفتوحة وفي الشارع. لا توجد قاعات عرض سينمائي، لكنّ الأمل يبقى قائما.
موريتانيا هي بلد الوثائقي بامتياز. هناك العديد من الأفلام الوثائقية التي تمّ تصويرها هنا، إلا أنّ أغلبها جاء بعين الآخر الأجنبي (الأوروبي خاصة)، وبالتالي نحن نحتاج إلى نظرة من الداخل. الإنتاج الوثائقي بدوره يحتاج إلى إمكانيات، ونحن هنا لا نملك أبسطها. الفعل السينمائي في بلدنا هو ممارسة نضالية من أجل ترجمة صورنا على الشاشة.

سينما المرأة في موريتانيا، كيف تنظرين إليها؟ هل استطاعت المرأة فعليّا اقتحام السينما؟

سينما المرأة هي سينما ضرورية، لا بدّ للمرأة أن تمارس التقنية والإخراج والتمثيل. كما أنّه لا بدّ للمرأة أن تتحدث عن مشاغل المرأة المحلية، لأنّها الأقرب والأولى أن تتحدّث عن ذاتها ومواضيعها.
أنا من أولى المخرجات اللواتي ولجن عالم السينما في موريتانيا، سنة 2010 كنّا أربع شابّات فقط، دخلنا عالم الصورة بتفاؤل وأحلام جنونية. اليوم يمكن أن نعتبر أنّ حضور المرأة على مستوى الإخراج أصبح مكثفا وطغى حتى على الحضور الذكوري.

هناك جيل نسوي نفتخر به، ويمكن أن نذكر وردة محمد وعزيزة كابر ومي عثمان  ومي مصطفى والسالمة بنت الشيخ الوالي. نعم المرأة الموريتانية اقتحمت السينما رغم الصعوبات والعوائق.

ما هي طموحات المرأة في السينما الموريتانية؟ ما هي العوائق والإكراهات؟

طموحات المرأة هي أن تعرّف بصورة بلدها وأن تكون جسر تواصل على المستوى الدولي. موريتانيا غنيّة بعاداتها وبالتالي نحن نريد أن نساهم في إعلاء صورة بلدنا من خلال الصورة السينمائية. أملنا أن تتوفر الإمكانيات وأن تولي السياسة الثقافية اعتناء خاصا بالسينما حتى نتحدّى الصعوبات المتراكمة.
أبرز التعطيلات، هي كوننا مجتمع قبلي بحت. في قبائلنا يُقال أنه لا يجب أن تكوني ممثلة أو مخرجة لأنّ هذا منافي لعاداتنا وتقاليدنا. نحن مجتمع يرتبط ارتباطا وثيقا بالقانون الاجتماعي: التقاليد.

من حسن حظّنا أنه هناك ورشات تُقام سنويا في المهرجان الدولي للفيلم القصير بنواكشوط، وطبعا نحن نسعى لمزيد من التكوين من أجل تطوير رؤيتنا. نريد أن نتجاوز عصاميّة التكوين، وشباب موريتانيا يطمح لولادة معهد سينمائي لمتابعة دراستنا بمستوى علمي مرموق. نريد تجاوز الهواية لتحقيق احتراف فعلي، وأولى الخطوات تبدأ بوضع حجر الأساس. هناك أيضا ضرورة حتمية لإنشاء شركات إنتاج سينمائي، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بإرادة سياسية. أختم بالقول أنّ الجيل السينمائي الجديد في موريتانيا يتطلّع إلى مشروع سينمائي وطني، جيل يحلم .. سينما.


إعلان