“المقابلة” كوريا الشمالية بعيون أمريكية
طاهر علوان
” هل تعلم ماهو اكثر تدميرا من القنبلة الذرية ؟ ،انها الكلمات”
” كيم جونغ آن” الرئيس الكوري الشمالي
لعل من النادر أن يخلق فيلم كوميدي ساخر كل هذه الضجة والاحتقانات فيدخل ساسة على أعلى المستويات في سجالات متواصلة لم تهدأ حتى الساعة مابين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وذلك بسبب إنتاج وعرض فيلم ” المقابلة ” للمخرجين “سوث روغين” و “إيفان غولدبيرغ “.
![]() |
ولقد تطور التصعيد بصدد هذا الفيلم إلى حد إطلاق عمليات القرصنة التي طالت حواسيب وأنظمة شركة سوني في الولايات المتحدة في واحدة من كبرى عمليات القرصنة التي تمت فصولها أواخر العام الماضي فضلا عن العديد من بيانات الإدانة والشجب التي صدرت عن كوريا الشمالية على أعلى المستويات مستنكرة الفيلم والسخرية بل والإهانة التي ألحقها بالزعيم الكوري وشعبه ورموزه مخلفا استياء عارما وعده عملا من أعمال الإرهاب تضاف إلى سجل الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وغيرها كما ورد في بيانات المسؤولين الكوريين الشماليين ومما تناقلته وسائل الإعلام بعد تصاعد الأزمة ابتداء من منتصف العام الماضي الأمر الذي دفع سوني إلى إيقاف عرض الفيلم والاكتفاء ببيعه إلكترونيا عبر الإنترنت ثم ليتم إطلاقه لاحقا في الصالات .
هي إذن كوميديا سياسية ساخرة تضاف إلى سجل طويل من هذا النوع في تاريخ السينما الأمريكية ، سنتذكر أفلاما مثل : الحصان الأسود من إخراج ألفريد جرين / 1932 و حساء البط إخراج ليو ماك كاري / 1933 ، الملك في نيويورك إخراج تشارلي تشابلن / 1957 ، واحد اثنان ثلاثة إخراج بيلي وايلدر/ 1961 ، الدكتور سترانغيلوف ، إخراج ستانلي كيوبريك / 1964 ، ناشفيل للمخرج روبرت التمان / 1975 ، أن تكون هناك للمخرج بيل آشبي 1979 ، المميز للمخرج جوناثان لين / 1992 ، الرئيس الأمريكي للمخرج روب رينير / 1995 ، واغ الكلب للمخرج باري ليفنسون / 1997 ، حرب تشارلي ويلسون 2007 وغيرها من الأفلام التي مزجت السياسية بالكوميديا بالسخرية .
هنا سنجد في فيلم المقابلة شحنة أكبر من النقد اللاذع والسخرية المريرة في حق رئيس كوريا الشمالية ونظامه.
يتحدث الفيلم عن فريق عمل لبرنامج تلفزيوني فكاهي من نوع – توك شو – ذائع الصيت ويتمتع بشعبية كبيرة في داخل الولايات المتحدة تحت اسم ( سكايلارك هذه الليلة ) وهو برنامج يقتفي أثر الشائعات وقصص النجوم والمشاهير ومغامراتهم وهاهم يحتفلون بالحلقة الرقم 1000 ليكشفوا عن سر هو أن المغني الشهير ( إيمينيم ) ليس إلا مثليا ، وعلى هذا المستوى من القفشات يمضون ليكتشفوا أن الرئيس الكوري الشمالي ” كيم جونغ آن” شخصيا هو من متابعي البرنامج ويبدي رغبته في لقاء مقدمه ” ديف سكايلارك ” – الممثل جيمس فرانكو – وزميله المخرج آرون – الممثل ومخرج الفيلم أيضا ( سوث روغين ) ، ويجري ترتيب لقاء مع الشخص المسؤول عن الدعاية والإعلام في الرئاسة الكورية الشمالية وذلك في الصين .
![]() |
ملصق فيلم المقابلة
|
خلال ذلك تدخل المخابرات المركزية الامريكية ( سي آي أي ) وتلتقي ديف وآرون وتقنعهما ان يقوما باغتيال الرئيس الكوري وذلك من خلال لصقة صغيرة في باطن الكف ملوثة بسم الريسين أثناء المصافحة وهو السم الذي يسري بالتدريج وببطء في الجسم لينتهي بالإنسان إلى الموت .
يصل فريق العمل إلى الأراضي الكورية ويقابلهما الفريق الأمني للرئيس الذي يكتشف لصقة السم تلك ظانا انها قطعة من العلكة فيمضغها احد الحراس مما سيؤدي إلى موته لاحقا ويتسبب في حزن شديد لدى الرئيس ونوبات بكاء عليه تنتاب الجميع في مشهد مليئ بالكوميديا. تتوطد الصداقة بين ديف وبين الرئيس
(يؤدي الدور الممثل راندال بارك ) ، ويمضيان أوقاتا جميلة في اكتشاف الحياة الكورية كقيادة الدبابة واكتشاف أن الرئيس وزوجته يحبان سماع بعض الأغاني الأمريكية ثم لتنتهي رحلة اليوم في حفلة باذخة من الشراب والرقص والصداقة الحميمية مع ديف وعلى أثرها يقرر التخلي عن فكرة اغتيال الرئيس لانه ليس شريرا كما يشيع الإعلام الغربي وأنه باختصار رجل طيب وجد نفسه في وضع سيء .
لكن وهو يناقش الرئيس عن أوضاع شعبه الذي يعاني من الجوع كما يشاع ، يخبره الرئيس أن تلك ما هي إلا اشاعات وأن المخازن تكتظ بالمواد الغذائية والدليل ذلك الطفل السمين الواقف أمام المحل المكتظ بالبضائع .
يتسلل ديف ليلا إلى ذلك المخزن ليكتشف أن المعروض ماهو إلا بضاعة مزيفة ، الفواكه والخضار وحتى الطفل السمين كلها مزيفة في إطار الدعاية للنظام .
يسأل ديف الرئيس هل حقا هو رئيس وإله كما يشيع شعبه وأن جسمه لايؤدي الوظائف الحيوية فلايذهب إلى الحمام مثلا كباقي البشر كما ينظر إليه شعبه وعن الجوع والخوف وما إلى ذلك وأن كثيرا من الناس يتهمونه بالجنون فيجيب الرئيس بأنه يشعر أحيانا وكأنه كيس بلاستيكي يطير في الهواء وأن الناس ليسوا مخطئين في وصفهم أنه مجنون لأن الشعب هو الذي تسبب في إصابته بالجنون فهناك 24 مليون انسان يرون أنه قائد ملهم ، وأن والده أخبره أنه لايصلح للقيادة لأن فيه وفي إخوته صفات أنثوية بسبب الترف ، وهكذا يرسم الفيلم صورة كاريكاتورية للرئيس وذلك في خلال الاستعداد للمقابلة التلفزيونية التي مازال الإعلان عنها جاريا في الولايات المتحدة على أنها الحدث الأهم إعلاميا من رجل ما انفك يهدد الساحل الغربي للولايات المتحدة بالقصف بالصواريخ النووية.
في خلال ذلك تقدم ” سوك ” ( الممثلة ديانا بانغ) التي ترأس فريق الدعاية في مكتب الرئيس تقدم خطة المقابلة ونوع الأسئلة التي يجب أن تسأل للرئيس وتجري جلسات عمل مع المخرج آرون وسرعان ماتنجذب إليه وتكتشف من خلال حوار بينه وبين ديف أنهما يخططان لاغتيال الرئيس بالسم لكنها تخبرهما أن ذلك غير مفيد لا لكوريا ولا للولايات المتحدة لأنه اذا تم اغتياله فسيحل محله شخص من عائلته أو من قياداته ولن يتغير شيء ، فالحل الأفضل هو الخروج عن الأسئلة التي ستعطى رسميا وإحراج الرئيس بانتهاكاته المروعة وتجويع شعبه وذلك على الهواء مباشرة .
![]() |
يجري تنفيذ الخطة بدقة، ويصدم الأمريكيون في البداية من طابع الاسئلة التي ماهي إلا تمجيد لشخص الرئيس الكوري الذي يندفع في نوبة عاطفية وبكائية في قوله ” إنني اعيش حياة وحيدة وأفتقد الانسان الذي يدفئ قلبي وأكون معه على سجيتي ” لكن ديف يباغت الرئيس بسلسة من الاسئلة الصادمة التي تتعلق بتجويع شعبه وكم ينفق على ترسانته النووية وحيث إن هنالك 200 ألف شخص رهن الاعتقال و 16 مليونا يعانون من سوء التغذية وغيرها من الحقائق ، في أثناء ذلك وفي استديوهات البث تقع مصادمة بين فريق الرئيس من جهة وبين سوك وآرون من جهة أخرى بسبب إصرار الأخيرين على البث المباشر للمقابلة للرأي العام الكوري مباشرة.
ينتفض الرئيس فجأة وينفعل ويرفض الإجابة على تلك الأسئلة ويصفها بأنها مجرد دعاية أمريكية عدوانية ورخيصة ضده وضد شعبه لتنتهي المقابلة بقيام الرئيس بإطلاق الرصاص على ديف على الهواء مباشرة لكن مالم يكن متوقعا أن ديف كان مرتديا سترة واقية من الرصاص ويهرب الاثنان ليلاحقهما حراس الرئيس ثم ليختبئوا في دبابة ليلاحقهم الرئيس بطائرة مروحية لكنهم ينجحون في إطلاق قذيفة تدمر طائرة الرئيس ومقتله وإعلان سوك رئيسة انتقالية للبلاد وتمكن ديف وآرون من الهرب والنجاة .
يعج الفيلم بالمواقف الساخرة والكوميدية ويظهر الطاعة العمياء للقيادة الكورية لرئيسها ومن ذلك مشهد العشاء الذي ضم مساعدي الرئيس وقياداته الذي يختتم بقوله إنه مستعد لتدمير العالم بالقنابل الذرية لكي يثبت نفسه وصواب منهجه ، ثم في مشاهد أخرى يقدم الفيلم سلسلة من المفارقات بين الرئيس وديف التي تظهر كونه إنسانا هزيلا وضيق الأفق وانه مهووس بالسلطة لا أكثر ..
كوميديا سياسية غزيرة في تفصيلاتها ومليئة بالمواقف الساخرة والحوارات التي لايخلو بعضها من الكلمات والنكات النابية التي عج بها الفيلم والتي قدمت الطريقة الأمريكية في التفكير والحياة والتـآمر في مقابل الطريقة الكورية الشمالية لنختبر الطريقتين في ساعتين من المشاهد الهزلية التي أقضت مضاجع الكوريين الشماليين.