الدورة 65 لمهرجان برلين السينمائي
للعرب حصة وافرة وللمرأة نصيب أكبر
برلين – قيس قاسم

من المرات القليلة التي تحضر بها السينما العربية مهرجان برلين السينمائي بهذه القوة، وإذا كان حضورها مشهوداً له خلال سنوات “الربيع العربي” فإنه ظلّ مقتصراً في غالبيته على الوثائقية أما في الدورة الخامسة والستين فالروائية هي المتسيدة والتوزيع الجغرافي لنتاجها يغطي مساحة كبيرة من عالمنا العربي فمن لبنان هناك “إتش” الخيالي العلمي للزوجين رانيا عطية ودانييل غارسيا و”الوادي” لغسان سلهب و”ثمانية وعشرون ليلاً وبيت من الشعر” لأكرم الزعتري و”تاريخ المسيح” للمخرج الفرنسي الجزائري الأصل رباح عامر زعيميش ومن المغرب “البحر من ورائكم” للمخرج المميز هشام العسرلي فيما تحضر السينما الفلسطينية بـ “حب، سرقة ومشاكل أخرى” لمؤيد عليان و”20 مصافحة من أجل السلام” لصاحب الفيلم الوثائقي الجميل “عالم ليس لنا” مهدي فليفل. كما ستوفر الدورة لجمهورها فرصة مشاهدة الوثائقي العراقي “الأوديسا العراقية” للمخرج سمير، هذا عدا أفلام قصيرة كثيرة موزعة على أقسام المهرجان الرئيسية؛ “البانوراما” و”الفوروم” و”جيل”.
فيلم مؤيد عليان بالأسود والأبيض وموضوعه يعتمد على حبكة تشيخوفية من خلالها يقدم رؤيته لواقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بأسلوب ساخر عنوانه الرئيسي “الورطة” التي تتحمل الكثير من التبطين لموضوعات جدية يمكن هضمها وبخاصة للجمهور غير العربي من قناة الكوميديا، وهذا ربما يفسر لماذا كان استقبال جمهور “البرلينالة” له جيداً. حكايته “حب، سرقة ومشاكل أخرى” يختصرها العنوان ذاته ولكن المشكلات الأخرى لا حصر لها تطوق الفلسطيني أينما اتجه وعلى أي مستوى اجتماعي يكون، فالبطل الشاب لا ينتمي إلى حركات مسلحة فلسطينية ولا لطبقة مثقفة بل هو أقرب إلى “الصايع” المتهور ومع هذا لم ينجُ من ملاحقة المخابرات الإسرائيلية له بعد أن وجد نفسه متورطاً بسرقة سيارة سيتضح له لاحقاً أن في صندوقها الخلفي جندياً إسرائيلياً اختطفته إحدى المنظمات الفلسطينية من أجل تبديله بمجموعة من أسراها.
سيجد الشاب نفسه محشوراً بين قوتين متشددتين لا تقبل بتفسيراته وتلحّ كل منها على تعاونه معها. على هذا الحبل الدرامي اشتغل ولعب مؤيد عليان ليعبر عن صعوبة الوقوف في الوسط، فالصراع القاسي لا يسمح بأنصاف حلول ولهذا لا تجد فكرة الحيادية لها مكان مع أن الحياة كما يتناولها عليان في فيلمه فيها جوانب كثيرة مثل؛ الحب والسرقة والعلاقات الإنسانية السوية لكن المشاكل الأخرى وهي هنا سياسية بامتياز كثيراً ما تزيحها جانباً لتبقى هي الأبرز في تناقض مع طبيعة الحياة نفسها وهذة مفارقة ظلت موجودة طيلة زمن الشريط المستقل الاتجاه والذي يحاول التخلص من أسر الدعم من أي جهة كانت حتى لا تضاف للسينما والإبداع السينمائي الفلسطيني مشاكل أخرى فوق مشاكلها.

على مستوى موضوع “المرأة في الظروف القاسية” الذي تبنته الدورة وافتتحت أعمالها في الخامس من هذا الشهر بفيلم من صنع المخرجة الإسبانية إيزابيل كوزيت وعنوانه “لا أحد يريد الليل” الذي شكّل بحد ذاته حدثاً نادراً لم يتكرر إلا مرتين خلال عمر المهرجان الذي بلغ الخامسة والستين من العمر افتتحت دوراته فيها لمخرجات سينمائيات ـ فقد كرس المهرجان مجموعة أفلام أدرجت ضمن المسابقة الرسمية ظهر بشكل جيد خلال اليومين الأولين منها حيث عرض “ملكة الصحراء” للمخرج الألماني الكبير ويرنير هيرزوج ويجسد فيه شخصية “ميس بيل” المثيرة للجدل ضمن إطار تاريخي للشخصية وعلاقتها بمنطقتنا العربية التي لعبت فيها دوراً كبيراً بوصفها عالمة آثار وسياسية.
لعبت نيكول كيدمان دورها الذي أطر بمرحلة ما قبل نشاطها السياسي المباشر أي أن هيرزوج أراد الإحاطة بالجوانب العاطفية والاجتماعية من شخصيتها التي تعرّف العالم عليها عبر مذكراتها ورسائلها المتبادلة مع من عرفتهم وأثرّوا في حياتها دون الدخول في تفاصيل دورها في العراق التي أمضت فترة طويلة منها تسهم وتُخطِّط للسياسة الداخلية العراقية من خلف الكواليس معتمدة على قوة النفوذ الانكليزي في بدايات القرن العشرين وعلاقتهم بقادة المنطقة الذين قدمهم هيرزوج بشكل إيجابي وبروح محبة بعيدة عن النظرة الاستشراقية الجاهزة.

أما فيلم الافتتاح “لا أحد يريد الليل” للإسبانية إيزابيل كوزيت فتعود فيه إلى تجربة المُغامرة والمرأة الشجاعة جوزفين بيري التي أرادت إكمال اكتشاف زوجها لمنطقة غرينلاند المتجمدة عام 1908، وكيف أصرّت على شق نفس طريقه وسط أهوال القطب المتجمد بروح التحدي. لم تحسب جوزفين خطورة الرحلة التي لم يُقدِم عليها سوى حفنة من البشر اتسمّوا بالصبر والشجاعة والقدرة على تحمل ظروف مناخية شبة مستحيلة وكانت جوزفين واحدة منهم لكن الفيلم يتطرق إلى جانب إنساني وعاطفي يحاول أن يقرأ فيها الرحلة من زاوية أنثوية حين تطرق إلى علاقة زوجها بامرأة من سكان القطب تزوجها وكانت حين التقتها جوزفين حاملاً بطفل من الرجل الذي تشاركتا حبه.
مشكلة الفيلم هشاشة معالجة الموضوع بصرياً لدرحة بدا وكأنه مسطحاً منفذاً بوسائل سينمائية ضعيفة لم تفلح حتى ممثلة كبيرة مثل جولييت بينوتش في إنقاذه، إلى درجة طرح فيها قسم كبير من الحضور أسئلة عن جدوى افتتاح دورة كبيرة به إلى جانب ما أثارته أجوبة مخرجته في المؤتمر الصحفي على الأسئلة المطروحة عليها بطريقة عدائية لم تقنع الإعلاميين بالمبررات التي قدمتها لهم عن أسباب تناولها ومعالجتها لتجربة حقيقية كانت تحتاج المزيد من الخيال والتصوير الحاذق لينقل بإقناع قسوة الطبيعة على البشر ومقدار التضامن النسوي في مقاومته، بل والتغلب عليه.