لقاءات سينمائية تناقش علاقة علم النفس بالسينما
الجزيرة الوثائقية – بيروت

تواصل “مؤسسة آميل شاهين” لنشر الثقافة السينمائية ورش عملها للموسم الجاري مُركزّة على علاقة السينما بالنفس الإنسانية، وبعلم النفس، وذلك في مقرها في جامعة سيدة اللويزة اللبنانية. وقد أقامت آخر ورشة عمل تحت عنوان “السينما والطب النفسي”، وسبقتها بأولى تحت عنوان “السينما والتحليل النفسي”.
تجري الأعمال بإدارة رئيسة الجمعية الدكتورة روز ماري مسعد شاهين، ويشارك فيها طلاب وسينمائيون من مختلف الجامعات اللبنانية، ويتم فيها عرض فيلم أو أكثر، وتجري مناقشة الأبعاد النفسية لشخصياته، وأسباب الكثير من المظاهر أو المشاكل النفسية مثل جنون العظمة والهيستيريا والنرجسية واللا اجتماعية والرهاب والهوس وغيرها.
وشاهين هي دكتورة في فلسفة العلوم ومعالجة نفسية، تحدثت عن دوافع اللقاءات المتعلقة بالنفس، “عندما تبين نقص في برامج الفنون، خاصة لدى طلاب المسرح والسينما، في مادة علم النفس”، كما قالت.
وذكرت شاهين أن “المؤسسة قررت أن تقيم ورش عمل ثقافية سينمائية حول علاقة السينما بالعلوم، بالإضافة إلى نادي السينما الذي يوفر ثقافة سينمائية هامة، ومعمقة، ومن ضمن هذا التوجه، ننتقل حاليا إلى علاقة السينما بعلم النفس”.
شاهين أوضحت في حديث إلى “الجزيرة الوثائقية” أن “اللقاءات (الورش)، يحضرها متخرجون من جامعات مختلفة، وينمون بواسطتها ثقافتهم، ونبدأ بتوزيع نصوص عن بعض المفاهيم التي ليست بمتناول من لم يدرس علم النفس قبلا. وفي اللقاء الأول أخذنا نموذجا من فيلم هوليوودي عن “فرويد”، وكتب السيناريو جان بول سارتر، الفيلسوف المتعمق بالفكر الفرويدي، والفيلم هو قصة فرويد، وما قدمناه على الورق، قارنّاه بما نكتشفه في الفيلم، واطلّع الطلاب على كيفية اكتشاف فرويد للمنهج، وكيف اتبعه، وكيف طبق التحليل النفسي على ذاته أولا، ثم رأينا بعض المرضى الذين عالجهم، وكيف حلل أحلامهم”.

وتابعت ذاكرة أنه “تم عرض فيلم ثان عن عقدة الذنب، وما ينجم عنها مثل فقدان الذاكرة كآلية نفسية حتى لا يتذكر المرء ما الذي فعله”.
في هذا الإطار اعتمد اللقاء فيلما لألفرد هيتشكوك بعنوان “منزل الدكتور إدوارد”، من إنتاج عام 1945، والمكان هو مصحّ للمجانين.
تعلق شاهين على سبب اختيار هيتشكوك لأنه “عندما ظهرت الثورة الفرويدية جذبت الفنانين والكتاب والمفكرين، وجاء الفيلم بعد 35 سنة من اكتشاف مفهوم “اللاوعي”، وصار التحليل النفسي يعطي نتائج هامة عالميا”.
ورأت أن “هيتشكوك أراد وضع الفيلم عن التحليل النفسي مستعينا بسيلفادور دالي، أبرز شخصيات السوريالية الذي أثر كثيرا في الفكر الفرويدي، واعتقد السورياليون أن فرويد اكتشف الماورائيات، وميتافيزياء الفن، لأن الفنان يجرب التعبير عن ذاته، وكان يعبر بذلك عن واقع خارجي”.
لكن فرويد، بحسب شاهين، رأى أن “الانسان يستطيع أن يُعبر عن شيء داخلي الذي عرفّه باللاوعي، وفرويد أعطى مفاتيح التعبير بهذا الإطار في كتابه عن تحليل الأحلام المرتكز على رموز. وصار الفنانون يستعينون بالرموز التي كان يفسرها فرويد للأحلام كي يرسموها”.
شارك نحو خمسين شخصا بالورشة الأولى، والورشة الثانية كان عنوانها “السينما والطب النفسي”، وتحدثت شاهين عن ارتكاز اللقاءات على الطب النفسي الأميركي الذي يصدر كل عقدين كتابا، ويسمونه DSM، وآخر إصدار كان DSM5، وهو يعطي وصفا لاضطرابات الشخصية.
وأوضحت شاهين أن “هناك تصنيف لـ 16 شخصية، نحن أخذنا منها 6 من الأكثر ظهورا في عالم السينما، مثل الشخصية العظمية، والهستيرية والمعادية الاجتماعية (عصابات خارجة عن المجتمع ومنعزلة في الغابات مثلا)، النرجسية التي تكبر صورتها للأنا، والشخصية الرهابية التجنبية، الشخصية المتلونة”، مضيفة: “اعتمدنا في اللقاء الثاني فيلم “سيبيل”.
والفيلم ينقل قصة واقعية كتبتها فلورا ريتا شرايبر عن فتاة واحدة لكن بـ 16 شخصية مركبة، أنتجت القصة فيلما سنة 1976، ثم عملا تلفزيونيا سنة 2007.

بعد إنتاجه بسنتين، تقول شاهين إنه “ظهرت فيه الحالة المرضية التي تجسد عدة شخصيات لدى شخص، ونقل الحالة الكتاب الثالث DSM3، وهي مختلفة عن الفصام، والانفصام الشخصي”.
وقالت شاهين إن “سيبيل” هي شخصية الوعي، وكل الشخصيات الأخرى هي اللاوعي. شخصيتها متمردة في التاسعة من عمرها، وكانت تخاف أن تواجه والدتها، ماتت الأم لكنها لا تستطيع ان تعترف بذلك”.
استغرق نقاش القصة فترة طويلة من اللقاء نظرا لشدة تعقيدها مما أدى إلى اقتصار اللقاء على هذا الفيلم.
تلفت شاهين إلى أن فيلم “سيبيل” “احتوى عناصر نفسية متعددة منها تفسير الأحلام، ومنها العلاج بالكلام، والرجوع بالذاكرة إلى الوراء، وعندما وضعت القصة، لم يكن الطب النفسي متطورا، ونتيجة لهذا الفيلم تبنّت مؤسسة الطب النفسي الأميركية فكرة تعدد الشخصيات”.
شارك بالورشة الثانية خمسون شخصا أيضا، من مختلف الجامعات، ومن طلاب علم النفس، ومتخرجون.
أما اليوم الثالث فسيكون برنامجه تحليل المخرج من خلال أعماله، وترجح شاهين أن “يتمحور العمل على فيلم لإنغمار برغمان المتأثر بفلسفة سارتر الوجودية”.
ولفتت شاهين إلى نادي السينما الذي ترعاه مؤسستها، وهو انطلق منذ 12 سنة صيفا شتاء، وقد اعتاد صاحب المؤسسة آميل شاهين تقديم عرض عن الفيلم قبل مناقشته، ويتواصل النادي في عروضه ونقاشاته من دون انقطاع.
روز ماري شاهين أستاذة علم النفس والفلسفة في الجامعات اللبنانية، وتُدرّس مادة علم النفس في الفنون لطلاب المسرح، ولا تزال تدرس مادة اختصاصها الجامعي، إلى جانب فريق من المتخصصين والمهتمين، لتطوير المؤسسة، وتوسيع عطاءاتها لتطوير السينما في لبنان.