مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية
أمــل الجمـل

من على أرض مدينة “طيبة”، تلك المدينة التي وصفها الشاعر الإغريقي هوميروس في الإلياذة بأنها مدينة “المئة باب”، مثلما لُقبت بأسماء أخرى عديدة منها: “مدينة الشمس”، و”مدينة النور”، و”مدينة الصولجان”، ثم أطلق عليها العرب اسم “الأقصر” وهو جمع الجمع لكلمة قصر لأن المدينة كانت تحتوي على كثير من قصور الفراعنة. من هنا، من معبد الكرنك المشيد بمدينة طيبة، ومن قلب مدينة الشمس التي تحتوي على ثلث آثار العالم تجري وقائع حفل افتتاح المهرجان الأول في مصر الذي يهتم بسينما اللؤلؤة السوداء. إنه مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في دورته الرابعة، والذي تُصمّم جوائزه على هيئة قناع “توت عنخ آمون” أحد أشهر ملوك الفراعنة.
“يشارك في المهرجان هذا العام 31 دولة إفريقية سواء بعروض أفلام أو مشاركة في لجان التحكيم والورش والندوات، بالإضافة إلى مشاركة 10 دول من خارج القارة السمراء في مسابقة أفلام الحريات “الحسيني أبوضيف” والإنتاج المشترك مع الدول الأفريقية. ستشهد الدورة الرابعة عرض 86 فيلما، وحضور 100 ضيف إفريقي وأوروبي و40 من دارسي السينما بالقارة الإفريقية خصوصاً بعد مناقشات مطولة دارت حول فرص مشاركة الطلاب الأفارقة الوافدين في فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية للتعرف على الاتجاهات السينمائية المختلفة في القارة السمراء.
في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة تشارك أفلام أرض الأمل “السنغال” ولا شيء حلو “رواندا” وبيتي وعمار “إثيوبيا” وإطار الليل “المغرب” وران “كوت ديفوار” وبيلا “مالاوي” والوهراني “الجزائر” وأول أكتوبر “نيجيريا” وإيف “بوركينا فاسو”، أما مصر فتشارك في المسابقة الروائية الطويلة بفيلم “الفيل الأزرق” لمروان وحيد حامد. والذي يعد من أكثر الأفلام المصرية التي حققت إيرادات في الفترة الأخيرة، وهو مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب أحمد مراد، الذي كتب السيناريو والحوار، والفيلم من إخراج مروان حامد وبطولة كريم عبدالعزيز وخالد الصاوي ونيللي كريم.

وفي مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة تشارك أفلام امتحان الدبلوم “الكونغو” وطريقة مدغشقر “مدغشقر” وكلمة واحدة “السنغال” وحكمة المعاناة “بنين” وممر الحرية “ناميبيا” وجاي الزمان “مصر” وسقوط عمال المنجم “جنوب إفريقيا” وعلى هذه الأرض “تونس” ومعركة امرأة “الكونغو” وإيقاعات أنطونوف “السودان”.
أما مسابقة أفلام الحريات التي تحمل اسم شهيد الصحافة المصرية “الحسيني أبو ضيف” وتسمح اللائحة بمشاركة أفلام بها من خارج القارة، فتضم أفلام، حلم شهرزاد “جنوب إفريقيا” والحياة فيما بعد “رواندا” والبحث عن فيلا “نيجيريا” والثمن الأغلى “نيجيريا” وقصتنا “تنزانيا” ووتربرج إلى ووتبرج “ناميبيا” وموج “مصر” والشيخ عبد القادر “الجزائر” والمطلوبون 18 “فلسطين” و بعد 11 سبتمبر “كندا” والمعجزة الملعونة “جنوب إفريقيا” وتمبكتو “موريتانيا”.
من المعروف أن جائزة “الشهيد الحسيني أبو ضيف لأفلام الحريات والثورات كانت قد استحدثت في الدورة الثانية للمهرجان باسم الصحفي المصري الذي قُتل في ديسمبر 2013 وهو يؤدي عمله بالقرب من القصر الجمهوري الذي شهد محيطه اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للرئيس محمد مرسي. وكان المهرجان في تلك الدورة – الثانية – قد خصّص أيضاً قسما لأفلام التحرر في قارة إفريقيا، وتم إهداؤه إلى روح نلسون مانديلا، وعرض خلاله فيلم “الطريق الطويل إلي الحرية” عن مسيرة مانديلا الإنسانية والنضالية، إلى جانب عدد من الأفلام التي أنتجت على مدار العقود الثلاثة الماضية وتناولت حركات التحرر الوطني وزعماء القارة ومنها ناصر 56، ثورة الجزائر، وعمر المختار، وغيرها، كما خصص المهرجان ندوته الرئيسية حول أفلام التحرر في إفريقيا.
لجان التحكيم
تضم لجان التحكيم نخبة من السينمائيين الأفارقة والمصريين الذي يمثلون مدارس فنية مختلفة، ويعبرون عن أغلب الاتجاهات السينمائية في القارة السمراء. وتتكون لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة من المخرج تميتي بصوري من كوت ديفوار، والكاتب والناقد يماني ديميسي من إثيوبيا، والمخرج سعيد حامد من السودان، والمخرجة فانتا ريجينا من بوركينا فاسو، والفنانة منة شلبي من مصر، فيما تضم لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة الكاتبة والمنتجة درة بوشوشة من تونس، والمخرج سيدي فسارا ديابيتي من مالي، والمخرج مجدي أحمد علي ومدير التصوير محمد شفيق والسيناريست مدحت العدل من مصر.
تضم لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة النجم العالمي الإفريقي الأصل إريك إبواني، الذي قام بدور الزعيم (لومومبا) في الفيلم العالمي الشهير، والمخرج جويل كاركيزي من رواندا، والمخرج باسك إميل من الكاميرون، ومدير التصوير زكي عارف، والمخرج سعد هنداوي من مصر، أما مسابقة أفلام الحريات التي تحمل اسم شهيد الصحافة الحسيني أبو ضيف، والتي تقدم لأول مرة جائزة من آرت ووتش قدرها 1500 دولار أمريكي بالتعاون مع شبكة أرتيريال ، فتضم لجنة تحكيمها الناقد بيتر رورفيك من جنوب إفريقيا، والمخرج عبد الله ديالو من السنغال، والمنتجة ماريان خوري، والناقد طارق الشناوي، والكاتب سعد القرش من مصر .

بدأت فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان بالورش السينمائية لـ 25 من شباب السينمائيين من القارة السمراء يوم 10 مارس الحالي والتي سوف تستمر حتى نهاية المهرجان بقيادة المخرج العالمي هايلي جريما. لكن فعاليات الافتتاح الرسمي بدأت منذ صباح يوم 16 مارس الحالي “بعرض كرنفالي في النيل وشوارع ومعابد مدينة الأقصر” بحضور عدد من الوزراء وأهالي المدينة. وفي المساء جرت وقائع حفل الافتتاح.
تمبكتو
“تمبكتو” للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو والحائز على جائزة سيزار التي توازي في فرنسا جوائز الأوسكار، هو فيلم افتتاح مهرجان الأقصر الإفريقي في دورته الرابعة 16- 21 مارس. وإدارة المهرجان اختارته لأن أحداثه تتناول قضية مهمة تمس كل إفريقيا والعالم في الوقت الحالي.. وهى قضايا الفكر الديني المتشدد، فالعمل مأخوذ عن وقائع حقيقية في عدد من دول إفريقيا جنوبي الصحراء التي أصبحت تعاني من سيطرة الفكر المتطرف. صُورت الأحداث في الصحارى الشرقية لموريتانيا بالقرب من الحدود مع مالي، وحظي الفيلم، الذي كتبه سيساكو وكيسن تال بتقدير عالمي، ونال نحو 10 جوائز في مهرجانات مختلفة من بينها جائزتين من مهرجان كان 2014 ، وفاز الشهر الماضي بسبع جوائز من مهرجان سيزار، ومنها جائزة أفضل فيلم، إلا أنه لم ينجح في الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. جدير بالذكر أن مخرج تمبكتو عبد الرحمن سيساكو اختارته إدارة مهرجان كان السينمائي الدولي لرئاسة لجنة تحكيم مسابقة ا?فلام الروائية القصيرة ومسابقة سينيفونداسيو “Cinéfondation” في الدورة المقبلة، والتي تحمل رقم 68.
إهداءات سابقة وحالية

كان المهرجان في عامه الأول قد أهدى الدورة إلى اسمي كلٍّ من التونسي الطاهر شريعة (1927-2010) مؤسس مهرجان أيام قرطاج السينمائية عام 1966، وإلى روح المخرج المصري عاطف الطيّب الكاشف (1947-1996) والذي أخرج أفلاماً بارزة منها: “سواق الأتوبيس” و”الحب فوق هضبة الهرم” و”الهروب” و”البريء”. ثم أهدى المهرجان دورته الثالثة إلى روح كل من المخرج المصري الراحل شادي عبد السلام والمخرج السنغالي الراحل عثمان سمبيين. كما احتفى المهرجان بأيقونة تحرر إفريقيا ورمز نضالها ضد العنصرية الراحل العظيم “نيلسون مانديلا” لذلك اختار المهرجان أن يكون تصميم البوستر متمثل في صورة لخريطة القارة الأفريقية من خلال وجه الزعيم الجنوب إفريقي الراحل مانديلا.
أما الدورة الرابعة فتم إهداءها بالكامل لاسم الفنان الراحل خالد صالح وسيتم عرض عدد من أفلامه وتنظيم ندوة بالإضافة لكتاب عن حياته من إعداد طارق الشناوي بعنوان “خالد صالح كان في الأصل حلواني” ومن المنتظر أن تعقد ندوة رئيسية تحت عنوان (خالد صالح آخر حلقات التمثيل في مصر) تتحدث عن أدائه ومناهج التمثيل في أدواره. وفيما يتعلق بالكتب أيضاً يعيد المهرجان إصدار كتاب الناقد (علي أبو شادي) والذي يحمل عنوان (وقائع السينما المصرية).
تقديمة عن المؤسسة
يُعتبر مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية أحد أهم مشروعات مؤسسة شباب الفنانين المستقلين. وقد كانت فكرة المهرجان للسيناريست سيد فؤاد نتيجة الغياب التام للفيلم الإفريقي في مصر بالإضافة إلى افتقار محافظة الأقصر لأي أنشطة ثقافية وفنية على مدار العام، فكان لابد من كسر مركزية الفنون ونقلها من القاهرة والإسكندرية إلى مدينة الأقصر الساحرة.. أما الجهات القائمة على دعم فعاليات المهرجان فتتمثل في كل من وزارات الثقافة والسياحة والشباب والرياضة والخارجية ونقابة المهن السينمائية بالتعاون مع محافظة الأقصر.
“ستيب”
منذ ختام الدورة الثانية للمهرجان، ونتيجة لوجود عدد كبير من الأفلام المتقدمة للمشاركة في المسابقة الطويلة أعلن مُنظمو الأقصر للسينما الإفريقية أنه منذ الدورة التالية سيتم تقسيم مسابقة الأفلام الطويلة إلى مسابقتين، إحداهما للأفلام الروائية والثانية للأفلام الوثائقية، وفي الدورة الثالثة أيضا قررت إدارة المهرجان تخصيص جائزة باسم المخرج الشاب “محمد رمضان”، الذي رحل في مأساة تجمُّد الشباب في سانت كاترين، والجائزة تقدمها نقابة السينمائيين، كما قرر المهرجان إهداء بانوراما شباب السينمائيين المستقلين التي أقيمت ضمن فعاليات الدورة الثالثة إلي روح “رمضان”.
أما في الدورة الرابعة فتم استحداث برنامج Step “ستيب” لدعم الأفلام الروائية الطويلة الإفريقية خاصة الفيلم الروائي الطويل الأول أو الثاني لمخرجه.وأعلنت “عزة الحسيني” مدير صندوق اتصال أن لجنة التحكيم سوف تختار في النهاية 3 مشاريع لدعمها بمبلغ 5000 دولار لمرحلة الإعداد والتحضير للإنتاج، وسوف تعلن النتائج في ختام المهرجان. تقدم لهذه المسابقة 14 مشروعًا مختلفًا من 8 دول إفريقية هي ( ناميبيا ورواندا وساحل العاج، مدغشقر، مصر، إثيوبيا، المغرب، نيجيريا) وقررت لجنة التحكيم فوز 5 مشاريع بدعم ورشة التطوير مع الخبيرة الفرنسية “إيزابيل فوفيل”.

المشاريع هي أفلام، تسعة حروف “للمخرجة “فيلبرب مبازى” من رواندا، وديسكو أفريقيا” للمخرج “لاك رازاناجاونا” من مدغشقر، ورحمة الغابة للمخرج “جويل كاريكيزى” من رواندا، وتاريخ البداية للمخرج “ياسر شفيعى” من مصر، والتحية الأخيرة لمحرك العرائس للمخرجة “نيرمين سالم” من مصر.
ضيف شرف
في الدورة الثانية كانت مالي هي ضيف شرف المهرجان، في حين تم اختيار السينما السنغالية ضيف الشرف الدورة الثالثة. أما الدورة الحالية فتم اختيار بوركينا فاسو لتكون ضيف شرف المهرجان. يذكر أن بوركينا فاسو تنظم مهرجان فيسباكو العريق الذي تجاوز عمره الـ48 عاما عقد خلالها أربع وعشرون دورة حيث يقام كل عامين. ومن المعروف أن زيارات متبادلة من البلدين قد تمت في فترة سابقة، حيث زار وفد مهرجان “فيسباكو” للسينما الإفريقية مصر لتوقيع بروتوكول تعاون مع مهرجان الأقصر للتعاون وتبادل الخبرات، وقد اختار وفد “فيسباكو” مصر ضيف شرف دورته الماضية رقم 24، وربما لذلك أيضاً قررت إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية اعتبار بوركينا فاسو ضيف شرف الدورة الرابعة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية والمنعقدة في الفترة من 16 إلى 21 مارس الجاري.
في دورته الأولى قام المهرجان بتكريم اثنين من كبار المخرجين في القارة الإفريقية هما المخرج المصري داود عبد السيد والمخرج الإثيوبي هايلي جريما. وفي دورته الثانية كرّم كلاً من المخرج المالي سليمان سيسيه “رائد السينما الإفريقية”، ومن نيجيريا مصطفي الحسن رائد الرسوم المتحركة في إفريقيا. ومن مصر تم تكريم الفنانة يُسرا والناقد السنيمائي سمير فريد. ومخرجة الرسوم المتحركة شويكار خليفة. أما في دورته الثالثة قام المهرجان بتكريم النجم المصري محمود عبد العزيز، والمخرج التشادي الكبير محمد صالح هارون.
وهذا العام، في الدورة الرابعة التي ننقل لكم بدء فعالياتها حاليا فيكَّرم المهرجان المخرج الإفريقي الكبير أدريسا واد راجو، من بوركينافاسو، والحاصل على جائزتين من مهرجان كان، وجائزة من مهرجان برلين. ومن مصر سيكرم الفنانة ليلى علوي والمخرج المصري خالد يوسف.