“الجزائر إلى الأبد”
ضاوية خليفة

لم يكن يتصور المنتج الجزائري “زكريا رمضان” وهو يودِّع سيناريو فيلمه “أبواب الشمس، الجزائر إلى الأبد” بوزارة الثقافة سنة 2013 أن يقابل بالرفض، ولم يكن يتوقع أحد إلا من آمن به ووثق بموهبته أن العمل سيُنجز ويعرض بالقاعات ويزداد الطلب عليه من قبل العديد من المنتجين والموزعين عبر العالم، فبعد الشروع في الخطوات الجدية لم يكن التراجع ولا توقيف التصوير الحل الأنسب واللائق، وهو ما دفع المنتج الشاب للبحث عن مصادر تمويل لفيلمه الخيالي الطويل من نوع الأكشن بعدما خذلته الوزارة الوصية ولم يشفع له لا الطرح ولا الموضوع الذي قدمه، حتى وإن بدا فيه مدافعا عن وطنه وخادما أمينا له، مستشهدا في بعض اللقطات بصور وخطابات الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” التي لم تخدمه أيضا للحصول على الدعم المطلوب والمستحق، فهل كل هذه التفاصيل ستجعل القائمين على قطاع الثقافة وأصحاب القرار يتداركون الموقف ويساهمون في دعم مشاريع الشباب وتحقيق طموحهم مستقبلا؟
تحقق الحلم، وانتصر الوطن
غاب التمويل، وحضرت الإرادة وانطلق التصوير صيف 2013 مع فريق متعدد الجنسيات (الجزائر، فرنسا، تايلند، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية)، استمر العمل والتدريب على الحركات القتالية من شهرين إلى ثلاث أشهر مع مدربين محترفين، وجاء الملاكم العالمي “مايك تايسون” من أمريكا إلى وهران للشروع في تصوير المشاهد الخاصة به، وبدأ المخرج الفرنسي “جون مارك مينيو” في بناء قصة بطله “جواد” (زكريا رمضان) وهو شاب جزائري يعمل في صفوف الأمن مكلف بمهمة وطنية خاصة، وهي مراقبة وتفكيك نشاط عصابة إجرامية يقودها “سليمان” (إسماعيل فيروز) المتشبع بالفكر الاستعماري والراغب في الانتقام من الجزائر بتأسيس منظمة سرية تسير وفق أجندة خاصة وتسعى لتنفيذ مخططات إرهابية.

ويبدأ تتبعه لتحركات العصابة من علبة ليلية شكّلت نقطة نزاع بين سليمان وصاحبها عمار (عبد القادر جريو) الذي يرفض التنازل عنها رغم الضغوطات والديون المتراكمة عليه، وكأن تلك العلبة هي الجزائر التي لا تزال عين الفرنسيين والكثيرين عليها، والمشهد الذي يقوم فيه “جواد” بتطهير المكان من العناصر المحسوبة على العصابة يرمز إلى ضرورة تطهير البلد من هؤلاء، فإلى جانب النشاطات غير الشرعية التي تقوم بها، تُقدِم جماعة “سليمان” بمساعدة “صانيا” (لوري باستر) على اختطاف رعايا ومسؤولين أجانب، مما استدعى تدخل قوات أمنية خاصة، وبعد المواجهة وتبادل إطلاق النار يُخلص الأمن الوفد الدبلوماسي المحتجز بقلعة “سانتا كروز” (وهران) ويرفع هناك العلم الجزائري، ويتأكد أن انتصار الشباب وقوات الأمن هو انتصار للجزائر على كل من يتربص بها ويسعى لزعزعة استقرارها، وفي نهاية القصة يتضح للمشاهد السبب الذي جعل “جون مارك مينيو” يفتتح الفيلم بلقطات أرشيفية لمنظمة الجيش السري الفرنسية التي نفذت منذ تأسيسها في 1961 ما يزيد عن 2000 انفجار واغتالت أكثر من 700 جزائري في ظرف قياسي وكان شعارها “الجزائر فرنسية وستبقى فرنسية”، نفس المنظمة التي كان يخطط “سليمان” قبل أن يلقى حتفه لإعادة تفعيلها من جديد واسترجاع أمجاد فرنسا، حيث أظهره المخرج في أحد المشاهد منصتا إلى خطابات الجنرال “شارل ديغول”.
لقاء الأجيال وبطولات الشباب
أراد المخرج “جون مارك مينيو” أن يُبطل مفعول بعض الأفكار الخاطئة والسائدة لدى الكثير والمقصود هنا الغرب خاصة عن الإنسان العربي، المغاربي والجزائري بالتحديد، حيث سعى لاستبدال صورة الإرهابي بالبطل على طريقة “جيمس بوند”، فعمد لإظهار شباب الجزائر بصفة الأبطال المدافعين عن وطنهم والغيورين عليه من خلال شخصية “جواد” وآخرون، يقول مينيو: “بالجزائر أبطال كثر خدموا الوطن وأفنوا شبابهم ليحيا ويستقر، وهذا العمل ليس سوى اعتراف بسيط وتكريم للجيل الجديد منهم، كم أتمنى أن يرى كل شاب نفسه فيه ويفخر بما قدم”، وبالمقابل حاول كاتب السيناريو والمخرج توعية الشباب المُغرّر بهم والذين وقعوا بشكل أو بأخر ضحايا العصابات التي تمارس كل الأنشطة المحظورة والممنوعة ضاربة بإنسانية البشر واستقرار الدول عرض الحائط.
كما أن للفيلم أكثر من قراءة، رسالة ومعنى، فمن خلال قصة وعلاقة “جواد” بـ “لينة” (صوفيا كونين) يعود الحديث عن الخيانة الموجودة بين أبناء الوطن الواحد، وقد ظهر ذلك جليا عندما حاول مساعدتها وتخليصها من قبضة “سليمان” دون علمه بأنها عشيقته، فإذا بها تقابله برصاصة في الظهر، بعد أن أقدمت على قتل عمها لأنه رفض مشاركة “سليمان” مخططه الهادف لضرب استقرار الجزائر، وفي ذلك إشارة بل دعوة إلى ضرورة توحيد الصفوف وكما يقال “احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة”، وفي سياق آخر تمكن المخرج من خلق توازن بين الجيلين، إذ لم يُسلِّط الضوء على جيل ويغفل الثاني، وقد استعان بخيرة الممثلين كالفرانكو جزائري إسماعيل فيروز، زكريا رمضان، عثمان بن داوود، أحمد بن عيسى، صوفيا كونين ومن فرنسا النجمة “لوري باستر”، والملاكم “باتريس كارتيرون” وآخرون، كما كشف المخرج عن إمكانية تصوير جزء ثاني في حال حقق الفيلم نجاح وانتشار واسع في الجزائر وباقي دول العالم، غير مستبعد فكرة اقتراحه على التلفزيون الجزائري ليعرض في شكل مسلسل.
“مايك تايسون” في “الجزائر إلى الأبد”

ظهور بطل العالم في الملاكمة الأمريكي “مايك تايسون” كان لدقائق فقط، لإعطاء الفيلم قيمة وصبغة عالمية تساعد في عملية التوزيع والتسويق، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لو تكرّر ظهوره في المشاهد الأخيرة التي اشتدّ فيها الصراع بين عصابة “سليمان” وقوات الأمن الجزائرية لتغيرت المعطيات ولكان المعنى تدخل أمريكي في الشؤون الداخلية للبلد، وفي سياق ذي صلة قال المنتج زكريا رمضان : “مايك تايسون” كان مجرد ضيف شرف، ووجوده أعطى الفيلم قيمة كبيرة، كل التقدير له لأنه وافق على دعوتنا وقبل مشاركة ممثلين جزائريين هذه التجربة الجديدة، فليس من السهل جلب أسماء عالمية كبيرة لتشاركنا عملنا الذي أُنجز بميزانية محدودة لم تتجاوز 4 ملايين دولار”.
استثمار في الشباب
أكدّ الممثل والمخرج الشاب “عبد القادر جريو” الذي يعيش هذه الأيام نجاحات متتالية في المسرح، التلفزيون والسينما، أن هذه التجربة ستضيف له الكثير خاصة وأن “الجزائر إلى الأبد” يعتبر أول فيلم جزائري من نوع الأكشن صُور وأُخرج بمقاييس فنية وعالمية عالية، كما اعترف “جريو” بصعوبة الدور وقوة الشخصية التي أدّاها كمسير لعلبة ليلية يتعرض لضغوطات من رئيس عصابة بسبب الديون التي عليه وفي نفس الوقت يعمل لصالح المخابرات الجزائرية، وبالمقابل يرى أن الفيلم الذي سيكون علامة فارقة في تاريخ السينما الجزائرية ومنتجه “زكريا رمضان” سيعطيان دعم قوي للشباب للتمسك بأحلامهم ومشاريعهم رغم كل العراقيل التي قد تواجههم.
يقول جريو في تصريح للجزيرة الوثائقية: “زكريا رمضان ظل يفكر ويدرس المشروع لأربع أو خمس سنوات ولما كلمني عن الموضوع لم أكن متيقنا بأن حلمه سيتحقق في ظل تلك المعطيات وبسبب رفض تمويل عمل ضخم ومهم كهذا، والآن نجح لأنه آمن بفكرته ووثق في قدراته، فمن الضروري أن ندافع عن أحلامنا واختياراتنا ونسعى لترجمتها في شكل فني جميل، وبفضل العمل والإرادة التقينا اليوم لنشاهد هذا العمل الفني المحترف المطلوب في أكثر من دولة”.

وبالمناسبة دعا “عبد القادر جريو” كل الوزارات لدعم هذه الأعمال التي تعكس الوجه الثقافي والحضاري والأمني للبلد، من وزارة الثقافة، إلى وزارة الداخلية والمجاهدين والدفاع الوطني، وحتى أصحاب المؤسسات الاقتصادية للاستثمار في قطاع السينما، يضيف :”الفيلم سيوزّع في كل مكان وسيشاهده أناس من جنسيات مختلفة، وسينقل صورة الجزائر التي باتت مستهدفة أكثر من أي وقت مضى، وما أحوجنا اليوم لأفلام جيدة تصحح الذهنيات المغلوطة، فالكثير من الدول باتت تتخذ من السينما سلاح تُمرِّر من خلاله الرسائل، توعي الشعوب وتدافع عن الوطن وسيادته، وفي النهاية “الجزائر إلى الأبد” هو بطاقة فنية عن الجزائر ومدينة وهران الساحلية التي أضحت قبلة سياحية بامتياز بفضل جمالها الطبيعي ومعالمها التاريخية، وهذا هو الوجه الذي يستحق أن نظهره للعالم”.
“أبواب الشمس، الجزائر إلى الأبد” مبرمج للعرض في 600 قاعة بالصين و 200 قاعة بفرنسا، ومن المرتقب توزيعه على أكثر من 30 دولة منها الهند، الولايات المتحدة الأمريكية، المغرب ومالي، وحاليا يعرض بالجزائر بقاعتي “ابن خلدون” بالعاصمة و”كوليزي” بوهران (18 – 29 مارس/ أذار)، في انتظار عرضه بولايات أخرى من الوطن، وتجدر الإشارة إلى أنه سُجل حضور كبير للجمهور في عروض الأيام الأولى.