(إطار الليل) يُضاء بالنجمة الكبرى في طنجة
المصطفى الصوفي

عاشت مدينة طنجة شمالي المغرب، طيلة تسعة أيام، من 20 إلى 28 من شهر فبراير الماضي، عرسا سينمائيا بامتياز، وذلك من خلال الاحتفال بالدورة السادسة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم، الذي يُعدّ كرنفالا سينمائيا سنويا، يتم فيه، تكريم الأعمال السينمائية الجديدة، سواء القصيرة منها أو الطويلة.
وخلال هذه الدورة، التي شهدت سلسلة من الأنشطة والفقرات الموازية، من تكريمات وندوات، ونقاشات مستفيضة للأفلام، تم تنظيم مسابقة رسمية للأفلام الطويلة والقصيرة، للتباري من أجل الظفر بإحدى جوائز المهرجان التي حكمتها لجنتين متخصصتين، وأرفعها الجائزة الكبرى.
وتقدم للمشاركة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة 15 شريطا، تم اختيارها من قبل لجنة اختيار من ضمن 30 شريطا، وهي فيلم (دالاس) لمحمد علي مجبود، و(الوشاح الأحمر) لمخرجه محمد اليونسي، و(الأوراق الميتة) لمخرجه يونس الركاب وغيرها.
أما بالنسبة للأفلام القصيرة فتقدم للمسابقة 15 فيلما كذلك، تم انتقاؤها من بين 54 شريطا قصيرا.
سحر الصورة وتعدد الهويات

وأسفرت نتائج مسابقة الأفلام الطويلة خلال اختتام فعاليات الدورة ليلة السبت الأخير، والتي أشرف عليها وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى الخالفي، عن فوز فيلم (إطار الليل) لمخرجته المغربية تالا حديد بالجائزة الكبرى، وهو الفيلم الذي لم تنصفه الدورة الأخيرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وذلك بعدم فوزه بأية جائزة.
ورأى العديد من المتتبعين والمهتمين خلال هذه الدورة، بأن لجنة تحكيم هذه المسابقة التي ترأسها الروائي المغربي محمد برادة، كانت موضوعية، وذلك بمنحها الجائزة الأولى لهذا الفيلم ذو المسحة الشاعرية والحالمة، والممتلئ بفيض من الصور والمشاهد الجمالية والمؤثرة، والذي قُدِّم للمتلقي بتقنية خاصة، تنبني في العمق على تكريم الهويات المختلفة والعادات والطقوس والتقاليد، التي تميز شخوص الفيلم كل واحد على حدة، ما منح للشريط بعده الجمالي والشاعري، كمكون حقيقي للفرجة السينمائية والبناء الحكائي والفيلمي، الذي تنهض عليه اللغة السينمائية لدى تالا حديد، والمفعمة بأسرار عوالم ثقافية وهويات متناقضة، لكنها تقدم ذلك الاختلاف الجميل لهوية أبطال الفيلم.
وقد حاولت تالا حديد وهي عراقية الأب، ومغربية الأم، أن تجمع في فيلمها كل هذه الهويات والثقافات، وذلك من خلال قيم ومبادئ أبطال الفيلم (عباس هجنة) الجزائري الأرجنيتي الذي يتاجر في تهريب الأطفال والرقيق الأبيض، ثم زكريا البطل الرئيسي عراقي الجذور، ومغربي النشأة، وبريطاني المولد، ثم الممثل الإنجليزي من أصل مصري خالد عبد الله.
من هنا استطاعت المخرجة تالا حديد، أن توظِّف كل تقنياتها الإبداعية، التي تتأسّس على سحر الصورة، وشاعرية الفضاء، استنادا إلى روعة شاعرية المكان لجاسطون باشلار كما ترجمها غالب هلسا، وذلك من أجل بناء عوالم فيلمية جميلة، تشكل مدخلا حقيقيا لمشاهد درامية ووحدات سردية، تتعانق وتداعيات وأحلام الشخصيات في الفيلم.
عمل مشترك بين المغرب وبريطانيا وقطر
وتدور أحداث الشريط، وهو عمل مشترك بين المغرب وبريطانيا وقطر، ومن تمثيل عدة وجوه شابة منها: خالد عبد الله، ماري جوزي كروز، فدوى بوجوان وغيرهم، حول شخصية عائشة (فدوى بوجواني)، الطفلة اليتيمة التي عُثر عليها وحيدة في غابات وسط المغرب، حيث اشتراها عباس الممثل الفرنسي الجزائري الأصل (حسين شوتري) من أجل بيعها لغني فرنسي مقابل 100 ألف يورو ربما لاستغلالها جنسيا، وهي القضية الأخرى التي فتحتها المخرجة في الفيلم، والمتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال، وما تطرحه هذه الإشكالية من أسئلة لدى الرأي العام الدولي، وكذلك لدى المنظمات والجمعيات التي تعنى بحقوق الإنسان.
في الفيلم الذي كتبته المخرجة وبرع في تصويره ألكسندر بيروف لمدة 93 دقيقة ترفض الممثلة ماجدولين الإدريسي صديقة عباس، بيع الطفلة بهذه الطريقة، لأنها تدرك المستقبل الغامض الذي ينتظر(عائشة) جراء إمكانية استغلالها جنسيا من قبل الثري الفرنسي، وتدرك أيضا عواقب ذلك، خاصة أنها مرّت من نفس التجربة، حيث مسار عائشة الشجاع يكشف عن إرادة قوية في أن تجد لنفسها مخرجا من ورطتها، وهي التي سلبت من جبال الأطلس، حيث ترعرعت هناك، ليتم بيعها كما قلنا وتجد نفسها تحت رحمة المجرم عباس.
ومع توالي الأحداث في الشريط سيلتقي الثلاثة بزكريا، وهو كاتب من أصل عراقي مغربي، ترك كل شيء وراءه – بما في ذلك المعلمة الفرنسية المقيمة في المغرب (جوديت) التي كانت تربطه بها علاقة حب – ليذهب في بحث عن أخيه المفقود. يجتمع الأربعة في رحلة طويلة تأخذهم عبر أنحاء المغرب، وإلى إسطنبول، وسهول كردستان وغيرها. ما يجعل الفيلم بالرغم من المواضيع والقضايا المختلفة التي طرحتها المخرجة، في نص سينمائي واحد، ومنها قضية تهريب الأطفال، والاستغلال الجنسي، واختلاف الرؤى والهويات، والثقافات بين الشخوص، أحد الأشكال السينمائية المجددة، والواعدة، والتي نجحت في استمالة الجمهور إليها، وذلك من خلال بسط جماليات الصورة، التي تعد مكونا من مكونات سحر السينما وأناقتها.
ولعل تالا حديد، التي تستعد لإطلاق فيلم وثائقي جديد، والذي قامت بتصويره بجبال الأطلس المغربية منذ أربع سنوات، وفيلم روائي طويل الذي يتحدث عن مقاومة المرأة، كما كشفت عن ذلك خلال فعاليات المهرجان، من هذا الجانب، برعت في خلخلة الذاكرة الجماعية للمتلقي، وتأسيس أهرامات رائعة لجمالية الصورة وبنائها المتسلسل والقوي، وذلك من خلال توظيف الكثير من الفضاءت والمشاهد الطبيعية سواء في المغرب أو في أمكنة أخرى، ما يجعل المكان لديها عنصرا مهما في صنع الجمال السينمائي، وسحر الصورة وبلاغتها الموحية، والذي قادها إلى نيل الجائزة الكبرى عن جدارة واستحقاق.
تنوع جوائز المهرجان

وضمت لجنة التحكيم إلى جانب محمد برادة رئيسا كل من المطربة كريمة الصقلي والناقد السينمائي مصطفى المسناوي وغيرهم من المتخصصين في الفنون والسينما.
وعودة إلى باقي جوائز مسابقة الأفلام الطويلة فقد حجبت اللجنة الجائزة الخاصة بها. وعادت جائزة الموسيقى الأصلية لديدي لوكود عن فيلم “جوق العميبن” للمخرج محمد مفتكر، فيما آلت جائزة المونتاج لمريم الشاذلي عن فيلم “عايدة” للمخرج إدريس المريني.
ونال جائزة أحسن صوت كريم روندا عن فيلم “الشعيبية” للمخرج يوسف بريطل، أما جائزة أحسن صورة فنالها كزافيي كاسترو عن فيلم “عايدة” لإدريس المريني. اما جائزة أحسن ثاني دور رجالي ففاز بها عادل أبا تراب عن أدائه في فيلم “كاريان بوليوود” للمخرج ياسين فنان، فيما جائزة أحسن ثاني دور نسائي فازت بها هدى الريحاني عن دورها في فيلم “عايدة” للمخرج إدريس المريني.
وخلال مسابقة الأفلام الطويلة، لم يتمكن الفيلم الوثائقي (الريف 58-59: لنكسر جدار الصمت) لمخرجه طارق الإدريسي، من الظفر بأية جائزة، وهي العملية، التي اعتبرها العديد من المتتبعين، تقصير في الاهتمام بهذا اللون السينمائي المتفرد، حيث أعربوا عن أملهم في فسح لجنة التنظيم خلال الدورات المقبلة لأكبر عدد ممكن من الأفلام للدخول في غمار المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، دون الاقتصار على فيلم واحد كما وقع خلال هذه الدورة، بعد أن تقدم ثلاثة آخرين وهم (جدران ورجال) لمخرجته دليلة النادر، و(هرقل ضد هيرميس) لمخرجه محمد ولاد محند (قراصنة سلا) لمخرجته مريم عدو والبريطانية روزا روجرز.
تتويج القصير (حوت الصحرا)
أما بخصوص الجائزة الكبرى المخصصة للأفلام القصيرة، فعادت للفيلم”حوت الصحرا” لمخرجه علاء الدين الجم، وهو نفس المخرج الذي فاز بجائزة السيناريو عن نفس فيلمه “حوت الصحرا”. فيما جائزة لجنة التحكيم عادت لفيلم “رحلة في الصندوق” للمخرج أمين صابر.
وتكونت لجنة التحكيم من الروائي والسيناريست محمد العروصي رئيسا، وضمت في عضويتها مديرة التسويق بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بيسان خيرات، والأكاديمية المتخصصة في السينما والأدب ماجدولين العلمي، والمخرجة والممثلة أسماء هوري، والأستاذ الجامعي والناقد السينمائي حميد العيدوني.
وتدور أحداث الشريط المتوج ومدته 30 دقيقة، حول ابن في جنوب الصحراء المغربية يحلم بأن يصبح صيادا، وأن يذهب إلى البحر، أب الطفل الحالم بركوب أعالي البحار حفار قبور لا يفهم رغبة ابنه في ترك أرضه، وأمه المريضة طريحة الفراش، تريد أن ترى عائلتها سعيدة ومجتمعة، إنها قصة أب وابن في حاجة للفراق من أجل اللقاء مجددا.
يشار إلى أن الدورة الـ 16 للمهرجان الوطني للفيلم، شهدت إلى جانب عرض الأفلام، تكريم اسمين بارزين في السينما المغربية تكريسا لثقافة الاعتراف التي ميزت المهرجان، ويتعلق الأمر بكل من الممثلة مليكة العماري، والناقد السينمائي محمد الكلاوي، فضلا عن توقيع إصدارات، وتنظيم ندوات حول الاستخدام الأمثل للتسبيق على المداخيل، والتدابير التحفيزية الضريبية لفائدة الإنتاج السينمائية والسمعي البصري في العالم، فضلا عن منتدى سينمائي تمحور حول المغرب وإسبانيا: الإنتاج المشترك مسؤولية تاريخية.