سينما المغرب .. واليوم العالمي للمرأة

 المصطفى الصوفي

تستعيد السينما المغربية بريقها، خلال اليوم العالمي للمرأة، الذي يصادف الثامن من شهر مارس من كل عام، وذلك من خلال توازي عرض العديد من الأفلام السينمائية الجديدة، في القاعات السينمائية، فضلا عن تنظيم سلسلة أنشطة فنية وثقافية، واستضافة وتكريم وجوه نسائية سينمائية، تروم في الأساس، إبراز جماليات السينما وسحر صورتها، والدور الذي لعبته المرأة المغربية، في دينامية وتطور الخطاب السينمائي منذ سنوات، سواء على مستوى التمثيل والتشخيص أو الإخراج، أو على مستوى الكتابة السيناريستية، والتصوير، ومختلف تقنيات العمل السينمائي، وذلك من أجل إزهار حدائق السينما المغربية بورود الفرجة والمتعة البصرية، في بعدها الوطني والمغاربي والعربي والدولي، وإخصاب الحقل الثقافي والفني برمته، في أفق جعل المرأة، أحد بوادر التنمية والتطور في البلاد، والانفتاح على باقي التجارب الإبداعية والفنية والسينمائية العالمية.

سلة إبداعات وفواكه سينمائية

المخرجة فريدة بلزيد

وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة يستحضر العديد من المتتبعين والمهتمين بالحقل السينمائي، كيف استطاعت المرأة المغربية، بجرأتها النادرة، وتضحياتها، وإبداعها، أن تشكل خط تماس مع التيار السينمائي، وإحدى الصور الرائعة، والمشاهد الفنية المؤثثة لسحر السينما منذ عملية التأسيس، وحتى اليوم، وهو ما أفرز قطوفا يانعا ومختلفة، وذلك من خلال سلة إبداعات وفواكه سينمائية، رافقت الكاميرا برؤية أنثوية غاية في اللطف والأناقة واقتحام مجال كان ذكوريا بامتياز.
وعبر تاريخ السينما المغربية، تبرز في هذا الصدد السينمائية والمخرجة فريدة بلزيد التي تعتبر من الأسماء النسائية اللامعة التي ولجت هذا المجال منذ بداية الثمانيات من القرن الماضي، وذلك من خلال فيلمها الشهير(الجمرة)، الذي شكل آنذاك تجربة جريئة وهامة.
وعلى مستوى التشخيص، يستحضر المتتبعون، تكريما للمرأة السينمائية المغربية في اليوم العالمي للمرأة، الأدوار الطلائعية التي قامت بها ليلى الشنا، وهي أول ممثلة مغربية، في فيلمها الناجح آنذاك، وهو بعنوان (الحياة كفاح) لمخرجيه أحمد المسناوي، ومحمد التازي بن عبد الواحد، سنة 1968، هذا فضلا عن أول مصورة سينمائية وهي نادية سعيد في فيلم المخرج محمد التازي بعنوان (أمينة) وأول كاتبة سيناريو لفيلم روائي طويل وهي حفيظة العسري، التي أبدعت في فيلم المخرج عبد الله المصباحي (أين تخبؤون الشمس)، إلى غير ذلك من التجارب السينمائية النسائية، في مجالات عدة، والتي قادت ثورة سينمائية هادئة، من أجل تأنيث الحقل السينمائي.

فيلم (يما) يكرم الأم المغربية
من جهة أخرى يستحضر المتتبعون أيضا بهذه المناسبة العديد من المخرجين، الذين كرموا المرأة، والدفاع عنها، وعن حقوقها، في أعمالهم السينمائية، مع طرح الكثير من الإشكاليات التي تعاني منها المرأة في المجتمع، ومن أبرز تلك الأفلام، نذكر على سبيل المثال الفيلم الجديد (يما) لمخرجه رشيد الوالي، وهو الفيلم، الذي يعرض حاليا في قاعة الفن السابع بالعاصمة الرباط، في أجواء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ويدافع عن كرامة المرأة المغربية. حيث يهدي الفيلم المخرج والممثل رشيد الوالي إلى جميع النساء المقهورات، اللاتي لا يستطعن الدفاع عن أنفسهم، وغير القادرات على مجاراة عنف المجتمع، ورفع أصواتهن ضد كل تمييز أو إهانة… إنه فيلم، أنتج خصيصا لتكريم أم المخرج، ومن خلال هذا التكريم، تكريم كل الأمهات وكل نساء المغرب والعالم.
وتدور أحداث الفيلم الذي صور في المغرب وفي مناطق عدة، بجزيرة كورسيكا، حول قصة عائلية، تيمتها الرئيسية المرأة، إنها في الفيلم غامضة ومسالمة، لكنها صنعت من تسلسل الأحداث، لفيفا من الرقة السينمائية التي تسللت إلى كل مشاهد الفيلم لتجعله أحد الأفلام القادرة على الاحتفاء بروح المرأة، ورقتها، وعلى أن تكون بداية موفقة لأعمال قادمة للممثل رشيد الوالي، والذي يعتبره الكثير من المتتبعين النجم السينمائي الأول.

(ماما آسية)..دفاع مستميت عن الحقوق
ومن ضمن قائمة الأفلام الوثائقية التي احتفت بالمرأة، في هذا الإطار، والتي يذكرها الجمهور جيدا، نجد فيلم” مناضلة المغرب آسية الوديع”، وهو من إنتاج الجزيرة الوثائقية وإخراج هلا مراد من سوريا، هلا مراد هذه المبدعة السينمائية تفننت في صنع الفرجة للجمهور من خلال تقديم معالجة خلاقة للواقع، لشخصية مغربية مناضلة بصمت تاريخها بالنضال، من أجل الدفاع عن كرامة الإنسان وحقوقه وبخاصة في المؤسسات السجنية.
فيلم(مناضلة المغرب آسية الوديع)، الذي تم الاحتفاء به في مناسبات عدة من أبرزها، الدورة السادسة من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة خلال شهر ديسمبر الأخير، بحضور جمهور عريض وشقيق الراحلة آسية المناضل والشاعر والسياسي صلاح الوديع، هو في المحتوى إبراز  لقدرات امرأة مغربية، راكمت تجربة كبيرة كناشطة حقوقية للدفاع عن الحق المدني والحق في الحياة، واستنطاق لتاريخ المرأة التي تنحدر من أسرة مناضلة ووطنية، منذ أيام ما أطلق عليه بـ (سنوات الرصاص) أو( سنوات الجمر)، والاعتقال السياسي، حيث كان الفيلم الوثائقي بالفعل موسوعة فنية موقعة بوثائق وشهادات وأشعار وفيديوهات، صورة سينمائية حية، لإبراز وجه المرأة المغربية، في الدفاع عن حقوق الفرد والمجتمع، وبخاصة في المؤسسات السجنية لدى الصغار والشباب.
(ماما آسية) كما يقول الناقد السينمائي الدكتور الحبيب الناصري، في قراءة للفيلم: “امرأة مغربية عربية عالمية نموذجية بكل المقاييس، جعلت من المؤسسة السجنية مجال اشتغالها ومجال الدفاع عن حقوق مسجونيها، لا سيما الصغار والشباب، واستطاعت أن تربح القضية وأن تعمل إلى جانب القصر الملكي في شخص ملك البلاد محمد السادس، حيث ساهم في تحويل السجن المغربي، من بُعده السلبي إلى بعد حقوقي وتعليمي وثقافي، أي توظيف العديد من الأسماء والتجارب الفنية والرياضية الاجتماعية وإدماجها في المؤسسة السجنية المغربية”.

(عايشة) تتحدى الاستغلال بشجاعة نادرة

فيلم “إطار الليل”

ومن الأفلام المغربية الجديدة التي كرمت المرأة ودافعت عنها أيضا، نجد فيلم (إطار الليل) لمخرجته تالا حديد، والتي نالت السبت الأخير عنه الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم في دورته الـ 16، وهذا الفيلم، بالرغم من تعدد القضايا المتشعبة التي تطرحها استنادا إلى اختلاف الممثلين، وانتماءاتهم، وأعرافهم، وجذورهم، وجنسياتهم، إلا أن ما وقعت عليه المخرجة، كتيمة أساسية هو البطلة (عايشة)، الفتاة الصغيرة، الشجاعة، والمحرومة، التي عُثر عليها في إحدى غابات الأطلس بالوسط المغربي، ومحاولة بيعها في سوق النخاسة، من أجل توظيفها واستغلالها جنسيا لصالح ثري أجنبي بملغ كبير يسيل له اللعاب. لكن رغم ذلك لم يحصل شيء من هذا القبيل، الأمر الذي يفتح الفيلم على عدد من التأويلات المعرفية والاجتماعية دفاعا عن حق المرأة كأنثى في الحياة، دون المساس بكرامتها أو شرفها.
وفي هذا الإطار يمكن التأكيد، على أن فيلم (إطار الليل) الذي شكل لدى النقاد نافورة خالصة من المياه السينمائية النقية التي جرت تحت جسر رزمة من أفلام مغربية صادرة أخيرا، ولم يكن لها تأثير لدى الجمهور، شكل الحدث في أجواء الاحتفال بذكرى اليوم العالمي للمرأة، ما يجعل المخرجة ذات الجذور المغربية، تنتصر للقيم النسائية الحالمة، ولقيم الحياة والدفاع عن الأنوثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

(الشعيبية) تكريم لفنانة عبقرية

فيلم “الشعيبية”

ونذكر بالمناسبة أيضا فيلم (الشعيبية) الجديد لمخرجه يوسف بريطل، الذي خرج إلى القاعات السينمائية المغربية، وشارك هو الآخر ضمن فعاليات المهرجان الوطني الـ 16 للفيلم، وفاز هو الآخر، بإحدى الجوائز، وهو فيلم أعطى للمرأة المغربية قيمتها الحقيقية ورد لها الاعتبار، وذلك من خلال الاشتغال على موضوع امرأة مغربية محافظة وبسيطة للغاية، دخلت التاريخ من  بوابة الفنون التشكيلية.
إنها الفنانة التشكيلية المغربية (الشعيبية) العصامية ابنة منطقة أشتوكة ضواحي محافظة الجديدة، والتي تعتبر من الشخصيات الفنية الشهيرة في تاريخ الفن التشكيلي المغربي، لما تميزت به الفنانة من ذكاء فني وفطرة يانعة أنتجت لوحات استثنائية أدخلتها أكبر المتاحف العالمية،  ومن أشهرها متحف اللوفر، فكانت بحق فنانة المغرب خلال القرن العشرين. وقد برع المخرج يوسف بريطل في هذا الفيلم الذي أسند بطولته إلى الممثلة السعدية ازكون، في نقل تجربة تشكيلية إلى مجال السينما، وهي مبادرة فريدة، فتحت القوس لمزيد من التشويق، وذلك من خلال المزج بين فنين قائمين تجمعهما حكمة الصورة وسحر الرؤيا وفلسفة الألوان، فكان الفيلم تجربة سينمائية وتشكيلية حافلة بالدروس والعبر لعالم تشكيلي طبع الراحلة الشعيبية بالفطرة والتميز والرقة، والتي سافرت بالمغرب، ألوانا وطبيعة وشخوصا ومخزونا فكريا وتراثيا وعادات وتقاليد نسائية، إلى أكبر المحافل الدولية.
(جوهرة بنت الحبس) و(نساء ونساء)
كما لا ننسى أفلام مغربية أخرى، وقفت وقفة احترام وتقدير للمرأة، وذلك من خلال تناول قضاياها التي تؤرقها، وبسط الزوايا الحادة التي تؤلم مقلها، ومنها فيلمين للمخرج سعد الشرايبي، ويتعلق الأمر بفيلم (جوهرة بنت الحبس) بطولة منى فتو، حيث جوهرة الابنة التي تولد في السجن، من أمها المعتقلة هي الأخرى، تحمل هموما منذ نعومة أظافرها، كاشفة في مختلف مشاهد الفيلم عن مشاهد صادمة وعوالم قاسية من واقع غياهب السجون.
أما الفيلم الثاني للشرايبي فهو(نساء ونساء)، من بطولة نسوية محضة قدمتها بشكل بارع، الممثلة المقتدرة منى فتو، ورافقتها في أحلام النساء، فاطمة خير وثريا العلوي وسليمة بنمومن. هذا الفيلم قدم فيه المخرج إسقاطات فنية وسينمائية جادة لصورة امرأة مغربية متحررة ومنفتحة على عصرها، لكن أحلام تلك الفتيات في الفيلم تجابه بالكثير من العنف والعنصرية والاستخفاف، قضايا عرف المخرج كيف يوظفها هدية للمتلقي، فنال الفيلم عنها جوائز قيمة في مهرجانات عدة، تقديرا لكشفه النقاب عما تعانيه المرأة، فضلا عن الاهتمام بها وبأحلامها وبرغبتها في الحياة بكل حرية.

خلف الأبواب والتحرش
ونستحضر أفلاما أخرى من أبرزها فيلم” خلف الأبواب الموصدة” لمخرجه محمد بنسودة، وهو الفيلم الذي يعالج قضية التحرش الجنسي للمرأة، الذي يظل من المواضيع التي يصعب الغوص فيها، في مجتمع مغربي وعربي محافظ، وذلك من خلال البطلة ذات الشخصية الكاريزمية، التي وجدت نفسها ضحية تحرش جنسي واضح ومباشر من قبل مدير شركة تعمل بها.

فيلم “زينب .. زهرة الأغمات”

وقد صنف هذا الفيلم من بين أكثر الأفلام جرأة، لصراحته وطرحه لقضايا اجتماعية راهنة تستأثر باهتمام الرأي العام ، والتي تعاني منه الكثير من الإناث. فاز هذا الفيلم خلال شهر ديسمبر الماضي بجائزة أفضل فيلم ضمن مسابقة الأفلام الدولية للمهرجان الدولي الثالث للفيلم بنيودلهي – الهند، فضلا عن فوزه بجائزة ( ريمي آوارد) الأمريكية كأول عمل سينمائي مغربي وعربي من بين 35 فيلما مشاركا.

لطفا بالنساء في الأرياف أيها السينمائيون
عموما يمكن التأكيد على المرأة المغربية في السينما المغربية، تستحق كل تكريم والتفاتة، حيث بالمناسبة ، سينظم النادي السينمائي لسيدي عثمان بالدار البيضاء في الـ 13 من الشهر الجاري، لقاء خاصا لتكريم المخرجة فريدة بورقية، مع عرض فيلمها(زينب زهرة اغمات)، والذي يقدم لحظة استذكار سينمائية رائعة لزوجة المعتمد بن عباد دفين مدينة مراكش، وهو شاعر من ملوك الطوائف، خلال الحقبة الأندلسية الزاهرة.
كما نستحضر الدور الذي لعبته العديد من المهرجانات، التي تعطي قيمة خاصة للمرأة، لكن أبرزها يبقى المهرجان الدولي لفيلم المرأة، والذي تقيمه جمعية أبي رقراق بسلا ضواحي العاصمة الرباط، والذي أطفأ شمعته الثامنة خلال شهر ديسمبر الماضي، بتكريم نجمات سينمائيات.
ومهما قيل في هذا الإطار، تبقى السينما المغربية وثائقية أو روائية، وغيرهما، مقصرة في توظيف المرأة، وطرح قضاياها، وبخاصة على مستوى قرى وأرياف، مختلف مناطق البلاد، الأمر، الذي يستدعي من المخرجين وكتاب السيناريو والقيمين على الشأن السينمائي الالتفات إلى هذا الكائن الجميل، في تلك المناطق النائية، وطرح ما يؤرقها سينمائيا، وبخاصة أن الاشتغال على ذلك سيشكل مادة خصبة للتألق، وكشف النقاب عن معاناة مريرة لتلك الفئة المحرومة، مع الطبيعة ومع الرجل، ومع المحيط.


إعلان