الدورة الحادية عشرة لشاشات الواقع
الجزيرة الوثائقية – بيروت

مجموعة من عشرة أفلام وثائقية تعرضها الدورة الحادية عشرة لـ “شاشات الواقع”، احتفالية سينمائية سنوية متخصصة بالأفلام الوثائقية التي تضيق المساحات المخصصة لها في المهرجانات السينمائية العامة.
تقام “شاشات الواقع” بالتعاون بين “جمعية متروبوليس” و”المركز الثقافي الفرنسي”، ويُعرض فيها فيلم واحد يوميا صدف أن تكون جلها من النفس الطويل الذي تتراوح عروضه بين ما يقارب الساعة والثلاث ساعات، وتتنوع هوياتها بين الأجنبي – الفرنسي أساسا – والشرق أوسطي، عُرضت في مهرجانات عالمية، ونالت تنويهات وجوائز. وتحدثت نسرين وهبة – المسؤولة عن البرمجة في سينما متروبوليس – عن “شاشات الواقع” التي بدأ بتنظيمها “المركز الثقافي الفرنسي” في لبنان أساسا.
كما صرحت للـ “الجزيرة الوثائقية” عن مشاركة جمعيتها في تنظيمها، بدءا من 2007، وقالت إن “الحدث يجري كل سنة في شهر نيسان أو أيار، وبدأ بهدف عرض الأفلام الفرنسية الوثائقية، ومع الوقت فتحنا المجال لعرض أفلام مشتركة الإنتاج، فرنسيا وعربيا”. وعن سبب تركيز الدورة على الوثائقي، قالت: “لاحظنا في كثير من مهرجانات السينما أنها تتجه نحو الأفلام الروائية، ولم يُخصّص مهرجان للوثائقيات، وليس الوثائقي هو ريبورتاج، بل يمكن أن يكون إبداعيا أو مزيجا من التجربة الفردية والواقع، فوجدنا ضرورة لعرض الأفلام الوثائقية فقط، التي لا يتسنى لها العرض في المهرجانات الأخرى. مع العلم أن هناك إنتاج غزير للوثائقيات الإبداعية”.
وتلعب بساطة الوثائقي دورا في رواج الوثائقيات، وتعتقد وهبة أن “أحد أسباب انتشار الوثائقي هو البساطة، مضيفة أنه أيضا “بسبب وجود مؤسسات خاصة لدعم مشاريع التوثيق”. كما أن التوثيق يعتبر في كثير من الأحيان تحضيرا لفيلم روائي، أو يُشكِّل أرضية له، وترى وهبة أهمية في التوثيق لأن “المخرج في تحضيره للرواية، يعثر على حقائق تصلح أن تُجمَع في فيلم توثيقي. أحيانا هناك مخرجون يقررون الارتكاز على الوثائقي، ومنهم من يكتشف قصصا في البحث عن الروائي”.

وعن طريقة اختيار الأفلام القليلة العدد في الدورة مقارنة مع الكم الهائل من الوثائقيات المتوافرة في كل مكان، قالت إن “اختيار الأفلام يتم مع المعهد الفرنسي، ونحن عندنا جولات على مهرجانات عالمية، مثل برلين وكان ومرسيليا وسواهما، وعندنا تواصل مع مخرجين في لبنان والعالم العربي، وشركاء في أوروبا، ومن خلال ذلك يتكون عندنا إطلّاع على أجدد الأفلام، ونقرر أي فيلم نعتمده وفق مناقشة للأفلام”، لافتة إلى أنه “في الدورات السابقة، جرى عرض فيلمين يوميا لأننا وجدنا أنه ليس من السهل أن يرتاد الجمهور السينما بصورة متواصلة، فارتأينا أنه من الأفضل أن نقدم فيلما واحدا كما هذا العام يوميا”. عن طول الأفلام، أفادت أن “عنصر طول الفيلم لم يؤخذ بعين الاعتبار رغم أنها كلها من الصنف الطويل ويصل أحدها إلى الثلاث ساعات، وهو لفردريك وايزمن أحد معلمي السينما الوثائقية، لكن موضوعه شيق، وأعتقد أن الجمهور لا يتذمر من فيلم بهذا الطول شرط أن يكون الموضوع شيقا”.
عن اقتصار حضور المخرجين على العرب، قالت أنه “لم يكن من السهل دعوة مخرجين من الخارج”، مع العلم أن المخرجين الوحيدين اللذين حضرا عروضهما هما السورية لواء يازجي في فيلم أول لها بعنوان “مسكون”، وهو مشترك سوري- ألماني يتناول قصص النازحين السوريين إلى لبنان، والمخرج اللبناني نقولا خوري في فيلم شيق عنوانه “بيروت البلقان”.

ونقولا خوري مخرج سينمائي، تخرج من جامعة “الألبا” 2010، أول فيلم له هو “الحارة” 2012، شارك في عدة مهرجانات وربح عدة جوائز، والفيلم الثاني وهو “بيروت البلقان” يعرض للمرة الأولى في بيروت.
خوري تحدث عن حيثيات وفكرة الفيلم التي جاءت من خلال سفره لأول مرة إلى البوسنة. يشرح خلفية الفيلم: “تفاجأت بأن سراييفو تشبه بيروت، ومن خلال الشبه بين المدينتين، أدركت كم أنا بعيد عن بيروت، وأنا ضائع فيها، بيروت التي تتغير يوميا، وبعدها، بين أواسط الثمانينات وأوائل التسعينات، كبرنا معا. بيروت كبرت بسرعة، وما زلت أراها كما عهدتها، والمسافة التي صارت بيننا دفعتني إلى أن أفتش عن بيروت التي عرفت وأحببت، فكانت سراييفو كبديل عنها، وهما تشبهان بعضا في الكثير من النواحي: كلاهما كانتا تحت حكم السلطنة العثمانية، وفيهما من الحقبة العثمانية الكثير المتشابه، بدأت الحرب فيهما وانتهت في الوقت عينه، وهذا ما دفعني لأن أرى بيروت الحقيقية في سراييفو”.
أضاف: “الفيلم لا يحكي شيئا عن سراييفو، هو عن بيروت من خلال صور سراييفو. لأن سراييفو ما تزال محافظة على نفسها، وأستطيع ان أرى فيها ماضي بيروت، وسراييفو ما زالت محافظة على طابعها: الترامواي لا يزال يعمل، والهندسة المعمارية شديدة التشابه، وكذلك التنوع الثقافي، والديني، وفيهما الكنائس والمساجد. وكلا المدينتين لا تزالان تملكان بعضا من آثار الحرب، والقصة تصح عن بيروت وسراييفو”.
وعن تفضيله للوثائقي، يرد خوري بقوله: “تجربة الوثائقي فيها قصص أكثر من الفيلم الروائي. في الوثائقي تكتشف القصة وتعيشها، وعندما أذهب إلى مكان، لا أعرف ما سأقوم به، ولا ما الذي سيحدث، فالوثائقي هو نقل الواقع بطريقة روائية، وفيه ترى القصص في لحظاتها، والحركة كما هي، وهذا مشوق لي”.
فيلم الافتتاح كان “مدرسة بابل”، فرنسي أخرجته جولي بيرتوشيللي – 2014 (94 دقيقة)، يعالج إشكالية كبيرة تواجهها فرنسا وهي الهجرة إلى فرنسا من مختلف الجنسيات ، وفي المدرسة يتلاقى الطلاب كل يحمل إرث بلاده، ويطرح تحديات الانصهار والتكامل من أجل غد أفضل. ترشح الفيلم لأفضل وثائقي في “سيزار” سنة 2015، والمخرجة جولي بيرتوتشيللي روائية، لكنها اختارت التوثيق في هذا الفيلم. تأتي أهمية الفيلم بسبب موضوع المهاجرين، وما تمثله من إشكالية في فرنسا خصوصا في ظل الأوضاع العالمية المضطربة تحت وطأة ما يسمى بالإرهاب
أما فيلم الختام فقد كان “الكاريكاتوريين- قدم جنود الديمقراطية”، فرنسي من إخراج ستيفاني فالوواتو، من أعمال 2014 (106 دقائق). اثنتا عشرة شخصية مجنونة لكن محببة، يلتقطون المشاهد الكوميدية والتراجيدية في مختلف أنحاء العالم، يغامرون بحياتهم دفاعا عن الديمقراطية وهم مبتسمون، والقلم سلاحهم الوحيد. عُرض في مهرجان كان 2014 ونال تنويها خاصا. عرض الفيلم في سينما مونتاني التي استضافت فيلما لافتا ثانيا بعنوان “الإيراني”، مخرجه مهران تمدن، 2014 (105 دقائق)، فرنسي- سويسري مشترك، مخرج ملحد أقنع أربعة مدافعين عن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، أن يأتوا ويعيشوا معه ليومين، وتدور خلالهما نقاشات مترافقة مع الحاجات اليومية، ليطرح التساؤل عن احتمالية الحياة المشتركة بين مختلفين لهذه الدرجة. وقد عُرض في مهرجان برلين 2014.