تظاهرة فنية تُسهم في طي اضطراب المدينة

الجزيرة الوثائقية – بيروت

اختَتم “مهرجان طرابلس للأفلام” أعماله بإعلان الفائزين في مسابقاته في حفل مسائي جرى في “مؤسسة الصفدي الثقافية”، أحد المركزين اللذين استضافا المهرجان، بينما كان المركز الآخر “جمعية العزم الثقافية – بيت الفن”.

والنتائج جاءت كما يلي: 
* أفضل فيلم روائي طويل: “Nabat”، المخرج Elchin Musaoglu أذربيجاني، إنتاج 2014، 105 دقائق، عن سيدة تدعى نابات، مع زوجها العجوز، وقد فقدا ابنهما في الحرب، يؤمنّان مصدر معيشتهما من بيع حليب البقرة. بعد رحيل الزوج، تنتقل نابات إلى قرية مهجورة تحرسها أنثى ذئب.
        
* أفضل فيلم روائي قصير “Wintry Spring”، مخرجه محمد كامل، مصري، إنتاج 2014، من 15 دقيقة، عن تلميذة اسمها نور، تعيش بمفردها مع والدها، وتمرّ بأزمة عندما تنضج، وتخفيها عنه، ثم يدخلان في حالة توتر واضطراب.    

* أفضل فيلم وثائقي طويل، “الحدود” Border، مخرجه مازن مهدي شربياني، كردي -عراقي، من إنتاج 2013، 50 دقيقة، وهو ، كما قال المخرج، عن تأثير الحرب على العراق بعد عشر سنوات، والحرب دمّرت البنى التحتية فيه، والفيلم يلاحق جهود اثنين من صناع السينما الكردية في آخر مسعى لهما لتأمين المصادر، وتسهيل الخدمات اللوجستية، والدعم لإنتاج أفلامهما، والتي تم تصويرها في الحياة الواقعية”.
                                              
* أفضل فيلم وثائقي قصير Home Is Where My Age Is، مخرجه Strelec Jukic، إنتاج 2013، 22 دقيقة، يعرض الفيلم اختلاف الناس التام، ويروي حياة المسنين.     

* أفضل فيلم لبنانيTroubled Waters ، لتوفيق خريش، إنتاج 2013، 25 دقيقة، روائي قصير، يلاحق إسكندر ذكريات الطفولة إثر عودته إلى بلده، والتجارب التي أرسلته بعيدا حين كان صغيرا عادت لتُرجعه حين أصبح بالغا. 
             
* أفضل فيلم تحريك ”Boles”، مخرجه السلوفيني Spela Cadez، إنتاج 2013، 12 دقيقة، يعيش فيليب في ضاحية فقيرة، تقرع بابه جارته، يحاول تفاديها، وتطلب منه كتابة رسائل إلى خطيبها.

والمهرجان الذي امتدّ زهاء أسبوع، من 30 نيسان (إبريل) وحتى السابع من أيار (مايو) الجاري، شكل تظاهرة فنية وثقافية شغلت مدينة طرابلس بما قدّمته من عروض، ترافقت مع عدد من الفعاليات، أبرزها عروض في الهواء الطلق في نقاط تقع على خطوط التماس العسكرية في المدينة، وقسم يتعلق بالنساء في ظل النزاعات، وساد العروض والفعاليات المختلفة نقاشات واسعة.

والمهرجان هو الدورة الثانية التي شهدت تطورا عن الدورة السابقة في اتسّاع المشاركات، حيث تقدم زهاء مائتي فيلم من 38 دولة في العالم، وجرى اختيار 38 فيلما منها، بينما تقدم زهاء السبعين العام المنصرم، وتم اختيار 31 منها.

نظمت المهرجان “جمعية طرابلس” التي يرأسها المهندس إلياس خلاط، واحتلّ المخرج اللبناني جورج نصر الرئاسة الفخرية للمهرجان كونه أول مخرج لفيلم لبناني “إلى أين؟” انتقد الهجرة، وهو أول فيلم لبناني عُرض في مهرجان “كان” أواسط الخمسينات من القرن الماضي، بالإضافة إلى أن المخرج من مدينة طرابلس التي كان لنهوض السينما فيها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، الفضل في تطوير حسّه السينمائي، وولعه بالسينما.

منظم المهرجان “إلياس خلاط”

وفي حديث لخلاط مع “الجزيرة الوثائقية”، ذكر أن “الدورة الثانية للمهرجان تعتبر تطورا مهما عن الدورة الأولى، والدلالة المشاركة الواسعة من سينمائيين من دول أكثر من السابق، أي 38 دولة، وعدد الأفلام المتقدمة كانت زهاء مائتي فيلم، جرى اختيار 38 منها من كافة الفئات”.

وأفاد خلاط أن “بعض الفئات لم تتمثل في العام المنصرم، مثل الروائي الطويل، واللبناني الطويل”.

وقال أن “هناك محاضرون قادمون من الخارج، وهم أكاديميون لأن الكثير من الأفلام أكاديمية، وعندنا مخرجون جدد من بريطانيا ومصر، وهناك مهرجانات أخرى من خارج لبنان تشارك للاطلاع على ما نقوم به، وهناك عدة عروض من خارج المسابقة تدور حول أفكار محددة مثل “نساء في ظروف النزاعات”، وفيلم يوثق الحياة التقليدية في عدد من أحياء المدينة وضعته “جمعية فنون متقاطعة الثقافية”. 

ولاحظ خلاط أن “السينما هجرت طرابلس، وهناك 25 صالة مقفلة، وتوقف الطلب على السينما، ونحن اليوم نبني من جديد. أزمة السينما عامة، لكن تأثرنا بها أكبر بسبب الوضع الأمني”.
 
وإن كان المهرجان بدأ يعيد الجمهور في طرابلس إلى السينما، قال ردا على سؤال: “من المبكر الحديث عن هذا الأمر، ولم تظهر نتائج بعد، لكن نأمل ذلك. العام المنصرم، لم يشارك إلا عدد قليل من أبناء المدينة في العمل الذي اقتصر على أعضاء مؤسستنا، بينما تطوع كثيرون هذا العام، ومنهم طلاب جامعيون، مما يعني أن الرسالة بدأت تصل”.

يسجل للمهرجان اختياره العام المنصرم لأفضل فيلم تحريك وهو “أوباد” – خمس دقائق- للسويسري مورو كارارو، فحقق الفيلم بعد ذلك جائزة أولى في مهرجان “كان” 2014. وقد علق خلاط على ذلك بقوله: “نظرا لسعادة المخرج بأنه انطلق من مهرجاننا الأول، أحب أن يقدم لنا الفيلم لنفتتح به الدورة الثانية”.
 
وعلى صعيد عروض الهواء الطلق، تناول خلاط هذه المحاولة، ذاكرا أن “هذا العام جربنا ما لم نستطعه العام المنصرم بسبب التوترات الأمنية، أن تكون هناك حفلتان في الهواء الطلق، واحدة قرب سينما الأهرام في شارع سوريا، والثانية بين جبل محسن ومنطقة الريفا وكلتا المحلتين كانتا نقاط تماس أمنية في المرحلة السابقة، وهدفنا إعادة الروح الطبيعية إلى هذه المناطق”.

الناقد الفني المصري أحمد شوقي- سكرتير تحرير موقع “سينماتوغراف”- حضر لتغطية أعمال المهرجان، رأى غنى وراء الفكرة من خلال ما تضمنه المهرجان.

وتناول شوقي في حديث مع “الجزيرة الوثائقية” تراجع السينما في العالم العربي، فلاحظ أن “أزمة السينما في عالمنا العربي تقع في ثقافتنا، وربما في عالمنا العربي سوء استخدام لمعطيات العالم الجديد، مما أثّر على صناعة السينما عندنا”.

وقال عن تأثير التكنولوجيا الحديثة أن “العالم العربي لا يختلف عن بقية أنحاء العالم من حيث انتشار التكنولوجيا الحديثة. ربما كان استخدامنا لهذه التكنولوجيا فيه شيء من الفوضى والعشوائية أحيانا. لكن، العالم أكثر انفتاحا على التكنولوجيا، ومع ذلك السينما مستمرة في العالم، وتُحقق  إيرادات كبيرة”.

عضو لجنة التحكيم المخرج جان رطل تناول كيفية تقييم الأفلام، فصنّفها بطرق مختلفة ذاكرا أن “المعايير التي نعتمدها في تقييم الأفلام لها علاقة بالفكرة، ومدى وضوحها، وبطريقة تطبيقها، وبالجماليات الموجودة في الفيلم على صعيد الكاميرا، وعلى صعيد كل ما هو متعلق بصناعة الفيلم”.

أنشطة مواكبة

كما شهد المهرجان عددا من الأنشطة المواكبة للعروض السينمائية والمتعلقة بشؤون السينما، بالإضافة إلى ندوة حول مصمم “معرض رشيد كرامي الدولي” البرازيلي أوسكار نيميير الذي صمّم العاصمة البرازيلية، ترافقت مع معرض صور للمعرض المذكور بعدسة المصور ملحم اسبر، وقضايا النساء في النزاعات، ومعرض لبوسترات الأفلام في صالة الصفدي.

محطات

على صعيد الأفلام، لفت فيلم “بعد غد” (After Tomorrow) للمخرجين: اللبناني توفيق بيهم، والجنوب أفريقي – بريطاني كارل غوف. وهو الفيلم الأول لهما، وثائقي من 54 دقيقة لعام 2014. وأهمية الفيلم تكمن في توثيق حياة قبيلة “البدول” التي تعيش في إحدى أهم المواقع الأثرية في العالم وهي “البتراء” الأردنية.

لقطة من فيلم “بعد غد”

يروي الفيلم حياة القبيلة بالترافق مع نمو وتطور البتراء إلى منطقة أثرية تاريخية تراثية، وأصبحت منطقة سياحية بامتياز، فكانت فرصة لأبناء “البدول” لأن يُطوِّروا أعمالهم وحياتهم، ويتعلموا اللغات الأجنبية، ويفتحوا مجالات عمل يحتاجها السائحون.

ويروي الفيلم تغيرات عاشتها  القبيلة، وزواج عدد من السائحات الأجنبيات من أبناء “البدول”، مظهرا حياتهم السعيدة في أجواء القبيلة.

القبيلة عاشت في مغاور وكهوف لأكثر من 200 عام، واقتصرت حياتهم كما كل القبائل على جمع المحاصيل وتربية الماشية. وقد وجهت السلطات الأردنية ضربة للقبيلة بنقل مساكنها بهدف إيجاد مساحات أوسع للسياحة.

أمضى المخرجان بيهم وغوف زهاء شهرين في البتراء، يوثِّقان حياة “البدول”، وعلاقتهم بالزوار الجدد، وتطور حياتهم وتغيراتها، وكيف أثرت السياحة، والنمط الحداثي الآتي مع السواح الأجانب، على تراث القبيلة وتقاليدها.

غوف قال إن “هذه أول مرة آتي فيها إلى طرابلس، وأتيت إلى بيروت منذ عشر سنوات. اهتممت بالسينما منذ صغري، وكنت في الخامسة عندما أخذتني عمتي إلى السينما لأول مرة. أحب أن أروي ولذلك أحب صناعة السينما، كما أحب الوثائقيات”.

وتحدث توفيق بيهم عن “اهتمامه بالسينما مبكرا، وأول فيلم حضره كان Jaws في بيروت، وقال: “أحب السينما، وأعمل بالدعاية Advertising، وأحب رواية القصص، وعملي هو عن رواية القصص”.

أضاف: “كنت وكارل نعمل في نفس الشركة في مجال الدعاية، وجمعنا المال، وذهبنا في رحلة إلى البتراء في الأردن حيث أقمنا شهرين، والفيلم الوثائقي الذي وضعناه هو عن حياة هذه الجماعة، وصورنا حياتهم اليومية”.
 
عن المهرجان قال: يسرني أن أحضر إلى طرابلس وأعرض الفيلم، وأتمنى أن يساهم المهرجان في إعادة بناء المدينة. وأحب الوثائقي لأنه طبيعي، وليس هناك تمثيل وهو طبيعي”.

وعن فكرة “بعد بكرا” قال إنها تسمية مستندة إلى أغنية غناها بدوي في شيكاغو، كما أن البدو كلما طلبت منهم طلبا، ردوا عليك بـ “بكرا” أو “بعد بكرا”. هذا ما عايشناه معهم، فكانت عنونة الفيلم على هذا الأساس”.

من الأفلام الكوميدية اللافتة فيلم روائي خيالي قصير للبناني ميشال زرازير، من 13 دقيقة وأعمال 2013، عنوانه “الله يحمي الملكة” (God Save the Queen) وفيه تصور لزيارة قامت بها ملكة إنكلترا، بكل ما يحيط بها من بروتوكول، إلى لبنان حيث تنتفي الأصول والقوانين، وتسود العشوائية.

تمر الملكة الافتراضية في عدة محطات بيروتية، وتواجه مواقف محرجة، أولها صعودها في تاكسي لأحد أنصار حزب الله يشغل أغنية للحزب. ثم تعرضها لبعض أولاد  السوء الذين يمازحونها، وما إلى ذلك من مواقف كوميدية. وقد مثلت دور الملكة إحدى نسيبات المخرج.


إعلان