“ديجراديه” يأخذ غزّة إلى مهرجان كان

أسماء الغول – غزة

صالات السينما المهجورة في مدينة غزة، أصبحت مَعلماً عادياً تمرّ به مشياً أو تلحظها من نافذة السيارة، لكن هذا لا يعني أن مدينة غزة ذاتها لم تكن إلهاماً وشكّلت حالة سينمائية لمخرجين متميزين أخرجوا وصورّوا أفلاماً وصلت إلى العالمية.
 ومن هؤلاء التوأم عرب وطرزان “محمد وأحمد أبوناصر”، اللذين درسا الفن التشكيلي في قطاع غزة وكان أول  مشروع لهما هو (Gaza Wood)، الذي حاز على الجائزة الأولي فى مسابقة الفنان الشاب لعام 2010 ، التابعة لبرنامج الثقافة والفنون فى مؤسسة عبد المحسن القطان، والتي تُعقد كل عامين للفلسطينيين فى العالم ومخيمات الشتات.

وكانت تتمثّل فكرة مشروعهما في تمثيل وتصوير أفيشات أفلام عالمية، فقد حولّا غرفتهما إلى موقع تصوير، ليصمّما إعلانات الأفلام الشهيرة في هوليوود، وبالفعل سرعان ما تحول مشروعهما إلى حقيقة حين أصبحا مخرجيّن لأفلام حقيقية دون الحاجة لتمثيل أنهما يمثلان..!
وقد وصل الشقيقان التوأم منتصف شهر إبريل الماضي، رسالة تفيدهما أنه تم اختيار فيلمهما الروائي الطويل ديغراديه ” Dégradé”، وهو فيلم إنتاج فرنسي فلسطيني،  ليُعرَض على هامش المسابقة الرسمية في «أسبوع النقاد» خلال مهرجان «كان» الدولي السينمائي بنسخته الـ68 والذي يُعقد بين 13 و24 أيار (مايو) الجاري في مدينة «كان» جنوب فرنسا.

لقطة من فيلم “ديجراديه”

و«ديغراديه» يحكي عن قصة مجموعة من النساء يضطررن للمكوث في صالون حلاقة نسائي بحيّ الشجاعية شرق مدينة غزة، لوقت طويل، بعد إغلاق باب الصالون من الخارج على إثر حدوث اقتتال في الشارع الذي يقع به، بين الأجهزة الأمنية في غزة التي تقودها حركة حماس، وبين عائلة شهيرة سرقت أسدا من حديقة الحيوانات.

ويجمع الفيلم الذي تم تصويره في الأردن بين التراجيديا والكوميديا، وتُمثِّل فيه الممثلة الفلسطينية المعروفة هيام عباس، وهو مقتبس عن حادثة حقيقية حين شبّ شجار مسلح بسبب الأسد، إلا أن المخرجين بخيالهما أضافا إلى السيناريو حبكة إغلاق الصالون والثلاث عشرة امرأة اللواتي علقن داخله. وترشّح الفيلم خارج المسابقة الرسمية لجائزتي ” النقاد”، و”الكاميرا الذهبية”. واعتبر “عرب” هذا الترشح خطوة كبير في تاريخهما الحديث نسبيا في عالم السينما، ومسؤولية كبيرة تقع على عاتقهما إزاء فيلمهما القادم.
وقال عرب للجزيرة الوثائقية خلال لقاء عبر الهاتف “الفيلم يتحدث عن 13 امرأة اضطُررن للبقاء داخل صالون حلاقة، وتدور بينهن أحاديث عن وضع البلد والمشاكل الداخلية، وكل امرأة منهن تحمل شخصية وقلقاً مختلفاً”.
وأوضح أن الفيلم يناقش كل ما يتعلق بغزة من هموم وواقع كالحرب والانقسام بين حماس وفتح ووضع النساء في غزة، إضافة إلى مشاكلهن الخاصة.

وفصّل بقوله “فهناك امرأة ذاهبة إلى موعد مع محاميها للحصول على الطلاق، وأخرى تعاني من ظلم المجتمع، وعروس من المفترض أن تذهب لحفل زفافها وبصحبتها قريبتها، وأخرى ذهبت لتستمع إلى القصص بدافع الفضول، إضافة إلى صاحبة الصالون الروسية المقيمة في غزة”

الأخوان الفلسطينيان “عرب وطرزان”

وذكر عرب للجزيرة الوثائقية: “إنتاج الفيلم هو إنتاج مشترك، فهناك المنتج الفلسطيني رشيد عبد الحميد، والمنتج الفرنسي، وهي شركة لوتمبور du tambour الفرنسية”
وكان فيلمهما الفلسطيني ” كوندوم لييد”، ترشّح لنيل السعفة الذهبية عن فئة الأفلام القصيرة في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان “كان” بنسخته السادسة والستين عام 2013.

وتترك هذه الترشيحات العالمية لأفلام فلسطينية، سؤالاً كبيراً إذا ما كان هناك مشهد فلسطيني سينمائي أم هي حالات إبداعية فردية؟ خاصة مع قلة اهتمام الجهات الرسمية الثقافية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالسينما وإنتاج الأفلام، وغلبة المشهد السياسي المنقسم وتدهور الأحوال المعيشية، والتركيز على الإغاثة والمساعدات المعيشية بدلاً من الاهتمام بأي صناعة فنية.
 وكانت حركة حماس أنتجت خلال الأعوام التسعة السابقة أفلاماً سينمائية كفليم “عماد عقل” و”عاشق البندقية”، لكنها أفلام تحمل بشكل واضح فكر الحركة ورؤيتها للفترات التاريخية الحاسمة كالانتفاضة الأولى.
ولم يكن قطاع غزة على الدوام فقيرا من السينما، بل شهد زمناً ضجّت فيه صالات السينما بالحياة، فحسب مصادر تاريخية كانت أول سينما عام 1944حين قام الحاج رشاد الشوا بالحصول على ترخيص لسينما السامر، وأتى بالقماش الأبيض من مدينة المجدل الفلسطينية، والأجهزة من أوروبا، والأفلام من مصر عبر القطار، وكانت الجماهير تحضر الأفلام والطائرات تُحلِّق فوقها في الحرب العالمية الثانية، وزار هذه السينما الفنان فريد الأطرش وشقيقته المطربة أسمهان وسط حضور حاشد من الجمهور.

وبعد 1948 بدأت وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطنيين “الأونروا” تعرض أفلاماً موجهّة إلى اللاجئين داخل القطاع في عربات مُتنقِّلة بين المخيمات تحوي أفلاماً حول النظافة الشخصية وغيرها من التوجيهات، ويُقال أن هذه الطريقة كانت تقليداً لعربات السينما المتنقلة التي أدخلها مصريون إلى غزة، وعرضت مشاهد لتدريبات الجيش المصري، وكان مكتوباً على العربات قافلة الاستعلامات.
وبعد عام 1953 أصبح في قطاع غزة سينما النصر الممتدة وقتها على مساحة 3000 متر مربع، وازداد عدد دور السينما خاصة في السبعينات لتصل إلى حوالي عشر دور للسينما منها النهضة والسلام وصابرين في مدينة رفح والحرية في مدينة خان يونس وصالات النصر والجلاء والسامر في غزة.
 وكان أغلب الأفلام يأتي من مصر حتى عام 1967 فبعد الاحتلال الإسرائيلي بدأت تأتي الأفلام من إسرائيل، وفي السبعينات ظهر التنافس التجاري بين دور العرض، حتى الثمانينات حين تصاعد التحريض في المساجد ضد هذه الدُور، وتم حرق بعضها وإغلاق الأخرى وصولاً إلى هذه اللحظة التي تحولت فيها مباني الصالات القديمة إلى مكبّات للنفيات أو صالات أفراح.


إعلان