مهرجان وهران: سيطرة مغاربية على الجوائز

الجزيرة الوثائقية – وهران

من حفل اختتام المهرجان

بعد عشرة أيام من العروض والندوات والنشاطات والسهرات الفنية، اختُتم مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي بتتويج أفضل وأحسن الإنتاجات العربية وأكثرها أحقية بجوائز الدورة الثامنة حسب لجان التحكيم، فقد منحت لجنة الأفلام الطويلة برئاسة الباحث والناقد اللبناني “إبراهيم العريس” الجائزة الكبرى “الوهر الذهبي” للفيلم المغربي “جوق العميين” لمحمد مفتكر، وعاد “أمير رمسيس” إلى مصر بجائزتين الأولى أحسن سيناريو عن فيلمه “بتوقيت القاهرة”، والثانية للفنان “نور الشريف” كأفضل ممثل بنفس العمل، أما الفنانة السورية “صباح الجزائري” فتوجت بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم باسل الخطيب “الأم”، في حين قررت لجنة التحكيم مجاملة البلد المنظم والمستضيف بمنح جائزتها إلى فيلم “راني ميت” للمخرج الجزائري “محمد يس بن الحاج” مع العلم أن مسابقة الفيلم الطويل تضمنت أفلام جيدة تحمل قيم إنسانية وأبعاد جمالية فنية كانت الأولى بهذه الجائزة.

أما جائزة أفضل إخراج فلا أحد اقتفى أثرها، ولم يأتِ أحد على ذكرها، وفي صنف الأفلام القصيرة عادت جائزة لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الجزائري “محمد حازورلي” لفيلم “الممر” لأنيس جعاد من الجزائر، بينما توِّجت مخرجة “فتزوج روميو جولييت” التونسية “هند بوجمعة” بالوهر الذهبي كأفضل فيلم قصير في الدورة.
يبدو أن عمل لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية لم يكن سهلا وحدثت أمور كثيرة في الكواليس استدعت تدخل إدارة المهرجان لإيجاد حلول استعصت على أعضاء اللجنة مما عمّق الخلاف بينهم حسب مصادر مطلعة، لتستقر في الأخير على منح الفيلم الفلسطيني “أنا مع العروسة” لخالد سليمان الناصري وغابريال دبل جرندي وأنطونيو أوجوجليارو وهرا ذهبيا كأفضل فيلم وثائقي في ثامن دورة.

“الطفل” في دور البطولة

لقطة من فيلم “الأم” لباسل الخطيب

الجوائز وككل مرة، حتى لا نقول لجان التحكيم ظلمت الكثير من الأعمال المتميزة والتي كانت تستحق التتويج، ولحسن الحظ أن لجنة الأفلام الطويلة على رأسها “إبراهيم العريس” اعترفت بجودة ونوعية الأعمال المشاركة والتي قدمت خارطة فنية واسعة للواقع العربي توافقت وشعار المهرجان “الواقع في دور البطولة”.

 كما أشادت بمواهب شابة ظهرت في هذه الدورة تمثيلا وإخراجا كصاحب فيلم “من ألف إلى ياء” الإماراتي “علي مصطفى” الذي منحه العريس تنويها خاصا كونه قدم سينما جديدة على بلده، والتنويه الثاني خصصته اللجنة إلى الجيل القادم بقوة والوافد من بعيد على السينما العربية “الطفل العربي” فنان المستقبل الذي يعد بالكثير بعدما أظهر مستوى جد راق في أدائه وأحسن التعامل مع الكاميرا رغم دقة الموضوع وحساسية الدور الذي قدمه، بداية بفيلم “ذيب” للأردني “ناجي أبو نوار”، مرورا بـ “جوق العميين” لمحمد مفتكر، و “عيون الحرامية” لنجوى النجار، “راني ميت” لمحمد يس بن الحاج، وصولا إلى “أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة” للمخرجة اليمنية “خديجة السلامي” التي قدمت موضوع غاية في الخطورة والأهمية وهو تزويج البنت في سن مبكرة جدا، فلا الطرح ولا الموضوع كان سهلا على البنت الممثلة التي عاشت دورها وبكثير من الصدق أدّته.

وفي سياق أخر أظهرت هذه الدورة موجة جديدة لسينمائيين شباب قدموا مواضيع متنوعة ومختلفة لا تبتعد عن التاريخ والمجتمع والإنسان، ولأول مرة طرح موضوع المثلية الجنسية في فيلم جزائري وبمهرجان وهران من خلال “نسيبي” لحسان بلعيد الذي لمّح إلى ضرورة تقبل المجتمع لهذه الفئة، في حين لم تخرج الأفلام الوثائقية عن تيمة السلام والذاكرة، بينما ظلت الأفلام السورية وفية لأحداثها وطرحت وجهة نظر مخرجيها مما يحدث بالبلد سواء “محمد عبد العزيز” بـ”الرابعة بتوقيت الفردوس” أو باسل الخطيب بـ “الأم” الذي لم يُغيِّر بعد من توجهاته السياسية ولا مواقفه مما يحدث في سوريا، في حين لم تأتِ السينما التركية ضيف شرف المهرجان بأي جديد في ظل غياب أبرز نجومها الذين روج لنزولهم بوهران، ليتم الاكتفاء باسم أو اثنين مرّوا مرور الكرام.

المهرجانات العربية: دعوة إلى تفعيل التعاون
شكّل لقاء رؤساء بعض المهرجانات السينمائية المقامة في البلاد العربية وأخرى بالمهجر فرصة لطرح الكثير من الانشغالات وعرض سبل تعاون أكثر في المستقبل، حيث جاء التأكيد على ضرورة إنشاء صندوق عربي مشترك لدعم وتمويل مشاريع السينمائيين خاصة الشباب منهم، والتصدِّي للضغوطات التي تفرضها جهات ومؤسسات أجنبية لخدمة أهداف تتعارض والقضايا العربية كالقضية الفلسطينية مثلا، كما كان الاجتماع فرصة للمشاركين لعرض تجارب المهرجانات التي يشرفون على إدارتها مرورا بما حققته منذ تأسيسها والمشاكل التي تواجهها والإنتاج السينمائي العربي كالتمويل، خاصة في ظلّ التحولات الكبرى والمشاكل التي تعيشها دول المنطقة.

لقطة من فيلم “لما ضحكت الموناليزا”

كما تم تقديم بعض المقترحات والآليات لتسهيل تبادل الأفلام والترويج ��لأعمال السينمائية العربية في الضفة الأخرى لجعل التعاون واقع وحتمية تقود إلى تأسيس شراكة عربية فعلية وليس مجرد فكرة، في حين لم يكن البعض متفائلا بما قيل بل دعا إلى ضرورة تفعيل هذه الخطوات وبذل جهد أكبر للترويج إلى السينما العربية في الخارج، وإقامة ورشات تدريبية لفائدة الشباب، وبعيدا عن المضايقات والأمور المادية والتفاعلية التي قد تأتي وتحلّ مع الوقت بتجدد اللقاء، كان للجمهور الغائب عن التظاهرات نصيب في ذلك، باعتباره طرف هام في المعادلة وحلقة هامة في العملية الإبداعية تتوجّه إليها ولأجلها الأعمال السينمائية.

سوء التسيير وغياب التنظيم
لدى مهرجان وهران ونقصد بذلك اللجان المنظمة له والمتعاقبة عليه طقوس خاصة، وتقاليد تأتي حسب المزاج وتراعي كثيرا الذهنيات، فقد قررت لجنة التحكيم وإدارة الدورة السابعة (2013) إدراج جائزة أحسن انطلاقة ومنحتها للمخرج الإماراتي “نواف الجناحي” وكذا جائزة الصحافة التي استُحدثت في نفس الدورة وكانت من نصيب الفيلم الأردني “لما ضحكت الموناليزا”، وفي الطبعة التاسعة من نفس المهرجان (2015) ألغيت أو ألغت جائزة أحسن إخراج، وبالمقابل انتهى مهرجان وهران كما بدأ ليلة الافتتاح، وسط فوضى وسوء تنظيم وغياب للتنسيق، مما يدلّ على حاجة الجزائر لخبرات أكثر في هذا المجال، وحتى تصل إلى ما هو أفضل مستقبلا على الوزارة الوصية التفكير في دورات تدريبية تعنى بتسيير وتنظيم التظاهرات الثقافية، فحاجة الجزائر اليوم كبيرة إلى تكوين كفاءات قادرة على إدارة هذه الفعاليات والإعداد لها جيدا، وهنا يظهر عدم استفادة المؤسسات الثقافية من التظاهرات الكبرى التي نظمت منذ عشرين سنة أو أكثر.


إعلان