اليونان تسعى لجذب صنّاع السينما الأجانب
شادي الأيوبي – أثينا

تسعى الحكومة اليونانية إلى اجتذاب صناع السينما العالميين ووسائل الإعلام المرئي والمسموع إلى اليونان وذلك عبر مشروع قانون جديد يتميز بالمرونة والقدرة على منافسة البلاد الأوروبية الأخرى والبلاد المجاورة.
ويعكف مسؤولون من عدة وزارات في الحكومة الحالية على الإعداد لمشروع القانون المطلوب، فيما توصّلوا إلى ضرورة تشكيل هيئة يرجع إليها المنتجون الأجانب في مسألة التراخيص وكل ما يتعلق بعمليات الإنتاج السينمائي، ويوكل إليها القيام بتسهيلات ضريبية وفقاً للقوانين المعمول بها في سائر البلاد الأوروبية.
الخطة الحكومية تعوّل على الاستفادة من طبيعة اليونان ومناخها الجميل ومن الأماكن الكثيرة المناسبة للتصوير والموجودة في بقعة جغرافية صغيرة، وهو ما يُسهِّل إنتاج أفلام مختلفة بالتوازي مع تخفيض قيمة الإنتاج، إضافة إلى وجود ممثلين وتقنيين وممثلين بديلين يونانيين، وكل هؤلاء كانت لهم إسهامات في أعمال فنية ذات مستوى عالمي.
عوائق بيروقراطية
المخرج السينمائي “فاسيلس كارفيس” قال إن القوانين اليونانية لا تزال حتى اليوم لا تسهل على الإطلاق قدوم المنتجين الأجانب إلى اليونان للقيام بتصوير وإنتاج أفلامهم فيها، بل تخنقهم بكل معنى الكلمة بفعل البيروقراطية التي تملؤهم بالشعور بعدم الأمان، وتخلق لهم عدم وضوح في مواعيد بدء وإنهاء الفيلم، أو المَشاهِد المخطط لها أن تتمّ في اليونان. وقال إن تلك المواعيد صارمة جداً للإنتاج الأجنبي.

وأضاف كارفيس للجزيرة الوثائقية، لا أعلم بالضبط مقدار الضرائب التي تُفرض على إنتاج أفلام أجنبية في اليونان، لكن تلك الضرائب، إضافة لعائق البيروقراطية، تجعل أي فكرة للقيام بتصوير مشاهد لإنتاج أجنبي في اليونان صعبة للغاية.
وأوضح أن اليونان مناسبة لتصوير جميع الأفلام السينمائية – مع صعوبة السيطرة على النور- بما فيها من أماكن خلابة وإمكانية تغيير الأماكن بوفرة والمناخ الفريد الذي يعطي إمكانية للتصوير لأيام كثيرة خلال فصلي الربيع والصيف بشكل خاص، وهي المتطلبات الأساسية لأي إنتاج. إضافة لما ذكر، تُشكِّل اليونان مكاناً تاريخياً يعطي واقعية لكل أنواع الإنتاج السينمائي مثل الإنتاج التاريخي أو الميثولوجي، الذي ينتشر كثيراً في الفترة الأخيرة. واعتبر كارفيس أنه من الواجب أن تجري تسهيلات في مسألة الضرائب، كما يجب إلغاء البيروقراطية بأكملها لكي يتم منح التراخيص للإنتاج بشكل فوري ودون عوائق في التفاصيل.
وقال إن المؤسف في الموضوع أن اليونان لم تواجه مسألة الإنتاج السينمائي بتخطيط محدد وآفاق واحترام، معتبراً أن اليونان لم تنجح أبداً في إنشاء مدرسة سينمائية موحدة – أي بنبرة واحدة ونظرة واحدة وجمالية واحدة – وهذا له علاقة بشكل خاص بالطريقة التي كانت الحكومات والمفكرون يرون بها السينما. وقال إن جذور الأزمة التي تعيشها اليونان مؤخراً في مجال السينما تعود إلى الماضي والطريقة التي نقارب بها السينما. واعتبر كارفيس أن الأزمة الاقتصادية ليست المسؤول الوحيد عن عدم تطوير البرامج والأفكار وإكمال المشروعات، وقال إن السينما لم تقابل أبداً بجدية فعلية في اليونان، لكنه قال إن المبشر أن هناك استثناءات لمبدعين يحاولون – مثل المخرج اليوناني لانثيوموس- وهؤلاء ينجحون في التميز والإبداع.
تأثيرات اقتصادية
وتقول دراسة لمعهد الأبحاث الاقتصادية والصناعية نهاية السنة الماضية تحت عنوان ” إنتاج الأفلام السينمائية في اليونان: تأثيرات على الاقتصاد” إن إنتاج الأفلام السينمائية في اليونان له تاريخ طويل، وبعض تلك الأفلام تميز في مسابقات عالمية، لكن المعترف به هو أن أثينا متأخرة مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى في مجال جذب شركات الإنتاج السينمائي الأجنبية، إلى درجة أنه تمّ إنتاج أفلام ذات علاقة بالميثولوجيا اليونانية في بلاد مجاورة.
وتوضح الدراسة أن صناعة السينما في اليونان استقرت خلال أعوام 2000 ثم تراجعت بعدها، وخلال أعوام 2010-2013 كانت نسبة التراجع 14% لكل سنة. وقدّرت أن إنتاج عشرين فيلما سينمائيا سنوياً بمعدل تكلفة 450.000 يورو يؤدي إلى مضاعفة الناتج المحلي بمقدار 14.2 مليون يورو، ويخلق 272 فرصة عمل، كما أن عمليات الإنتاج القريبة من هذا المجال مثل الإنتاج التلفزيوني والإعلانات ترفع الإسهام الكلي للإنتاج إلى 686 مليون يورو، منها 108 مليون يورو من الأرباح الفورية. يضاف إلى هذا أن إنتاج الأفلام السينمائية سيشجع قدوم المزيد من السياح إلى البلد، حسب الدراسة، فإنتاج أفلام مثل “مندولين الرقيب ” في جزر كيكلاديس أدى إلى زيادة مهمة في نسبة السياح الذين زاروا تلك الجزر، كما أن Lara Croft: Tomb Raiderكوريلي” و”
إنتاج أفلام أخرى في مناطق يونانية مختلفة أدى إلى نتائج مماثلة.
ولفتت الدراسة النظر إلى أن دولة أوروبية مثل إسبانيا خصصت مكتباً في كل مدينة من مدنها لجذب صناع السينما، وأن دعم الإنتاج السينمائي من دول الاتحاد الأوروبي يتجاوز مبلغ 3 بليون يورو سنوياً، عبر برنامج التحفيز الأوروبي الذي يتراوح ما بين 15-30% من التكلفة الإجمالية للإنتاج. وخلصت إلى أن النهوض بقطاع السينما لا يمكن أن يتمّ بالاعتماد على الموارد المحلية وحدها، نظراً للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلد، وإلى ضرورة إجراء تعديلات على القوانين الحالية الخاصة بتمويل قطاع الإنتاج السينمائي.