دراما رمضان: الواقع والفانتازيا

أسامة صفار

مسلسل “أستاذ ورئيس قسم”

أكثر من ثلاثين مسلسلا تليفزيونيا تعرضها الفضائيات المصرية في الشهر الكريم, جميعها تقريبا يبلغ عدد حلقاته ثلاثين حلقة ويبلغ زمن الحلقة الواحدة 45 دقيقة بما يعني نحو 22 ساعة دراما يوميا وهو كم من الوقت لا يمكن لشخص متابعته, وبقدر ما يمنح ذلك الكم الهائل لكل مشاهد فرصة الاختيار فإنه يجعل من رمضان شهر المسلسلات بالنسبة لمجتمع يفترض فيه المزيد من العمل لتجاوز الأزمة الاقتصادية و المزيد من العبادة.

 وإذا كانت التكلفة الكلية قد بلغت ما يقرب من نصف مليار جنيه مصري (70 مليون دولار) فإن العام 2010 والذي سبق ثورة يناير مباشرة كان قد شهد إنتاج 70 مسلسلا وصلت تكلفتها إلى مليار جنيه مصري في ذلك الحين.
وبين عامي  2010 و 2015 جرت في النهر مياه كثيرة حيث ولد الأمل في مجتمع عادل وقُتل أيضا، وترجمت الدراما الرمضانية في سنواتها الخمس تلك التحولات بأشكال مختلفة وزوايا متغيرة، وبينما قدم بعض صناع الدراما ما اعتادوا تقديمه من سنوات طويلة متجاهلين تماما تلك التحولات التي ظلّت سياسية ولم تقارب الواقع الاجتماعي إلا في مساحات الحزن والفقد والاستقطاب، فإن آخرين قرروا خوض المواجهة على الشاشة الصغيرة ليقدِّموا رسائلهم بشكل خطابي في أغلب الأحيان والظاهرة الأكثر لفتا للنظر هو ذلك التحول نحو الفانتازيا بما يعنيه ذلك من هروب من واقع اجتماعي أكثر سوءا مما يحتمل صانع الدراما التفاعل معه.

وتعكس دراما رمضان 2015  الواقع المصري بشكل يشبه المرآة تقريبا, حتي أن مصطلح الفن هو الواقع تقريبا, أصبح يحتاج لمراجعة دقيقة، إذ نقل بعضهم الواقع السيء من دون معالجة فنية واختيار فأصبح التواجد في حارة خلفية بمنطقة عشوائية في القاهرة مساويا تماما لمشاهدة مسلسل !
وبين الظاهرة الاجتماعية والفنية تكمن تلك العلاقة العضوية حيث تنتج الثانية عن الأولي في الغالب الأعم، وإذا حدث الاستثناء وأعادت الظاهرة الفنية إنتاج نفسها بمعزل عن مجتمعها فإنها تحكم على نفسها بالموت السريع حتي لو استندت إلى سلطة رأس المال والسياسة معا, ذلك أن الجمهور هو الهدف النهائي للعمل الفني .

ولا يقتصر مصطلح “الواقع” الذي تُعبِّر عنه الدراما المصرية هذا العام علي تقليد الشارع بكل ما فيه من سيء وقبيح وجيد دون سقف فني يحمي المشاهد من القبح ولكنه – أي المصطلح – يتسِّع لتصوير تلك الحالة الذهنية – التجارية التي يعيشها صناع الدراما المصرية بمعزل عن مجتمعهم.
ولعلّ حكاية الدراما التليفزيونية في مصر وانحدارها إلى مستوى يراه البعض هو الأسوأ، تنطلق منذ استنفذت السينما رصيدها لدى الجمهور في منتصف العقد الأول من القرن العشرين واقتصر حضور الجمهور للأفلام علي موجة الكوميديا الشهيرة التي بدأت بفيلم إسماعيلية رايح جاي عام 1997 وبالتالي تم طرد كبار النجوم والنجمات من الشاشة الذهبية بسبب كبر السن وتصميم الكثير منهم على تقديم شخصيات عشرينية بينما تجاوزت أعمار بعضهم الخمسين.

واستقرّ هؤلاء بما بقي لهم من رصيد شهرة في الدراما التليفزيونية طاردين نجوم التليفزيون إلى بيوتهم أو إلى أدوار الصف الثاني، ومن ثم اصطحبوا معهم عيوب صناعة السينما إلى التليفزيون فانتشرت ظاهرة كتابة المسلسل من أجل البطل، بالإضافة إلى حالة “المقاولات” التي انتشرت في الأعمال السينمائية.
وتتمتّع السينما بقدر أكبر من التحرُّر على المستوى القيمي وهو ما اصطحبه معهم النجوم إلى بيتهم الجديد في التليفزيون، وتطور هذا العام بشكلين مختلفين حيث استخدم ألفاظ جارحة وخاصة في مخاطبة النساء، ولكن الوجه الإيجابي الحقيقي هي جرأة تناول قضية الإدمان والتي تألقّت خلالها نيللي كريم في مسلسل “تحت السيطرة” وكتبته السيناريست ماريام ناعوم.

وليس غريبا إذن أن يُقدِّم الممثل أحمد السقا مسلسلا – على مقاسه – وهو “ذهاب وعودة” ومن ثم رفيق الجيل كريم عبد العزيز بمسلسل “وش تاني” فيسقطان تماما من قائمة المشاهدة ومعهما عميد نجوم مصر عادل إمام الذي صدم جمهوره من جديد حيث راهن الكثيرون على مسلسل “أستاذ ورئيس قسم” من تأليف السيناريست والصحفي يوسف معاطي وإخراج رامي إمام، ولم تكن الصدمة في كون المسلسل ضعيفا فنيا فقط ولكن لأن النجم الذي تربّع على عرش الإيرادات السينمائية لما يقارب ثلاثين عاما وتجاوز عمره الآن الخامسة والسبعين لم يقم بتصحيح مواقفه السياسية، والتي أعلنها خلال يناير 2011 ما حدا بالثوار لوضعه علي رأس قائمة سوداء تضم أعداء الثورة, بل قام من خلال المؤلف يوسف معاطي بتحويل هذه الآراء إلى رسائل من خلال حواره في المسلسل.
إمام لم ينج من هجومه (الدرامي) أي فصيل ثوري لم يقترب من أسباب الثورة والتي طالما أبحر فيها وبعمق خلال أفلام سينمائية سابقة مثل “اللعب مع الكبار” و “طيور الظلام” و “أمن دولة” وغيرها.

قدّم إمام شخصية نمطية تصلح للتخزين وهي لأستاذ جامعى يساري الفكر يعمل في كلية الزراعة، وثائر على الأوضاع السياسية قبل ثورة 2011 يخوض أحداث ثورة 25 يناير ويتزامن ذلك مع انفصاله عن زوجته بسبب عدم الإنجاب و تولِّيه منصبا حكوميا كبيرا في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير، وتتداخل صراعات شخصية تتزامن مع مفاجآت جديدة وصادمة تظهر في حياته.

وفي إطار الهروب من الواقع لجأ صناع الدراما إلى الفانتازيا من خلال ثلاثة مسلسلات هي (ألف ليلة وليلة) المعتمد على مادة الكتاب الشهير، و(أوراق التوت) الذي يستلهم حكايات ألف ليلة وليلة بتصرف كبير، ثم (العهد : الكلام المباح).

مسلسل “أوراق التوت”

ينطلق مسلسل ألف ليلة وليلة من حكايتين ترويهما “شهرزاد” لملكها “شهريار”، وبوجهة نظر جديدة لعلاقة “شهريار” بقتل النسوة، بادئا كعادة الأعمال التي تحمل عنوان (ألف ليلة وليلة) مما يسمى بالحكاية الإطار، أي حكاية الملك المنتقم من النساء “شهريارمع الحكاءة المثقفة شهرزاد” ، تتوازى معها حكايتان تشغل كل واحدة منهما نصف حلقات المسلسل، وتدوران في عوالم لا يعرفها الملك القابع داخل مملكته، تثير انتباهه وتؤخِّر قطع رقبتها، لاغيا فكرة خيانة زوجة “شهريار” له، ليلصقها بزوجة أبيه الملك “فخريار” التى خانته مع عبد له، دافعا بالابن “شهريار” الشاب بالتعهد لأبيه بالزواج بامرأة كل ليلة وقتلها لحظة صياح الديك معلنا قدوم الفجر، مما يجعل من فعل انتقامه من النساء فعل النائب عن المخدوع وليس المخدوع ذاته، فلا يكون قتله للنساء فعلا انتقاميا له، وهو ما يؤدِّى لتخفيف شعوره بالخيانة الزوجية، حينما تنجح “شهرزاد” التي قدّمت نفسها زوجة له، فداء لأختها “دنيا زاد” بنفسها، كبداية لفداء كل نساء المملكة، وتستخدم حكاياتها لتأخير فعل قتلها، حتى يتسنّى لها هي قتله ذات ليلة، دون أن تدرك أن حكاياتها هذه ستُغيِّر من حياتها وحياة “شهريار” نفسه.

ويقدم مسلسل “أوراق التوت”  الطبيب العربي المسلم الملقب بـ”ابن أحمد”، والذي خرج من وطنه العربي إلى الهند ليجلب لخليفة البلاد أعشابا طبية تشفيه، وفى طريق العودة تتحطم سفينته على شواطئ الهند ويغرق كل من فيها، فيما عدا هو وأسرته الصغيرة، التي تقذف بها وبه الأمواج لشاطئ مملكة (درامهان) الخيالية ومليكتها “ليلانتا” التي تصارع مملكة خيالية أخرى تدعى (شارنقاه) وإمبراطورها “ديوسيوس” ، ليجد هذا الطبيب نفسه وسط هذا الصراع المحتدم بين أقوى بلدان العالم القديم، فيعمل بهدى دينه على إصلاح مملكة (درامهان) عقب إنقاذ الملكة من محاولة اغتيالها بالسم، على يد مستشارها الأول “مازيلا” ، ووصيفتها “أليسيانا”، فتزج بهم في السجن، ليصبح “ابن أحمد” مستشارها الأمين، والناقل للمملكة بسلوكه وأمانته ودماثة خلقه أفكار الدعوة الإسلامية دون غزو أو بحد السيف.
و قد تربّت أجيال من النجوم وكتاب السيناريو الحاليين على القصص البوليسية وأفلام التشويق الأمريكية وهو ما تثبته العديد من المسلسلات هذا العام، لكن الثابت أن هذا التشويق وهذه الإثارة كانت بدايتهم تالية لثورة يناير 2011 إذ اضطر المنتجون للاستعانة بالشباب من الكُتّاب بعد أن كانت حالة نادرة.

وحقّقت بعض الأعمال حققت نجاحاً ومنها “رقم مجهول”، “اسم مؤقت” و”الصياد” ليوسف الشريف، و”المواطن إكس” و”طرف ثالث” وغيرها من المسلسلات التي دفعت الكثير من الفنانين للقبض على النمط نفسه طمعا في اقتسام النجاح.
ويُعرَض مسلسل “لعبة إبليس” وهو التجربة الرابعة لبطله يوسف الشريف في أعمال التشويق والإثارة، ويقدم خلاله دور ساحر، أما مسلسل “ظرف أسود” فيناقش فكرة الخيانة الزوجية وما يترتب عليها من أحداث.
وينتمي إلى النوع نفسه مسلسل “بعد البداية” الذي يناقش  قصة صحفي مطارد من بعض رجال الأعمال والسياسة الذين يهاجمهم في كتاباته.
ويُناقش كريم عبدالعزيز في إطارٍ إجتماعيّ من خلال مسلسل “وش تاني”  قضايا رجال الأعمال والصراع الدائر بينهم واختلاس قوت الشعب وأمواله والهروب بها خارج البلاد.
وفي مسلسل “حق ميت” نجد قضية شاب يتعرّض للظلم في حياته ويتم القبض عليه ومحاولة إعدامه , لكن مذيعة تتبني موقفه و تقف للدفاع عنه .


إعلان