المهرجان الدولي لفيلم الهواة بتونس

وسيم القربي – تونس

تنعقد بمدينة قليبية الدورة الثلاثون للمهرجان الدولي لفيلم الهواة في الفترة بين 9 و15 أغسطس 2015. في مدينة قليبية، التي تتموقع في الشمال الشرقي للجمهورية التونسية وتبعد عن العاصمة حوالي 120 كلم، تستعد القلعة الشامخة في هذه المدينة لتكون شاهدا على حركة سينمائية تُعزِّز الحركة السياحية في هذه المدينة الساحرة. وككل سنة تتجّه الأنظار من المولعين بالسينما نحو مسرح الهواء الطلق للسهر تحت ضوء القمر لمشاهدة إبداعات الهواة من العالم… صور، أفلام، أحلام، إحباطات، أحزان، احتفاء، أفراح… معاني عديدة تجعل من ذلك الفضاء مسرحا لزغاريد العشق كل ليلة.

رشيد مشهراوي في قليبية، والسينما الفلسطينية ضيفة هذه الدورة:
يعتبر المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية أول مهرجان عربي وإفريقي، حيث تأسّس سنة 1964 لتترجم حركة الهواة وعيا فكريا من ناحية، وإرادة إبداعية من طرف الفاعلين في الحقل الثقافي من أجل تأسيس مشروع وطني يكون نواة حقيقية لسينما تونسية.
ساهمت حركة نوادي وهواة السينما في إنتاج أرضية ثقافية ملتزمة استطاعت أن تنشر الثقافة السينمائية لدى المولعين بالفن السينمائي في ظلّ حركة يسارية وطلابية فاعلة، حيث يحتفي المهرجان بذلك المنتوج المحلي من ناحية، وتكون كل دورة احتفاء واحتكاكا بالسينمات الأخرى لا سيما من التجارب القوية من أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية… ويسجّل مهرجان السينمائيين الهواة بقليبية شرف مرور العديد من النقاد والجيل السينمائي التونسي والدولي حيث يمكن أن نذكر رضا الباهي وفريد بوغدير من تونس وأحمد بن كاملة من الجزائر وناني موريتي من إيطاليا. كما شهد ذلك المسرح البسيط زيارة عمالقة من السينما العالمية على غرار يوسف شاهين وميشال خلايفي وبابلو سيزار وقاستون كابوري.

السينما في هذه المدينة هي حكاية عشق،  ولا تخلو كل دورة من قلوب متعلقة بفلسطين، حيث تعتبر القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزّأ من دورات هذا المهرجان المحدود الإمكانيات لكنّ ما يؤجّج جمالياته ويزيد من بريقه هو ذلك الالتزام والشغف
.
وضمن الدورة الثلاثين لمهرجان فيلم الهواة بقليبية، يكون الافتتاح بعرض الشريط الوثائقي “رسائل من اليرموك” للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي نقل من خلاله مآسي المخيّم وينقل لنا تفاصيل الحياة هناك ومعاناة الفلسطينيين في ظل العوائق والإكراهات، أخرج مشهراوي عدة أفلام بداية من “جواز سفر” سنة 1986، إثرها بدأ بمسيرة نضالية داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها ليساهم في التعريف بالقضية الفلسطينية في المهرجانات الدولية خاصة عبر فيلمي “حتى إشعار آخر” و”حيفا”.

وسيرأس رشيد مشهراوي لجنة التحكيم الدولية بعضوية كل من الممثلة التونسية زهيرة بن عمار والممثلة الجزائرية ريم تاكشوت والناقد السينمائي البوركيني جيستان اورو والباحثة الهولندية إيوانا ويتشوف. ويبلغ عدد الأفلام المشاركة في هذه المسابقة الدولية ثلاثون فيلما من تونس والمغرب ومصر وسوريا والعراق والعربية السعودية وفلسطين وسوريا ولبنان وإيران وأفغانستان والكونغو وساحل العاج وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وسويسرا وأوكرانيا وروسيا والسويد والبرازيل والإكوادور وكولومبيا.

جانب من عروض المهرجان

وتشارك العربية السعودية وأفغانستان لأول مرة في هذا المهرجان بفيلم “العربة” للمخرج محمد سلمان و”تويز” للمخرج علي حكيم. كما ينافس في المسابقة الفيلم السوري “التصاق” لعمار عبد الله الشويلي، ويشارك كل من محمود خلاف وفداء نصر من فلسطين بفيلمهما الوثائقي “قصص واحدة”، ومن إسبانيا الفيلم الوثائقي “المواطن توراليا” في ما تشارك المصرية نيفين شلبي بفيلمها “العودة”.
أما في المسابقة الوطنية فتضمّ 17 فيلم من إنتاجات مدارس الفنون والسينما ونوادي الهواة والمستقلين.

ويحضر في أيام المهرجان مجموعة من السينمائيين المحليين مثل مدير أيام قرطاج السينمائية إبراهيم اللطيف، كما ستكون هذه الأيام فرصة لإدارة مجموعة من الندوات تتناول مواضيع السينما الفلسطينية، وتقييم الإنتاجات السينمائية المحلية، وقد أكدّ مدير المهرجان أيمن الجليلي أنّ “هذه الدورة هي بمثابة الاحتفاء بفلسطين ودعم للقضية، وقد سعى رفقة المكتب المسيّر لدواليب المهرجان إلى ضمان النجاح ومزيد من دفع نسق التكوين ليكون المهرجان فرصة للشباب في تونس للتنافس والاطلّاع على التجارب الأخرى”.

الهواية… الغواية… والعشق: أي مفهوم؟
إذا كان حضور المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في مدينة قليبية حدثا يُحسب للقائمين على المهرجان باعتبار أنّ السهرات السينمائية ستكون حتما شيقة، فإنّ العديد من التساؤلات تُطرح على إدارة المهرجان لعلّ من أبرزها: أي مفهوم لسينما الهواة اليوم؟ أي مفهوم للسينما المستقلة؟ وأي مفهوم للعشق السينمائي؟

قد تكون كلمة الهواة محرجة للبعض، وقد تكون بمعنى آخر في مصطلحها الفرنسي إحالة إلى معنى المبتدئ، كما يمكن أن تحيل في سياق آخر على غياب البعد التجاري في الفيلم. لنفترض أنّ المقصد اليوم من مفهوم الهواية هو العشق في ظلّ التطوّر السينمائي الحاصل بسياقه التكنولوجي، فإنّ غاوي السينما يحتاج إلى توضيح يواكب تيمة هذا المهرجان العريق ويحافظ على تخصّصه الرائد، لكن الدورات الأخيرة طرحت مجموعة من التساؤلات على هذا المستوى خاصة في ظلّ اندساس بعض الأفلام المحترفة في البرمجة وهو ما يقلّص من مصداقية التوجّه، كيف يمكن إدماج جميع الأجناس السينمائية في مسابقة واحدة؟ أي حضور لسينما المدارس؟ لا زلنا نذكر في سنوات الصغر أنّ عدد الأجانب الذين يحضرون هذا المهرجان العريق يتجاوز في العديد من الأحيان الخمسين ولا زلنا نذكر أنّ المدارس السينمائية العالمية تتسابق للحضور، ولا زلنا نذكر السهرات السينمائية الحقيقية، لكن نسق اليوم لم يعد كما كان بالأمس في ظل العشوائية التي تحيل إلى الفعل الهاوي بمفهومه القاتم والانغلاق الذي يسود عند بعض المسؤولين وحضور القوالب السينمائية الجاهزة.

الالتزام في حدّ ذاته ليس ترديد شعارات قديمة ورنانة، وقد يكون تجاوز جون بيار جونكولاس” في تحليله باعتبار “أنّ الالتزام السينمائي يهمّ بالأساس فترة ما بعد الاستعمار حيث نشأت حركات اليسار، إلى جانب السينما التجارية والتلفزيون الحكومي، وسط عدد كبير من ذوي تيار التوجه الاشتراكي وخاصة في الوسط الطلابي، مما أتاح التوجّه السياسي”.
قد يكون الالتزام في تونس ما بعد الثورة يشهد بدوره تأزّما على اعتبار أنّ تونس اليوم أصبحت مجالا خصبا وحرّا تجاوزت به زمن الديكتاتورية. والالتزام السينمائي اليوم لم يعد مقاومة للإيديولوجي بقدر ما يجب أن يكون مقاوما للمؤسسة الرسمية اللاواعية في حدّ ذاتها وللمحسوبية وغياب الفعل السينمائين على اعتبار أنّ ميزانية هذا المهرجان العريق حافظت على رقم مخجل لا يتجاوز العشرين ألف دولار ومسرح لم يعد يتّسع للمولعين بالفنّ السينمائي.
 الالتزام اليوم يحتاج إلى تحيين الوعي حتى يستجيب مع الشرط التاريخي ويقاوم التسيير الثقافي الراهن الذي يقتل الإنتاج السينمائي، وإلا فإنّ مقولة السينما تستوجب إسقاطا للقيم ستكون الأصلح وهو ما لا يتوافق مع مبادئ الغواية والعشق. السينما هي الإحساس والالتزام هو الصدق وسينما الهواة هي حركة إبداعية مؤسسة لمشروع فكري وطني ساهم كبنية إبداعية عريقة في دفع الحركة الثقافية في تونس.


إعلان