بوليوود تتجّه غربا
ندى الأزهري – نيودلهي

لا يفتح مهرجان “كان” الأبواب أمام سينما العالم لتُعرض خلاله فحسب، بل هو يمنحها كذلك فرصة التوزيع في دور العرض الفرنسية والأوروبية.
من ضمن هذه السينمات، السينما الهندية التي تشقّ طريقها بثبات نحو الأسواق العالمية. بالطبع ليس المقصود هنا السينما الشعبية المُسمّاة “بوليوود”، فتلك شقّت طريقها منذ زمن نحو قلوب الجماهير في كل مكان لا سيما حيث تتواجد جاليات هندية كبيرة، إنما المقصود هذا التيار الجديد في السينما الهندية الذي يسعى لإيجاد طريقه بين زحمة أفلام “بوليوود”.
سواء في بلد المنشأ أم في البلدان الغربية، فرنسا على سبيل المثال، تتزايد عروض الأفلام الهندية “الأخرى” التي تُمثِّل هذا التيار المسمى” الموجة الجديدة” أو “السينما البديلة”، البعيد عن أساليب السينما الجماهيرية المنتجة في مومباي.
كتبت شركة توزيع فرنسية متخصصة بالأفلام الهندية على موقعها الإلكتروني أن عروض الأفلام الهندية في فرنسا لا تتجاوز فيلما كل سنتين أو ثلاث. اليوم وضع مغاير، فخلال أقل من شهرين في فترة الصيف مثلا، تصدّرت ثلاثة أفلام هندية مستقلة الصالات الفرنسية التجارية الكبرى وتلك التي تعرض أفلام فن وتجريب.
أول هذه الأفلام فيلم ” تيتلي” (Titli) الذي عُرض في مهرجان كان 2014 قسم ” نظرة ما” ورُشّح لجوائز عدة، ينتمي الشريط إلى سلسلة أفلام عنف تطبع بعض أفلام السينما الهندية المعاصرة، مثل “عصابة واسي بور” و” مس لافلي” اللذان سُبق وعُرضا في”كان” 2012 في “أسبوعي المخرجين” و”نظرة ما” على التوالي.
“تيتلي” أو الفراشة باللغة الهندية، للمخرج كانو بهل صُوِّرت أحداثه في ضواحي دلهي. “تيتلي” أصغر أفراد عائلة مختصة بسرقة السيارات باستخدام العنف. يحاول الشاب مقاومة سيطرة العائلة التي تدفعه في طريق الجريمة فيكون نصيبه زواج بالإكراه، لكنه يجد في زوجته الشابة حليفة غير منتظرة لتحريره من سطوة المحيط الأسري فهي تقاربه في طموحاته، تغذيها أحلامها هي الأخرى بالتخلُّص من ثقل العائلة والهرب بعيدا.
في الآن ذاته تصدر الشاشات الفرنسية “ماسان” لنيراج غيوان الذي عُرض في كان 2015 في قسم “نظرة ما”، ولم يكتفِ الفيلم بالترشيحات للجوائز بل نال اثنتين: جائزة التحكيم الخاصة للمهرجان إضافة إلى جائزة لجنة التحكيم الدولية “فيبريسي”.

يرسم الفيلم صورا حقيقية و لوحة شديدة القتامة لهند متأرجحة بين المعاصرة والتقاليد، من حب لشابين من طبقتين مختلفتين، إلى طالبة شابة تعيش معذبّة لشعورها بالذنب بعد انتحار حبيبها، مرورا بشخصيات فقدت وازعها الأخلاقي بسبب جشعها وبحثها عن المال.
ولم يكدّ هذا الفيلم يغادر حتى حلّ فيلم “أومريكا” للمخرج براشانت نير. يطرح هذا العمل مشكلة الاغتراب بمعناه الواسع عبر الحديث عن حلم الهجرة وكل ما يحيط بهذا الحلم من أوهام. خلافا للفيلمين السابقين لم يُعرض هذا الفيلم في مهرجان كان ولكنه عُرض في الدورة الأخيرة لمهرجان سندانس وحصد جائزة الجمهور.
تلك الأفلام التي تُحقَّق بميزانية ضئيلة، تلقى من الجمهور في فرنسا قبولا متزايدا، خجولا أحيانا بيد أنه يتزايد بانتظام. نذكر على سبيل المثال فيلم “بشع” (UGLY) لأنوراج كاشياب. عُرض الشريط في “أسبوعي المخرجين” في كان 2013 وفي مهرجانات أخرى حاصدا عدة جوائز ساهمت في توزيعه تجاريا في فرنسا، وهو فيلم لم تتجاوز ميزانيته المليون ونصف دولار تقريبا.
كذلك حال الفيلم الشاعري “المطبقية” أو (Lunch Box) لريتش باترا الذي لم تتجاوز ميزانيته المليون دولار. فيلم عاطفي رقيق يعتمد استثناء” قدريا” ليرسم بعضا من ملامح الحياة اليومية في مدينة مومباي وليرصد بعضا من شخصياتها حيث تدخلّ القدر ليقود حياة فردين وليحدث فيها تغييرا ما كان ربما ليحدث لولا هذا التدخل. عرض الفيلم في الصالات بفرنسا عام 2013 بعد عرضه في “أسبوع النقاد” في كان، و قاربت أعداد التذاكر المباعة لمشاهدته في فرنسا النصف مليون، وهو رقم معتبر لفيلم أجنبي ومخرج غير معروف، فهو الفيلم الروائي الأول للمخرج ريتش باترا الذي يمثل الموجة الجديدة في السينما الهندية المعاصرة.
ذائقة الناس لا تتطور تجاه هذه النوعية من الأفلام الهندية في الغرب عامة وفرنسا تحديدا فقط بل في الهند أيضا. وحتى في أفلام بوليوود تغيّر الوضع. فهي الآن أكثر قربا من الحياة الواقعية ومن الناس ولم تعد فقط تجارية. وثمة جمهور اليوم لا يرغب فقط برؤية أفلام بوليوود بل يقبل نحو سينما أخرى. وفيما كان يُنظر في السابق، حتى من قبل بعض النقاد، نظرة حذرة للأفلام الهندية التي تُعرض في المهرجانات فثمة تحول اليوم في هذه النظرة وهو يُقبل عليها شيئا فشيئا. يمكن القول أن السينما الهندية الجديدة تلقى نجاحا نقديا وجماهيريا في فرنسا وفي..الهند.