مهرجان أوروبا الشرق بطنجة
المصطفى الصوفي
تعتبر مدينة طنجة المغربية، التي يطلق عليها عروس الشمال، قبلة الكثير من عشاق السينما، وذلك بالنظر إلى أهمية المهرجانات والتظاهرات السينمائية التي تقام فيها، ومن أبرزها، المهرجان الوطني للفيلم، والذي يكرم أهم الأفلام المغربية الجديدة في كرنفال احتفالي سينمائي يعرف بالإنتاجات الوطنية، فضلا عن عقد منتديات، وتكريم شخصيات سينمائية بصمت تجربتها الفنية بالتميز.
وإلى جانب المهرجان الوطني للفيلم، نجد أيضا المهرجان الدولي للفيلم، هذا فضلا عن الكثير من اللقاءات والأنشطة السينمائية الخصبة التي تنظمها المراكز الثقافية والجمعيات، ومنها المركز الثقافي الفرنسي، ومعهد سرفانتس الإسباني، ما يجعلها مدينة السينما بامتياز.
قضايا وجدانية وإنسانية
هذا العام يضاف إلى المدينة الحالمة، مهرجان آخر، كان يعقد سابقا في مدينة أصيلة، ويتعلق الأمر بالمهرجان الدولي “أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي”، والذي يحتفل هذه السنة بنسخته الرابعة ضمن المهرجانات المغربية التي قال عنها وزير الاتصال المغربي مصطفى الخلفي أنه “مهرجان ولد كبيرا وسيبقى كبيرا”.
وقيمة المهرجان الذي يقام هذا العام من 26 إلى 29 من شهر أكتوبر الجاري، أنه ينفتح على السينما الوثائقية من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن كثير من الأكاديميين والنقاد وصناع السينما الوثائقية في منطقتي أوروبا والشرق، ويمنح جائزة مهمة يطلق عليها اسم جائزة الجزيرة الوثائقية، والتي كان قد فاز بها في إحدى دوراتها السابقة الفيلم الفلسطيني” ناجي العلي في حضن حنظلة” لمخرجه فايق جرادة.
دورة هذا العام التي تقام في مدينة طنجة، تحمل الجديد، وتراهن على الفيلم الوثائقي، حيث تتضمن العديد من الأفلام التي تم اختيارها بعناية من قبل لجنة انتقاء متخصصة، في أفق تقديم فرجة خالصة، والبحث عن تتويج أحسن وأجمل الأفلام المؤثرة والممتعة.

الزدجالي يحكم المسابقة الرسمية
وفي قراءة لبرنامج دورة هذا المهرجان الذي تنظمه الجمعية المغربية للدراسات الإعلامية والأفلام الوثائقية، نجد أن لجنة التنظيم حاولت قدر الإمكان أن تُنوِّع في الفقرات والأنشطة الموازية، ما يعطي لهذه المهرجان خصوصيته، وقيمته التثقيفية والإبداعية، وذلك من خلال تخصيص مسابقتين وعقد ندوات ومنتديات وورش تكوينية، فضلا عن تقديم كتب وتكريمات ومعارض وغيرها.
وبالنسبة للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لهذه الدورة، فقد تم حصرها في عشرة أفلام، من أصل 200 فيلم وصلوا للجنة المنظمة للمهرجان.
والأفلام هي”كمال جنبلاط الشاهد والشهيد” للمخرج هادي زكاك من لبنان، ثم “البوخاراس” لطابو للمخرج الإسباني بلانكو رافائيل ، و” بيت بيوت”، لمخرجته الفرنسية من أصل لبناني نداين ناعوس، و”من لولا إلى ليلى” للمخرجة ملينا بوشات من بلجيكا، إضافة “ضباب سريبرينيتسا” لمخرجه البوسني سامير ميهانوفيتش، و”طائر الشمس” للمخرج عياد نبع من فلسطين، والمغربي “رجاء بنت الملاح” لعبد الإله الجوهري، الفيلم الجزائري الفرنسي”عائلتي بين أرضين” لمخرجته نادجة حاريك، و”ثلوث الحجاب” للمخرج مازن الخيرات من الإمارات العربية المتحدة، و”آثار الإسلام في اليونان” لمخرجه كمال سيفتسي من تركيا.
ويحكم أفلام المسابقة الرسمية، لجنة متخصصة يترأسها رئيس مهرجان مسقط السينمائي الدولي، رئيس الجمعية العمانية للسينما، ونائب رئيس الجمعيات السينمائية العربية، المخرج والمؤلف خالد بن عبد الرحيم الزدجالي من سلطنة عمان، وتضم اللجنة المنتج السينمائي خالد الزايري من المغرب، والمخرجة الإسبانية إيرين غوتريز، والمخرجة والمنتجة والإعلامية الفلسطينية روان الضامن، إضافة إلى الفنانة والموسيقية الإسبانية جيورجيانا فيولانتي.
ورشات وإنتاج وحكي
كما خصصت الدورة إلى جانب هذه المسابقة الرسمية، مسابقة أخرى جديدة، لها لجنة تحكيم، وستمنح جائزة خاصة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، وعلى مستوى التكوين والتدريب، وفتح المجال أمام الهواة لاكشتاف عالم السينما الوثائقية، خصصت لجنة التنظيم ثلاث ورش حول السينما الوثائقية يؤطرها خبراء ومهنيون في المجال، حيث سيؤطر الورشة الأولى حول “الفيلم الوثائقي”، آلاء حمدان من دولة قطر، وهي من مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير، أما الورشة الثانية المخصصة لـ”الطفل المبدع”، فسيؤطرها المخرج المغربي عبد الغفار السالفي لفائدة تلامذة مدارس مدينتي طنجة وأصيلة، فيما ورشة “كيف نوثق مدينة طنجة”، فسيؤطرها المخرج السينمائي المغربي المتخصص في الوثائقي، رشيد القاسمي، وهي موجهة لفائدة الطلبة المتخصصين في الفيلم الوثائقي، حيث سيتم تتويج هذه الورش الفنية بتقديم فيلم وثائقي في الحفل الختامي، وهو من إنجاز وإخراج المتدربين في تلك الورش.

وتعقد أيضا الدورة ندوتين بالمركز الثقافي محمد بوكماخ، الأولى حول موضوع “إستراتيجية تطوير وإنتاج الفيلم الوثائقي”، وتقام بشراكة مع الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام، بمشاركة مخرجين ومهنيين منهم جمال السويسي وحسن بنجلون وأحمد المعنوني ومهدي بكار، وطارق الإدريسي، ومراد بوسيف وكمال هشكار، أما الثانية التي تقام حول موضوع “أزمنة الحكي من الرواية إلى الوثائقي”، بشراكة مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، فيشارك فيها الإسبانيين ماريا روسا دي مدارياغا، وخافيير فنزويلا، ونبيل دريوش، والإعلامي والسيناريست عبد الله الدامون وعبد الرحيم البجوقي.
وضمن فقرة الاعتراف والتقدير لعدد من الأسماء الفنية التي قدمت خدمات جليلة للسينما الوثائقية تكرم الدورة من إسبانيا ماريا روسا دي مدارياغا، وهي مؤرخة وموظفة أممية سابقة باليونسكو، وتعنى بحوثها بالعلاقات الدولية والحوار بين الشعوب، من أهم مؤلفاتها في اطار العلاقات التي تجمع المعرب باسبانيا، “المغرب.. ذلك المجهول العظيم”، و”المغاربة الذين أتى بهم فرانكو”، و”عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الاستقلال”. ومن فلسطين تتحفي الدورة، التي تقام بدعم من جهة طنجة تطوان الحسيمة، وجماعة طنجة والمركز السينمائي المغربي ومجلس الجالية المغربية بالخارج ووكالة إنعاش وتنمية الأقاليم الشمالية، وبشراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج والغرفة المغربية لمنتجي الأفلام ، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بالاكاديمي نبيل العتيبي مدير الإنتاج الاسبق بقناة الجزيرة الوثائقية، ساهم في انطلاق عدد من القنوات الفضائية، وأنتج عددا كبيرا من الأفلام الوثائقية، كما تكرم الدورة السينمائي المصري جلال عبد السميع، والذي أنتج أزيد من 15 ساعة وثائقية، تنوعت بين المسلسلات التاريخية والأعمال الملحمية، اضافة الى المغربيين الكاتب ومقدم برامج وثائقية في اللفزوين المغربي من اهمها برنامجه الوثائقي الشهير حول البحر، والمنتجة والاعلامية في اذاعة طنجة الجهوية امينة السوسي.
سينما الحلم الواقع
صهيب الوساني مدير المهرجان قال في تصريح خاص للجزيرة الوثائقية، أن دورة المهرجان، الذي راهن التوسع والانفتاح نحو العالمية برؤية مغايرة عن السابق، تسعى بالخصوص على ترسيخ ثقافة الفيلم الوثائقي لدى الجمهور، وتقريب الفرجة البرصية للجمهور عبر تخصيص شاشات كبيرة في الهواء الطلق، وخاصة لدى الطلبة وتلامذة المدارس والمعاهد الفنية، وذلك من خلال الورشات، الأفلام المعروضة، التي تناقش مواضيع اجتماعية وكونية، وكذا من خلال الورش التي تعقدها الدورة، والتي يشرف على تاطيرها نخبة من المهنيين والمحترفين والمتخصصين في مجال السينما الوثائقية، مؤكدا على ان المهرجان برمته يبقى في الأساس تظاهرة احتفالية بالفن والإبداع السينمائي الوثائقي على اساس ان السينما الوثائقية، هي سينما الحلم، وسينما الواقع، وسينما المجتمع، وسينما الإنسان، وما تركه من ثقافة وحضارة وتاريخ، وأفراح وأتراح وذكريات، انها سينما مساءلة الذات والاخر، وطرح الكثير من الأسئلة العالقة التي يجب على جهات الاختصاص الاهتمام بها، والبحث لها عن حلول ممكنة للعيش بسلام في هذا العالم، فضلا عن تقريب أحلام المخرجين الدوليين الى الجمهور من خلال عرض أفلامهم الوثائقية التي يتطرقون فيها إلى مواضيع مختلفة.
واعتبر صهيب الوساني بالمناسبة، التي تستضيف لبنان كضيف شرف، ان مدينة طنجة تفخر باحتضانها هذه التظاهرة السينمائية الدولية بعدما كانت تقام في مدينة أصيلة، وذلك نظرا لقيمة الأفلام المعروضة، خاصة افلام مغاربة العالم، إضافة الى نخبة من الضيوف، الذين سيلتقون في مدينة طنجة المتوسطية، بحثا عن جماليات الفيلم الوثائقي، وتكريسا لروح الحوار والتواصل، وجعل السينما الوثائقية، معبرا حالما من أجل بناء عالم واحد تسوده المحبة والتسامح والتعايش بكل ما تحمله الكلمة من معنى.