احتفاء باريس بـ “جعفر بناهي” المحظور إيرانيا

المخرج الإيراني "جعفر بناهي"

ندى الأزهري

بالاستعادة الفرنسية لأعمال جعفر بناهي الكاملة في مركز جورج بومبيدو الثقافي في باريس، يعود هذا المخرج الإيراني “السجين” إلى الواجهة.

كلما خفت الحديث عنه في الغرب، يأتي فيلم له مصور خفية ليتصدر عروض المهرجانات، أو تتم استعادة أعماله أو تُجرى مقابلة معه .. كل ما من شأنه إنعاش ذاكرة الناسين. اليوم ثمة استعادة لكافة أفلامه الروائية ومعظم القصيرة  يرافقها معرض للصور ينظمه “مهرجان الخريف في باريس” بالتعاون مع مركز بومبيدو.

 ” الغيوم” أول معرض له، هو بذلك يسير على نهج معلمه عباس كياروستامي ليس في الاهتمام بفن التصوير فحسب بل بإقامة المعارض المخصصة أيضا. بالطبع المخرجون، المؤلفون منهم على وجه الخصوص، مهتمون بالصورة، بأسلوب تشكيلها وأهميتها في التعبير السينمائي، لكن من يخرج عن هذا الإطار ليقيم معارض لها هم قلائل. بناهي وجد نفسه مضطرا لعمل شيء، وهو الممنوع من تحقيق الأفلام في إيران. يقول في مقابلة ترافق كتيب المعرض” بما أنه ليس لدي الحق باستعمال الكاميرا لتصوير الناس، فماذا يبقى لي لأفعله؟ لقد فتحت النافذة وقلت لنفسي سأصور السماء مع آلة التصوير! لايوجد أي إنسان في مدى الرؤية، الغيوم فحسب! غيوم سوداء وغيوم بيضاء، متوفرة بغزارة وهو ما يكفي لقص حكاية…”.

لقطة من فيلم "تاكسي طهران"

على الرغم من الحكم الصادر بحقه في إيران بمنعه من السفر والعمل السينمائي لمدة عشرين سنة، وهذا بعد تصويره فيلما دون تصريح عن ” التزوير” في الانتخابات التي أعادت محمود أحمدي نجاد للحكم في 2009، لم يمتنع بناهي،  إذ صوّر منذ ذلك الحين” خفية” ثلاثة أفلام! كل سنتين فيلم، “هذا ليس بفيلم” عام 2011 ثم ” ستارة” الذي شارك في مهرجان برلين وحصد جائزتي الدب الفضي وأفضل سيناريو، وكان فيلمه الأخير” تاكسي طهران” الذي حققه العام الفائت ونال عنه الدب الذهبي في برلين المتعاطفة الأولى مع مأساة المخرج.

في الفيلم الأول بقي حبيس شقته في طهران وصور نفسه وهو يخطط لتصوير فيلم، وفي الثاني خرج إلى بيته المطلّ على بحر قزوين(الخزر) ليصور حادثة صغيرة جرت ضمن جدران المكان المغلق، لكنه في الثالث تجول في طهران منتحلا صفة سائق تاكسي…كل هذا والسلطات ” غافلة”!

جعفر بناهي لم يكن يوما، محبوبا من النظام الإيراني. فغالبا ما منعت أفلامه التي تتمحور حول المجتمع الإيراني من العرض. إنه يهتم بموقع المرأة والحرية الفردية دون أن يغفل القمع، وهي مواضيع غير مرغوب فيها تماما. وما زاد في نفور النظام وبعض الصحافة والجمهور منه، نيله الجوائز الكبرى في المهرجانات الدولية. فيلمه الأول” البالون الأبيض”، الذي كتب له السيناريو عباس كياروستامي، نال الكاميرا الذهبية في كان 95 ، أما ” المرآة” فحصل على الفهد الذهبي في لوكارنو 97 و” خارج اللعبة” على الدب الفضي في برلين وشاركت أفلامه الأخرى “الدائرة” و” دم وذهب” في كافة المهرجانات الشهيرة. يقول عن ذلك في الحوار” في إيران تنظر السلطات وجزء من الصحافة والناس إلى الجوائز كبرهان على عدوانية الغرب تجاه إيران، وبما أنني أُكافأُ في الخارج فيقال أنني أصنع أفلاما ضد إيران”.

لقطة من "هذا ليس فيلما"

فيلمه ” خارج اللعبة” ( 2006) الذي سخر فيه من محاولات السلطات الإيرانية منع النساء من دخول الملاعب سبب له المشاكل بالطبع، وباءت محاولاته بعدها لصنع فيلم بالفشل، فقد منعت عنه التصاريح إنما ليس رسميا.

لكن إعادة انتخاب أحمدي نجاد واعتراض الحركة الخضراء عليها واتهامها السلطات بتزويرها، حفزته لتحقيق فيلم عن الموضوع. استعان بالمخرج محمد رسولوف لمساعدته لكن الشرطة أوقفتهما وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ وبالمنع من صنع الأفلام والسفر والمقابلات الصحفية. لم يقدّر بناهي حينها خطورة ما حدث وانعكاساته الحقيقية على حياته المهنية، وهو يعترف بهذا” لم أدرك فداحة الحكم في البداية ولا ما يعنيه المنع من العمل. ثم شيئا فشيئا غرقت في الكآبة”. لكن تسهيلات التكنولوجيا أخرجته من إحباطه وكانت الكاميرا الرقمية التي سمحت له بالتصوير دون الحصول على تصاريح من السلطات وهكذا بدأ التصوير” بسرية” وأنقذ روحه من هاوية العجز والنسيان.

اليوم يترك له مقعد خال في مهرجان برلين حين يشارك فيلم له صور سرا وخرج سرا من إيران… وتستلم الجوائز عنه عائلته ويبقى هو أسير الإقامة الجبرية في إيران مع عدسته التي لا تفارقه.

 


إعلان