السينما الإيرانية تكتسح جوائز مهرجان الرباط

الجزيرة الوثائقية – الرباط

أحرزت السينما الإيرانية نصيب الأسد من جوائز الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الرباط لسينما المؤلف التي انعقدت من التاسع والعشرين من يناير الماضي وحتى الخامس من فبراير الجاري.

واقتنص فيلمان من إيران أكثر من نصف جوائز مسابقة المهرجان، بعد فوز فيلم “أمتار مكعبة من الحب” بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم الرئيسية وأفضل ممثل وأفضل ممثلة، بينما فاز فيلم “كم الساعة في عالمك الآن؟” للمخرج صفيّ يزدانيان بجائزة أفضل سيناريو.

روميو وجولييت في إيران
 
ويعالج فيلم “أمتار مكعبة من الحب CUBIC METRES OF LOVE” الذي يمثل التجربة الأولى للمخرج جامشيد محمودي والفائز بالجائزة الكبرى التي يطلق عليها اسم جائزة الحسن الثاني الكبرى يعالج قصة عمال مهاجرين من أفغانستان، يتم تشغيلهم في مصنع صغير بضواحي العاصمة الإيرانية طهران، بطريقة غير قانونية.  وضع هؤلاء العاملين البؤساء الذي لا يبعث على الارتياح حيث يقطنون رفقة أسرهم بالقرب من حي صفيحي متواضع، تنبت فيه زهرة أمل، عندما يلتقي صابر الذي يتقاسم مع العمال البؤساء أوضاعهم ومشاعرهم بالدونية والفقر، “مارونا”، ابنة عبد السلام أحد هؤلاء العمال، فينسجان أمتارا مكعبة من الحب، حدودها آفاق السماء لتكون القصة، أشبه بقصة روميو وجولييت، فيها فيض مشاعر وأحلام وذكريات وبقايا ورد أحمر.

سحر الأداء والتشخيص لبطلي هذا الفيلم جعله يظفر أيضا بجائزة أفضل دور نسائي، وحازت عليها الممثلة “حسيبة إبراهيمي”، وجائزة أفضل دور ذكوري، وآلت للممثل سعيد سهيلي.

أما الفيلم الملحمي “جزيرة الذرة”   CORN ILAND للمخرج جورج أوفاشفيلي من جورجيا فقد فاز بجائزة لجنة التحكيم الرسمية فيما آلت جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالنقد للفيلم الليتواني “ليعمّ السلام أحلامنا” للمخرج شاروناس بارتاس.

وقد شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان أربعة عشر فيلما من ست عشرة دولة عربية وأجنبية. كما شهد عرض نحو ستين فيلما آخر تتنوع بين الروائي والوثائقي، واحتفى بالمخرج الإيطالي الكبير باولو بازوليني بعرض عدد من أعماله وإقامة ندوات حول أفلامه.

إطار الليل

أما جائزة أحسن فيلم عربي فقد نالها الفيلم المغربي “إطار الليل” للمخرجة طالا حديد، وهو عمل سينمائي ضخم من إنتاج كل من قطر والمغرب وبريطانيا هذا الفيلم المغربي الذي كان قد حاز على الجائزة الكبرى في المهرجان الوطني المغربي للفيلم للعام 2015، والذي يقام بمدينة طنجة شمالي المغرب. كما نال نفس الفيلم، الذي شخّص أدواره فدوى بوجوان، خالد عبد الله، ماري جوزي كروز، حسين شطري، ماجدولين الإدريسي، زهرة هندي، سمير الحكيم، ونبيل المالح جائزة الجمهور ضمن مهرجان الرباط.

ويتميز الفيلم بمسحته الشاعرية والحالمة، ويفيض بالصور والمشاهد الجمالية المؤثرة، والذي قدم للمتلقي بتقنية خاصة، تنبني في العمق تكريم الهويات المختلفة والعادات والطقوس والتقاليد، التي تُميِّز شخوص الفيلم كل على حدة، ما منح للشريط بعده الجمالي والشاعري والإنساني، كمكوِّن حقيقي للفرجة السينمائية والبناء الحكائي والفيلمي، الذي تنهض عليه اللغة السينمائية لدى المخرجة، وشاعرية الصورة التي تُشكِّل مدخلا حقيقيا لمشاهد درامية ووحدات سردية، تتعانق وتداعيات وأحلام الشخصيات في الفيلم.
وقد حاولت طالا حديد وهي من أب عراقي وأم مغربية، أن تجمع في فيلمها اختلاف الهويات والثقافات، وذلك من خلال قيم ومبادئ أبطال الفيلم كـ (عباس هجنة) الجزائري الأرجنتيني الذي يتاجر في تهريب الأطفال والرقيق الأبيض، ثم زكريا البطل الرئيسي عراقي الجذور، مغربي النشأة، وبريطاني المولد، ثم الممثل الإنجليزي من أصل مصري خالد عبد الله.

وتدور أحداث الشريط، حول طفلة يتيمة عثر عليها وحيدة في غابات وسط المغرب، حيث اشتراها عباس الممثل الفرنسي الجزائري الأصل (حسين شوتري) من أجل بيعها لغني فرنسي مقابل 100 ألف يورو، ربما لاستغلالها جنسيا، وهي القضية الأخرى التي فتحتها المخرجة في الفيلم، والمتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال، وما تطرحه هذه الإشكالية من أسئلة لدى الرأي العام الدولي، وكذا لدى المنظمات والجمعيات التي تعنى بحقوق الإنسان. في الفيلم الذي كتبته المخرجة وبرع في تصويره ألكسندر بيروف لمدة 93 دقيقة ترفض الممثلة ماجدولين الإدريسي صديقة عباس، بيع الطفلة بهذه الطريقة، لأنها تدرك المستقبل الغامض الذي ينتظر(عائشة) جراء إمكانية استغلالها جنسيا من قبل الثري الفرنسي،  وتدرك أيضا عواقب ذلك، وخاصة أنها مرّت من نفس التجربة، حيث مسار عائشة الشجاع يكشف عن إرادة قوية في أن تجد لنفسها مخرجا من ورطتها، وهي التي سلبت من جبال الأطلس، حيث ترعرعت هناك، ليتم بيعها كما قلنا وتجد نفسها تحت رحمة المجرم عباس.

لجنة تحكيم النقاد بالمهرجان أثناء تسليم الجوائز

ومع توالي الأحداث في الشريط سيلتقي الثلاثة بزكريا، وهو كاتب مغربي من أصل عراقي، ترك كل شيء وراءه – بما في ذلك المعلمة الفرنسية المقيمة في المغرب (جوديت)، وهي الممثلة (ماري جوزيه كروز) التي كانت تربطه بها علاقة حب – ليذهب بحثا عن أخيه المفقود. يجتمع الأربعة في رحلة طويلة تأخذهم عبر أنحاء المغرب، وإلى إسطنبول، وسهول كردستان وغيرها. ما يجعل الفيلم بالرغم من المواضيع والقضايا المختلفة التي طرحتها المخرجة، في نص سينمائي واحد، ومنها قضية تهريب الأطفال، والاستغلال الجنسي، واختلاف الرؤى والهويات، والثقافات، بين الشخوص، أحد الأشكال السينمائية المجددة، والواعدة، والتي نجحت في استمالة الجمهور إليها، وذلك من خلال بسط جماليات الصورة، التي تعدّ مكونا من مكونات سحر السينما وأناقتها.

احتفاء وثائقي

كما احتفت الدورة الحادية والعشرون للمهرجان الذي حضرته سينما إيطاليا وجمهورية الدومينيكان كضيفي شرف، وبمشاركة 16 دولة عربية وأجنبية، بالسينما الوثائقية، وذلك باختيار عرض عدد من الأفلام العربية والأجنبية المتميزة، والتي شكلت أيقونات إبداعية وجمالية للسينما بشكل عام.

وتفاوتت مواضيع الأفلام الوثائقية التي تمت استضافتها بالمناسبة وبلغ عددها أحد عشرة فيلما، ضمن فقرة خاصة، بين معالجتها للقضايا الإنسانية والمجتمعية والاجتماعية، ولقضايا الحرية والحياة، وبين قضايا أخرى ثقافية وفكرية، وتهم شخصيات ثقافية تركت بصمتها الأدبية في العالم.

وعالجت وثائقيات المهرجان قضايا إنسانية في قالب أشبه ما يكون بالأسطورة في زمن الحرب، وطلب اللجوء السياسي، فرارا من شبح الحرب، وويلات السياسية والسياسيين، حيث استمتع الجمهور بفيلم “أنا من العروسة” من إنتاج مشترك بين فلسطين وإيطاليا، و أخرجه كل من الفلسطيني خالد سليمان الناصري وغابرييل ديل كرنادي وأنطونيو أوكيكليارو، حيث وظف المخرجون محنة اللاجئين السوريين نحو أوروبا، هربا من ويلات الحرب المدمرّة في سوريا، فجاء الفيلم ممتعا، وقدم صورة قوية في قالب أشبه بالكوميدي عن مأساة اللاجئين، لكن بأمل كبير للوصول إلى الضفة الأخرى. وتمحورت قصة الفيلم حول شاعر فلسطيني وصحفي إيطالي يعيشان في مدينة ميلانو وفي خضم وصول قوافل المهاجرين السوريين والفلسطينيين إلى المدينة يلتقيان في ميلانو بخمسة مهاجرين سوريين وفلسطينيين، كانت قواربهم رست على شواطئ “لامبيدوزا” الإيطالية، بعد هروبهم من الحرب.

يقرر الصديقان مساعدة هؤلاء اللاجئين الخمسة بتهريبهم إلى السويد، فيضعان لذلك خطة جريئة، حيث ستتم الرحلة على أنها زفة عرس تجول أوروبا ليتجنبّا بذلك إثارة الشبهات. فيتصلّان بصديقة فلسطينية ستأخذ دور”العروسة” مُتنكرّة بثوب الفرح الأبيض، وسيسارع أصدقاء إيطاليون كثر، للانضمام إلى حفل العرس على أنهم المدعوون. وهكذا ستعبر القافلة حوالي الثلاثة آلاف كيلومتر ضمن قارة أوروبا خلال أربعة أيام.

وحظي الفيلم المغربي “الريف 1958/ 59″،  للمخرج طارق الإدريسي، باهتمام الجمهور من حيث طرحه لتيمات وجدانية وإنسانية، بحثا عن مساحات أرحب للانعتاق من ذكريات مؤلمة، وصراع مرير بين الذات والآخر، والبحث عن أفق حياة بديلة، بعيدا عن مواجع الألم والجراح.

ويكشف طارق الإدريسي القناع في فيلمه عن وضع استثنائي كان يعيشه سكان أهالي مناطق الريف شمالي المغرب، وذلك عقب انتفاضتهم، وتكسيرهم لحاجز الصمت من أجل لفت المسؤولين حول أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة خلال تلك الفترة، وما واجهوه من قمع وتكميم أفواه. وقد وُفِّق المخرج طيلة 75 دقيقة في تقديم رزمة من المعلومات، بناء على شهادات ناشطين حقوقيين وأكاديميين عايشوا ما وقع أو كانوا قريبين من تلك الأحداث.

رسائل من اليرموك

أما فيلم “رسائل من اليرموك” لمخرجه الفلسطيني رشيد مشهراوي، والذي يلامس قضية إنسانية وكونية ما تزال تشكل إحدى التيمات المهمة في الإبداع السينمائي، وبخاصة أنها تنبني على ثقافة الصورة، التي تبرز ما يقع في الزمان والمكان، بشكل مباشر، ويتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وما يرتبط بها من هموم ومشاكل ومعاناة.
وقد وظف المخرج تلك الرسائل لتقديم الصورة الحقيقية والقاتمة التي التقطت في مخيم اليرموك، وهي رسائل مخيم التقطت في لحظات بالغة التعقيد، رسائل انحازت للحياة في مواجهة الموت، هي لحظات حب في زمن الحرب والألم، وانشغالات اللاجئين بسؤال الوطن والمنفى. هي حكاية وسط حكايات مازالت تروَى من خلال صور ثابتة وأخرى متحركة مرة محكية ومرة مرئية، مرسومة بالأمل في حياة أفضل. رسائل يكتبها شريط سينمائي بلغة وثائقية تشبه الحياة، إنها صور شاعرية لألم عميق يستشعره الإنسان، بحثا عن أفق حياة، وبصيص أمل للانطلاق نحو المستقبل.

وفي إبداع مشترك برازيلي فرنسي بين المخرجين جوليان ريبيرو صاكادو، وويم ونديرس، تم تقديم فيلم رائع بعنوان “ملح الأرض”، وهو فيلم يُكرِّم الأرض الأم، بما حبلت به من قضايا وأحداث ومشاهد رومانسية وطبيعية، فضلا عن صور تؤرخ لبؤر الصراع وقيم الخير والشر، والجمال. في الفيلم وعلى مدى أربعين سنة، يجوب المصور سيباستياو سالغادو مختلف القارات على خطى حياة الإنسان التي لا تتوقف عن التغير. شاهدا على أهم الأحداث التي ميزّت تاريخنا المعاصر: حروب دولية، مجاعة، هجرة… يكتشف الأراضي البكر بمناظرها الطبيعية الخلابة، ويلتقي الحيوانات والنباتات البرية في مشروع فيلم ضخم، هو بمثابة احتفاء بروعة كوكب الأرض.

ومن إخراج آيات نجفي من إيران تم تقديم فيلم “أنشودة أرضنا”، عن وضع الإيرانيات بعد الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، والتي لم يسمح من وقتها للنساء بالغناء في الأماكن العامة أو أمام الجمهور والرجال. وفي تحدِّ للرقابة والممنوع، وأمام هذا الوضع تعتزم سارة نجفي، وهي موسيقية إيرانية شابة، تنظيم حفل رسمي لنساء مغنيات منفردات، ومساءلة التابوهات التي أصبحت بمثابة الأعراف والقوانين، من أجل دعم حركتهن، تدعو سارة وصديقاتها بارفين نمازي وساييه سوديفي ثلاث فنانات فرنسيات هن إيليز كارون، جان شيرهال وإيميل ماتلوتي، للالتحاق بهن ودعم مشروعهن الموسيقي، وإعادة فتح الجسور الثقافية بين فرنسا وإيران، وبالتالي فتح الأمل نحو حرية جديدة للنساء في إيران. إنه فيلم يقاوم القمع الشرس، ويكبح الحرية.

واستوحت المخرجة الفرنسية آنا روسلون نفس الاهتمام بقضايا الشعوب، والأحداث التي جرت مؤخرا في مصر، حيث تحكي في فيلمها “أنا الشعب”، الرغبة في مناقشة الأحداث السياسية في قرية نائية. كما استمتع الجمهور بفيلم يحكي عن أطفال القمر من خلال فيلم “بلانكو” لمخرجه مولفين دوران، من جمهورية الديومنيكان، ويقدم بطريقة مؤثرة للغاية مشاهد من الحياة اليومية، والجانب الإنساني لستة أشخاص، تجمعهم الكثير من القواسم المشتركة بما في ذلك مظهرهم الخارجي. في ظل المعلومات القليلة عن المهق، يعيش هؤلاء حياة طبيعية على الرغم من مشاكل البصر والتغييرات التي لا مفر منها التي تقع على بشرتهم بفعل أشعة الشمس الحارقة.

الطاهر الأديب والفيلسوف

وضمن باقة الأفلام الوثائقية نجد فيلم “مقاومة طبيعية” لمخرجه الايطالي جوناثان نوسيتار، الذي يحكي عن عاشق للسينما في يوم مشمس يلتقي، مع عدد من المزارعين الذين يعملون في صناعة النبيذ، حيث الكاميرا تنتقل بين زوايا تلك الشخوص الذين يجمعهم عشقهم المشترك للسينما والنبيذ معا.
وتقديرا لعطاءات بعض الأسماء اللامعة في المجال الفكري والأكاديمي، اختار المخرج الجزائري محمد الزاوي المشاركة بفيلم “آخر الكلام”، والذي يعكس آخر الصور واللحظات التي التقطها المخرج الجزائري للكاتب الكبير الراحل الطاهر وطار خلال إقامته ببيته في قرية مونفراي بالضاحية الباريسية قبل رحيله بشهرين، مما يحوِّل هذا الفيلم إلى وثيقة بصرية على قدر كبير من الأهمية عن أحد أبرز أعلام الأدب والرواية في الجزائر وفي العالم العربي الذي نجح أن يكون اسما بارزا في عالم الرواية.

ومن فرنسا وسويسرا تم عرض فيلم “جان لوك جودار..لوديزوردر اكسبوز”، من إخراج كل منسيلين كايور واليفر بوهر، حيث يبحث أندري لابارت في الفيلم عن عرض انتهى منذ مدة تزيد عن ست سنوات، بعنوان “سفر في المدينة الفاضلة” من إنجاز جان لوك جودار في مركز بومبيدو سنة 2006. لتبدأ جولة جديدة تماما كما في الأحلام، أفلام، صور من الأرشيف، حوارات مع جان لوك جودار تبرز من جديد، وتقدم قراءة جديدة لعمل المخرج. ونفس المخرجين قدّما بالمناسبة فيلما آخر بعنوان “إدغار موران”، حيث في العاصمة باريس تركز الكاميرا على جدران المدينة ليلا تبث فيها الحياة عروض أفلام روسية وفرنسية وألمانية تعود لسنوات الثلاثينات، كلحن عميق يعود بذكريات الفيلسوف إدغار موران إلى إحساسه الأول كمتفرج، وهو يمشي في شوارع المدينة وقاعات المؤتمرات والمتاحف في فرنسا والخارج، ويقف على الدور البارز الذي لعبته دراساته السينمائية في حياته وتكوينه كمفكر.


إعلان