في رحاب بومباي

ندى الأزهري

بومباي هي السينما. في أرجائها صور النجوم وفي أحاديث سكانها سٍيَرهم. لا تمكن زيارة تلك المدينة الساحرة دون التفكير بالقاء نظرة على استديوهاتها التي أخرجت أفلاما جعلت من السينما الهندية” اسطورة” السينما الشعبية، ودون اثارة أسماء باتت لدى الجمهور الهندي ” أساطير”. بومباي تغصّ بالاستديوهات الصغيرة والكبيرة المتوزعة في أماكن عدة، وحين تسأل خبيرا في السينما الهندية عن الأهم يقترح على الفور” ياش راج”.

– لم؟

– هكذا! إنه استديو مشهور ينتج ويوزع أفلامه وكذلك أفلام الآخرين.

” ياش راج” تأسس في بداية السبعينات، على اسم مؤسسه المخرج ياش شوبرا. منذ ذاك الحين أنتج تسعة وستين فيلما لكبار نجوم سينما بوليوود. كان أول فيلم “داغ أشعار الحب” مع شارميلا طاغور عام 1973 ثم تبعته أفلام لأميتاب باتشان اشهرها ” كابهي كابهي”، ولشاه روخان  الذي بدأ تعاونه معهم عام 1993 بفيلم” دار”  ليأتي بعدهDiwale Dulhania Le Jayenge ، الفيلم الذي حقق نجاحا ساحقا ودام عرضه لمدة اعتبرت الأطول في تاريخ السينما الهندية. لغاية اليوم يعتبر روخان من أكثر النجوم الذين تعاملوا مع هذا الاستديو بحيث وصل عدد المشاريع معه إلى تسعة. بالطبع كان هناك تعاون أيضا مع سلمان خان وفيلمه الأنجح “Ek the Tiger، وعامر خان لاسيما مع Dhoom3 الذي  حصد منذ ثلاثة أعوام اقبالا جماهيريا قياسيا وايرادات ضخمة. تعامل الاستديو كذلك مع أسماء عديدة شهيرة مثل ريشي كابور وراني مخرجي وسيف علي خان و كاترينا كايف وأنوشكا شارما…

يقع الاستديو في شمال بومباي، قد تمر بجانبه ولا يلفت نظرك، يبدو من الخارج كمنزل عادي مع حديقة لولا لافتة صغيرة. “ياش راج” يستخدم أيضا للتصوير التلفزيوني، كانت استعدادات ضخمة على قدم وساق في أحد أقسامه لتحضير برنامج تلفزيوني شهير ستوزع فيه جوائز لأفضل مغني بوليوود. كانت ورشة العمل تهيء المسرح و تركّب الأضواء وتحضّر السجادة الحمراء…وثمة حوالي ألف عامل لانهاء هذا العمل الضخم. لكن التصوير ممنوع!

المشاهير يحبون أجواء هذا الاستديو، كما أخبرني أحد المسؤولين فيه، فهو في منطقة هادئة بعيدة عن مركز المدينة الصاخب كما أن خصوصيتهم مصونة. شاه روخان كان سيحضر في اليوم التالي ليصور الشريط الدعائي لفيلمه الجديد”FAN أو المعجبون، بمشاركة معجبين حقيقيين بالممثل. على الرغم من تحفظ محدثي الشديد في اعطاء أية معلومات تخرج عن الاطار العام، فقد بدا فخورا بتعاملهم مع شاه روخان ومتحمسا عند ذكر هذا الممثل ومكانته الخاصة في الاستديو. كانت صور شاه رو خان المنتشرة في كل مكان تسيطر على ما عداها وهو الوحيد من كل نجوم بوليوود الذي خصصت له غرفة، لا أحد من الفنانين الآخرين يدخل إليها أو يستعملها. ” لحسن الحظ” سمح لي بالدخول لرؤيتها إنما دون تصوير! علقت لوحة بجانب الباب كتب عليها ” شاه روخان”، الغرفة عادية مجهزة بكل وسائل الراحة، كنبة للاسترخاء ومرآة بالطبع مجهزة باضاءات قوية، وما يلزم لتناول القهوة والشاي. سألت مرافقي إن كان هو بالذات معجب ب ” الملك” كما يُسمّى في الهند، اكتفى بالرد مع ابتسامة تفضح هذا الإعجاب، ” إنه شاه روخان من لا يحبه؟!”.

بعد محاولات عديدة لدفعه للكلام أكثر، لم يقل إلا أنه شخصيا يحب روخان لأنه “الملك”  وهو متميز بتمثيله وشخصيته وطاقته وكل شيء…وهو شخص رائع محبوب جدا!.

آراء.. آراء!

كان لابد من زيارة ” مدينة السينما” أيضا، وهي استديو مفتوح في الطبيعة جاهز لأي بناء يطلبه الإنتاج نظرا لمساحته الشاسعة. الاستديو ملكية الدولة وتستأجره شركات إنتاج حين تكون بحاجة للتصوير في الطبيعة، أو لبناء مدينة مثلا وكل ما يخطر على البال من تاج محل إلى قرية صغيرة في أعماق الريف الهندي…

كنت” محظوظة” كما قيل لي، لأن سلمان خان يصور هذه الأيام في ” مدينة السينما” فيلمه الجديد” سلطان” الذي سيعرض في عيد الفطر، كما يفضّل سلمان دائما. ولكن كان علينا الانتظار لبعد الظهر إذا أردنا أن نحظى برؤيته خلال التصوير. من تسنح له هذه الفرصة ولا يغتنمها؟!

السائق الذي يرافقني بدا متحمسا أكثر مني وشجعني على الانتظار، كان يكفيه ربما أن يشاهد من شاهد سلمان خان وجها لوجه! ففي الهند النجوم معبودون كالالهة ويكفي مرور سريع أمام بيوت بعضهم في بومباي للتأكد. لقد صورت عدة افلام هندية وثائقية تحكي عن الناس الذين يتجمعون حول بيوت مشاهير بوليوود في بومباي ليروهم أو يطلبوا شيئا منهم أو فقط ليتصوروا هناك. بعضهم يأتي من بعيد ويبقى جالسا لايام ينتظر أن يطلّ نجمه الساطع.

بيت أميتاب باتشان يتجمع حوله الناس يوم الأحد. أما أمام بيت سلمان خان فكانت عربات” الريكشو” تتوقف لينزل منها رجال من كل الأعمار يقفون أمامه يتصورون يتسامرون ثم يغادرون. يحبون مغامراته و بطولاته ” السينمائية”، أحدهم عبر عن إعجابة بالممثل ولكن ليس الشخص! فقط لأن أحدهم أخبره أنه سيء! هل  هذا بسبب ما حدث من أشهر حين صدم النجم وهو مخمور بسيارته متشردا ولم يتوقف لانجاده؟ ربما. لكن المعجب لم يبدُ متأثرا حقا بالسمعة ” السيئة” لسلمان فهو يشاهد كل أفلامه ويتوق لرؤيته شخصيا.

كان السائق لا يكف عن ترداد أن هناك فقط نجما واحدا هو شاه روخان فهو” السوبر ستار” و” الأسطورة”! بالفعل، كان منزل شاه روخان المطل على البحر قضية أخرى! الناس صغارا وكبارا رجالا ونساء كانوا يتوافدون وينزلون جماعات لالتقاط الصور أمامه، بعضهم متمركز مقابل البيت فالأجواء كانت هادئة ومنظر البحر بديع وكل شيء يغري بالبقاء. كانوا أكثر عددا بما لايقارن.

لكن “اتفاق الآراء لا يوجد إلا في المقابر” على حد تعبير زعيم سياسي. وهكذا بعد شريط المدائح بالملك من عديدين، التقيت بصاحب متجر أخبرني بأنه لا يحب شاه روخان وبالتحديد أسلوبه مع معجبيه. وسرد لي قصة هذا الفتى الذي وصل بومباي فقيرا من دلهي ثم اغتنى فلم ” يتحمل” هذا التحول. وقال إنه لا يُقارن بسلمان خان” فذاك إنسان عن حق” لم يفسده عزّ أسرته التي تعمل بالسينما أيضا فوالده كاتب سيناريو معروف. وأن على الممثل أن يكون إنسانا وأن تكون شخصيته محبوبة قبل أن يكون تمثيله محبوبا “سلمان غني وهو يوزع الفلوس على الناس ويساعدهم. إنه إنسان رائع  وأفلامه رائعة ويتجول دون حراسة وليس مثل شاه روخان الذي يحتاج لمن يفتح له باب السيارة!”.

“السلطان” سلمان خان

حان موعد الذهاب لمدينة السينما.. كان سلمان خان يؤدي دوره هناك في فيلمه الجديد” سلطان”، ولصعوبة التصوير في قرية حقيقية بنيت قرية من البنجاب كما هي. قرية كاملة ستهدم بعد انتهاء التصوير، كما أخبرني المنتج المنفذ! كان سلمان خان في حوار مع والدته في الفيلم، وقد أعيد المشهد ما يزيد عن خمس مرات، كان الملقن يساعد النجم عندما تفوته إحدى الكلمات، وكان جمع غفير من العاملين في الفيلم يتابعون تصوير المشهد. التصوير ممنوع أيضا لا للقرية ولا لسلمان خان لأنه يرتدي ملابس خاصة بالفيلم وممنوع تسريب أي صورة قبل الإعلان عن عرض الفيلم. لم تكن تلك الملابس سوى تي شيرت خمري اللون وبنطلون جينز وحذاء رياضي!

عند بدء التصوير كان ثمة مناد بمكبرات الصوت يطالب بالصمت في كل أنحاء القرية، متاجرها ومسجدها ونزل المسافرين وصالون الحلاقة والممثلين الكومبارس من كبار وصغار، وحتى الكلاب الشاردة فيها، لكن تلك كانت صامتة مستغرقة في النوم في الفيء! سمح لنا بتصوير بعض الأقسام التي لم ينته بها البناء بعد.

 استغرق بناء القرية شهرين واستخدم ستمائة عامل وسيستغرق التصوير 110 أيام و70 بالمائة سيكون في هذا الاستديو المفتوح. كتبت القصة خصيصا لسلمان خان كما يحدث في الكثير من أفلام النجوم هنا. سألت المنتج المنفذ عن رأيه بشاه روخان وسلمان خان فقال إن الأول بطل الأدوار العاطفية والثاني الرياضية و تلك التي تتطلب قوة.

آه، نسيت السؤال عن اسم المخرج!

لكن هل هذا ضروري مع فيلم بطله سلمان خان؟!


إعلان